مؤمن
19-08-2008, 05:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التحليل السياسي
1- أحداث جورجيا :
جورجيا إحدى دول القوقاز، وهي تقع ضمن النطاق الحيوي لروسيا، ومنذ مجيء سكاشفيلي للسلطة في جورجيا بما دعي ( بالثورة الوردية ) وهو يعكف على تطوير قدرات الجيش الجورجي ؛ سواءً على صعيد التسليح أو التدريب الذي استقدم له المئات من الضباط والخبراء الأمريكان.
وسكاشفيلي الذي تخرج من جامعات أميركا ونشأ في أميركا بحكم عمل والده كمحام فيها، ما انفك يعد باستعادة السيادة على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ؛ واللتين سبق انفصالهما إثر نزاعات مع حكومة تبليسي حيث يقطنهما غالبية روسية قامت روسيا بمنح معظمهم جنسيتها عدا عن فرضها لقوات حفظ السلام في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ويشكل الجنود الروس الجسم الرئيسي لتلك القوات.
ويبدو أن سكاشفيلي الذي سبق لبوش أن مدح بلاده بأنها ( منارة الحرية )، والطامع بدخول بلاده لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، قد قام بمغامرته آملا تحقيق السيادة على أوسيتيا الجنوبية ومن ثم أبخازيا، مما يؤهل بلاده لان تكون مرشحة للانضمام لعضويتهما، حيث يشترط بسط سيادة الدولة المرشحة للانضمام إليهما على كافة أراضيها.
ولم يكن قيام الرئيس الجورجي بمغامرته بإعطاء الأوامر لجيشه بمعزل عن رغبة وتحفيز أسياده الأمريكان، الذين يهدفون إلى محاصرة روسيا وخنقها بدخولهم لنطاقها الحيوي، واقترابهم من نفط بحر قزوين، وتهديدهم لصناعة السلاح الروسي القائمة على صيغة تعاونية مع أوكرانيا بخاصة، التي سبق لأميركا أن دعمت انضمامها وجورجيا للناتو في قمة بخارست بداية نيسان / إبريل من هذا العام، حيث اعترضت فرنسا وألمانيا على ذلك بغية عدم استعداء روسيا.
وقد فوجئ سكاشفيلي بالرد الروسي العنيف والفوري الذي سحق قواته في أوسيتيا الجنوبية، وطال ثلاث قواعد عسكرية داخل الأراضي الجورجية، والميناء الرئيسي، وتقدمت القوات الروسية إلى داخل أراضي جورجيا، وتم كل ذلك في وقت قياسي، مما يؤكد استعداد الروس التام والمدروس في الرد على التجرؤ على نطاق روسيا الحيوي، ومما يشير كذلك إلى أحد خطوط استراتيجيتها الجديدة في عهد بوتين الذي تعهد خلفه ميدفيديف أمام مجلس الدوما بالسير حسبها، إضافة إلى إرسال رسالة بالغة القوة لأي كيان يقع ضمن نطاقها الحيوي أن لا يقترب من واشنطن متجاوزا الخط الأحمر الذي ترسمه موسكو.
ولن يكف الأمريكان عن محاولاتهم لسلخ القوقاز عن روسيا، بل ويتوقع أن يعمدوا إلى تحريك الشيشان والأنغوش وغيرهم لإثارة المشاكل لموسكو، حتى تذعن للإرادة الأمريكية، الراغبة في صياغة العالم ليبقى خاضعاً لقرارتها في هذا القرن.
وأنه وإن توقف القتال فإن المجابهة في القوقاز في رأي المحلل ديمتري ترينين ( مركز كارينيجي )، ستكون ( واسعة للغاية وهي ما تزال في بداياتها الأولى ) ولن تكف أميركا عن دعم استقلال الجمهوريات في النطاق الحيوي لروسيا، وتشجيعها للتمرد على سلطة موسكو مستهدفة إشغال روسيا بداخل نطاقها بغية منع بوتين من الاستمرار في العمل على شرخ أوروبا، وشق اصطفافها خلف السياسة الأمريكية تجاه روسيا خاصة، حيث بدا أن بوتين والذي لم يخرج من السلطة، يعمل بشكل واضح على فصل مصالح أوروبا عن مصالح أميركا، مستخدماً قضية الدرع الصاروخي وسلاح الغاز والنفط.
ومع إصرار أميركا على إقامة الدرع الصاروخي على الحدود مع روسيا في بولندا والتشيك، فإن بوتين سبق أن أعلن في خطابه أمام مجلس الدوما قبيل منتصف 2007 م، عن إمكانية تعليق العمل بمعاهدة الانتشار العسكري للقوى غير النووية، وبدء تنفيذ هذا التعليق مع نهاية 2007 م، ثم إعلانه بعد ذلك عن توجيه صواريخ روسية تجاه أهداف أوروبية، وأخيرا اقتراحه إقامة قاعدة رادار أمريكية روسية مشتركة في أذربيجان ؛ لتطوير دروع صاروخية يمكن أن تغطي كل أنحاء أوروبا، كل ذلك بمثابة رد عملي استراتيجي ورسالة واضحة وذات مغزى سياسي مهم للأوساط الأوروبية ؛ بعدم ترك الولايات المتحدة تجرهم وتورطهم في سياسات لا تخدم مصالحهم المباشرة ، هذا إضافة إلى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40 %، حيث من المتوقع أن يصل إلى نسبة 70 % عام 2030م ولسيطرة روسيا شبه الكاملة على أنابيب الغاز والنفط القادمة من بحر قزوين والتي تمد أوروبا بالطاقة.
2- تداعيات استقالة أولمرت :
بتاريخ 23/7 صرح أليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والذي يتولى ملف تسوية "الصراع العربي الإسرائيلي" في اجتماع له مع زعماء الجالية اليهودية في نيويورك "أنه لو تم التوصل إلى اتفاق بين لفني وقريع فإنه سيكون بين الاثنين فقط وليس بين إسرائيل والسلطة وأن أولمرت لا يمتلك الوزن السياسي لتسويق مثل هذا الحل" وبتاريخ 28/7 صرحت الناطقة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو "لقد قلنا على الدوام بأننا لن نكون قادرين على الحصول على صفقة سلمية نهائية تتناول حل كل شيء" مضيفة بأن هدف الولايات المتحدة هو "تحديد كافة الخطوات التي ينبغي عليهم القيام بها للمضي قدماً". لقد بدا واضحاً على تصريحات المسؤولين في الإدارة الأمريكية الإعلان عن عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فيما تبقى لحكومة أولمرت وقد تبع هذه التصريحات إعلان أولمرت بتاريخ 30/7 أنه لن يترشح للانتخابات الحزبية المقبلة في 17 أيلول، وأنه سيستقيل من منصبه كرئيس للوزراء ما أن يختار الحزب الحاكم زعيمه الجديد، وقد تزامن إعلان أولمرت عن الاستقالة مع وجود شاؤول موفاز وتسيبي لفني وايهود براك في الولايات المتحدة وقد اجتمعوا مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وعلى ما يبدو أن أميركا رأت أنه لا يمكن الخروج باتفاق مبدئي أو ما يطلق عليه اتفاق رف وأولمرت يعيش تحت وطأة اتهامات بالفساد حيث جعلت شعبيته في أدنى مستوى مع أن المفاوضات التي جرت بين الطرفين منذ عقد مؤتمر أنابوليس حصل فيها تقدم كبير وهذا ما قاله أولمرت في خطابه الأخير بتاريخ 30/7 حيث قال "نحن أقرب من أي وقت مضى من تفاهمات صلبة كفيلة بأن تشكل أساساً لاتفاقات في محوري الحوار الفلسطيني والسوري".
إلا أن مسألة القدس واللاجئين بقيت عالقة فلا الجانب الفلسطيني يستطيع التنازل عنها ولا الجانب الإسرائيلي، وربما أوضح حديث كان في هذا الموضوع ما كتبه شلومو غازيت الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في صحيفة معاريف "المشكلتان الأساسيتان بيننا وبين الفلسطينيين هما القدس واللاجئين، نحن سنكون مطالبين بالمرونة في القدس فيما هم سيكونون مطالبين بالتنازل عن العودة" لذلك لوحظ منذ عدة أشهر فتح لملف القدس بعمليات التصعيد التي جرت سواء بالهجوم على المركز الديني وأحداث الجرافة الأولى والثانية وغيرها من الأحداث وكل المنفذين من حملة الهوية الزرقاء (أي مقدسيين)، وإعلان أجهزة المخابرات الإسرائيلية عن اعتقال خليتين تابعتين لتنظيم القاعدة وكل أفرادهما إما من أهل القدس أو ما يسمى بعرب الداخل، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات في الجانب الإسرائيلي لبناء جدار بين الجانبين، وكانت آخر التصريحات لشمعون بيريز حيث دعا لبناء سور في القدس وجسر لتمكين أهل القدس الشرقية للذهاب إلى العمل في الجانب الإسرائيلي، ولكن قرار بناء جدار في القدس لا يمكن حصوله إلا إذا كانت هناك أعمال عنيفة وعمليات نوعية وأن يكون المنفذون من أهل القدس.
و يغلب على الظن أن أميركا قررت ترحيل هذا الملف إلى ما بعد بوش، فبحجة استقالة أولمرت وإشراف بوش على الرحيل يكون هناك فراغ سياسي فأي تصعيد في المنطقة يكون عدم كبح جماحه مبررا حتى يؤتي ثماره، وبخاصة أن أميركا ترى إمكانية الوصول إلى اتفاق حول كل الملفات ومن ثم الإعلان عن اتفاق بين الطرفين، وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية رايس في إحدى زياراتها المكوكية للمنطقة قبل أكثر من عام ونصف بأنه (لا يمكن ترتيب البيت الفلسطيني دون السكن فيه)، أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فإن تفجيرات غزة وما تبعها من تصعيد بين حماس وفتح إنما هو توطئة للحوار الفلسطيني - الفلسطيني والذي يرجح أنه سيكون برعاية عربية وستمهد نتائج الحوار للمرحلة القادمة.
أما الجانب الإسرائيلي فالمرجح أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ بعيد الانتخابات في حزب كديما المزمع إجراؤها في 17 أيلول القادم لأن أي قرار سيصدر من أجل فصل أجزاء من القدس الشرقية عن القدس الغربية يحتاج إلى أغلبية في الحكومة ومن الطبيعي أن يكون الفصل ابتداءً على أساس أمني وليس سياسي، أما المبرر لتشكيل حكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية فهو التهديد الوجودي لإسرائيل وبخاصة من إيران ولذلك سنلحظ تصعيداً كلامياً بين الطرفين في الاسابيع القادمة يوحي بأن المنطقة على شفير الحرب.
12 شعبان 1429 هـ
14/8/2008 م
التحليل السياسي
1- أحداث جورجيا :
جورجيا إحدى دول القوقاز، وهي تقع ضمن النطاق الحيوي لروسيا، ومنذ مجيء سكاشفيلي للسلطة في جورجيا بما دعي ( بالثورة الوردية ) وهو يعكف على تطوير قدرات الجيش الجورجي ؛ سواءً على صعيد التسليح أو التدريب الذي استقدم له المئات من الضباط والخبراء الأمريكان.
وسكاشفيلي الذي تخرج من جامعات أميركا ونشأ في أميركا بحكم عمل والده كمحام فيها، ما انفك يعد باستعادة السيادة على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ؛ واللتين سبق انفصالهما إثر نزاعات مع حكومة تبليسي حيث يقطنهما غالبية روسية قامت روسيا بمنح معظمهم جنسيتها عدا عن فرضها لقوات حفظ السلام في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ويشكل الجنود الروس الجسم الرئيسي لتلك القوات.
ويبدو أن سكاشفيلي الذي سبق لبوش أن مدح بلاده بأنها ( منارة الحرية )، والطامع بدخول بلاده لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، قد قام بمغامرته آملا تحقيق السيادة على أوسيتيا الجنوبية ومن ثم أبخازيا، مما يؤهل بلاده لان تكون مرشحة للانضمام لعضويتهما، حيث يشترط بسط سيادة الدولة المرشحة للانضمام إليهما على كافة أراضيها.
ولم يكن قيام الرئيس الجورجي بمغامرته بإعطاء الأوامر لجيشه بمعزل عن رغبة وتحفيز أسياده الأمريكان، الذين يهدفون إلى محاصرة روسيا وخنقها بدخولهم لنطاقها الحيوي، واقترابهم من نفط بحر قزوين، وتهديدهم لصناعة السلاح الروسي القائمة على صيغة تعاونية مع أوكرانيا بخاصة، التي سبق لأميركا أن دعمت انضمامها وجورجيا للناتو في قمة بخارست بداية نيسان / إبريل من هذا العام، حيث اعترضت فرنسا وألمانيا على ذلك بغية عدم استعداء روسيا.
وقد فوجئ سكاشفيلي بالرد الروسي العنيف والفوري الذي سحق قواته في أوسيتيا الجنوبية، وطال ثلاث قواعد عسكرية داخل الأراضي الجورجية، والميناء الرئيسي، وتقدمت القوات الروسية إلى داخل أراضي جورجيا، وتم كل ذلك في وقت قياسي، مما يؤكد استعداد الروس التام والمدروس في الرد على التجرؤ على نطاق روسيا الحيوي، ومما يشير كذلك إلى أحد خطوط استراتيجيتها الجديدة في عهد بوتين الذي تعهد خلفه ميدفيديف أمام مجلس الدوما بالسير حسبها، إضافة إلى إرسال رسالة بالغة القوة لأي كيان يقع ضمن نطاقها الحيوي أن لا يقترب من واشنطن متجاوزا الخط الأحمر الذي ترسمه موسكو.
ولن يكف الأمريكان عن محاولاتهم لسلخ القوقاز عن روسيا، بل ويتوقع أن يعمدوا إلى تحريك الشيشان والأنغوش وغيرهم لإثارة المشاكل لموسكو، حتى تذعن للإرادة الأمريكية، الراغبة في صياغة العالم ليبقى خاضعاً لقرارتها في هذا القرن.
وأنه وإن توقف القتال فإن المجابهة في القوقاز في رأي المحلل ديمتري ترينين ( مركز كارينيجي )، ستكون ( واسعة للغاية وهي ما تزال في بداياتها الأولى ) ولن تكف أميركا عن دعم استقلال الجمهوريات في النطاق الحيوي لروسيا، وتشجيعها للتمرد على سلطة موسكو مستهدفة إشغال روسيا بداخل نطاقها بغية منع بوتين من الاستمرار في العمل على شرخ أوروبا، وشق اصطفافها خلف السياسة الأمريكية تجاه روسيا خاصة، حيث بدا أن بوتين والذي لم يخرج من السلطة، يعمل بشكل واضح على فصل مصالح أوروبا عن مصالح أميركا، مستخدماً قضية الدرع الصاروخي وسلاح الغاز والنفط.
ومع إصرار أميركا على إقامة الدرع الصاروخي على الحدود مع روسيا في بولندا والتشيك، فإن بوتين سبق أن أعلن في خطابه أمام مجلس الدوما قبيل منتصف 2007 م، عن إمكانية تعليق العمل بمعاهدة الانتشار العسكري للقوى غير النووية، وبدء تنفيذ هذا التعليق مع نهاية 2007 م، ثم إعلانه بعد ذلك عن توجيه صواريخ روسية تجاه أهداف أوروبية، وأخيرا اقتراحه إقامة قاعدة رادار أمريكية روسية مشتركة في أذربيجان ؛ لتطوير دروع صاروخية يمكن أن تغطي كل أنحاء أوروبا، كل ذلك بمثابة رد عملي استراتيجي ورسالة واضحة وذات مغزى سياسي مهم للأوساط الأوروبية ؛ بعدم ترك الولايات المتحدة تجرهم وتورطهم في سياسات لا تخدم مصالحهم المباشرة ، هذا إضافة إلى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40 %، حيث من المتوقع أن يصل إلى نسبة 70 % عام 2030م ولسيطرة روسيا شبه الكاملة على أنابيب الغاز والنفط القادمة من بحر قزوين والتي تمد أوروبا بالطاقة.
2- تداعيات استقالة أولمرت :
بتاريخ 23/7 صرح أليوت أبرامز نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والذي يتولى ملف تسوية "الصراع العربي الإسرائيلي" في اجتماع له مع زعماء الجالية اليهودية في نيويورك "أنه لو تم التوصل إلى اتفاق بين لفني وقريع فإنه سيكون بين الاثنين فقط وليس بين إسرائيل والسلطة وأن أولمرت لا يمتلك الوزن السياسي لتسويق مثل هذا الحل" وبتاريخ 28/7 صرحت الناطقة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو "لقد قلنا على الدوام بأننا لن نكون قادرين على الحصول على صفقة سلمية نهائية تتناول حل كل شيء" مضيفة بأن هدف الولايات المتحدة هو "تحديد كافة الخطوات التي ينبغي عليهم القيام بها للمضي قدماً". لقد بدا واضحاً على تصريحات المسؤولين في الإدارة الأمريكية الإعلان عن عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فيما تبقى لحكومة أولمرت وقد تبع هذه التصريحات إعلان أولمرت بتاريخ 30/7 أنه لن يترشح للانتخابات الحزبية المقبلة في 17 أيلول، وأنه سيستقيل من منصبه كرئيس للوزراء ما أن يختار الحزب الحاكم زعيمه الجديد، وقد تزامن إعلان أولمرت عن الاستقالة مع وجود شاؤول موفاز وتسيبي لفني وايهود براك في الولايات المتحدة وقد اجتمعوا مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وعلى ما يبدو أن أميركا رأت أنه لا يمكن الخروج باتفاق مبدئي أو ما يطلق عليه اتفاق رف وأولمرت يعيش تحت وطأة اتهامات بالفساد حيث جعلت شعبيته في أدنى مستوى مع أن المفاوضات التي جرت بين الطرفين منذ عقد مؤتمر أنابوليس حصل فيها تقدم كبير وهذا ما قاله أولمرت في خطابه الأخير بتاريخ 30/7 حيث قال "نحن أقرب من أي وقت مضى من تفاهمات صلبة كفيلة بأن تشكل أساساً لاتفاقات في محوري الحوار الفلسطيني والسوري".
إلا أن مسألة القدس واللاجئين بقيت عالقة فلا الجانب الفلسطيني يستطيع التنازل عنها ولا الجانب الإسرائيلي، وربما أوضح حديث كان في هذا الموضوع ما كتبه شلومو غازيت الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في صحيفة معاريف "المشكلتان الأساسيتان بيننا وبين الفلسطينيين هما القدس واللاجئين، نحن سنكون مطالبين بالمرونة في القدس فيما هم سيكونون مطالبين بالتنازل عن العودة" لذلك لوحظ منذ عدة أشهر فتح لملف القدس بعمليات التصعيد التي جرت سواء بالهجوم على المركز الديني وأحداث الجرافة الأولى والثانية وغيرها من الأحداث وكل المنفذين من حملة الهوية الزرقاء (أي مقدسيين)، وإعلان أجهزة المخابرات الإسرائيلية عن اعتقال خليتين تابعتين لتنظيم القاعدة وكل أفرادهما إما من أهل القدس أو ما يسمى بعرب الداخل، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات في الجانب الإسرائيلي لبناء جدار بين الجانبين، وكانت آخر التصريحات لشمعون بيريز حيث دعا لبناء سور في القدس وجسر لتمكين أهل القدس الشرقية للذهاب إلى العمل في الجانب الإسرائيلي، ولكن قرار بناء جدار في القدس لا يمكن حصوله إلا إذا كانت هناك أعمال عنيفة وعمليات نوعية وأن يكون المنفذون من أهل القدس.
و يغلب على الظن أن أميركا قررت ترحيل هذا الملف إلى ما بعد بوش، فبحجة استقالة أولمرت وإشراف بوش على الرحيل يكون هناك فراغ سياسي فأي تصعيد في المنطقة يكون عدم كبح جماحه مبررا حتى يؤتي ثماره، وبخاصة أن أميركا ترى إمكانية الوصول إلى اتفاق حول كل الملفات ومن ثم الإعلان عن اتفاق بين الطرفين، وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية رايس في إحدى زياراتها المكوكية للمنطقة قبل أكثر من عام ونصف بأنه (لا يمكن ترتيب البيت الفلسطيني دون السكن فيه)، أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فإن تفجيرات غزة وما تبعها من تصعيد بين حماس وفتح إنما هو توطئة للحوار الفلسطيني - الفلسطيني والذي يرجح أنه سيكون برعاية عربية وستمهد نتائج الحوار للمرحلة القادمة.
أما الجانب الإسرائيلي فالمرجح أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ بعيد الانتخابات في حزب كديما المزمع إجراؤها في 17 أيلول القادم لأن أي قرار سيصدر من أجل فصل أجزاء من القدس الشرقية عن القدس الغربية يحتاج إلى أغلبية في الحكومة ومن الطبيعي أن يكون الفصل ابتداءً على أساس أمني وليس سياسي، أما المبرر لتشكيل حكومة طوارئ أو حكومة وحدة وطنية فهو التهديد الوجودي لإسرائيل وبخاصة من إيران ولذلك سنلحظ تصعيداً كلامياً بين الطرفين في الاسابيع القادمة يوحي بأن المنطقة على شفير الحرب.
12 شعبان 1429 هـ
14/8/2008 م