نائل سيد أحمد
14-12-2009, 12:16 AM
الحركة الإسلامية والعمل السياسي ...
الاثنين 13 رجب 1430 الموافق 06 يوليو 2009
سمير العركي
الصراحة هي أقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة، رغم أنها قد تجلب على قائلها كثيرًا من المتاعب، خاصة إذا كنا نعيش في أجواء اعتادت على دغدغة المشاعر، وإثارة النفوس، ويسود فيها الصوت العالي والصخب الهادر الذي لا تكاد تَتَبَيَّنُ منه الكلمات ولا الأفكار.
زاد على ذلك أننا قد اسْتَنَمْنَا إلى أوضاع ورثناها منذ عقود عدة، وقليل هم الذين حاولوا أن يكسروا جمودَها ويصوِّبُوا اتجاهها، ولكن مازالت محاولاتهم الإصلاحية قليلة الجدوى، وسْطَ هدير خطابٍ صاخب مفعمٍ بكل معاني الثورية ومسكون بالعبارات الانفعالية التي تبعُد بنا عن الولوج إلى لُب الأزمة وحقيقتها.
إن كثيرًا من الأهداف الإصلاحية التي رسمتها الحركة الإسلامية لنفسها، للأسف الشديد، لم تتحقَّق على أرض الواقع، والنجاحات التي كانت الحركة تحرزها في بعض الأوقات كانت تتبعها إخفاقات.. والظهور كان يليه اختفاء.. وأظن أن سوء العلاقة بين الحركة الإسلامية وبين الدولة المصرية قد ساهم بنصيب وافر في هذه الإخفاقات.
فالحركة الإسلامية اختارت ومنذ عقود طويلة سبيل المواجهة مع الدولة، سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي.. وأفنت أجيال سابقة جهدها وعمرها من أجل التنظير لهذه المواجهات، مما أورثها قداسةً في النفوس استحالت على النقد لعقود طويلة.
ولست بصدد مناقشة مَن الذي بدأ بهذه المواجهة.. الحركة أم الدولة؟.. ولكنى أريد كسر الجمود من أجل علاقة أفضل بين الحركة الإسلامية وبين الدولة المصرية.
فالمواجهات العسكرية التي خاضتها الجماعة الإسلامية لسنوات كانت حسمًا من رصيدها الدعوي والتربوي، كما أن المواجهات السياسية التي خاضها ويخوضها الإخوان المسلمون كانت خصمًا من رصيدهم الدعوي والتربوي، وكل هذا الحسم أثر سلبًا على المجتمع المصري أخلاقيًّا ودينيًّا بعد أن حوصرت الدعوة واختفى الدعاة والمربون.
ولا يغترَّنَّ أحد بمظاهر التدين الظاهري الذي يراه في الطرقات متمثلًا في الملبس والمظهر، فبعضه تدين خداع لا يعكس التزامًا داخليًّا، أو تحولًا سلوكيًّا بقدر ما يعكس حبًا للدين لا يجد من يوجهه أو ينميه بعد أن خلت المساجد من المربين والدعاة الحقيقيين على إثر المواجهات العسكرية والسياسية مع الدولة.
إنني أعلم أن الكلام شيء والواقع شيء آخر.. فالعلاقة المتوترة بين الحركة الإسلامية وبين الدولة باتت تمثل أساس العلاقة بين الطرفين.. وهناك مخلصون كثيرون يخشون الخوض في هذا الملف الشائك نأيًا بالنفس عن الاتهام بممالأة الطرف الآخر.. رغم أن الحركة الإسلامية قد خسرت كثيرًا بمواجهتها مع الدولة.. كما أن الدولة والمجتمع خسروا كثيرًا بعزل هذا القطاع من الشباب الذي يفيض حماسًا وإخلاصًا عن حركة النهضة والتنمية.
ولكني أظن أن ما فعلته الجماعة الإسلامية على مدار السنوات الماضية، منذ أن بدأت حركة المراجعات الفكرية، يمثل بداية صحيحة لإصلاح العلاقات بين الحركة الإسلامية وبين الدولة، فمن يطالع الكتابات الكثيرة التي صدرت يجد أنها تدور في ذات الإطار.
ولم تكتفِ بإنهاء أزمة الجماعة الإسلامية مع الدولة.. بل استهدفت ما هو أبعد من ذلك.. استهدفت إنهاء حالة الاحتراب الداخلية بين الحركة الإسلامية والدولة المصرية.. وهو ما يعكس شعورًا بالمسئولية تجاه الأجيال القادمة قلَّ أن تجده داخل الحركة اليوم، ففاتورة الحساب كثيرًا ما يدفعها الشباب نتيجة حسابات خاطئة أو تصريحات غير مسئولة.
وللأسف الشديد فكثير من متصدري الصفوف الأولى داخل الحركة الإسلامية مازالت تستهويهم التصريحات النارية التي ترضي حماس الشباب.
ولقد وقفت ثلاثُ عقبات كَأْدَاءَ في سبيل مضيِّ الحركة الإسلامية في مشروعها الإصلاحي والدعوي:
أما العقبة الأولى: فهي عقبة المواجهات المسلحة، ولقد تحملت الجماعة الإسلامية المسئولية الكبرى في التنظير والتنفيذ لهذه المواجهات، كما أنها تحملت المسئولية وحدها من أجل إنهائها فكرًا وسلوكًا، وبالرغم من أن جهدها لم يأخذ حقه الكافي إلى الآن، لكنه استطاع أن يفتح الباب واسعًا أمام حركة واسعة من المراجعات المماثلة في مصر والعالم العربي.
ووجَّه الأنظار إلى إمكانية مراجعة النفس دون القضاء عليها وسحقِهَا أو الانزواء بها، بل وساهمت حركة المراجعات في انحسار العنف.. اللهم إلا بعض النتوءات التي تظهر هنا أو هناك.. ولا يمثل ظهورها عودة بالمجتمع إلى عنف التسعينات.
وتأتي العقبة الثانية: والمتمثلة في المواجهات السياسية، والتي مثلت – كما قلت من قبل – حسمًا من رصيد الإخوان المسلمين الدعوي والتربوي.
وساهمت المواجهات السياسية المحتدمة في تحويل جماعة الإخوان من حركة دعوية إلى ما يشبه الحزب السياسي، وللأسف فقد توقفت حركتها في منتصف الطريق.. فلا هي استطاعت تكوين حزبها الذي ظلت عقودًا تناضل من أجله.. ولا هي قامت بمهمتها الدعوية والإصلاحية، وانسحبت تحت وطأة المواجهات المتتالية إلى فضاء التصريحات والفضائيات ومعترك السياسة ودروبها، وتركت المجتمع المصري نهبًا للأمراض الأخلاقية، فوصل إلى حالة من التردي غير مسبوقة، ولم يلتفت إليه أحد.
فالجميع مشغول بحساب المقاعد التي من المتوقع أن تحصل عليها الجماعة في الانتخابات البرلمانية القادمة!!
إضافة إلى الجرد الختامي لحساب انتخابات نقابة المحامين ومَن الفائز فيها والخاسر!! وملف التوريث...الخ!!
في يونيو 2007 أطلق د./ سليم العوا دعوة هامة – في حوار له مع إسلام أون لاين - لم تجد لها آذانًا صاغية، وتم تجاهلها عمدًا وقصدًا، واليوم أعيد بعضًا منها، حيث يقول:
"أنا أدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى إعلان التوقف عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحًا وانتخابًا وتصويتًا، والتحول تمامًا عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول على جزء من السلطة.. إلى ممارسة العمل التوعوي والترشيدي، عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير، وإحياء روح مقاومة الظلم والاستبداد. وليست مقاومة الظلم والاستبداد مقصورةً على أن ترشح نفسك لانتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى.. أنت إذا ربيت الناس، واشتغلت في محو الأمية، وفي تنظيف الشوارع، وفي الرعاية الصحية، وفي الرعاية التربوية.. أنت بذلك تحيي الأمة من جديد".
ويقول أيضًا: "ونحن لا نتحدث عن الاعتقالات والسجون على أنها هي المشكلة.. المشكلة هي تشويه صورة الإسلام نفسه نتيجة العداوة لجماعة واحدة من الجماعات، ومعلوم أن الإسلام أحب وأعز علينا من الإخوان المسلمين، وما يجري الآن من تشويه الصورة، والادعاء بالمسائل المالية والأخلاقية.. وما يُنشر في الصحف صباحًا ومساءً يُفسد الصورة الإسلامية كلها، ولا يفسد صورة الجماعة فقط.. ثم إن الجماعة لا تستفيد شيئًا من العمل السياسي؛ فالإخوان لهم الآن 88 نائبًا في البرلمان، ماذا فعلنا بهم نحن كشعب مسلم؟!.. لم نستطع أن نحقق شيئًا، حتى إن اثنين منهم رُفعت عنهما الحصانة مؤخرًا.. فهذا العمل السياسي قد أثبت في رأيي عدم جدواه.. وتركت الجماعة في مقابل هذا العمل السياسي معظم نشاطاتها التربوية الأخرى، التي تنشِّئ الناس نشأة إسلامية صحيحة".
ونادى الرجل يومها بأعلى صوته قائلًا: "دعنا نجرب أن يخرج الصوت الإسلامي من قمقم العمل السياسي إلى فضاء العمل الثقافي والاجتماعي والتربوي، وسنرى ماذا ستكون النتيجة.. قد أكون مخطئًا.. لكن هذه دعوتي".
أما العقبة الثالثة: فهي إصرار الحركة الإسلامية على حشر نفسها في الأُطر التنظيمية الصارمة، والأشكال المتوارَثة للعمل الإسلامي، ولم تتجشم عناء البحث عن صيغ جديدة لوجودها، تكون أكثر قبولًا من الدولة، وتوافقًا مع الظروف الراهنة.
فالدولة حسمت أمرها ولم يعُد لديها سبيل لتواجُد الحركة الإسلامية بشكلها التنظيمي القديم الموازي لكيان الدولة والمناوئ له، وإصرار الحركة الإسلامية على أُطرها التنظيمية التقليدية لن يزيدها إلا رهقًا، خاصة وأن السلطة الحاكمة تشعر أن هذه الكيانات تتحرك لإزالتها والقفز عليها.
فعلى الحركة الإسلامية اليوم أن تسعى لرسم تَوَاجُد مقبول لها على أرض الواقع.. تواجد تشعر من خلاله الدولة وسلطتها الحاكمة أنَّ سعي الحركة هو لهداية الناس وتربيتهم وإصلاح أدوائهم.
وخلاصة قولي.. أننا بإزاء حالة من الانفلات الأخلاقي والتردي القيمي للمجتمع المصري، يقابله غياب قسري للحركة الإسلامية.. لذا فهي مطالَبة اليوم بحلول أكثر واقعية، وخطوات أشد جدية لمشاكلها العالقة مع الدولة إن أرادت عودًا إلى دورها الطبيعي في التربية والإصلاح.. وألا تظل أسيرة لوسائل أثبتت الأيام عدم جدواها.
ولا ينبغي للحركة الإسلامية أن تظل بلا حراك انتظارًا للمجهول الذي سيتولى حل جميع مشاكلها..
فهل سيتحرك أحد..؟!!
مصدر النقل
http://islamtoday.net/albasheer/artshow-14-115714.htm
الاثنين 13 رجب 1430 الموافق 06 يوليو 2009
سمير العركي
الصراحة هي أقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة، رغم أنها قد تجلب على قائلها كثيرًا من المتاعب، خاصة إذا كنا نعيش في أجواء اعتادت على دغدغة المشاعر، وإثارة النفوس، ويسود فيها الصوت العالي والصخب الهادر الذي لا تكاد تَتَبَيَّنُ منه الكلمات ولا الأفكار.
زاد على ذلك أننا قد اسْتَنَمْنَا إلى أوضاع ورثناها منذ عقود عدة، وقليل هم الذين حاولوا أن يكسروا جمودَها ويصوِّبُوا اتجاهها، ولكن مازالت محاولاتهم الإصلاحية قليلة الجدوى، وسْطَ هدير خطابٍ صاخب مفعمٍ بكل معاني الثورية ومسكون بالعبارات الانفعالية التي تبعُد بنا عن الولوج إلى لُب الأزمة وحقيقتها.
إن كثيرًا من الأهداف الإصلاحية التي رسمتها الحركة الإسلامية لنفسها، للأسف الشديد، لم تتحقَّق على أرض الواقع، والنجاحات التي كانت الحركة تحرزها في بعض الأوقات كانت تتبعها إخفاقات.. والظهور كان يليه اختفاء.. وأظن أن سوء العلاقة بين الحركة الإسلامية وبين الدولة المصرية قد ساهم بنصيب وافر في هذه الإخفاقات.
فالحركة الإسلامية اختارت ومنذ عقود طويلة سبيل المواجهة مع الدولة، سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي.. وأفنت أجيال سابقة جهدها وعمرها من أجل التنظير لهذه المواجهات، مما أورثها قداسةً في النفوس استحالت على النقد لعقود طويلة.
ولست بصدد مناقشة مَن الذي بدأ بهذه المواجهة.. الحركة أم الدولة؟.. ولكنى أريد كسر الجمود من أجل علاقة أفضل بين الحركة الإسلامية وبين الدولة المصرية.
فالمواجهات العسكرية التي خاضتها الجماعة الإسلامية لسنوات كانت حسمًا من رصيدها الدعوي والتربوي، كما أن المواجهات السياسية التي خاضها ويخوضها الإخوان المسلمون كانت خصمًا من رصيدهم الدعوي والتربوي، وكل هذا الحسم أثر سلبًا على المجتمع المصري أخلاقيًّا ودينيًّا بعد أن حوصرت الدعوة واختفى الدعاة والمربون.
ولا يغترَّنَّ أحد بمظاهر التدين الظاهري الذي يراه في الطرقات متمثلًا في الملبس والمظهر، فبعضه تدين خداع لا يعكس التزامًا داخليًّا، أو تحولًا سلوكيًّا بقدر ما يعكس حبًا للدين لا يجد من يوجهه أو ينميه بعد أن خلت المساجد من المربين والدعاة الحقيقيين على إثر المواجهات العسكرية والسياسية مع الدولة.
إنني أعلم أن الكلام شيء والواقع شيء آخر.. فالعلاقة المتوترة بين الحركة الإسلامية وبين الدولة باتت تمثل أساس العلاقة بين الطرفين.. وهناك مخلصون كثيرون يخشون الخوض في هذا الملف الشائك نأيًا بالنفس عن الاتهام بممالأة الطرف الآخر.. رغم أن الحركة الإسلامية قد خسرت كثيرًا بمواجهتها مع الدولة.. كما أن الدولة والمجتمع خسروا كثيرًا بعزل هذا القطاع من الشباب الذي يفيض حماسًا وإخلاصًا عن حركة النهضة والتنمية.
ولكني أظن أن ما فعلته الجماعة الإسلامية على مدار السنوات الماضية، منذ أن بدأت حركة المراجعات الفكرية، يمثل بداية صحيحة لإصلاح العلاقات بين الحركة الإسلامية وبين الدولة، فمن يطالع الكتابات الكثيرة التي صدرت يجد أنها تدور في ذات الإطار.
ولم تكتفِ بإنهاء أزمة الجماعة الإسلامية مع الدولة.. بل استهدفت ما هو أبعد من ذلك.. استهدفت إنهاء حالة الاحتراب الداخلية بين الحركة الإسلامية والدولة المصرية.. وهو ما يعكس شعورًا بالمسئولية تجاه الأجيال القادمة قلَّ أن تجده داخل الحركة اليوم، ففاتورة الحساب كثيرًا ما يدفعها الشباب نتيجة حسابات خاطئة أو تصريحات غير مسئولة.
وللأسف الشديد فكثير من متصدري الصفوف الأولى داخل الحركة الإسلامية مازالت تستهويهم التصريحات النارية التي ترضي حماس الشباب.
ولقد وقفت ثلاثُ عقبات كَأْدَاءَ في سبيل مضيِّ الحركة الإسلامية في مشروعها الإصلاحي والدعوي:
أما العقبة الأولى: فهي عقبة المواجهات المسلحة، ولقد تحملت الجماعة الإسلامية المسئولية الكبرى في التنظير والتنفيذ لهذه المواجهات، كما أنها تحملت المسئولية وحدها من أجل إنهائها فكرًا وسلوكًا، وبالرغم من أن جهدها لم يأخذ حقه الكافي إلى الآن، لكنه استطاع أن يفتح الباب واسعًا أمام حركة واسعة من المراجعات المماثلة في مصر والعالم العربي.
ووجَّه الأنظار إلى إمكانية مراجعة النفس دون القضاء عليها وسحقِهَا أو الانزواء بها، بل وساهمت حركة المراجعات في انحسار العنف.. اللهم إلا بعض النتوءات التي تظهر هنا أو هناك.. ولا يمثل ظهورها عودة بالمجتمع إلى عنف التسعينات.
وتأتي العقبة الثانية: والمتمثلة في المواجهات السياسية، والتي مثلت – كما قلت من قبل – حسمًا من رصيد الإخوان المسلمين الدعوي والتربوي.
وساهمت المواجهات السياسية المحتدمة في تحويل جماعة الإخوان من حركة دعوية إلى ما يشبه الحزب السياسي، وللأسف فقد توقفت حركتها في منتصف الطريق.. فلا هي استطاعت تكوين حزبها الذي ظلت عقودًا تناضل من أجله.. ولا هي قامت بمهمتها الدعوية والإصلاحية، وانسحبت تحت وطأة المواجهات المتتالية إلى فضاء التصريحات والفضائيات ومعترك السياسة ودروبها، وتركت المجتمع المصري نهبًا للأمراض الأخلاقية، فوصل إلى حالة من التردي غير مسبوقة، ولم يلتفت إليه أحد.
فالجميع مشغول بحساب المقاعد التي من المتوقع أن تحصل عليها الجماعة في الانتخابات البرلمانية القادمة!!
إضافة إلى الجرد الختامي لحساب انتخابات نقابة المحامين ومَن الفائز فيها والخاسر!! وملف التوريث...الخ!!
في يونيو 2007 أطلق د./ سليم العوا دعوة هامة – في حوار له مع إسلام أون لاين - لم تجد لها آذانًا صاغية، وتم تجاهلها عمدًا وقصدًا، واليوم أعيد بعضًا منها، حيث يقول:
"أنا أدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى إعلان التوقف عن مباشرة الحقوق السياسية ترشيحًا وانتخابًا وتصويتًا، والتحول تمامًا عن العمل السياسي فيما يتعلق بممارسة السلطة أو الحصول على جزء من السلطة.. إلى ممارسة العمل التوعوي والترشيدي، عن طريق إحياء روح النهضة في الجماهير، وإحياء روح مقاومة الظلم والاستبداد. وليست مقاومة الظلم والاستبداد مقصورةً على أن ترشح نفسك لانتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى.. أنت إذا ربيت الناس، واشتغلت في محو الأمية، وفي تنظيف الشوارع، وفي الرعاية الصحية، وفي الرعاية التربوية.. أنت بذلك تحيي الأمة من جديد".
ويقول أيضًا: "ونحن لا نتحدث عن الاعتقالات والسجون على أنها هي المشكلة.. المشكلة هي تشويه صورة الإسلام نفسه نتيجة العداوة لجماعة واحدة من الجماعات، ومعلوم أن الإسلام أحب وأعز علينا من الإخوان المسلمين، وما يجري الآن من تشويه الصورة، والادعاء بالمسائل المالية والأخلاقية.. وما يُنشر في الصحف صباحًا ومساءً يُفسد الصورة الإسلامية كلها، ولا يفسد صورة الجماعة فقط.. ثم إن الجماعة لا تستفيد شيئًا من العمل السياسي؛ فالإخوان لهم الآن 88 نائبًا في البرلمان، ماذا فعلنا بهم نحن كشعب مسلم؟!.. لم نستطع أن نحقق شيئًا، حتى إن اثنين منهم رُفعت عنهما الحصانة مؤخرًا.. فهذا العمل السياسي قد أثبت في رأيي عدم جدواه.. وتركت الجماعة في مقابل هذا العمل السياسي معظم نشاطاتها التربوية الأخرى، التي تنشِّئ الناس نشأة إسلامية صحيحة".
ونادى الرجل يومها بأعلى صوته قائلًا: "دعنا نجرب أن يخرج الصوت الإسلامي من قمقم العمل السياسي إلى فضاء العمل الثقافي والاجتماعي والتربوي، وسنرى ماذا ستكون النتيجة.. قد أكون مخطئًا.. لكن هذه دعوتي".
أما العقبة الثالثة: فهي إصرار الحركة الإسلامية على حشر نفسها في الأُطر التنظيمية الصارمة، والأشكال المتوارَثة للعمل الإسلامي، ولم تتجشم عناء البحث عن صيغ جديدة لوجودها، تكون أكثر قبولًا من الدولة، وتوافقًا مع الظروف الراهنة.
فالدولة حسمت أمرها ولم يعُد لديها سبيل لتواجُد الحركة الإسلامية بشكلها التنظيمي القديم الموازي لكيان الدولة والمناوئ له، وإصرار الحركة الإسلامية على أُطرها التنظيمية التقليدية لن يزيدها إلا رهقًا، خاصة وأن السلطة الحاكمة تشعر أن هذه الكيانات تتحرك لإزالتها والقفز عليها.
فعلى الحركة الإسلامية اليوم أن تسعى لرسم تَوَاجُد مقبول لها على أرض الواقع.. تواجد تشعر من خلاله الدولة وسلطتها الحاكمة أنَّ سعي الحركة هو لهداية الناس وتربيتهم وإصلاح أدوائهم.
وخلاصة قولي.. أننا بإزاء حالة من الانفلات الأخلاقي والتردي القيمي للمجتمع المصري، يقابله غياب قسري للحركة الإسلامية.. لذا فهي مطالَبة اليوم بحلول أكثر واقعية، وخطوات أشد جدية لمشاكلها العالقة مع الدولة إن أرادت عودًا إلى دورها الطبيعي في التربية والإصلاح.. وألا تظل أسيرة لوسائل أثبتت الأيام عدم جدواها.
ولا ينبغي للحركة الإسلامية أن تظل بلا حراك انتظارًا للمجهول الذي سيتولى حل جميع مشاكلها..
فهل سيتحرك أحد..؟!!
مصدر النقل
http://islamtoday.net/albasheer/artshow-14-115714.htm