+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 3
1 2 3 الأخيرةالأخيرة
عرض النتائج 1 إلى 10 من 22

الموضوع: كتيب محاولة اخذ القيادة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي كتيب محاولة اخذ القيادة




    محاولة أخذ قيادة الأمة


    حزب التحرير




    الطبعة الأولى
    1420هـ / 1999م








    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة

    الخطة سياسة عامة تُرسم لتحقيق غاية من الغايات التي يقتضيها نشر المبدأ أو طريقة نشره . أما الأسلوب فهو سياسة خاصة في جزئية من الجزئيات التي تساعد على تحقيق الخطة أو تنفيذ ما يتطلبه المبدأ . والخطة والأسلوب لا يمكن أن ينتجا إنتاجا معينا إلا إذا استكملا عنصرين أحدهما : كونهما قررهما نوع العمل ، فهما واقعيان يعالجان واقعا ، وعمليان قد وضعا لمباشرة العمل بهما في الحال . أما العنصر الثاني : فهو ألا يخالفا المبدأ حتى يكونا منتجين إنتاجا معينا . وهذا يعني أن وضع الخطة ورسم الأسلوب يجب أن يستند إلى القاعدة العملية ، والتي هي أن يكون العمل مبنيا على الفكر , وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة . على أن يكون ذلك كله مبنيا على الإيمان حتى يبقى الجو الإيماني مخيما على الحزب جماعيا .
    أما تعيين الغاية من العمل فيتطلب استعراض مراحل سير الحزب من أجل تحديد الغايات المرحلية التي يهدف الحزب إلى تحقيقها في كل مرحلة من مراحل السير وصولا إلى تحقيق غايته باستئناف الحياة الإسلامية وحمل الإسلام إلى العالم بالجهاد ، ثم تحديد الغاية أو الغايات المرحلية التي تم تحقيقها والغاية أو الغايات التي لم يتمكن الحزب من تحقيقها حتى الآن . إلا أن نتائج أعمال الحزب أثناء قطعه لمراحل السير يجب أن تدرك إدراكا حسيا ، أي أن يكون الإدراك ناتجا عن حس بالواقع لا أن يكون تسليما بالنتائج التي قد تم التسليم بوجودها في وقت من الأوقات . وأما العمل فيجب أن يكون مبنيا على الفكر وأن يكون من أجل الغاية المعيّنة . لذلك كان لزاما أن يكون منطق الإحساس هو الأساس ، أي أن يكون إدراك أين وصل الحزب الآن في مراحل سيره والتفكير فيما يجب علينا القيام به ناجما عن إحساس لا عن فروض لقضايا خيالية ، وأن يكون الإحساس بواقع الأمة والمجتمع الآن مؤثرا في الدماغ موجِدا مع المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر . فإذا تعينت الغاية وتحدد العمل بناء على الإدراك صار من الممكن وضع الخطة ورسم الأساليب التي تمكّن من مباشرة تنفيذها .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    مراحل سير الحزب
    مراحل سير الحزب ثلاث : مرحلة الثقافة ، ومرحلة التفاعل ، ومرحلة الوصول إلى الحكم عن طريق الأمة .
    ولكل مرحلة من مراحل السير بداية ومحتوى ونهاية ، تتكون بداية المرحلة من دور تحضيري أو أكثر من أجل تهيئة الدخول في محتوى المرحلة الذي هو لُبّ المرحلة والدور الأساس فيها ، وأما نهاية المرحلة أو الدور النهائي في المرحلة فإنه ينبغي أن تظهر فيه الأعراض أو المؤشرات التي تدل على تحقق الغاية من المرحلة ، ومنه ينتقل الحزب إلى الدور التالي من المرحلة التالية . بمعنى أن المرحلة الواحدة تتشكل من الأعمال بمجموعها يجب أن تكون مبنية على الفكر وتكون من أجل غاية معيّنة . أي أن الأدوار التي تتكون منها المرحلة الواحدة تشكل بمجموعها الكيفية العملية لتحقيق الغاية من تلك المرحلة . فكل مرحلة من مراحل السير لها غاية معيّنة وكيفية عملية لتحقيق الغاية . فالغاية من المرحلة الثقافية هي : تجسيد المبدأ في أشخاص وطريقة تحقيق الغاية هي التثقيف . أما الغاية من مرحلة التفاعل فهي : إفهام الأمة مبدأ الحزب ليكون مبدأها والتفاعل مع الأمة هو طريقة تحقيق هذه الغاية . وأما الغاية من مرحلة الحكم فهي : تطبيق المبدأ على الأمة تطبيقا كاملا وطريقة الحزب في تحقيق هذه الغاية ، هي تسلم زمام الحكم عن طريق الأمة تسلما كاملا .
    تُسمّى بداية كل مرحلة والمكان الذي تبدأ فيه المرحلة نقطة ، فنقطة الابتداء هي بداية مرحلة الثقافة والمكان الذي تبدأ فيه هذه المرحلة ، ونقطة الانطلاق هي بداية مرحلة التفاعل والمكان الذي تبدأ فيه ، ونقطة الارتكاز هي بداية المرحلة الثالثة والمكان الذي تبدأ فيه ، وكل نقطة أي بداية كل مرحلة من المراحل تتكون من دور تحضيري أو أكثر بحسب ما يقتضيه الدخول في محتوى المرحلة ، ففي نقطة الابتداء يتم الاهتداء إلى الفكرة التي هي الروح لجسم الحزب ، وهي نواته ، وهي سر حياته ، إلا أنها تتجسد في إنسان من جنس الفكرة في نقائه وصفائه ، ومثل الطريقة في وضوحه واستقامته ، ومتى وُجدت هذه الأشياء الثلاثة : الفكرة العميقة ، والطريقة الواضحة ، والإنسان النقي ، فقد وُجدت " الخلية الأولى " ثم لا تلبث هذه الخلية أن تتكاثر إلى خلايا تكون هي الحلقة الأولى للحزب " قيادة الحزب " ، ومتى وُجدت الحلقة الأولى فقد نبتت الكتلة الحزبية ، لأن هذه الحلقة لا تلبث أن تتحول في محتوى المرحلة إلى كتلة . وحينئذ تحتاج هذه الكتلة إلى رابطة حزبية تجمع بين الأشخاص الذين يعتنقون الفكرة والطريقة . هذه الرابطة الحزبية هي العقيدة التي تنبثق عنها فلسفة الحزب ، والثقافة التي يتسم بمفاهيمها الحزب ، وحينئذ تكون الكتلة الحزبية قد تكونت ، وسارت في معترك الحياة .
    إلا أن سير الكتلة الحزبية في معترك الحياة إنما يكون في نقطة الانطلاق ، عبر ثلاثة أدوار هي : محاولة المخاطبة ، والبدء في طرق باب المجتمع ، ثم طرق باب المجتمع . ونتيجة لسير الكتلة في نقطة الانطلاق عبر هذه الأدوار الثلاثة يجري تحوّل الكتلة الحزبية إلى حزب مبدئي متكامل ، يعمل للنهضة الصحيحة ، حيث يصبح عندما يدخل في محتوى المرحلة أي في دور التفاعل بوتقة تصهر الأمة ، وتولى في الأمة العملية الصهرية ومنها بناء القاعدة الشعبية .
    وأما في نقطة الارتكاز فيتم التحضير فيها لتسلم زمام الحكم عن طريق الأمة تسلما كاملا . إلا أن عملية التحضير للتمكين من الدخول في محتوى المرحلة الثالثة والذي هو دور الحكم وتطبيق المبدأ قد تحتاج إلى دور واحد أو أكثر وذلك حسب ما تقتضيه الظروف والأوضاع .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    وأما محتوى المرحلة فهو لُبّ المرحلة والدور الأساس فيها ، فلكل مرحلة من مراحل السير دور أساسي يجب أن يمر به الحزب أثناء قطعه مراحل السير ، وهي على التوالي : دور الثقافة ، ودور التفاعل ، ودور الحكم وتطبيق المبدأ .
    ويلاحَظ هنا أن المرحلة ومحتواها قد أُعطيا نفس الاسم المأخوذ من طريقة تحقيق الغاية من المرحلة . ولما كانت نقطتا الانطلاق والارتكاز تقع كل واحدة منهما بين دورين أساسيين ، فقد اعتُبِرتا نقطتي التقاء بين أدوار الحزب الأساسية الثلاثة ، فكانت نقطة الانطلاق ، نقطة التقاء بين دور الثقافة ودور التفاعل ، وكانت نقطة الارتكاز نقطة التقاء بين دور التفاعل ودور الحكم ، من هنا كانت نقاط الالتقاء نقطتين ، وهذه لا ضرورة لأن توجَد ، إذ قد لا يحتاج الحزب إليها من أجل الدخول في محتوى المرحلة ، وقد يضطر الحزب للمرور عبر نقطة الالتقاء ليدخل في محتوى المرحلة كما حصل بالفعل .
    وهنا لا بد من بيان أن انتقال الحزب من دور إلى الدور الذي يليه من نفس المرحلة ، أو من المرحلة التالية هو انتقال وصل لا انتقال قطع بمعنى أن الحزب يضيف أعمالا جديدة إلى أعماله السابقة دون أن يتخلى عن أعماله السابقة فهو يصلها بما بعدها ولا يقطعها عنها . فالحزب كان وهو في دور الثقافة يقوم بعملين وهما : الثقافة المركَّزة في الحلقات والثقافة الجماعية ، وحين انتقل الحزب من دور الثقافة إلى نقطة الانطلاق ، أضاف عملين جديدين إلى العملين السابقين اللذين كان يقوم بهما في مرحلة الثقافة وهما تبني مصالح الأمة وكشف خطط الكفار ، وفي آخر نقطة الانطلاق جرت محاولة طرق باب المجتمع ثم صار طرق باب المجتمع من ضمن الأعمال الأربعة ، وهذا يعني أن مرحلة الثقافة قد انتهت كمرحلة لا كأعمال . وفي دور التفاعل ، أضاف إلى الأعمال الأربعة التي كان يقوم بها في نقطة الانطلاق أعمالا أخرى مثل تنزيل الأفكار على الوقائع ، ومحاولة أخذ قيادة الأمة ، وطلب النصرة . وكذلك عندما ينتقل الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز ، فإنه يظل يقوم بأعمال مرحلة التفاعل لكن مضافا إليها أعمال جديدة تتعلق بغاية أخرى غير غايته في إفهام مبدأ الحزب ليكون مبدأها ، وهي أعمال الوصول إلى دور الحكم وتطبيق المبدأ .
    وعلى ذلك فإن الانتكاس لا يحصل بتجمد الناس والمجتمع ملا حتى بتجمد الشباب ولكن بتجمد سير الحزب بأن يبقى يدور حول عمل واحد دون إدخال أعمال أخرى تهيء للانتقال إلى المرحلة التالية أو إلى الدور التالي من نفس المرحلة . إلا أنه ليس مجرد إضافة عمل أو أعمال إلى الأعمال السابقة هو الذي يمكّن الحزب من الانتقال الطبيعي إلى المرحلة التالية أو إلى الدور التالي من نفس المرحلة ، بل لا بد من أن تكون نتائج الأعمال السابقة ـ والتي هي نتائج محسوسة ـ قد تحققت بالفعل فالذي يحمي من الانتكاس هو إضافة أعمال جديدة إلى الأعمال السابقة ، والذي يجعل الانتقال طبيعيا هو تحقق الغاية من الدور أو المرحلة التي يكون فيها الحزب قبل الانتقال إلى ما بعدها .
    أما الأعراض أو المؤشرات التي دلت على أن الحزب قد نجح في تحقيق الغاية من المرحلة الثقافية فهي : أن النجاح الثقافي صار معروفا عند الناس ، وصار الناس يعرفون أن هناك دعوة ، ويعرفون عن العضو أنه يحمل دعوة ، كما أن الروح الجماعية قد تكونت أثناء التكوين الثقافي في الحلقات ، واتصال الأعضاء في المجتمع الذي يعيشون فيه ، ومحاولتهم التأثير فيه حتى إذا انتقلوا للمرحلة التالية كان الاستعداد الجماعي موجودا . وبناء على ظهور هذه الأعراض قرر الحزب سنة 1954م الانتقال من دور الثقافة إلى نقطة الانطلاق . وبما أن الغاية من نقطة الانطلاق هي استكمال تكوين الحزب بأن يجري تحوّله من كتلة إلى حزب متكامل ، يَفرض نفسه سياسيا على المجتمع كما فَرَضَ نفسه عليه فكريا ، لذلك قرر الحزب في النصف الثاني من سنة 1960م الانتقال من نقطة الانطلاق إلى دور التفاعل عندما ظهرت الأعراض التالية : صار إحساس الشباب بالتطلع إلى الحكم ملموسا ، وشوهدت نظرة الناس إلى الحزب بأنه يصارع الحكام وصارت مصارعته لهم بارزة وشيئا طبيعيا وعاديا ، وظهر إحساس الناس بخطر الحزب على الذين يحبونهم من الحكام وتحريضهم الحزب على من يبغضونهم ، فهذه الأعراض دلت على أن الحزب قد استطاع أن يفرض نفسه سياسيا على المجتمع ، فتحتّم عليه الانتقال إلى دور التفاعل فكان انتقاله انتقالا طبيعيا .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    وأما انتقال الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا فيتطلب أن تكون الغاية من مرحلة التفاعل قد تحققت فعلا . والذي يدل على أن الغاية من مرحلة التفاعل قد تحققت هو نجاح الحزب في محاولة أخذ قيادة الأمة . وذلك لأن التفاعل ليس إفهام الأمة مبدأ الحزب فحسب ، بل هو إفهام الأمة مبدأ الحزب ليكون مبدأها . فالغاية من الإفهام هي أن يصبح مبدأ الحزب مبدءاً للأمة وأفكاره أفكارا لها ، وبمعنى آخر أن تلتف الأمة حول الحزب وتنقاد له وفقا لمبدئه وأفكاره . أي أن التفاعل لا يقتصر على إفهام الناس الفكر والرأي والحرص على أن يعتنقوه ويجعلوه لهم ولا يقتصر على مخاطبتهم بالفكر والرأي منزلا على وقائع ولفت نظرهم إليه ليجعلوه لهم ويعملوا به ، بل هو إلى جانب ذلك كله حمل الناس بشكل عملي على القيام بالعمل وعلى مشاركتنا القيام به . فكلمة تفاعل تعني حمل الناس بشكل مقصود وبدأب متواصل لأن يجعلوا الأفكار التي نفهمهم إياها بالمنشورات أو بالمناقشة أو بالنقد اللاذع أفكارهم بحملهم على العمل لها ومشاركة الحزب في ذلك . وحمل الناس بشكل مقصود وبدأب متواصل لأن يجعلوا فكر الحزب فكرهم وحملهم على العمل له بمشاركتنا هو المقصود بمباشرة محاولة أخذ قيادة الأمة . لذلك لما دخل الحزب في دور التفاعل أضاف عمل محاولة أخذ القيادة إلى أعماله السابقة التي كان يقوم بها في نقطة الانطلاق . ولو لم يفعل الحزب ذلك لتجمد السير وحصل الانتكاس .
    فالمحاولة تكون بتسخير قوى الأمة بمجموعها لتحقيق غاية الحزب ، أي قيادة الأمة كلها بوصفها أمة لأن تحمل معنا الدعوة كما نحملها ، حتى تقوم الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج .
    فإذا نجح الحزب في هذه المحاولة فقد وجدت القاعدة الشعبية ، إذ القاعدة الشعبية لا تتكون من الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام فحسب ، بل ومن حمل الناس كأفراد وجماعات على القيام بأعمال حمل الدعوة ، وبأخذ تأييد الأفراد الذين يُعتبرون أركانا في المجتمع وفي الجماعة كالتجار ورجال الأعمال والمفكرين والوجهاء وكل مَنْ له رجال يقولون بقوله ، وبعبارة أخرى أن توجَد في الأمة بمجموعها الإرادة لإيجاد الإسلام في واقع الحياة تحت قيادة الحزب .
    فإذا وجد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على المبدأ ، واحتضنت الأمة المبدأ والحزب ، فإن الحزب يكون قد استكمل بناء القاعدة الشعبية . وباستكمال بناء القاعدة الشعبية تنتهي مرحلة التفاعل كمرحلة لا كأعمال فينتقل الحزب عندئذ إلى نقطة الارتكاز ويكون انتقاله طبيعيا .
    فالحزب سيقسم الدولة بهذه القاعدة ، وسيتصدى للعملاء والمنافقين في الداخل بهذه القاعدة ، وسيواجه حرب التدخل بهذه القاعدة ، وسيحمل الدعوة دوليا إلى العالم ويصارع الدول في الموقف الدولي والمجتمع الدولي بهذه القاعدة . لذلك فإن تأييد الأشخاص الذين يُعتبرون أركانا في المجتمع والجماعة للحزب ولأفكار الحزب وللإسلام وللدولة يجب أن يتجاوز العواطف ولغة الكلام إلى التضحيات والأفعال ، وأن يكون تأييد الناس أفرادا وجماعات تأييدا يصل إلى حد الاستعداد للاستشهاد عن رضا واطمئنان وتشوق لجنات النعيم ورضوان الله . فالقاعدة الشعبية واقع يتجاوز آثار الدعاية وإيجاد الثناء وكسب التأييد ، إلى الاحتضان والإسناد والاستعداد للتضحيات وخوض الغمرات ، وهي وإن كانت طريقة مؤقتة لتمكين الحزب من استلام الحكم ولكنها طريقة دائمة لحفظ الأمة وحفظ الدولة وصيانة الإسلام ، وضمان تطبيق أحكام الشرع وإيجاد أفكار الإسلام وتركيزها .
    وعليه فإن الحزب لا ينتقل إلى نقطة الارتكاز ولا يتسلم زمام الحكم إلا إذا تجاوبت الأمة مع الحزب ، بالتفافها حوله وانقيادها له وفقا لأفكاره وآرائه .
    فقضيتنا ليست استلام حكم ، وإنما قضيتنا بناء دولة ، فالهدف ليس أخذ الحكم فقط حتى تجمع له قوى تستطيع أخذه ، فإنه حينئذ لا يكون حكما إسلاميا ولو جعل القوانين من الأحكام الشرعية فإنه لا يلبث أن يزيله الخصم أو يتحول إلى حكم غير إسلامي ، ويستحيل أن يستمر في تطبيق الإسلام ويحمله للعالم . وإنما الهدف بناء الدولة بإقامة الحكم على الفكرة الإسلامية ، والحكم إنما يكمن في الأمة فلا بد أن يقوم على الفكرة التي تعتنقها الأمة . لهذا فإنه من الخطأ بل العبث طلب تسلم الحكم عن غير طريق الأمة .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع


    هل كان انتقال الحزب من دور التفاعل إلى
    نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا ؟

    في أوائل سنة 1964م قام الحزب بعمل سياسي في الأمة من أجل الوقوف في وجه تدويل القدس أثناء زيارة البابا لها ، وقد وجد الحزب أن الأمة في الأردن قد استجابت له ، وبناء عليه اعتبر أن الأمة قد تجاوبت معه في جميع مجاله ، فقد ورد في جواب سؤال صادر بتاريخ 20/6/1969م ( إلا أنه في أوائل سنة 1964م وجِد تجاوب الأمة مع الحزب في الأردن أي في ولاية من ولاياته ، وبذلك يكون قد حصل التجاوب مع الحزب ككل فكأنه حصل في جميع مجاله لذلك حصر طلب النصرة في موضوع واحد من الموضوعين ، حصره في طلب النصرة لأخذ الحكم ) ، لذلك اعتبر الحزب أنه دخل فعلا في نقطة الارتكاز في تلك السنة أي في سنة 1964م .
    وبالتدقيق في الدليل الذي اعتمده الحزب مؤشرا على نجاحه في محاولة أخذ القيادة نجد أنه لم تكن له الدلالة التي خرج بها الحزب في حينه ، فتجاوب الناس مع الحزب بالعمل الذي قام به آنذاك ، كان بسبب ما للقدس من مكانة عند المسلمين وارتباطه بالجانب الروحي من العقيدة الإسلامية ، وكون البابا في نظر المسلمين رمزا للصليبية الحاقدة ، فكان تجاوب الناس مع الحزب ناتجا عما أثير عندهم من مشاعر روحية مرتبطة بغريزة التدين ولم يكن التجاوب ناتجا عن وجود وعي عام على الإسلام بوصف عقيدته عقيدة سياسية ، أي بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها .
    إلا أن الحزب على ضوء ظنه بأنه قد نجح في محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة قرر الانتقال من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز ، وبناء عليه قرر مباشرة القيام بالأعمال التي تمكنه من تسلم زمام الحكم ، فحصر طلب النصرة في موضوع واحد من الموضوعين وهو الوصول إلى الحكم .
    ولقد كان ولاء الأمة لعبد الناصر بارزا في ذلك الوقت ، وعبد الناصر كان يخاطب الأمة بالقومية العربية ، وما أن أفاقت الأمة من خداع عبد الناصر بعد هزيمة سنة 67 حتى توجهت أنظار المسلمين صوب العمل الفدائي المسلح ، وصار الرأي العام في الأردن على وجه الخصوص إلى جانبه لا فرق بين أهل فلسطين وأهل الأردن ، وقد كان لقوة تأثير الرأي العام الذي صار للعمل الفدائي وللعمل المسلح أن صار بعض الشباب يطالبون الحزب بحمل السلاح ، واضطر الحزب لشدة تأثير الرأي العام وقوته للرد على هذا المطلب في أكثر من نشرة شارحا وموضحا أن الطريق الذي تبناه الحزب في حمل الدعوة هو الطريق السياسي لا العمل المادي ، معتبرا هذا المطلب بأنه كفر بالطريقة ، وحكم على الحزب بالضياع ، مبينا أن هذا المطلب ناتج عن ضغط الواقع وانجراف مع التيار . مع كل ذلك ظل الحزب سائرا في طريقه على أساس أنه يعمل في نقطة الارتكاز ، ويطلب النصرة لأخذ الحكم فقط ، وبناء عليه جرت المحاولة الأولى في الأردن ثم الثانية ، فكان عدم النجاح في هاتين المحاولتين إنقاذا له من خطر تسلمه الحكم قبل اكتمال التفاعل مع الأمة . ذلك أن الحزب إذا قاد الجمهور قبل أن يكتمل التفاعل معه ، وقبل أن يوجَد الوعي العام عند الأمة ، فإن قيادته لا تكون بأحكام المبدأ وأفكاره ، بل بتشخيص ما يجيش في نفس الأمة ، وبإثارة عاطفتها ، وتصوير مطالبها قريبة في متناول يدها . إلا أن الجمهور لا تنعدم منه في هذه الحالة مشاعره الأولى كالوطنية والقومية والروحية الكهنوتية .
    والحزب لم يَحِدْ عما تبناه من أنه لا ينتقل إلى نقطة الارتكاز إلا إذا وُجدت له قاعدة شعبية ، لأنه لم يقرر الانتقال إلا بعد أن حصل لديه الظن بتجاوب الأمة في الأردن مع الحزب .
    لكن على الرغم من أن الحزب كان قد حصل لديه الظن بأنه قد استكمل مرحلة التفاعل وأنه قد أصبح في نقطة الارتكاز ، إلا أنه استمر في القيام بأعمال مرحلة التفاعل ، من ناحية أن انتقاله من الدور الذي هو فيه إلى الدور الذي يليه هو انتقال وصل لا انتقال قطع لا من ناحية السعي لتحقيق الغاية منها ، لأن الغاية حسب ظن الحزب كانت قد تحققت ، فانشغل الشباب في ترقب وصول الحزب إلى الحكم ، مما أثر على الحزب بمجموع أجهزته ومجموع شبابه ، أي على كيانه ، وعلى سيره ، وعلى كيفية قيامه بالأعمال المتعلقة بالأمة .
    واستمر الحزب على هذا الحال حتى سنة 1978م حيث أصدرت القيادة الثانية للحزب بتاريخ 20/6/1978م كتابا إلى الشباب ورد فيه " بل ران على الأمة القنوط واليأس ، وفقدت الأمل في كل شيء ، وفقدت الثقة في كل واحد بعدما وضعوها في ظروف معينة مقصودة ليوصلوها إلى درجة بحيث تفقد أملها وثقتها وتصل إلى حالة من اليأس والاستسلام ، ليسهل التحكم فيها وتمرير كل ما يريدون عليها دون أن تحرك ساكنا بعد أن يتبلد إحساسها وبعد أن تفقد كل أمل وحيوية . كل ذلك أثَّر على الشباب ، فَهُم من ناحية يترقبون قيام الخلافة ، وقد طال انتظارهم فصاروا كأنهم يرون أن القيام بطلب النصرة من الحزب يكفيهم عن القيام ببقية الأعمال الحزبية ، ومن ناحية ثانية يشاهِدون ما غلب على الأمة من الجمود وعدم المبالاة والقنوط الذي يكاد أن يصل إلى درجة اليأس والاستسلام وفقدان الثقة والأمل من كل إنسان حتى أنهم مهما حاولوا أن يحركوها فإنها لا تستجيب ولا تتحرك " . وفي هذا تأكيد على أن الأمة ليست منقادة للحزب " حتى أنهم مهما حاولوا أن يحركوها فإنها لا تستجيب ولا تتحرك " بل ليست منقادة لأحد " وفقدت الأمل في كل شيء وفقدت الثقة في كل واحد " ، لذلك كان من المفترض فيها بعد أن جسَّدت الواقع الذي عليه الأمة أن تعيد النظر في مسألة إكمال الحزب مرحلة التفاعل ، وأن تعيد النظر في انتقال الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز الذي تبيّن لها أنه لم يكن انتقالا طبيعيا وذلك بأن تقوم بوضع خطة عمل للحزب تستهدف استكمال مرحلة التفاعل مع الأمة بالعمل لاستكمال بناء القاعدة الشعبية ، إلا أن ذلك لم يحصل ، بل ظلَّت تسير بالحزب على أساس أنه يعمل في نقطة الارتكاز ، على أساس أن " قيام الخلافة قد تأخر حصوله إلى هذا الوقت مع أنه فات زمن طويل كان يجب أن يحصل فيه " وعلى أساس أن " لا بد قطعا أن نصل لأن الله قد وعدنا وتعهد لنا بأن نصل وأن ننتصر " ، " فلا بد أن يتحقق النصر ، إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن لم يكن غدا فبعده " ، لذلك " لا بد أن نديم طَرْقنا لباب أهل القوة والمنعة ، وأن نكرر المحاولة بإيجادهم ، المرة تلو المرة ، حتى يتحقق نصر الله " . فبدل أن تقوم قيادة الحزب بوضع خطة عمل تَنهض بالحزب وبالشباب للقيام بتَبِعات المسؤولية الملقاة على عاتقهم نحو الأمة ، وإنجاز المهمة التي لم تُستكمل بعد ، رسَّخت في أذهان الشباب القناعة بأن الحزب قد أكمل عمله وقطع مراحل سيره ولم يتبق إلا النصر بقيام الخلافة " إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن لم يكن غدا فبعده " ، لا بل إن " قيام الخلافة قد تأخر حصوله إلى هذا الوقت مع أنه فات زمن طويل كان يجب أن يحصل فيه " ، فظلت متأثرة بالمفهوم الخاطئ عن تأخر حصول النصر عن موعده ، وكأن الله سبحانه وتعالى قد عيَّن لها وقتا محددا لقيام الخلافة " كان يجب أن يحصل فيه " ثم أخره عنها . ثم جعلت من الحالة التي وصلت إليها الأمة من " الجمود وعدم المبالاة والقنوط الذي يكاد أن يصل إلى درجة اليأس والاستسلام وفقدان الثقة والأمل من كل إنسان " مؤشرا على قرب النصر حين استشهدت باستيئاس الرسل على حصول النصر ، حيث قالت في نفس الكتاب " وإنما وصل الحال بالرسل إلى درجة الاستيئاس ، والظن بأنهم قد كُذبوا من الناس ، وعندما وصلوا إلى هذا الحد ، جاءهم نصر الله " وبهذا المفهوم تكون قد قفزت عن التناقض الذي برز نتيجة لإقرارها بعدم تجاوب الأمة مع الحزب ، وإعلانها في نفس الوقت عن استمرار الحزب بالعمل في نقطة الارتكاز بما يقتضيه من استمرار طرق باب أهل القوة والمنعة من أجل إيصاله إلى الحكم . إذ أن الحزب يتبنى أنه لا يَنتقل إلى نقطة الارتكاز ولا يَقبل أن يتسلم زمام الحكم إلا إذا وُجدت له قاعدة شعبية ، فكان مفهوم الاستيئاس من تجاوب الأمة مسوّغا لهذا الانحراف عن الطريق . ثم لما بدأت الأعراض التي تدل على وجود الرأي العام للإسلام بالظهور من غير أن يرافق ذلك دلائل على نجاح الحزب في محاولة أخذ قيادة الأمة ، سيطر على أجواء الحزب والشباب مفهوم أن الحزب لا يشترط النجاح في محاولة أخذ القيادة حتى يتسلم الحكم ، بل سيطر مفهوم استحالة أن تنقاد الأمة للحزب قبل قيام الدولة لذلك وُجِدت قناعة بأن الحزب إنما يكتفي بوجود الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام . ولما لم يأتِ النصر مع حصول الاستيئاس من الأمة ، ولا مع تحول الرأي العام إلى الإسلام تبنت أن للنصر شروطا ، فقد ورد في نشرة صادرة بتاريخ 12 شباط 1993م " حيث أنه سبحانه قد جعل نصر المؤمنين لديِنِه شرطا في نصره لهم " وكما ورد أيضا في نشرة صادرة بتاريخ 1/1/1994م " إلا أنه يجب أن يُدرَك أن الإعداد اللازم واتخاذ جميع الأعمال والوسائل والأساليب ليس هو سبب الوصول إلى الغاية ، ولا سبب النصر ، ولكنه شرط في حصول ذلك . وفرق بين السبب وبين الشرط ، إذ السبب يَلزم من وجوده وجود المسبَّب ، أي يَلزم من وجوده وجود الوصول إلى الغاية ، والوصول إلى النصر . أما الشرط فإنه لا يلزم من حصوله حصول ما شُرط له . أي لا يلزم من حصول الإعداد اللازم حصول الوصول إلى الغاية . والوصول إلى النصر ولكنه يلزم من عدم حصول الإعداد اللازم عدم الوصول إلى الغاية ، وعدم الوصول إلى النصر " بل وصل الحال بها أن تجعل من نزول النصر كنزول الغيث كما جاء في كتاب
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    حمل الدعوة واجبات وصفات ، وما ذلك إلا من أجل أن تقنع شباب الحزب بأن الحزب قد قام بما يجب عليه القيام به ، وأن تأخّر النصر لا يدل بالضرورة على وجود خطأ أو تقصير في العمل أو عجز في القيادة أو انحراف عن السير . وقد نصّت على ذلك بشكل صريح " وتأخُّر الوصول أيها الأخوة لا يعني أن هناك خطأ في الفكرة أو الطريقة أو السير ، فكثير من الرسل والأنبياء قد تأخر وصولهم مع أنهم مؤيدون من الله وملتزمون بأوامره في تبليغهم وفي طريقة تبليغهم وسيرهم . والتأخر يستدعي دوام البحث والتقصي لتلافي أي خطأ إن كان هناك خطأ " ثم كررت ذلك بقولها " كما يجب أن يدرَك أن تأخر الوصول إلى الغاية ، وتأخر حصول النصر لا يعني بالضرورة الخطأ في الإعداد اللازم ، أو التقصير في اتخاذ جميع الأعمال والوسائل والأساليب اللازمة ، أو الخطأ في الفكرة أو الطريقة ، أو الخطأ في حملها ، أو التقصير في أدائهما ، فالرسل عليهم الصلاة والسلام مع أنهم مؤيدون من الله بالوحي ، وملتزمون طريقة التبليغ حسب وحي الله لهم وغير مقصرين في أداء الرسالة وتبليغها فإنهم قد كُذبوا من أقوامهم ولم تستجب لهم أقوامهم وتأخر عليهم النصر " .
    وتحصنت بمفهوم الطائفة الظاهرة مما صرف الشباب عن أي تفكير في احتمال وجود أخطاء أو تقصير في العمل أو عجز في القيادة أو انحراف في السير ، فتبنّت أن أوصاف الطائفة الظاهرة الواردة في الأحاديث الشريفة تنطبق على حزب التحرير انطباقا تاما ، ومن هذه الأوصاف قوامته على أمر الله سبحانه ، وتمسكه بالحق وظهوره على الدين ، وأنه سينتصر ويقيم دولة تقاتل الأعداء في آخر الزمان ، وليس كتاب حمل الدعوة واجبات وصفات هو محاولتها الأولى للحصول على العصمة الحزبية بأدلة شرعية ، بل سبق ذلك نشرة صدرت بتاريخ 10 شباط 1988م ، جاء فيها ( وقد بيّنت هذه الأحاديث أن هذه الطائفة والجماعة تكون في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس ، وفي بلاد الشام . ونحن قد ابتدأنا في بيت المقدس ، وتوسعنا في أكنافه ، وفي بلاد الشام وفي غيرها ) .
    وفوق ذلك عملت على جعل علم الله تعالى بوقت حصول النصر محل بحث وذلك في معظم نشرات الحث على العمل وبعث الهمم التي قامت بإصدارها ، فقد ورد في النشرة بتاريخ 12 شباط 1993م " لكنه وحده الذي يعلم وقت النصر المناسب حسب تقديره ، لا حسب تخميننا . لأن علمه هو العلم الصحيح ، وتقديره هو التقدير الصحيح " ، مع أن الحزب كان قد حذر من أن محلاحظة الإيمان بالقدر قبل القيام بالعمل أو حين القيام به من شأنه أن يأتي بالقدرية الغيبية ويشل إرادة الإنسان ، وأن هذه الملاحظة للقدر عند القيام بالفعل أو عندما يهم بالقيام به ، هي محل الخطر وهي مكمن الانزلاق .
    ولأجل استكمال حلقات القدرية الغيبية في عقول الشباب تبنت أن للنصر حالات متنوعة وأوجه مختلفة ، وأن نصر الشريعة هو وجه من هذه الأوجه ، وقالت أنه يحرم على الشباب القول أو الادعاء باقتصار نزول النصر على حملة الدعوة بواحدة بالذات من هذه الأحوال ، ونفي ما سواها ، مما يعني أنه صار يحرم على الشباب أن يربطوا حملهم الدعوة بالغاية التي يسعى لتحقيقها الحزب فقط ، لأن النصر قد يكون بنجاة حملة الدعوة فحسب كما حصل مع أنبياء الله نوح وهود وصالح ، وقد يأتي النصر بعد وفاة حملة الدعوة كما حصل مع عيسى عليه السلام . مع أن عدم ربط العمل بالغاية المعينة التي يسعى لتحقيقها الحزب والتي هي استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام ، وتحمل رسالته للعالم من شأنه أن يؤدي إلى جعل حركة الحزب حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ، فلا يجوز مطلقا أن يُفصل العمل عن الفكر أو عن الغاية المعيّنة أو عن الإيمان ، فإن في هذا الفصل ـ مهما قلّ ـ خطرا على العمل نفسه ، وعلى نتائجه ، وعلى استمراره ، ولذلك لا بد أن تكون الغاية المعيّنة مفهومة وواضحة لكل من يحاول العمل .
    ولم يكن كتاب حمل الدعوة واجبات وصفات هو المحاولة الأولى على صعيد إيصال الحزب والشباب إلى الجمود واليأس ، فقد ورد في النشرة بتاريخ 12 شباط 1993م " أما الرسالة أو الفكرة فإن انتصارها يكون بكثرة المؤمنين بها ، أو بوضعها موضع التطبيق والتنفيذ ، أو بتغلبها على غيرها من الرسالات أو الأفكار ، أو بانتشارها انتشارا واسعا " كما أن هذه النشرة ذكرت جميع الأوجه والأحوال التي قد يكون نصر الله بواحدة منها .
    هذا هو الطريق الذي سلكته القيادة الثانية للحزب منذ أن تسلمت القيادة ، فبدل أن يكون عمل الحزب مبنيا على الفكر الذي توصلت إليه نتيجة الإحساس بواقع الأمة والمجتمع ، وبدل أن يكون العمل والفكر من أجل غاية معينة ، أحدثت تغييرا في المفاهيم بما يتفق مع الأعمال التي أرادت أن تقود الحزب بمجموع أجهزته ومجموع شبابه إلى القيام بها ، ثم قامت بفصل هذه الأعمال عن الغاية المعيّنة ، مما جعل الحزب يسير في حركة لولبية كادت أن تصل بالشباب إلى الجمود واليأس .
    أما حديثها عن أهمية العمل في الأمة التي تأتي عليه بين الحين والحين فقد كان يذهب أدراج مفاهيم اليأس والاستيئاس ، ويتم وأده في مفاهيم القدرية الغيبية . وأنه قوة الدفع الذاتي الموجودة في الحزب بسبب صفاء الفكرة التي يقوم عليها ونقائها ، ولولا أن الحزب تبنى أنه يقوم بأعمال مرحلة التفاعل في نقطة الارتكاز ، لتوقف الحزب عن السير توقفا كليا منذ زمن بعيد .
    فمن أجل أن يعيد الحزب إليه جوّه الإيماني الذي يضمن له الوصول إلى تحقيق غايته باستئناف الحياة الإسلامية بالعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبّق الإسلام ، وتحمل رسالته للعالم ، لا بد له من أن يتبع القاعدة العملية والتي هي أن يكون العمل مبنيا على الفكر ، وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة ، وهذا يوجب أن يكون منطق الإحساس هو الأساس ، أي أن يكون الفهم والتفكير ناجمين عن إحساس لا عن مجرد فروض لقضايا خيالية ، وأن يكون الإحساس بالواقع مؤثرا في الدماغ ، موجِدا مع المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر ، فهذا هو الذي يحقق العمق في التفكير والإنتاج في العمل . على أن يَصحب ذلك القيام بتصحيح جميع المفاهيم المغلوطة ، وبإيجاد المفاهيم الصحيحة التي من شأنها أن تؤدي إلى تنقية جو الحزب الإيماني تنقية تامة بإذن الله تعالى .
    وسواء أصاب الحزب في ظنه سنة 1964م أم أخطأ ، فإن الحزب يدرِك قابلية المجتمعات للانتكاس سواء على صعيد الرأي العام أم على صعيد قيادة الأمة . ولمّا كان العمل لا بد أن يُبنى على الفكر الناتج عن الحس بالواقع الآن ، وأن يكون العمل والفكر من أجل تحقيق الغاية التي لم تتحقق بعد ، أو التي تحققت وانتكس المجتمع بعدها ، فإن الواجب على الحزب أن يباشر القيام بجميع الأعمال التي تؤدي إلى تحقيقها قبل أن ينتقل إلى الدور التالي . بمعنى أن الحزب لا بد أن يدرس ما عليه واقع المجتمع والناس من جهة الرأي العام ومن جهة انقياد الأمة فيبني على ما هو موجود فعلا ويَشرَع بالأعمال التي تحقق الغاية التي لم يستكمل تحقيقها . ولا ينتقل إلى الدور التالي من المرحلة التالية إلا بعد أن يتم تحقيقها بإذن الله . فإذا ما اطمأن الحزب إلى وجود القاعدة الشعبية سواء من حيث الرأي العام المنبثق عن الوعي العام أو من حيث احتضان الأمة له ولفكرته فإنه عندها يستطيع أن ينتقل إلى نقطة الارتكاز ويكون انتقاله حينئذ انتقالا طبيعيا .

    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع\

    الرأي العام المنبثق عن الوعي العام

    الرأي العام أو العرف العام هو الأفكار التي يحملها مجموع الناس عن مصالحهم ، والمشاعر المتيقظة لديهم عن هذه المصالح ، وبعبارة أخرى هو الأفكار والمشاعر السائدة في الجماعة بوصفها جماعة . وكون الرأي عاما لا يعني الغموض أو الإبهام أو الافتقار إلى البلورة ، وإنما يعني أن هذا الرأي سائد في الجماعة بوصفها جماعة . والعمل لإيجاد الرأي العام يكون بكيفية محددة وهي إيجاد الوعي العام عند الأمة على الإسلام ، فالحزب لا يعمل لإيجاد رأي عام للإسلام بشكل مطلق وإنما يعمل لإيجاد وعي عام ينبثق عنه رأي عام للإسلام .
    والأفكار هي حكم على واقع ، والمشاعر هي إحساسات الطاقة الحيوية ويثيرها إما أفكار تتداعى عن الشيء الذي يثير المشاعر للإشباع أو واقع محسوس يثير المشاعر للإشباع ، وأما المفاهيم فهي أفكار ارتبط التصديق بها بمشاعر الناس ، وبتعبير آخر هي الأفكار التي لها واقع مُتَصوَّر في ذهن الناس ويصدقونها ، فلا تخرج عن كونها أفكارا ومشاعر لذلك لم تدخل في تعريف الرأي العام . والفكر حتى يصير فكرا عاما لا بد أن يكون الواقع الذي عبَّر عنه واقعا محسوسا من قِبَل المجموع لا من قِبَل فرد أو أفراد أو جماعات معيَّنة ، بغض النظر عن تفاوت المجموع في دركات الإحساس ، وكما لا بد أن يكون هذا الفكر مُعبِّرا عن مصلحة من مصالح المجموع لا عن مصلحة خاصة لفرد أو أفراد أو جماعات معيَّنة فقط . وما ينطبق على الأفكار ينطبق كذلك على المشاعر .
    وكَمَثَل على الأفكار التي تصلح لأن تصبح رأيا عاما العقيدة العقلية أو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وبما بعدها ، فمن ناحية فإن الفكرة الكلية تعبِّر عن واقع محسوس هو الكون والإنسان والحياة ، ومن ناحية ثانية فإن الفكرة الكلية هي التي تحل العقدة الكبرى عند الإنسان ، ومتى حُلَّت هذه العقدة حُلَّت باقي العقد ، لأنها جزئية بالنسبة لها ، أو فروع عنها . فهي القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة . من هنا كانت العقيدة العقلية أو الفكرة الكلية من أكثر الأفكار قابلية لأن تصير رأيا عاما بل وعالميا أيضا .
    ومن الأمثلة على هذه الأفكار فكرة الأخوة الإسلامية ، أو رابطة العقيدة الإسلامية والنظام المنبثق عنها كرباط جامع للأمة الإسلامية ، لأن هذه الفكرة تُعبِّر عن واقع محسوس وهو ارتباط الإنسان بالإنسان في شؤون الحياة . هذا الواقع المحسوس له مساس بمصالح الناس ، لأنه يعبِّر عن حاجة الإنسان للارتباط بجماعة الناس بدافع من شعوره بالبقاء وبقاء النوع لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بمعزل عن غيره من بني الإنسان .
    ومن الأمثلة على هذه الأفكار ، فكرة الجهاد ، وذلك لأن الواقع الذي تعبر عنه هو مصالح الأمة في الخارج ، وأما التعبير عن هذا الواقع المحسوس فهو حمل المبدأ بالقوة المادية للعالم . فالجهاد هو الأساس أو المقياس لعلاقة الأمة مع غيرها من الشعوب والأمم .
    ومن الأمثلة على الأفكار التي يوجد فيها القابلية لأن تصير رأيا عاما فكرة الخلافة الإسلامية ، لأن الواقع الذي تُعَبِّر عنه فكرة الخلافة هو مصالح الأمة كلها في الداخل وفي الخارج ، وهو واقع محسوس يقع عليه حس كل مسلم في كل شأن من شؤون حياته ، وأما التعبير عن هذا الواقع المحسوس فهو أن الخلافة هي الطريقة الدائمة لرعاية مصالح الأمة سواء بتطبيق الإسلام في الداخل أو بحمل الدعوة بالجهاد إلى الخارج .
    وأما الأمثلة على المشاعر التي تصلح لأن تصبح شعورا عاما ، فهي المشاعر المتصلة بالأفكار التي تصلح لأن تصبح رأيا عاما كجميع الأفكار المذكورة .
    أما مدلول الوعي العام ، فإن كلمة العام تعني عموم الناس أي مجموع الناس لا أن الوعي يكون غامضا أو مبهما أو غير محدَّد ، فكلمة العام هنا ليست وصفا لحقيقة الوعي ، بل إن غموض الفكرة يتناقض مع وجود الوعي عليها ، فلأجل فهم الفكر يجب أن يدرك واقعه كما هو إدراكا يحدده ويميزه من غيره كما يوجب أن يتصور هذا الواقع تصورا صحيحا يعطي الصورة الحقيقية عنه ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن فهم الفكر لأخذه ، لا بد أن يجري التصديق به إلى جانب إدراك واقعه وتصور مدلوله .
    والوعي المطلوب إيجاده عند الأمة هو أن تدرك الأمة بمجموعها مبدأ الحزب وأن تعتنقه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها ، وأن توجد القناعة عندها بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وبصدقها ، فتحصل عندها الثقة بالأفكار والنظم المنبثقة عن العقيدة الإسلامية باعتبارها وحيا من الله علاجا لأفعال العباد لتحقيق السعادة لهم .
    إلا أن القناعة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وبصدقها لا توجد إلا إذا أدركت الأمة بمجموعها الواقع الذي تدل عليه هذه الأفكار والأحكام وصدقت بها . ويكون ذلك بتنزيل الأفكار والأحكام المنبثقة عن العقيدة الإسلامية على الوقائع الملموسة والحوادث الجارية . وأما صحة وصدق هذه الأفكار والأحكام فآتية من صحة العقيدة التي انبثقت عنها ، أي من حيث كونها أحكاما شرعية ، بالإتيان بالدليل الشرعي لكل فكر ولكل حكم من الكتاب أو السنة أو مما أرشد إليه من أدلة . فإذا تكرر ثبوت صحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها وجدت القناعة بها وتولدت عن هذه القناعة الثقة بها وحدها دون سائر الأفكار والأحكام الموجودة في العالم . فالمطلوب هو أن تعتنق الأمة العقيدة الإسلامية فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة ، عقيدة سياسية تتخذ أساسا ما بعده أساس للبحث عن رعاية شؤون الدنيا ، وقاعدة فكرية تبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها أنظمة الحياة ، وقيادة فكرية تقود معتنقها إلى وجهة نظر معينة في الحياة وإلى نمط معين من العيش ، وإلى الحكم على الأفكار والوقائع والأحداث من منظار معين يصور الحياة على أنها الحلال والحرام .
    هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حصول القناعة بصحة وصدق النظام المنبثق عن العقيدة الإسلامية لا يعني حصول القناعة بصحة وصدق معالجات الإسلام لمشاكل الحياة فحسب بل يعني كذلك أن توجد القناعة عند الأمة بالكيفية التي جاء بها الإسلام لتنفيذ أحكامه . وهذا يعني أن توجد القناعة عند الأمة بمجموعها بالخلافة باعتبارها الطريقة الدائمة لتطبيق الإسلام في الداخل ولحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج ، فيدرك واقعها من حيث هي كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية ومن حيث القواعد التي يقوم عليها سلطان الإسلام فتلمس الأمة بمجموعها ضرورة وجودها .
    وأما الجهاد فإنه بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك . فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد . والجهاد هو الطريقة الدائمة لحمل الإسلام إلى العالم بقتال الكفار قتالا ماديا ، وسببه كون الذين نقاتلهم كفارا رفضوا الإسلام بعد عرضه عليهم عرضا يلفت النظر . أي أن توجد الحالة التي يعرض فيها الإسلام عرضا يلفت النظر ثم يحصل الجهاد . فواقع الجهاد أنه قتال الكفار لإزالة الحواجز المادية من أمام الدعوة الإسلامية لجعل الشعوب تعتنق الإسلام وتكون مع سائر المسلمين أمة واحدة لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . فيركز الجهاد في سبيل الله في النفوس وتوجد القناعة به بهذا الوصف وعلى هذا الاعتبار .
    هذه الأفكار الأساسية الثلاثة هي التي يجب أن يعمل لتركيزها عند الأمة بمجموعها حتى يجري تركيز الإسلام عند الأمة بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها ، وحتى تربط الفكرة الإسلامية في أذهان الناس بطريقة تنفيذها . إذ أن توحيد هذه الأفكار عند الأمة يؤدي إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد ، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة ، وببعث الحيوية فيها ، وتوحيد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان ، والحلال والحرام . فإذا توحّد هدف الأمة وتوحّدت عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة فقد وجدت النظرة إلى المصالح ، والتي تتمثل بوجود القناعة عند الأمة بمجموعها بثلاثة أمور : أولها أن رعاية مصالحها كلها سواء في الداخل أو الخارج يجب أن تتم بأحكام الإسلام ، وثانيها أن الخلافة هي الكيفية الدائمة لرعاية مصالحها كلها في الداخل بتطبيق الإسلام وفي الخارج بحمل الدعوة بالجهاد ، وثالث هذه الأمور أن الجهاد هو الكيفية الدائمة لحمل المبدأ للعالم أجمع .
    أما الأفكار الفرعية والأحكام التي تعالج الأعمال فإنها نتيجة لتركيز الأفكار الأساسية وتعميقها ، فلا بد من غرس البذور وسقيها بما يحميها وينميها ، أي إيجاد العقيدة بأهم أفكارها وربطها بما يوجدها في معترك الحياة من سلطة وبما يحملها إلى العالم من قوة . أما تكرار تنزيل الأفكار والأحكام على الوقائع الملموسة والحوادث الجارية فليس المقصود منه جزئية هذه الأفكار والأحكام ، بل المقصود تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة أي وجهة النظر الإسلامية في الحياة أو طريقة الإسلام الخاصة في الحياة عن طريق ربط معالجات الوقائع الجارية بالعقيدة الإسلامية مباشرة لإيجاد البرهان العقلي والشعوري الذي يوجِد القناعة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه من حيث هي وحي من الله تعالى ، وبناء على ذلك تحصل الثقة عند الأمة بأفكار الإسلام وأحكامه باعتبارها أفكارا إسلامية مستنبطة من الكتاب أو السنة أو ما يرشد إليه الكتاب أو السنة من أدلة .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    فالغاية هي جعل وجهة النظر الإسلامية في الحياة هي السائدة ، وجعل طريقة الإسلام في الحياة هي طريقة الناس في العيش سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين . وهذا لن يتأتى إلا بجعل العقيدة الإسلامية وحدها الأساس للحياة وجعل الحلال والحرام المقياس الوحيد للأعمال . وهذه العملية الصهرية التي يتولاها الحزب في الأمة هي " السعي بشكل مقصود لتوحيد الأفكار والآراء والمعتقدات على وجه يجعل هذا التوحيد لها مؤديا إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد ، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة ، وببعث الحيوية فيها ، وتتوحد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان ، والحلال والحرام " . فالغاية منها هي تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة وهدم ما يناقضها على وجه يزيل الأفكار العرضية الطارئة حين يجري تركيز هذه الأفكار الأساسية .
    وأما الكيفية العملية للوصول إلى ذلك فيجب أن يتحقق فيها أمران : أحدهما تمكين الناس من وضع الأصبع على الواقع المحسوس الذي يدل عليه الفكر المراد هدمه والفكر المراد إعطاؤه . وثانيهما ربط الأفكار والأحكام المنزلة على واقع بالعقيدة الإسلامية من جهة ، وبالخلافة وحمل الدعوة إلى العالم بالجهاد من جهة أخرى . وبهذا يكون الحزب بوتقة تصهر الأمة ، فينقيها من الأدران والمفاسد التي أدت إلى انحطاطها والتي هي " الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام " أو تولدت عندها أثناء انحطاطها والتي هي " أساس فكرة الغرب عن الحياة ، وهي فصل الدين عن الحياة ، ومنه فصل الدين عن الدولة " . يضاف إليها " ما سمم به الجو من آراء سياسية وفلسفية أفسد بها وجهة نظر المسلمين عن الحياة ، وبلبل الفكر الذي لدى المسلمين ، وما سمم به المجتمع من الوطنية والاشتراكية والقومية والديمقراطية " .
    إن الرأي العام المنبثق عن وعي عام له مدلول تصوَّره البعض أنه عمل عام وليس رأيا عاما أي انضباط بالإسلام من قبل مجموع الناس ، والحقيقة أن معنى هذا القول أن تلمس الأمة بمجموعها ضرورة الاحتكام إلى الإسلام ضرورة لا تدفعهم إليها عاطفة عاصفة أو رغبة آنية ملحة وإنما يدفعهم إدراكهم بأن حياتهم وولاءهم يجب أن يكون للإسلام وحده وهو أمر لا يعني أن يباشر الناس تطبيق الأحكام الشرعية على أنفسهم ، وإنما معناه أن يوجد الولاء للإسلام لا لغيره وهذا لا يظهر أثره ملموسا في الحياة العملية إلا في التطبيق . ذلك أن المجتمع هو العلاقات الدائمية بين الناس ، والعلاقات إنما تنشأ على المصالح ، وأما الذي يحدد نوع العلاقات فهو الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم والمشاعر المتيقظة لديهم عن هذه المصالح ، ثم النظام الذي ينظم هذه العلاقات بين الناس . وعليه فإن العلاقات الدائمية لا توجَد على أساس ما يحمل الناس من أفكار ومشاعر فقط ، وإنما توجَد أيضا من النظام المطبق على الناس ، أي أن المفاهيم السائدة في المجتمع لا توجِد وحدها علاقات دائمية بين الناس ، إذا لم توجَد منهم سلطة تسيطر على هذه العلاقات وتسيرها . فلا يمكن أن يتم عمليا تغيير العلاقات القائمة فعلا بعلاقات أخرى من غير إزالة السلطة التي تسيطر على هذه العلاقات وتسيرها ، حتى لو حصل بالفعل الانقلاب في الأفكار والمشاعر الموجودة في المجتمع .
    ووجود الوعي العام عند الأمة على الإسلام من شأنه أن يوجِد الدافع عند الناس لتغيير العلاقات القائمة فعلا واستبدالها بعلاقات تتفق مع ما يحملون من أفكار وتجاوب مع ما لديهم من أحاسيس . ذلك أن وجود الوعي العام فوق أنه يوجِب أن تكون العقيدة الإسلامية متركزة في نفوس المسلمين فإنه يعني أيضا حصول الانقلاب الفكري والشعوري في المجتمع ، أي أن تصبح الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم إسلامية ، فيوجد بذلك تناقض بين أنظمة الكفر المطبقة على الناس وبين أفكارهم ومشاعرهم ، وهذا التناقض يثير في الأمة مشاعر الغضب أو مشاعر السخط ، ومشاعر الغضب إذا وجدت في الأمة ، وجد عندها حينئذ الدافع أو الحافز للتحرك الجماعي لإزالة العامل المثير لغضبها .
    هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن وجود الوعي العام يحتم أن توجد عند الأمة المفاهيم التي تعين لها المسؤولية عن حمل الدعوة لإقامة الدولة كالمفاهيم المتعلقة بالخلافة سواء من حيث أنها الطريقة الدائمة لتطبيق الإسلام في الداخل وحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج أو من حيث القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام ، كقاعدة السلطان للأمة ، وكقاعدة أن نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين .
    فإذا وجد الوعي العام عند الأمة على الإسلام فإن ذلك يعني أن يوجد عند الأمة بمجموعها الاستعداد للتحرك لتحويل السلطان الحاضر إلى سلطان إسلامي ، وهذا الاستعداد وإن كان لا بد من وجوده حتى توجد الإرادة في مجموع الأمة لحمل الدعوة لإقامة الدولة ، إلا أنه بدون أن يباشر الحزب محاولة أخذ قيادة الأمة فإن الأمة لن تندفع بوصفها أمة لتحويل السلطان القائم إلى سلطان إسلامي . وذلك لأن تلبس الأمة بمجموعها بالقيام بالأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى هدم أنظمة الكفر القائمة وإقامة الخلافة على أنقاضها يتطلب وجود قيادة تثق بها الأمة وتلتف حولها وتسير وراءها . فقوى الأمة بمجموعها لا تتوحد من تلقاء نفسها كما أن مجموع الناس لا يستطيعون بوصفهم جماعة رسم الطريق الذي يؤدي إلى الوصول للغاية . فالناس لا تتحرك كجماعة بدون قائد يرسم لها الطريق ويوجهها إلى الأعمال التي تؤدي إلى قيام سلطان الإسلام .
    ووجود الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام يدل عليه ثلاثة أمور هي :
    أولا : حصول الانقلاب الفكري والشعوري في المجتمع .
    ثانيا : توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة .
    ثالثا : بدء تحول فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة من قوة روحية في الأمة إلى قوة مادية .

    أولا : الانقلاب الفكري والشعوري :
    الفكر كفكر يظهر إلى حيز الوجود إذا عُبِّرَ عنه باللسان أو القلم ، وعند ذلك يجري إدراك وجوده ومن ثم ترد إمكانية قياسه . وقياس الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم يكون بملاحظة الأفكار التي تصدر عن الناس أنفسهم ، وملاحظة موقف الناس من الأفكار التي توجَّه إليهم .
    أما قياس ما يصدر عن الناس فيكون بتسجيل الأفكار التي تسيطر على أحاديث الناس سواء في الأماكن الخاصة أو الأماكن العامة ، وسواء في أحاديثهم العادية أو أحاديثهم تعليقا على ما يدور بينهم من مناقشات ومحاضرات وندوات ولا يتأتى ذلك إلا عن كريق الاتصال الحي بالناس . وعن هذا الطريق يمكن معرفة أفكار الناس وآرائهم في الوقائع الملموسة والحوادث الجارية ، خاصة البارزة منها . كما أن قياس ما يصدر عن الناس يكون بتسجيل الأفكار التي تظهر فيما يكتبه الناس في الكتب أو الصحف والمجلات بشكل تلقائي أو نتيجة وجود حافز دفع الناس للتغيير عن آرائهم في قضايا من خلال وسائل النشر أو حالة الطلب من الناس بشكل مباشر للتعبير عن آرائهم في مسائل معينة تعرض عليهم .
    أما قياس الأفكار عن طريق رصد موقف الناس من الأفكار الموجَّهة إليهم عبر وسائل النشر المسموعة أو المقروءة ، فيكون بملاحظة إقبال الناس عليها أو إعراضهم عنها ، وذلك مثل إقبالهم على الاستماع لندوة أو محاضرة يتحدث فيها مفكر إسلامي أو يكون موضوعها له علاقة بالإسلام والمسلمين ، وعدم اكتراثهم بالمحاضرات أو الندوات التي لا تبحث في قضايا ذات صلة بالإسلام أو المسلمين ، ومثل إقبال الناس على شراء الكتب الإسلامية ، وإعراضهم عن الكتب التي تتحدث عن الفكر الاشتراكي أو الرأسمالي أو القومية . كما يدخل في هذا القياس رصد موقف الناس من المنظمات الفكرية في المجتمع كالأحزاب والتكتلات التي تقوم على أسس فكرية . فيلاحظ إقبال الناس على المنظمات الإسلامية وأن هذه المنظمات قد صار لها امتداد بين جمهرة الناس ، وفي مقابل ذلك يلاحَظ إعراض الناس عن المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام ، وأن هذه المنظمات قد أصبحت هامشية ، سواء على الصعيد الفكري أو على الصعيد السياسي مما أفقدها القدرة على استقطاب جمهرة الناس ، أي صارت منفصلة عنهم . وعند قياس ما يصدر عن الناس سواء بتسجيل الأفكار التي تسيطر عليهم أو رصد موقفهم من الأفكار الموجَّهة إليهم ينبغي عدم التجريد أو التعميم أو القياس الشمولي .
    على أن الاتصال الحي بالناس يبقى هو حجر الزاوية في معرفة الرأي العام ، سواء من حيث الشمولية أو من حيث الدقة في الوقوف على الأفكار الطاغية في المجتمع . والاتصال الحي بالناس يُرى أن لا وجود لأي فكر مؤثر في المجتمع غير أفكار الإسلام . لذلك نجد أن وسائل الإعلام العالمية والإقليمية صارت ترتكز في التعامل مع الرأي العام في العالم الإسلامي وفي مخاطبته على أساس أنه رأي عام إسلامي .
    أما طريقة قياس المشاعر في المجتمع فتكون بتحديد العامل المثير لها سواء كان واقعا محسوسا يثير المشاعر للإشباع أو كان فكرا من الأفكار التي تعبر عن وقائع تثير المشاعر ، فإذا رضي المسلمون بما يرضي الله ، أو سخطوا بما يسخط
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    الله كانت مشاعرهم حينئذ مشاعر إسلامية ، وأما إذا رضوا بما يسخط الله أو سخطوا لما يرضي الله كانت مشاعرهم حينئذ مشاعر غير إسلامية .
    وحتى تدرك المشاعر الموجودة في المجتمع لا بد إدراك الوسائل والأساليب التي يتم بواسطتها تعبير الناس عن المشاعر المتيقظة لديهم عن مصالحهم . والمشاعر إما أن يظهر أثرها في الجو العام للجماعة أو يظهر أثرها في سلوك الجماعة ، إذ يمكن إدراك الشعور بالرضى أو الفرح أو الشعور بالطمأنينة ، كما يمكن إدراك الشعور بالغضب أو الحزن أو الشعور بالقلق من ملاحظة ما تحدثه هذه المشاعر من أثر في الأجواء العامة التي تخيِّم على مجموع الناس ، فكل شعور جماعي يفرض جوا خاصا به أو يترك أثرا متميزا عن غيره على أجواء جماعة الناس .
    وأما الأثر الذي تحدثه المشاعر في سلوك الجماعة فهو تعبير الجماعة بالأقوال أو الأعمال عن المشاعر المتيقظة لديها عن مصالحها كالتذمر العام أو تشكيل الوفود أو الخروج بمظاهرات أو القيام بمسيرات أو عقد المؤتمرات أو القيام بإضراب أو اعتصام في مكان عام للتعبير عن الرفض أو التأييد أو برفع الشعارات أو اللافتات أو العرائض أو بأية وسيلة من الوسائل .
    والمتتبع للواقع الذي وصلت إليه الأمة والمجتمع يدرك أن المشاعر التي باتت تسيطر على الأمة هي مشاعر إسلامية وأن معظم المشاعر غير الإسلامية التي استولت عليها قد أو ضعف تأثيرها في النفوس . إذ أن المشاعر التي تتحرك في الأمة بتأثير من الوقائع الجارية أو بتأثير من الأفكار هي مشاعر إسلامية ، أما تأثر المسلمين بالوقائع الجارية فواضح في غضبهم من المجازر الوحشية التي ارتكبها الكفار بحق المسلمين في البوسنة والهرسك وبلاد الشيشان وأفغانستان . وفي حرب الخليج الثانية وجدنا أن مشاعر السخط والغضب قد تحركت لدى المسلمين في كل مكان بسبب احتلال الغرب الكافر بلاد الإسلام واعتدائه الوحشي على المسلمين في العراق ، وقد كانت المساجد في معظم أنحاء العالم الإسلامي منطلقا للتعبير عن مشاعر الغضب طوال مسلسل الأزمات المفتعلة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، والتي كان آخرها الهجوم العسكري الأمريكي البريطاني على العراق في كانون أول سنة 1998م وفي المغرب وحدها خرج نحو مائة ألف مسلم في مظاهرة عارمة تعلوها المصاحف .
    وأما أثر أفكار الإسلام الأساسية في المشاعر فإنه يظهر في ارتباط شعور الأمة بفكرة الحكم بما أنزل الله ، وبأخوة الإسلام ، كما اهتز لنداء الجهاد ونداء " الله أكبر " . كما أن غالبية المسلمين تشعر بالسخط من الكيفية التي تجري على أساسها رعاية مصالحهم ، وتشعر بالغضب والكراهية للسلطات التي بيدها صلاحية رعاية هذه المصالح .
    والأمثلة التي تدل على تجاوب مشاعر الأمة مع أفكار الإسلام الأساسية كثيرة كموقف الأمة من الثورة في إيران التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام سواء شعار تطبيق الإسلام أو تصدير الثورة ، وكذلك موقف الأمة من الانتخابات النيابية التي أجريت في أكثر من بلد من بلدان العالم الإسلامي ، وموقف أبناء الأمة من الغزو السوفياتي لأفغانستان والروسي لبلاد الشيشان ، والأرمني لأذربيجان ، والصربي للبوسنة والهرسك . وفي هذا كله دلالة على أن مشاعر الإسلام قد وجدت عند المسلمين في رعاية شؤون الحياة الدنيا .
    وفي مقابل ذلك نجد أن معظم المشاعر غير الإسلامية قد زالت أو ضعف أثرها من النفوس كالوطنية والقومية إذ لم يعد يهز المسلمين نداء الوطن ولا نداء القومية ، فلم تعد ألفاظ العرب والعروبة تثير المشاعر ولم يعد للأفكار القومية القدرة على تحريك جمهرة الناس أو هز مشاعرهم ، مثل الجامعة العربية ، أو الوحدة العربية ، أو النهضة القومية ، أو التحرر القومي ، والمشاعر التي كانت موجودة لأفكار التحرر والاشتراكية لم يعد لها تأثير على الناس .
    إلا أن الانقلاب الشعوري في المجتمع لم يصل بعد في شموله وقوته إلى نفس الدرجة التي تحقق بها الانقلاب الفكري ، بمعنى أن تأثير الانقلاب في فكر المجتمع لم يؤثر في شعوره تأثيرا شاملا لكل فكرة من الأفكار التي حدث فيها الانقلاب ، وأن المشاعر التي تأثرت بهذه الأفكار أو تجاوبت معها لم تُحدِث أثرا قويا في النفوس ، ولم يحصل التجاوب معها بدرجة كافية تؤدي إلى دفع الأمة بمجموعها للتعبير عن سخطها أو غضبها كلما بدر من السلطة الحاكمة ما يمس مصالحها أو مبدأها .

    ثانيا : توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة :
    لقد دلت الوقائع والحوادث الجارية خاصة البارزة منها على تجاوب مشاعر المسلمين مع أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة مما يعني أن الأمة الإسلامية قد تقبلت مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية ، أي دلت هذه الحوادث على توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة .
    ومن الأمثلة على ذلك موقف الأمة الذي عبَّرت عنه في الانتخابات النيابية في أكثر من بلد كما في الجزائر أو الأردن أو مصر أو تركيا ، إذ أن الانتخابات لها دلالة سياسية ، وكون المسلمين ينتخبون المرشح الذي يرفع شعار الإسلام ، أو شعار الإسلام هو الحل ، فإن هذا يدل على أن العقيدة الإسلامية قد ارتبطت بأفكار الحياة وأنظمة التشريع أي أصبحت عند المسلمين عقيدة سياسية لا عقيدة روحية فحسب ، وقاعدة فكرية تُبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها الأنظمة ، لأن انتخاب النائب يعني اختيارا لأفكار الحكم وليس اختيارا لإمامة الصلاة في المسجد ، ولأن شعار الإسلام هو الحل يعني أن الإسلام هو العلاج لكل مشاكل الحياة ، ولا يعني قصره على أحكام العبادات ، بل إن أحكام العبادات لا تحتاج إلى نائب يمثل الأمة في البرلمان . وهذا دليل على أن مفهوم فصل الدين عن السياسة أو عن الدولة لم يعد هو الأساس في النظرة إلى المصالح . وهذا كله يصلح مؤشرا على أن الأمة صارت تثق بما ينبثق عن عقيدتها من نظم تعالج مشاكل الحياة .
    ومن الأمثلة على ذلك موقف الأمة الإسلامية من الثورة في إيران سنة 1979م ، فقد تحرك الشارع في إيران للإطاحة بحكم الشاه تحت قيادة الخميني باسم الإسلام ، وانطلقت المظاهرات والمسيرات في كبريات العواصم في بلاد الإسلام لإعلان التأييد ، وصارت هذه الثورة محط أنظار المسلمين في العالم الإسلامي كله كأمل لتحرير فلسطين من رجس اليهود . والثورة " الإسلامية " في إيران ثورة سياسية شعارها الإسلام ، وهدفها المعلن تطبيق الإسلام في الحكم على أنقاض حكم الشاه وتصدير الثورة . وموقف الأمة هذا فيه دلالة على أن العقيدة الإسلامية قد ارتبطت برعاية شؤون الحياة الدنيا ، وأنها صارت تنظر إلى الإسلام بوصفه دينا منه الدولة ، وهذا أيضا مؤشر على وجود الثقة لدى المسلمين بالنظام المنبثق عن عقيدتهم .
    هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن موقف المسلمين في الانتخابات النيابية وموقفهم من في إيران يدل كذلك على أن الحكم بما أنزل الله صار هدفا للأمة الإسلامية ، وذلك لأن تطبيق الشريعة الإسلامية كان هو شعار الثورة في إيران ، وقد رفع الخميني شعار تصدير الثورة ، مما أوجد الأمل في نفوس المسلمين بإمكانية التخلص من أنظمة الكفر المطبَّقة عليهم ، ولذلك تجاوبت الأمة بإعلان التأييد في مظاهرات عارمة في جميع العالم الإسلامي . وأما شعار الإسلام هو الحل ، فإن الناس لا تفهمه إلا على أساس أن الإسلام هو العلاج لكافة نواحي الحياة ، أي رعاية مصالح الناس على أساس الإسلام ، وهذا الواقع وإن لم يعبَّر عنه باسم الخلافة أو الدولة الإسلامية ، إلا أنه يعبِّر عن واقع الخلافة ، حتى وإن لم يَقصد رافعو شعار " الإسلام هو الحل " تطبيقه بالفعل كما فهم الناس أو لم يقصدوا تطبيقه بحسب الواقع الذي يدل عليه .
    ومن المؤشرات التي تدل على وحدة هدف الأمة بأنه إقامة الخلافة أن الحركات الإسلامية التي تهدف إلى أخذ قيادة جمهرة المسلمين صارت ترفع شعار الخلافة الإسلامية ، أو شعار الإسلام هو الحل ، بغض النظر عن مدى إخلاص القائمين على هذه الحركات . حتى أن الحركات الإسلامية التي ظهرت في البلاد الإسلامية التي كانت خاضعة للحكم الشيوعي فيما كان يُعرف بالاتحاد السوفياتي سابقا ، رفعت هي الأخرى شعار الخلافة ونادت به ، وكان شعار الذين قتلوا الخائن السادات ( الخلافة أو الموت ) .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    562

    افتراضي تابع

    أما ارتباط مشاعر المسلمين بأخوة الإسلام ، فإن تجاوب المسلمين في جميع أرجاء العالم الإسلامي مع الأحداث البارزة التي حصلت في مختلف البلاد الإسلامية ليدل على أن الأمة الإسلامية مجموعة إنسانية واحدة تربطها عقيدة واحدة ينبثق عنها نظامها . ففي حرب الخليج الثانية خرجت المسيرات وعمت المظاهرات وعقدت الندوات وألقيت المحاضرات في أنحاء العالم الإسلامي تطالب الحكام بإعلان الجهاد ضد الكفرة المعتدين ، وقد انهالت المساعدات ، وهبَّ الآلاف من أبناء هذه الأمة متطوعين للجهاد .
    وحمل الدعوة هو الأساس الذي تقوم عليه علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الشعوب والأمم وطريقة تنفيذه الجهاد ، وقد أكدت الحوادث الكثيرة حقيقة الأمة الإسلامية أنها أمة مجاهدة وأنه يوجد عندها الاستعداد للتضحية والعطاء ، وأن الشهادة في سبيل الله أغلى أمنية عند المسلمين في كل مكان . وعلى الرغم من أساليب التضليل التي مورست على الأمة عشرات السنين فيما يتعلق بحل مشكلة احتلال اليهود لفلسطين إلا أن الوقائع الجارية تدل على أن مشاعر الأمة الإسلامية إنما تتجاوب مع النداء للجهاد ولا تتجاوب مع الصلح مع إسرائيل ، فقد أعربت الأمة بأسرها عن مشاعر البهجة والسرور لمقتل الخائن السادات على يد نفر من أبناء هذه الأمة بسبب ارتكابه جريمة الصلح مع إسرائيل ، وقد تكرر موقف الأمة بالتأييد والمؤازرة لما قام به سليمان خاطر في مصر ولما قام به أحمد الدقامسه في الباقورة في الأردن ، فالأمة تؤيد كل عمل وموقف يتخذ في معاداة اليهود كما تنبذ كل حاكم يعلن الولاء أو يظهر الذل والاستخذاء أمام اليهود .
    جميع هذه الوقائع والحوادث تدل على أن العقيدة الإسلامية قد أصبحت بالنسبة للمسلمين عقيدة روحية سياسية لا عقيدة روحية فقط ، وأن الإسلام قد أصبح عند المسلمين دينا منه الدولة لا مفصولا عنها ، فالمسلمون اليوم ما عادوا يرون فصل أفكار الإسلام ووجهة نظره عن شؤون الحياة الدنيا ، ولا يرون فصل التشريع الإسلامي عن الدولة ، ولم يعودوا يعتبرون هذا الفصل للأفكار والتشريع ضرورة حياتية يقتضيه وجودهم وتقدمهم بين الناس ، أي أن ثقة المسلمين بما ينبثق عن عقيدة الإسلام من أفكار عن الحياة ونظم لتنظيم العلاقات قد عادت فعلا .
    كما أن الوقائع سالفة الذكر تدل على أن الأمة قد تم تنقيتها من كثير من الأدران التي أدت إلى انحطاطها أو التي تولّدت عندها أثناء انحطاطها ولا سيما أساس فكرة الغرب عن الحياة . فمفاهيم " فصل الدين عن الحياة " أو " الجهاد حرب دفاعية وليس حربا هجومية " أو " الحياد " أو " اشتراكية الإسلام " أو " السياسة كذب ودجل " أو " الاحتكام إلى أنظمة العصر " أو " الخلافة بابوية " أو " استحالة قيام الخلافة " أو " مرونة الإسلام " أو عصرنة الإسلام " و " ديمقراطية الإسلام " أو " الوطنية والقومية " لم تعد هي المفاهيم السائدة بين الناس .

    ثالثا : بدء تحول فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة من قوة روحية في الأمة إلى قوة مادية :
    هناك عدد من المؤشرات التي تدل على أن فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة قد بدأت بالتحول فعلا من قوة روحية إلى قوة مادية ، أي أن الفكرة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية صارت قوة تقف في مواجهة القوى الأخرى المعادية . واستكمال هذا التحول هو الذي ينقل الفكرة الإسلامية إلى التطبيق الفعلي في واقع الحياة .
    ويمكن إجمال الأعراض التي تشير إلى حصول هذا التحول بما يلي :
    1ـ الغالبية العظمى من أبناء المسلمين باتوا يؤمنون بأن عقيدتهم لا تعني مجرد الانتماء إلى دين وإنما تفرض عليهم أن يعيشوا على أساسها ، وأن يعملوا على إيجادها في معترك الحياة ، فلا يكاد بلد إسلامي يخلو من حركة تدعو إلى تطبيق الإسلام ، بينما لم يعد للحركات أو التكتلات التي لا تقوم على الإسلام القدرة السابقة على استقطاب جمهرة الناس .
    2ـ أما الخلافة فإنها أصبحت تترد على ألسنة غالبية المسلمين ، وتشكلت حركات جديدة تدعو إلى إقامة الخلافة ، وقد بلغت قوة الرأي العام للخلافة الحد الذي اضطرت معه الحركات التي لم تعنَ يوما بالخلافة إلى تملّق الرأي العام عند الحاجة .
    3ـ وبالنسبة للجهاد فإنه نتيجة تعطيل الحكام لهذا الفرض ، قامت حركات تنادي بالجهاد ، وتقوم بأعمال ضد الكفار باعتبارها جهادا ، ووُجد لهذه الحركات تأييد واسع بين المسلمين .
    4ـ والدلائل على أن الأمة بجملتها باتت ترى ضرورة الاحتكام إلى الإسلام وتريد العيش على أساسه كثيرة لدرجة أن الكفار بدأوا بوضع الخطط وتنفيذها لمحاربة الإسلام ، ووصم المتمسكين به والمنادين بتطبيقه بأوصاف مثل التطرف والتشدد والإرهاب والأصولية وغيرها ، كما أنهم أوعزوا إلى عملائهم بالتصدي لكل مخلص لقضية الإسلام . وراحوا يشوّهون صورة الإسلام عن طريق ربطه وربط حملة دعوته بسفك الدماء وقتل الأبرياء ، بل وهتك الأعراض كما يصوَّر الوضع في الجزائر ، وعن طريق تسليط الأضواء على الدول التي تدّعي تطبيق الإسلام والتي يقف الغرب الكافر وراءها ـ كما هو حاصل الآن في أفغانستان ، وإيران ، والسودان ، أو السعودية وباكستان .
    5ـ وإدراكا من حكام بلاد المسلمين لحقيقة أن الأمة لا يرضيها إلا الإسلام صاروا يتقربون إليها بإظهار أن سياساتهم لا تتعارض مع الإسلام مستعينين في ذلك بعلماء السلاطين .
    وحين نشبت أزمة الخليج ، تحول حاكم العراق بين عشية وضحاها من بعثي لا يؤمن بالإسلام ، إلى " مؤمن !! " يضع عبارة " الله أكبر " على علم العراق ويتحدث عن " جمع المؤمنين " و " جمع الكفار " .
    6ـ والكفار الغربيون يدركون حقيقة أن الرأي العام في المنطقة بأسرها إلى جانب الإسلام ، وأن أي عمل سياسي في العالم الإسلامي حتى ينجح لا بد أن يتم إسناده بالإسلام سواء في إيصال العملاء إلى الحكم أو تثبيتهم في سدة الحكم أو في تنفيذ خططهم في بسط النفوذ والسيطرة ، بينما لم يكونوا يفكرون في استخدام الإسلام لهذا الغرض أيام عبد الناصر على سبيل المثال ، لأن الرأي العام لم يكن للإسلام في ذلك الوقت ، بل كان إلى جانب أفكار القومية والتحرر والاشتراكية .
    7ـ وقد أصبح الغرب الكافر يلجأ إلى تسويق أفكاره في بلاد المسلمين على اعتبار أنها أفكار إسلامية أو لا تخالف الإسلام ، فيروّج للديمقراطية على أنها الشورى ، أو أنها ضد القمع والاستبداد ، ولا يجرؤ أن يروّج لها باعتبارها تعطي حق التشريع للإنسان وتنكره على خالق الإنسان ، كما اندفع الغرب بقوة في محاولة تمييع المجتمع من ناحية الإسلام حتى يتمكن من إخراج الإسلام من المجتمع ، فإلى جانب الديمقراطية صار يروج عن طريق عملائه تحت اسم الإسلام لفكرة وحدة الأديان ، والتسامح الديني ، والوسطية الإسلامية ، والتعددية السياسية ، وكذلك لمّا أدرك الغرب الكافر أن الأمة قد توحّد هدفها بأنه الحكم بما أنزل الله ، لجأ إلى تمييع هذا الهدف سواء عن طريق بث فكرة التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية أو المشاركة في الحكومات القائمة في العالم الإسلامي ، أو عن طريق إظهار بعض الدول أنها تطبق الإسلام كما في الباكستان وفي إيران وفي السودان .
    8ـ وفي بداية الثمانينات راحت الدوائر الغربية تهيئ رجالها وبرامجها لاحتواء الخطر الذي بدأ الغرب يستشعره من الإسلام وصار يجري تسليط الأضواء على عدد من المثقفين وبعض رجالات الحركة الإسلامية لقوموا نيابة عن الغرب بحرف حركة الوعي الحاصلة في الأمة الإسلامية نحو التيه والضياع مدّعين أنهم قادة لما يسمى بالصحوة الإسلامية وصاروا يلجأون إلى تأليف الكتب التي تتحدث عن بنية العقل العربي والعقل السياسي العربي وتجديد العقل العربي ، لتشكل حاجزا يمنع الأمة الإسلامية من أن ترى الحقيقة وهي : أنها لا نهضة لها إلا بالإسلام بعد سقوط القومية والاشتراكية والرأسمالية في بلاد المسلمين . كما صارت تُلقي المحاضرات وتعقد الندوات وتعد الدراسات لبحث واقع وأبعاد ما يسمى " الصحوة الإسلامية " ومن ذلك الندوة التي عقدها منتدى الفكر العربي في عمّان عام 1987م تحت عنوان " الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي " وقد ضمت هذه الندوة أكثر من خمسين مشاركا من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية ، وما هذه الأعمال إلا من أجل رصد الاتجاهات في العالم الإسلامي حتى يجري احتواؤها وتطويعها .
    فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ

+ الرد على الموضوع

تعليمات المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك