المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقوق الإنسان في ميزان الإسلام



فرج الطحان
31-10-2010, 10:07 AM
مفهوم "حقوق الإنسان" مفهوم غربي النشأة والمدلول، ولا علاقة له بالإسلام بأي وجه من الوجوه، ولم يعرف المسلمون هذا المفهوم أبدا، حيث لم يرد كمصطلح وكمفهوم في الثقافة الإسلامية منذ فجر الإسلام وحتى اليوم، ومن أدخل مفهوم "حقوق الإنسان" إلى الثقافة الإسلامية، وقام بمجاراة دعاتها هم دعاة التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، وأنى للنور أن يتوافق مع الظلام، وأنى للحق أن يصطلح مع الباطل، فالحق حق، والباطل باطل، مهما حاول دعاة الباطل تزيين باطلهم وتقريبه من الحق، ومهما حاول الإنهزاميون تقريب الحق من الباطل مجاملة وخوفا من أصحابه.
والحق أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه "حقوق الإنسان"، إذ في الإسلام أحكام شرعية وتكاليف ربانية، للرجل والمرأة على السواء بوصفهما إنساناً، لا بوصف الرجل رجلا والمرأة امرأة. ذلك أن الشارع حين خاطب العباد خاطبهم بوصفهم إنساناً، بغض النظر عن كون المخاطَب رجلاً أو امرأة، فقال تعالى: (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، (يا أيها الناس اتقوا ربكم)، (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول)، (كُتب عليكم الصيام)، (فمن شَهِدَ منكم الشهر فليَصُمْه)، (وأقيموا الصلاة)، (خذ من أموالهم)، (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين)، (والذين يكنزون الذهب والفضة)، (وأحل الله البيع وحرم الربا)، إلى غير ذلك من النصوص، وكلها خاطب بها الشارع الناس خطاباً عاماً من غير نظر إلى كون المخاطَب رجلاً أو امرأة. وهذا العموم في خطاب الشارع يبقى على عمومه. ومن هنا كانت الشريعة آتية للإنسان وليس للرجل بوصفه رجلاً ولا للمرأة بوصفها امرأة، بل للإنسان من حيث هو إنسان. فما في الشريعة من تكاليف شرعية إنّما جاءت للإنسان، وما تضمنته من حقوق وواجبات إنّما هي للإنسان وعلى الإنسان.
وهذا العموم في خطاب الشارع يبقى على عمومه في الشريعة كلها، ويبقى على عمومه في كل حكم منها ما لم يرِد في الشرع حكم خاص بالمرأة بنص شرعي، أو يرد حكم خاص بالرجل بنص شرعي، وحينئذ تخصص المرأة بذلك الحكم فقط الذي جاء به النص، ويخصص الرجل بذلك الحكم فقط الذي جاء به النص. وتبقى الشريعة على عمومها للإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)، وتبقى سائر الأحكام على عمومها للإنسان بغض النظر عن المرأة والرجل (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول)، (وأطيعوا الله والرسول)، (فمن شهد منكم الشهر فليصُمه)، (وأشهِدوا ذويْ عدل منكم) إلى غير ذلك من الأحكام، فإنها كلها تبقى على عمومها للإنسان من غير نظر إلى كونه امرأة أو رجلاً.
فالأصل هو أن الشارع جعل الشريعة للإنسان، لا للرجل ولا للمرأة، بل لهما بوصف كل منهما إنساناً. ثم جاءت من الشارع أحكام معينة خاصة بالمرأة وأحكام معينة من الشرع خاصة بالرجل، فيوقَف تخصيص المرأة بالأحكام الخاصة بها، وتخصيص الرجل بالأحكام الخاصة به عند حد هذه الأحكام لا يتعداها، وعند حد النصوص التي جاءت بها. ولا يخصص أي منهما بحكم إلاّ إذا ورد نص صريح في تخصيص أي منهما. فالتخصيص للمرأة أو الرجل بأحكام معينة جاء مستثنى من العموم فتبقى الشريعة على عمومها ويبقى كل حكم من أحكام الشريعة على عمومه، ويوقف في الاستثناء من هذا العموم عند حد النص الذي جاء به لا يتعداه. فمثلاً هناك أحكام خاصة بالنساء دون الرجال مثل ترك الصلاة والإفطار في رمضان في أيام الحيض، ومثل جعل شهادة المرأة الواحدة كافية في القضايا التي لا يطلع عليها إلاّ النساء كالبكارة، فهذه خاصة بالنساء، وردت فيها نصوص، فتختص المرأة بها دون الرجل ويُحصر اختصاصها بها وبما ورد فيه النص فقط منها، ولا تخصص في غيرها مطلقاً بل تبقى مخاطَبة بخطاب الشارع كمخاطبة الرجل سواء بسواء لأن الخطاب للإنسان وليس للرجل ولا للمرأة. ومثلاً هناك أحكام خاصة بالرجال مثل الحكم، أي السلطان، فإنه لا يصح أن يتولاه إلاّ الرجال. فهذا خاص بالرجال ورد فيه نص، فيختص بالرجل دون المرأة، ولكن يحصر اختصاصه بالحكم فقط ولا يختص بالقضاء أو رئاسة دوائر الدولة لأن النص جاء بالحكم أو بأولي الأمر لا بغيره، ويحصر بما ورد فيه النص فقط منه، ولا يخصص فيما لم يرِد فيه نص مطلقاً، بل يبقى الرجل مخاطَباً بخطاب الشارع كمخاطبة المرأة سواء بسواء لأن الخطاب للإنسان وليس للمرأة ولا للرجل. وبناء على هذا لا يوجد في الإسلام حقوق للمرأة وحقوق للرجل، أو واجبات للمرأة وواجبات للرجل، بل الذي في الإسلام هو حقوق وواجبات للإنسان بوصفه إنساناً من غير ملاحظة أنه رجل أو امرأة، بل بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة. فالشريعة جاءت للإنسان في كل أحكامها واستُثنِيَت منها بعض الأحكام، فخوطبت بها المرأة بوصفها امرأة بالنص الخاص، واستثنيت منها بعض الأحكام فخوطب بها الرجل بوصفه رجلاً بالنص الخاص. وبناء على عموم الشريعة وعموم كل حكم من أحكامها فإن المرأة تشتغل في التجارة والزراعة والصناعة كما يشتغل الرجل، لأن خطاب الشارع فيها جاء للإنسان، وتقوم بجميع التصرفات القولية من عقود ومعاملات لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتملك بأي سبب من أسباب الملكية وتنمي أموالها بأي وجه تراه بنفسها وبغيرها، لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتتولى التعليم وتقوم بالجهاد لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتشتغل بالسياسة وتنخرط في الأحزاب السياسية وتحاسِب الحكام، لأن خطاب الشارع جاء للإنسان، وتباشِر جميع شؤون الحياة العامة كما يباشرها الرجل سواء بسواء من جميع ما فيها من تبعات وما تحتاجه من خوض معارك الحياة لأن خطاب الشارع جاء للإنسان.
وبناء على ذلك فإن جميع التكاليف الشرعية التي أمر الله بها الإنسان بوصفه إنسانا، وأمر الرجل بها بوصفه رجلا، وأمر المرأة بها بوصفها امرأة، كلها حقوق وتكاليف شرعية.
أما "حقوق الإنسان" بالمفهوم الغربي فإن الفكر الغربي نظر إلى هذه الحقوق بناء على وجهة نظره في الحياة، وهي فصل الدين عن الحياة، وهذا يخالف الإسلام ويضاده، حيث يجعل أي حكم أو رأي إنما يجب أن يؤخذ من الشرع، ولا يجوز أخذ أي حكم من غير الشرع، كما أنهم حينما وضعوا هذه الحقوق لم يلتزموا بما جاء به الإسلام، بل لم يجعلوه ملاحظاً أساساً، وقد جاءت بعض نصوص هذه الحقوق مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، كالحق في التفكير، وكالحق في تغيير العقيدة، والحق في الحرية الشخصية، وهذا يترتب عليه إباحة التفكير بشكل مطلق حتى ولو كان يهدم العقيدة الإسلامية، وكذلك أباحت هذه النصوص الردة عن الإسلام بحجة حرية العقيدة، كما أباحت الزنا والعلاقات غير الشرعية ما دامت تحافظ على الحرية الشخصية، وهذا يخالف الإسلام مخالفة صريحة.
وهناك من الحقوق التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما هو أصلا في الإسلام حقوقا وتكاليف شرعية، فمثلا ما يدعونه في الغرب من حق الاسم والجنسية، هي أحكام شرعية، أمر الله عز وجل المسلم بها، إذ أمره أن يسمى طفله عندما يولد، وأمره أن يلحقه بنسبه، وهو يحمل تابعية الدولة الإسلامية ما دام مقيما فيها، وكل ذلك أحكام شرعية تكليفية للإنسان بوصفه إنسانا.
أما الحق في الحياة، فإن حفظ النفس وحرمتها من الأهداف العليا التي وضعها الإسلام لحفظ وصيانة المجتمع، وهي أحكام شرعية تتضمن الحرص على حياة الناس، وحرمة إزهاقها بغير حق.
وأما الحق في العبادة، فهي في الإسلام تكاليف شرعية للمسلم بغض النظر عن كونه رجلا أم امرأة. أما غير المسلم الذي يعيش في الدولة الإسلامية ويحمل تابعيتها، فإنه يُترك وما يعتقد وما يعبد. وهذا ليس من قبيل حرية التدين التي ينادي بها الغرب الكافر، فلا يوجد في الإسلام حرية تدين، لكن لا يكره غير المسلم على ترك دينه واعتناق الإسلام، في حين يعاقب بحد الردة كل من يرتد عن الإسلام؛ لذلك لا يوجد في الإسلام شيء اسمه حرية التدين، ولا حرية العبادة، وإنما كل ذلك مقيد بأحكام الشرع.