مؤمن
17-04-2010, 10:46 AM
القابلية للاستغفال 7
من المفارقات اللطيفة التي أفرزتها "الانتهازية السياسية" ، أن العلمانيين المصريين كانوا أول اللذين دعوا ـ بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 ـ إلى أن تكون القاهرة عاصمة الخلافة الإسلامية ، و إلى إسناد منصب "الخليفة" للملك فؤاد الأول ! وقد تبنى هذه الدعوة كبرى الأحزاب العلمانية المصرية ـ آنذاك ـ و هو حزب الأحرار الدستوريين ـ و كتبت صحيفة السياسة ، الناطقة بلسان حاله قائلة ".. إن ثلاثمائة مليون مسلم يرحبون بقبول الملك فؤاد خليفة للمسلمين ، لأن مصر سراج الذكاء الإسلامي " رغم أن حزب الأحرار ، كان في الأصل امتدادا ( أو بالتحديد تجديدا) لحزب الأمة ـ أسسه كرومر ـ الذي تبنى تعاليم أحمد لطفي السيد و على رأسها "مدنية السلطة و الحكومة" و معارضة أية محاولة تعيد إحياء الحكومة الدينية بيد أن الموقف الأخير للعلمانيين المصريين ممثلا في حزب " الأحرار الدستوريين" ، كان مستندا إلى مبدأ"نفعي" و ليس أيديولوجيا" : إذ كانت مصلحتهم تلتقي ـ آنذاك ـ مع مصلحة "القصر" ، عندما كان "الأحرار الدستوريون" مشاركا مع حزب "الاتحاد" الذي صنعه القصر الملكي ، في ائتلاف حكومي ، في وزارة أحمد زيوار باشا ، و بعدما فض الائتلاف الوزاري بينهما ، و انتفت المصلحة ، و شعر الدستوريون بمرارة التهميش ، انقلبوا على موقفهم السابق و تحول حزبهم من التأييد "المصلحي" لفكرة إحياء "دولة الخلافة" ، إلى إبداء العداوة و البغضاء لها و للمدافعين عنها ، واحتضن الشيخ علي عبد الرازق ، و تبنى الدفاع عن كتابه "الإسلام و أصول الحكم " . فضلا عن أن حماسه للدفاع عن الأخير ، كان أكثر المواقف التي افصحت عن "الانتهازية السياسية" في أجل صورها ، ففي حين كان الحزب يدافع عن حرية علي عبد الرازق ، و عن حقوقه الدستورية ، شارك في الوقت نفسه في وزارة "زيوار" التي عطلت الدستور و اعتدت و صادرت الحريات العامة ، و اصدرت في 2 إبريل ـ أي في نفس الشهر الذي صدر فيه كتاب "الإسلام و أصول الحكم" ـ قانونا يحرم قطاعا أساسيا من قطاعات المتعلمين و المثقفين ، و هم الموظفون ، من الاشتغال بالأمور السياسية ، و تحول بينهم و بين العمل السياسي و تمنعهم من كل قول أو عمل يشف عن غير النشاط الوظيفي و الإداري في المصالح و الدواوين .. و تنشر ذلك جريدة السياسة ، حتى أن أحمد بهاء الدين ـ و هو كاتب علماني شهير ، عقب على هذا الموقف في كتابه " أيام لها تاريخ" متسائلا :" .. كيف يزعجهم إلى هذا الحد مصادرة رأي كاتب واحد ـ يقصد علي عبد الرازق ـ و لا تزعجهم مصادرة الدستور و آراء الناس جميعا " و في المقابل كان موقف الإسلاميين ( ممثلا في علماء الأزهر آنذاك ) مثيرا للدهشة ، عندما وقع أربعون منهم عريضة ، ذكروا فيها" إن مصر لا تصلح في الوقت الحاضر دارا للخلافة ، و هي لا تزال محتلة بدولة أجنبية و الحكم فيها لا يزال بأيدي غير أبنائها ، و حكومتها أباحت المحرمات ، من خمر و بغاء و ميسر قانونا" و كان لافتا أن كبار المثقفين العلمانين ، مارسوا السياسة انطلاقا من هذا المنحى الانتهازي ـ النفعي.. ففي حين كان رائد الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد ، يدافع عن الدستور و الحرية ، نجده يقبل المشاركة في وزارات عمدت جميعها إلى الانقلاب على الدستور و البرلمان و الحريات العامة!.. لعل هذه القراءة أيضا تفسر لنا التقلبات السياسية المتتابعة للدكتور طه حسين ، فعندما كانت مصلحة الأخير مع "أصحاب البيوتات" ، و في مقدمتهم "آل عبد الرازق" ، اندمج في حزب الأحرار الدستوريين ، و هاجم سعد زغلول بأكثر من "مائة مقال" ، في الفترة ما بين (1922 إلى 1927) حتى وفاته . و بعدما عجز الأحرار الدستوريون عن حماية علي عبد الرازق ، خلال أزمة "الإسلام و أصول الحكم " عام 1925 ، و عن حماية طه حسين في أزمة "في الشعر الجاهلي" عام 1926 ، تخلى حسين عن الدستوريين ، و التحق بحزب الوفد طلبا للحماية السياسية و كتب عن سعد زغلول مقالات رفعت الأخير إلى أعلى علّيين !
يمكن للسادة القراء مراجعة كل طارق البشري ، المسلمون و الأقباط في إطار الجماعة الوطنية ود محمد عمارة ، معركة الإسلام و أصول الحكم ، دار الشروق ، القاهرة ، ط 2 عام 1997 و أحمد بهاء الدين ، أيام لها تاريخ ، ط دار الشروق القاهرة
من المفارقات اللطيفة التي أفرزتها "الانتهازية السياسية" ، أن العلمانيين المصريين كانوا أول اللذين دعوا ـ بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 ـ إلى أن تكون القاهرة عاصمة الخلافة الإسلامية ، و إلى إسناد منصب "الخليفة" للملك فؤاد الأول ! وقد تبنى هذه الدعوة كبرى الأحزاب العلمانية المصرية ـ آنذاك ـ و هو حزب الأحرار الدستوريين ـ و كتبت صحيفة السياسة ، الناطقة بلسان حاله قائلة ".. إن ثلاثمائة مليون مسلم يرحبون بقبول الملك فؤاد خليفة للمسلمين ، لأن مصر سراج الذكاء الإسلامي " رغم أن حزب الأحرار ، كان في الأصل امتدادا ( أو بالتحديد تجديدا) لحزب الأمة ـ أسسه كرومر ـ الذي تبنى تعاليم أحمد لطفي السيد و على رأسها "مدنية السلطة و الحكومة" و معارضة أية محاولة تعيد إحياء الحكومة الدينية بيد أن الموقف الأخير للعلمانيين المصريين ممثلا في حزب " الأحرار الدستوريين" ، كان مستندا إلى مبدأ"نفعي" و ليس أيديولوجيا" : إذ كانت مصلحتهم تلتقي ـ آنذاك ـ مع مصلحة "القصر" ، عندما كان "الأحرار الدستوريون" مشاركا مع حزب "الاتحاد" الذي صنعه القصر الملكي ، في ائتلاف حكومي ، في وزارة أحمد زيوار باشا ، و بعدما فض الائتلاف الوزاري بينهما ، و انتفت المصلحة ، و شعر الدستوريون بمرارة التهميش ، انقلبوا على موقفهم السابق و تحول حزبهم من التأييد "المصلحي" لفكرة إحياء "دولة الخلافة" ، إلى إبداء العداوة و البغضاء لها و للمدافعين عنها ، واحتضن الشيخ علي عبد الرازق ، و تبنى الدفاع عن كتابه "الإسلام و أصول الحكم " . فضلا عن أن حماسه للدفاع عن الأخير ، كان أكثر المواقف التي افصحت عن "الانتهازية السياسية" في أجل صورها ، ففي حين كان الحزب يدافع عن حرية علي عبد الرازق ، و عن حقوقه الدستورية ، شارك في الوقت نفسه في وزارة "زيوار" التي عطلت الدستور و اعتدت و صادرت الحريات العامة ، و اصدرت في 2 إبريل ـ أي في نفس الشهر الذي صدر فيه كتاب "الإسلام و أصول الحكم" ـ قانونا يحرم قطاعا أساسيا من قطاعات المتعلمين و المثقفين ، و هم الموظفون ، من الاشتغال بالأمور السياسية ، و تحول بينهم و بين العمل السياسي و تمنعهم من كل قول أو عمل يشف عن غير النشاط الوظيفي و الإداري في المصالح و الدواوين .. و تنشر ذلك جريدة السياسة ، حتى أن أحمد بهاء الدين ـ و هو كاتب علماني شهير ، عقب على هذا الموقف في كتابه " أيام لها تاريخ" متسائلا :" .. كيف يزعجهم إلى هذا الحد مصادرة رأي كاتب واحد ـ يقصد علي عبد الرازق ـ و لا تزعجهم مصادرة الدستور و آراء الناس جميعا " و في المقابل كان موقف الإسلاميين ( ممثلا في علماء الأزهر آنذاك ) مثيرا للدهشة ، عندما وقع أربعون منهم عريضة ، ذكروا فيها" إن مصر لا تصلح في الوقت الحاضر دارا للخلافة ، و هي لا تزال محتلة بدولة أجنبية و الحكم فيها لا يزال بأيدي غير أبنائها ، و حكومتها أباحت المحرمات ، من خمر و بغاء و ميسر قانونا" و كان لافتا أن كبار المثقفين العلمانين ، مارسوا السياسة انطلاقا من هذا المنحى الانتهازي ـ النفعي.. ففي حين كان رائد الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد ، يدافع عن الدستور و الحرية ، نجده يقبل المشاركة في وزارات عمدت جميعها إلى الانقلاب على الدستور و البرلمان و الحريات العامة!.. لعل هذه القراءة أيضا تفسر لنا التقلبات السياسية المتتابعة للدكتور طه حسين ، فعندما كانت مصلحة الأخير مع "أصحاب البيوتات" ، و في مقدمتهم "آل عبد الرازق" ، اندمج في حزب الأحرار الدستوريين ، و هاجم سعد زغلول بأكثر من "مائة مقال" ، في الفترة ما بين (1922 إلى 1927) حتى وفاته . و بعدما عجز الأحرار الدستوريون عن حماية علي عبد الرازق ، خلال أزمة "الإسلام و أصول الحكم " عام 1925 ، و عن حماية طه حسين في أزمة "في الشعر الجاهلي" عام 1926 ، تخلى حسين عن الدستوريين ، و التحق بحزب الوفد طلبا للحماية السياسية و كتب عن سعد زغلول مقالات رفعت الأخير إلى أعلى علّيين !
يمكن للسادة القراء مراجعة كل طارق البشري ، المسلمون و الأقباط في إطار الجماعة الوطنية ود محمد عمارة ، معركة الإسلام و أصول الحكم ، دار الشروق ، القاهرة ، ط 2 عام 1997 و أحمد بهاء الدين ، أيام لها تاريخ ، ط دار الشروق القاهرة