المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين اصلاح الافراد وايجاد الوعي العام على الاسلام



طلحة
08-12-2011, 05:31 PM
فلسفة الاخوان في التغيير هي بالتدرج واصلاح الفرد لاصلاح المجتمع ومن ثم اقامة الدولة الاسلامية , وفلسفة الحزب في التغيير هي ايجاد رأي عام على افكار الاسلام منبثق عن وعي عام للوصول الى الدولة الاسلامية ......... واني لا ارى فرقا كبيرا في فلسفة كل منهما :::::: فايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي على افكار الاسلام هو هو اصلاح الافراد وتحميلهم لافكار الاسلام .
اذا كان فهمي هذا خاطئا فارجو من الاخوة التوضيح اذا كانت الفلسفتان تختلفان ؟؟؟؟؟؟؟

ابوعبدالرحمن حمزة
10-12-2011, 12:20 PM
الاخ الكريم
اولا : واقع الفرد غير واقع المجتمع .
فالحقيقة أن وسائل إصلاح الجماعة غير وسائل إصلاح الفرد ولو كان جزءا من الجماعة ، لأن فساد الجماعة آت من فساد مشاعرها الجماعية ومن فساد أجوائها الفكرية والروحية ، وآت أيضا من وجود المفاهيم المغلوطة عند الجماعة . وبعبارة أخرى آت من فساد العرف العام . وإصلاحها لا يأتي إلا بإيجاد العرف العـام الصالح . وبتعبير آخر لا يأتي إلا من إصلاح مشاعر الجماعة ، وإيجاد الأجواء الروحية الصحيحة ، والأجواء الفكرية التي تتصل بالناحية الروحية ، وتطبيق النظام من قبل الدولة . ولا يتأتى ذلك إلا بإيجاد الأجواء الإسلامية ، ولا بد من تصحيح المفاهيم للأشياء عند الناس كافة . وبهذا تصلح الجماعة ، ويصلح الفرد .
يوضحه ان المجتمع هو االعلاقات الدائمية بين الناس والتي تحدد نتيجة الافكار والمشاعر والانظمة لأن فرداً وفرداً وفرداً يكوّنون جماعة فقط ولا يكوّنون مجتمعاً. فإذا نشأت بينهم علاقات دائمية صاروا مجتمعاً، وإذا لم توجد بينهم علاقات دائمية لا يشكلون مجتمعاً، بدليل أن ركاب أكبر باخرة ولو كان عددهم بالآلاف لا يشكلون مجتمعاً، إذ ما هم إلاّ رفاق طريق يذهب كل منهم إلى الميناء التي يقصدها. ولكن سكان قرية من مئتي نسمة مثلاً يشكلون مجتمعاً لأن بينهم علاقات دائمية.لأن مجموعة الأفراد إذا لم تنشأ بينهم علاقات دائمية لا يمكن أن يكونوا مجتمعاً ولا بوجه من الوجوه.ولأجل أن يدرَك تعريف المجتمع إدراكاً حقيقياً لا بد من التعمق في دراسته، فالعلاقات إنّما تنشأ بين الأفراد بناء على مصالحهم. فالمصالح التي للأفراد هي التي أنشأت العلاقات. وهذه المصالح لا بد أن تتحد أفكار الأفراد عليها بأنها مصلحة أو ليست مصلحة حتى تنشأ العلاقة، ولا بد أن يتحد رضاهم وغضبهم وسرورهم وحزنهم بالنسبة لها، أي لا بد أن تتحد مشاعرهم حتى توجد العلاقة، ولا بد أن يتحد النظام الذي يعالِجون به هذه المصلحة حتى توجد العلاقة، فإذا اختلفت الأفكار على المصلحة: أحدهم يعتبرها مصلحة والآخر لا يعتبرها مصلحة، أو اختلفت المشاعر: هذا يفرح بها وذاك يسخط لها، أو اختلفت الأنظمة: هذا يريد أن يعالجها بنظام معين وذاك يريد أن يعالجها بنظام آخر، إذا اختلف أي واحد من الأفكار والمشاعر والأنظمة بين الأفراد على المصلحة فإنه لا توجد بينهم علاقة أي لا يوجد مجتمع. ولذلك فواقع المجتمع هو مجموع من الناس والأفكار والمشاعر والأنظمة، أي اتحاد الأفكار والمشاعر والأنظمة في أفراد الناس عن المصلحة يكوّن علاقات فيكون المجتمع.
وهذا الواقع غير واقع الفرد واصلاح الفرد فلا علاقة له بصلاح المجتمع بدليل ان المسلم الصالح كفرد ممكن ان يعيش في هذه المجتمعات الفاسدة ، وبدليل ان الذمي او الفاسق من المسلمين ( وهو غير صالح في نفسه ) ممكن ان يعيش في المجتمع الاسلامي الصالح .
ثانيا : واقع الاصلاح غير واقع التغير .
فعندما نقول نريد تغير المجتمع فان ذلك يعني تغيير المجتمع الحالي باعتباره مجتمعاً غير إسلامي، وإزالة الأفكار والأحكام الحاضرة باعتبارها أفكار كفر وأحكام كفر لإقامة المجتمع الإسلامي وإيجاد أفكار الإسلام وأحكامه في العلاقات القائمة بين الناس. أي أن الغاية هي جعل وجهة النظر الإسلامية في الحياة هي السائدة، وجعل طريقة الإسلام في الحياة هي طريقة الناس في العيش سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولن يتأتى إلاّ بجعل العقيدة الإسلامية وحدها الأساس للحياة وجعل الحلال والحرام المقياس الوحيد للأعمال.
اما عندما نقول اننا نريد ان نصلح المجتمع فان ذلك يعني ان المجتمع قائم على اساس صحيح ولكن هناك اخطأ وانحرافات وظلم تماما كواقع الدولة الاسلامية عندما كانت موجوده وبها اخطاء تحتاج لاصلاح .
ثالثا : وواقع ايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام غير واقع اصلاح الافراد .
فواقع اصلاح الفرد يكون بايجاد العقيدة لديه وملاحظة انضباطه بالاحكام التي تعالجه كفرد في عباداته ومطعوماته وملبوساته واخلاقه ، فبوجد بذلك الفرد الصالح .
اما واقع ايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام فيكون بالتحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ.

طلحة
10-12-2011, 03:16 PM
اما عندما نقول اننا نريد ان نصلح المجتمع فان ذلك يعني ان المجتمع قائم على اساس صحيح ولكن هناك اخطأ وانحرافات وظلم تماما كواقع الدولة الاسلامية عندما كانت موجوده وبها اخطاء تحتاج لاصلاح .
ثالثا : وواقع ايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام غير واقع اصلاح الافراد .
فواقع اصلاح الفرد يكون بايجاد العقيدة لديه وملاحظة انضباطه بالاحكام التي تعالجه كفرد في عباداته ومطعوماته وملبوساته واخلاقه ، فبوجد بذلك الفرد الصالح .
اما واقع ايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام فيكون بالتحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ.
بارك الله فيك اخي عبد الرحمن
هل من الممكن المزيد من التوضيح على هذه النقطة بالذات ؟؟؟

أبو أيمن
10-12-2011, 07:05 PM
السلام عليكم
الأخ أبو عبد الرحمن بارك الله فيك على هذه الدقة في الإجابة وأسأل الله أن ينور بصيرتك ويفتح عليك فتوح العارفين لما فيه خدمة الاسلام والمسلمين قلت بالتحديد مانصه :
[ فواقع اصلاح الفرد يكون بايجاد العقيدة لديه وملاحظة انضباطه بالاحكام التي تعالجه كفرد في عباداته ومطعوماته وملبوساته واخلاقه ، فبوجد بذلك الفرد الصالح .
اما واقع ايجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام فيكون بالتحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ. ]
أشارك أخي طلحة بخصوص طلبه شرحا مفصلا لما جاء بالفقرة وأضيف عليه مسألة أخرى وهي أليس يفهم مما تفضلت به أن إصلاح الفرد بواقعه الذي انت شرحته مقدم على (اقصد يسبق) مسالة إيجاد الرأي العام لأن إيجاد الرأي العام يحتاج الى كتلة وهذه الكتلة تحتاج الى كوادر مؤهلين للقيام بهذه الأعباء من حمل الدعوة ولايمكن للكتلة القيام بهذه الأعباء دون وجود افراد صالحين يتم اصلاحهم في حلقات الدرس كي يكونوا فيما بعد طليع الحزب لايجاد الرأي العام .
هذا ما عندي وارجو تصويبي ان كنت على خطأ وبارك الله فيكم جميع

ابوعبدالرحمن حمزة
12-12-2011, 03:12 PM
اولا :منذ أواسط القرن الثاني عشر الهجري -الثامن عشر الميلادي- والعالم الإسلامي ينحدر عن المستوى اللائق به انحدارا سريعا ، ويهبط إلى هوة الانحطاط هبوطا فظيعا .
أما سبب انحطاطه فيرجع إلى شيء واحد ، هو الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام . وسبب هذا الضعف هو فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية حين أهمل أمر اللغة العربية في فهم الإسلام وأدائه منذ أوائل القرن السابع الهجري .
هذا حال المسلمين منذ اواخر العصر العباسي الثاني تقريبا حتى قبيل سقوط الدولة الاسلامية كان يقتضي اصلاح المجتمع الاسلامي ، فهو مجتمع اسلامي فأفكار الإسلام وأحكامه قائمة في العلاقات بين الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين ، ولكن حصل فيها اخطاء وانحدار واصبحت بحاجة للاصلاح.
اما بعد سقوط الدولة فقد اصبح المجتمع مجتمعا غير اسلامي يطبق فيه انظمة الكفر على المسلمين ووجدت افكار ومشاعر غير اسلامية في الجماعة اي ان العلاقات سائرة في المجتمع على افكار وانظمة كفر ليست من الإسلام فهنا لابد من التغير لا الاصلاح ، فلا بد من إزالة الأفكار والأحكام الحاضرة باعتبارها أفكار كفر وأحكام كفر لإقامة المجتمع الإسلامي وإيجاد أفكار الإسلام وأحكامه في العلاقات القائمة بين الناس. أي أن الغاية هي جعل وجهة النظر الإسلامية في الحياة هي السائدة، وجعل طريقة الإسلام في الحياة هي طريقة الناس في العيش سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ثانيا : إن الله خلق الإنسان وخلق له هذه الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز و أعطاه الاختيار بأن يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام بالفعل أو الترك.
هذا واقع الانسان وهذا الانسان له علاقة مع خالقة ومع نفسه ومع غيره من بني الانسان ، فعلاقته مع خالقه ومع نفسه يستطيع ان يعالجها ويسير بها كما يشاء كفرد فما يؤمن به من عقائد وما يقوم به من العبادات(علاقته مع خاالقه ) وكذلك مطعوماته وملبوساته واخلاقه( علاقته بنفسه ) هي امور يسيرها_ بشكل عام_ بسلطانه الفردي بحسب النظام الذي يراه ولا سلطان لاحد عليه فيها، هذا واقع الفرد .
اما علاقة الانسان مع غيره فانها ليست متعلقة به كفرد وانما متعلقة به بوصفه جزء من جماعة بينها علاقات دائمية اي بوصفه يعيش في مجتمع معين فالذي يحدد سيره فيها هي الافكار والمشاعر والانظمة في الجماعة لا الافراد ، فرعايا الدولة الاسلامية مثلا من غير المسلمين وفساق المسلمين يعيشون في المجتمع الاسلامي ان يسيرون علاقاتهم في المجتمع بحسب الاسلام مع كونهم ليسوا مسلمين او فساق كأفرد.
اما بالنسبة لعمل الافراد الان في حمل الدعوة فمن حيث حمل الافكار وادائها فلا يشترط اكثر من فهم الفكرة التي يراد حملها ، اما بالنسبة للعمل مع الحزب فان الحزب يقبل ايا كان في حلقاته _ اي يقبل أن يثقف التثقيف المركز الذي يبني الفرد القادر على حمل وتحمل اعباء الدعوة _ ولكن بعد فترة حددها الحزب بان يدرس طريق الايمان والقيادة الفكرية فانه لا يبقي احد يدرس بعد ذلك اذا لم يتقيد بالاسلام في سلوكه ، ولا يضم شخصا في عضويته الا اذا انضبط بالاحكام الشرعية كفرد ، وبدأ يحمل الدعوة للافكار التي تبنها الحزب بان يتبنى هذه الافكار ويدعو لها ، وهذا من شأنه اذا انضبطنا به ان يبقى جسم الحزب اي شبابه في مستوى حمل الدعوة اي عندهم القدرة على القيام بالمسؤوليات .
وعليه فليس الموضوع هو اصلاح الفرد قيل العمل وانما الموضوع هو ان من اعمال الحزب التثقيف المركز في الحلقات الذي من نتيجته ان يوجد الشخصيات القدرة على حمل الدعوة ،كما من اعماله التثقيف الجماعي وتبنى المصالح كشف الخطط فهذه الاعمال مجتمعة هي التي من خلالها تتحقق الغاية التي نسعى اليها .
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
12-12-2011, 03:14 PM
ثالثا : بالنسبة لموضوع الرأي العام المنبثق عن الوعي العام فهذه نشرة تشرح الموضوع
(جواب سؤال
السؤال:
لقد جاء في الكتاب المتعلق بإلغاء الحلقة الأسبوعية العامة وإلغاء الالتزام بالتفرغ ليلة في الأسبوع لأن الجهود يجب أن تنصبّ على الغاية من الاتصال الحي، وفُسر ذلك بأن الجهود يجب أن تنصبّ على تكثير الأشخاص وإيجاد الرأي العام. أما تكثير الأشخاص فقد عرفناه بأنه كسب أشخاص للدعوة إما للحلقات أو لتأييد الدعوة والوقوف بجانبها، ولكنا لم نعرف كيفية إيجاد الرأي العام، فهل إعطاء الرأي للأشخاص يوجِد الرأي العام أم أنه لا بد أن يعطى الرأي للجماعة بوصفها جماعة حتى يوجد الرأي العام؟

الجواب:
يلاحظ أن الحكومات تخاف الرأي العام وتحسب حسابه وأنها تقدّر الرأي العام وتعرف قيمته وتدرك أثره، ولذلك نجدها دائمة المراقبة له. وفي أيام الحروب والاضطرابات تكون مراقبتها أكثر وتُسرع على الفور إلى مقاومة كل رأي عام ضدها. وفي أيام السلم تكون مراقبتها أخف ولكنها إذا أحست بأن هناك أفكاراً تُبث فيها خطر عليها إذا صارت رأياً عاماً فإنها تبادر على الفور إلى مقاومتها ومنعها من أن تصبح رأياً عاماً ضدها، وكذلك إذا لاحظت بأن هناك آراء وأخباراً توجِد رأياً عاماً ضدها فإنها أيضاً تبادر إلى مقاومتها ومنعها. ففي الحرب العالمية الثانية كنا نشاهد الحكومات المتحاربة تراقب الرأي العام أشد المراقبة وتمنع انتشار الأخبار والآراء والأفكار التي فيها خطر عليها إذا صارت رأياً عاماً، وبعد الحرب العالمية الثانية حين صار التوافق بين أمريكا وروسيا على بث أفكار التحرر والاستقلال والتقدم في البلاد المستعمَرة وقَصدت روسيا تصفية الاستعمار وقَصدت أمريكا تغيير طريقة الاستعمار لتحل هي محل الدول الاستعمارية الأخرى، ولمقاومة ذلك أخذت الدول الاستعمارية الأخرى هذه مقاومة هذه الأفكار إما عن طريق منعها ومقاومتها، وإما عن طريق محاولة تثبيتها وإعطائها مفهوماً خاطئاً وواقعاً متناقضاً لحقيقتها.
وحين ظهر حزب التحرير في المنطقة يحمل فكرة الدولة الإسلامية أجمعت الحكومات كلها على مقاومته ومنع آرائه من أن تصير رأياً عاماً، وحين بُعث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لم تأبه به قريش في أول الأمر، ولكن حين أحست بخطر أن تصبح رسالته رأياً عاماً وأن يعتنقها كثيرون، بادرت إلى مقاومتها ومنعها من أن تصبح رأياً عاماً. وهكذا فإن كل حكومة تقاوم كل فكر أو رأي أو خبر يمكن أن يصير رأياً عاماً ضدها. فما هي الكيفية التي تسلكها هذه الحكومات كلها في مقاومة الرأي العام؟
والجواب على ذلك هو أنه يلاحظ أن الحكومات تسلط عملها في مقاومة الأفكار والآراء من أن تصبح رأياً عاماً على منعها التحدث بها في الأمكنة العامة سواء كان حديثاً مباشراً كالخطابة والحديث العادي أو كان حديثاً غير مباشر كالكتابة في الصحف والمجلات والنشرات والكتب. فعملها كله مسلط على منع الحديث في الأمكنة العامة. وأما الحديث في غير الأمكنة العامة فإنها لا تجعله غايتها ولا تهتم به. صحيح أنها قد تقوم بمنع الحديث في الأمكنة الخاصة ولكن ذلك نادر جداً إلاّ من الحكومات التي تدرك معنى الحكم ويكون حوادث فردية معدودة لا تشكل طريقة من طرق المقاومة ولا أسلوباً من أساليبها ولا وضعاً من أوضاعها، فلا تعتبر عملاً من أعمال الحكومات في مقاومة الأفكار حتى لا تصير رأياً عاماً. وبالنسبة للحزب فإن الحكومات تسلط عملها على منع الحزب من التحدث في الأمكنة العامة، فتمنع المنشورات والصحف والكتب والخطابة والحديث العام في الشارع والمسجد والمقهى وغير ذلك. وأما منع الحكومات للحلقات أو الأحاديث في الأمكنة الخاصة فإنه لم يكن موضع اهتمام لديها، وما حصل من حوادث فردية في بعض البلدان فإنما هي حوادث نادرة وليست مبنية على ترتيبات وتعليمات من الحكومة، فلا تعتبر من أعمال مقاومة الحكومة للأفكار حتى لا تصير رأياً عاماً. والواقع أن الأعمال في الأمكنة الخاصة كالحلقات وأحاديث البيوت لم يجر منعها. ولو أرادت الحكومات أن تمنع الحلقات كما منعت الخطابة والأحاديث العامة لاستطاعت ذلك أو على الأقل لاستطاعت أن تمنعها إلى الحد الذي حدث بالنسبة للمنشورات. فعدم عنايتها بمنع الأفكار والآراء والأخبار في الأمكنة الخاصة معناه أن الحكومات طريقتها في مقاومة الأفكار من أن تصبح رأياً عاماً هي أن تمنع التحدث بالأفكار والآراء والأخبار في الأمكنة العامة.
وهذا أيضاً يشاهَد في السيرة النبوية، فإن قريشاً كانت حريصة على منع الرسول عليه السلام من التحدث في الأمكنة العامة، فكانوا أولاً يأتون بمن يجلس ليحدّث الناس ضد حديثه ثم أخذوا ينالونه بالأذى ليمنعوه من أن يحدّث الناس في الأمكنة العامة، وكانوا يمنعون أبا بكر من أن يصلي في مسجده الذي بناه في باب بيته ويطلبون إليه أن يصلي في بيته. ومن هذا كله يتبين أن طريقة منع الأفكار التي سلكها الحكام في كل زمان ومكان هي منع التحدث في الأمكنة العامة، وهذا يدل على أن التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة هو الذي يؤثر ويوجِد الرأي العام. وعليه فإن الرأي العام إنما يتكون من التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة. وبناء على هذا فإن كيفية إيجاد الرأي العام هو التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة. غير أن الأمكنة العامة قد يكون فيها الحديث مع شخص أو أشخاص حديثاً خاصاً كأن يتحدث إلى أشخاص في مقهى على طاولة منفردة، وهذا وضع ليس من شأنه أن يسمح لمن في المقهى أن يأتوا إلى الطاولة أو يسمعوا الحديث أو أن يتحدث إلى مريض في مستشفى حديثاً خاصاً، ولهذا فإن مثل هذا الحديث إلى الناس ليس مما يتكون به الرأي العام، فلا بد أن يكون التحدث جهراً بحيث يتأتى سماع الحديث لكل من يريد سماعه. وأيضاً فقد يتحدث في الطريق أو المسجد أو في المقهى حديثاً لمن يريد سماعه أن يسمعه ولكنه يعطي أفكاراً عامة ويحاول إخفاء ما يريد، فهذا ليس مما يتكون به رأي عام لأنه قد لا يدركه من يسمعه لو أراد سماعه، فلا يتأتى أن ينقله إلى غيره، ولذلك لا بد أن يكون الحديث صريحاً واضحاً. وأيضاً قد يتحدث حديثاً صريحاً واضحاً ولكنه حين يشاهد عيناً من عيون الحكومة يسكت أو حين يصل إلى بحث يعرف أن السامع لا يوافق عليه يتحفظ في الحديث، فهذا لا يشكل رأياً عاماً، بل لا بد أن يكون الحديث ليس فيه تحفظ حتى تعطى الفكرة كاملة كما هي فتُنقل مجملة أو مفصلة كما هي، ولذلك لا يصح أن يكون هناك أي تحفظ في الحديث، وعلى ذلك فإن كيفية إيجاد الرأي العام هي التحدث جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ. إلاّ أن هذا التحدث على هذا الوجه يشمل أمرين:
أحدهما الحديث غير المباشر كالصحف والمنشورات والكتب، والثاني الحديث المباشر كالخطابة والحديث العادي. والحديث غير المباشر يوجِد رأياً عاماً ولكنه لا يوجِد وعياً عاماً ولا تبنى به قاعدة شعبية. والرأي العام الذي نريد إيجاده إنما نريده أن يكون منبعثاً عن وعي عام ونريد أن نبني به قاعدة شعبية، وهذا لا يتأتى إلا بالاتصال الحي، فلا يتأتى إلاّ بالحديث المباشر أي بالتحدث الشخصي. وعلى ذلك فإن كيفية إيجاد الرأي العام المطلوب إيجاده في الكتاب المذكور هي: التحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً ليس فيه تحفظ. وهذا هو الذي يسمى الاتصال الجماهيري. فتكون كيفية إيجاد الرأي العام المطلوب هي القيام بالاتصال الجماهيري.
تابع

ابوعبدالرحمن حمزة
12-12-2011, 03:14 PM
إلاّ أنه ينبغي أن يُعلم أن مدلول الاتصال الجماهيري هذا لا علاقة له بما يتردد في هذه الأيام من ألفاظ الجماهير وقيادة الجماهير وعفوية الجماهير وما شاكل ذلك، وإنما هو واقع معين قد وُضع للدلالة عليه تعبيراً الاتصال الجماهيري. وأما ما يتردد في هذه الأيام فهو ألفاظ منقولة عما كتبه الغربيون عن الجماعات وإقامتها وتكوّنها في كتب "علم النفس والاجتماع" وهذه الألفاظ التي تتردد في هذه الأيام خطأ من ناحيتين، إحداهما أن علماء النفس والاجتماع حين كتبوا هذه المواضيع قد كتبوها بناء على كونها وقائع جزئية حدثت فقاسوا عليها جميع الوقائع قياساً شمولياً فكانت خطأ، فهي من قسم القياس الشمولي، وأيضاً فإن بعضها قد كُتبت بناء على استنتاجات منطقية لا على إحساس بواقع، والاستنتاج المنطقي فيه قابلية الخطأ، فهي عبارة عن نظريات فقط استُنتجت استنتاجاً منطقياً فاتخذها قواعد، وبناء أعمال عليها خطأ ولا شك، ولذلك لا يصح أخذها. والناحية الثانية أن هؤلاء الذين يرددونها يحاولون تطبيقها على وقائع غير الوقائع التي جُعلت نظريات لها، فيرتكبون خطأ التطبيق على فرض صحة النظريات، ولذلك يتناقضون فيقولون تارة الجماهير السطحية ويقولون تارة الجماهير قد أصبحت واعية، والوعي يتنافى مع السطحية. ولهذا لا يصح الالتفات إلى ما يقال عن الجماهير وعن موضوع الجماهير من قِبل المتأثرين بالثقافة الغربية، وإنما يُنظر إلى الواقع، والواقع أن الجمهور معناه الجماعة المتجمعة آنياً، والجماهير معناها الجماعات المتجمعة تجمعاً آنياً. والأمكنة العامة عادة تكون فيها الجماعات المتعددة ونادراً ما يكون في الأمكنة الخاصة جماعات متعددة وإن كان قد توجد فيها جماعة ولكن لا تصل إلى أن يطلق عليها جمهور، والمقصود هنا ليس التحدث إلى الجماعة، أي جماعة، وإنما التحدث إلى الجماعات المتعددة المتجمعة تجمعاً آنياً. وعليه فإن الصواب هو أن يقال عن التحدث إلى الناس في الأمكنة العامة الاتصال الجماهيري. ولهذا صح أن يقال إن كيفية إيجاد الرأي العام إنما هو القيام بالاتصال الجماهيري. وهنا ينبغي أن يُلفت النظر إلى أمرين:
أحدهما أن الاتصال الجماهيري ليس التحدث إلى الجماعة أو الجماعات وإنما التحدث إلى الناس في المكان الذي من شأنه أن توجد فيه الجماعات، أي الجماهير، سواء أكان الحديث لشخص واحد أو لجماعة أو لجماعات، أي التحدث في الأمكنة العامة، وعلى ذلك فالتحدث لجماعة في مكان خاص كأن يتحدث إلى جماعة في بيت خاص، لا يعتبر جماهيرياً وليس هو مما يتكون به الرأي العام، ولكن التحدث إلى شخص واحد في دكان مطروق أو في الطريق العام يعتبر اتصالاً جماهيرياً، وهو مما يتكون به الرأي العام. فالعبرة بمكان الحديث ووضعيته لا بالجماعة أو الفرد. ولذلك تجد الحكومات حين تريد منع إيجاد رأي عام إنما تمنع من الكلام في الأمكنة العامة ولو مع شخص واحد ولا تمنع الكلام في الأمكنة الخاصة ولو إلى جماعة، وما يحصل في حالة الطوارئ من غشيان بعض البيوت لمنع اجتماع، إنما هو نادر وحوادث فردية فلا تشكل أسلوباً، وفوق ذلك فالمنع هو لمنع التآمر وليس لمنع إيجاد رأي عام.
الأمر الثاني أن الاتصال الجماهيري ليس التحدث إلى المجتمع فيحاوَل ملاحظة نوع العلاقات القائمة بين الناس، وإنما التحدث إلى الناس لتحميلهم أفكاراً أو آراء أو أخباراً يتحدثون بها، فالغاية حملهم على الحديث بهذه الأفكار والآراء، ولذلك لا يفرق بين مدينة وقرية ولا بين حي الأغنياء وحي الفقراء ولا حي مسلمين وحي غير مسلمين ولا بين مجتمع رأسمالي ومجتمع إسلامي، بل يُسار في كل مكان ومع كل جماعة سيراً واحداً، من حيث أنك تتحدث في مكان عام بغض النظر عن أي اعتبار. هذا هو واقع الاتصال الجماهيري وهو التحدث الشخصي جهراً إلى الناس في الأمكنة العامة حديثاً صريحاً واضحاً ليس فيه تحفظ. وهذا الاتصال الجماهيري يكون في أوضاع كثيرة منها:
التحدث جهراً في الطريق.
التحدث جهراً في المقهى.
التحدث جهراً في المسجد.
التحدث جهراً في المضافة والديوان.. الخ.
التحدث جهراً في دوائر الحكومة.
التحدث جهراً في المسبح المطروق لا على شاطئ البحر أو النهر غير المطروق.
التحدث جهراً في السيارة والقطار والطائرة.. الخ.
التحدث جهراً في المستشفى والعيادة الطبية.
التحدث جهراً في المنتزهات العامة.
التحدث جهراً في محطات الإذاعة والتلفزيون ومكبرات الصوت.
فهذه كلها أوضاع يحصل فيها الاتصال الجماهيري، ويمكن للشخص أن يختار الوضع الذي يريد والذي يمكن أن يتاح له. أما أنواع الاتصال الجماهيري فإنها محصورة فيما يتعلق بالنطق بلسان، فمن أنواعه الخطابة ومن أنواعه التكلم العادي ومن أنواعه المناقشة ومن أنواعه إلقاء محاضرة ومن أنواعه القيام بالمناظرة. وهذه كلها أنواع ميسورة، فمن لم يتيسر له أن يخطب يتيسر له الحديث العادي، ومن لم يتيسر له إلقاء محاضرة أو مناظرة تتيسر له المناقشة. أما أساليب الاتصال الجماهيري فلا حصر لها وإنما يعيّنها واقع الاتصال، فقد يستعمل الشخص أسلوب الاعتراض على عمل أو على رأي قد يستعمل السؤال عن شيء أو عن عمل أو عن رأي، وقد يُلفت النظر إلى شيء أو إلى عمل أو إلى رأي، وقد يبدي التأييد لرأي أو لعمل، إلى غير ذلك من الأساليب التي يمكن أن يؤدي فيها الإبداع إلى ثمرات ملموسة وقد يقصر الزمن اللازم لإيجاد الرأي العام.
هذه هي كيفية إيجاد الرأي العام المطلوب إيجاده وهي القيام بالاتصال الجماهيري في أي وضع من أوضاعه الكثيرة وبأي نوع من أنواعه المتعددة وبأساليب يتجلى فيها الإبداع.)

طلحة
15-12-2011, 08:23 PM
شكرا اخي ابو عبد الرحمن حمزة وجزاك الله خيرا