المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تقوم الولايات المتحدة بتمويل طالبان - منقول من صحيفة الغد الأردنية



مؤمن
13-12-2009, 03:37 PM
كيف تقوم الولايات المتحدة بتمويل طالبان

مقاتلون من طالبان في أحد مجاهل أفغانستان - (ذا نيشن)



أصبح قيام حكومة الولايات المتحدة بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان أصلاً.

لا تكمن مشكلة الدفع للمتمردين في أفغانستان بإدراك المشكلة، وإنما بعدم قدرة الولايات المتحدة ولا الحكومة الأفغانية على إصلاح هذا الوضع.

لماذا لا تقوم الولايات المتحدة باستخدام عشرات الملايين من الدولارات التي تدفعها للمتعهدين الأمنيين، في إنشاء وحدة دعم قوافل محترفة ومختصة لتقوم بحراسة خطوط الدعم اللوجستي بدلاً من الدفع للشركات الأمنية الخاصة ولطالبان للقيام بهذه المهمة؟




آرام روستون – (ذا نيشن)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، بينما كان حكم طالبان في أفغانستان تحت الهجوم، عقد سفير النظام في إسلام أباد مؤتمراً صحفياً مرتجلاً أمام عدة عشرات من الصحفيين الذين يعتقدون العشب. وإلى جانب دبلوماسي طالبان، كان يجلس مترجم اسمه أحمد راتب بوبال، وهو رجل ذو حضور قوي. ومثل السفير، كان بوبال يضع على رأسه عمامة سوداء، وكانت له لحية هائلة مشعثة، وبقعة سوداء تعلو محجر عينه اليمنى، ويد يسرى اصطناعية، ويمنى مشوهة، تخلفت كلها عن جراح سببتها له حادثة تفجير خلال عملية قديمة ضد السوفيات في كابول.

لكن بوبال كان أكثر من مجرد مجاهد سابق. ففي العام 1988، أي قبل سنة من هروب السوفيات من أفغانستان، كان بوبال قد حوكم في الولايات المتحدة بتهمة التآمر على جلب أكثر من كيلوغرام من الهيروين. وتقول سجلات المحكمة أن سراحه قد أطلق من السجن في العام 1997.

ولنعد سريعاً في الزمن إلى العام 2009، إلى أفغانستان التي بات يحكمها ابن عم بوبال، حامد كرزاي؛ وقد حلق بوبال لحيته الهائلة إلى لحية قصيرة مقصوصة بعناية، وأصبح رجل أعمال هائل الثروة، إلى جانب شقيقه رشيد بوبال، الذي كان قد اعتبر مذنباً في قضية منفصلة بتهمة اتجار بالكوكايين في بروكلين في العام 1996. ويسيطر الأخوان على "مجموعة وطن" الهائلة في أفغانستان، وهي كونسورتيوم (ائتلاف من عدة شركات) يشتغل في قطاعات مختلفة من الاتصالات الهاتفية، واللوجستيات، والأهم من كل ذلك: الأمن. وتعد مؤسسة "إدارة المخاطر في "وطن"، وهي الذراع العسكري للأخوين بوبال، واحدة من شركات الأمن الخاصة القليلة التي يقارب عددها العشر في أفغانستان. وتعمل إحدى مؤسسات "وطن"، والتي تعد مهمة لجهود الحرب، في حماية قوافل الشاحنات الأفغانية المتجهة من كابول إلى قندهار، حاملة على ظهورها المؤن والإمدادات الأميركية.

أهلاً بكم إذن إلى بازار زمن الحرب للتعاقدات في أفغانستان. وهو كرنفال حقيقي للشخصيات المشبوهة والصلات الخفية، حيث يضم مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابقون وضباط الجيش السابقون أيديهم إلى أيدي أعضاء طالبان والمجاهدين السابقين، ليجني الأخيرون أموال حكومة الولايات المتحدة الأميركية باسم جهد الحرب.

في هذا الكرنفال الغرائبي، يجد متعاقدو الجيش الأميركي أنفسهم مجبرين على الدفع لأشخاص مشتبه بانتمائهم إلى المتمردين من أجل حماية طرق الإمداد الأميركية. وهي حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، والتي تقوم حكومة الولايات المتحدة فيها بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية. وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان. وهي "تشكل جزءاً كبيراً من دخلهم"، كما يقول أحد كبار مسؤولي الأمن الأفغان في مقابلة مع "ذا نيشن". وفي حقيقة الأمر، يعتقد مسؤولو الجيش في كابول بأن ما لا يقل عن 10% من عقود وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اللوجستية –والتي تساوي عشرات الملايين من الدولارات- تتكون من دفعات تذهب إلى المتمردين.

يتطلب فهم الكيفية التي سُمح بها لهذا الوضع بأن يمر فك عقد اثنين من الخيوط: الأول هو تعاملات الأشخاص من الداخل، ممن يقررون من يكسب ومن يخسر في قطاع الأعمال الأفغاني؛ والثاني هو الآلية المقلقة التي يضمن بها قطاع أعمال "الأمن الخاص" أن لا تتعرض قوافل الإمدادات التي تسافر عبر تلك الطرق التجارية القديمة للوقوع في كمائن المتمردين.

لعل أحد الأمكنة الجيدة للشروع بالتقاط الخيط الأول هي مؤسسة صغيرة كوفئت بمنحها عقد لوجستيات للجيش الأميركي يساوي عشرات الملايين من الدولارات، هي شركة "إن. سي. ل. القابضة"NCL Holdings . ومثل مؤسسة الأخوين بوبال "وطن للمخاطرة"، تمتلك (إن. سي. إل) ترخيصاً للعمل كشركة أمن في أفغانستان.

كان أكثر ما اشتهرت به شركة (إن. سي. إل. القابضة) في دوائر التعاقدات في كابول، مع ذلك، هو هوية مديرها العام، حامد ورداك. وهو الابن الأميركي الشاب لوزير دفاع أفغانستان الحالي، الجنرال عبد الرحيم ورداك، الذي كان قائداً للمجاهدين ضد السوفيات. وقد انخرط حامد ورداك في قطاع الأعمال كما في السياسة. وكان قد تربى وتلقى تعليمه المدرسي في الولايات المتحدة، وتخرج طالباً متفوقاً من جامعة جورجتاون في العام 1997. وقد نال منحة "رودس" الدراسية وانضم إلى معهد إنتربرايز الأميركي، وهو مركز فكري تابع للمحافظين الجدد. وكان مقدراً لذلك الانضمام أن يلعب دوراً مهماً في حياته، لأنه استطاع أن يعقد في هذا المعهد تحالفات مع بعض شخصيات المحافظين الجدد المهمة في دوائر السياسة الخارجية الأميركية، مثل السفير الراحل جان كيكباترك.

قام وارداك بتسجيل ودمج شركة (إن. سي. إل) في الولايات المتحدة في أوائل العام 2007، على الرغم من أن المؤسسة ربما كانت تعمل في أفغانستان قبل ذلك التاريخ. وكان من المنطقي أن تنشئ لها مكاتب في واشنطن، بسبب صلات وارداك هناك. ويضم مجلس الشركة الاستشاري، على سبيل المثال، ميلتون بيردينMilton Bearden، وهو ضابط سابق معروف جداً في السي آي إيه. ويعد بيردن صوتاً مهماً وعارفاً في القضايا الأفغانية؛ وكان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) شاهداً وقف أمام لجنة العلاقة الخارجية في الكونغرس، حيث قدمه السيناتور جون كيري، رئيس اللجنة، بوصفه "ضابط قضايا أسطوريا سابقا في جهاز السي آي إيه، ومفكراً وكاتباً نافذ البصيرة". ولا تستطيع أي شركة تعاقد أن تحظى بمثل هذا المستشار الناقد بسهولة.

لكن أكبر صفقة حصلت عليها (إن. سي. إل) –والعقد الذي وضعتها في قوائم نخبة شركات أفغانستان الرئيسية- هي صفقة "مجموعة الأمة للشحن". وفي وقت سابق من هذه السنة، ومن دون أي خبرة تذكر في مجال الشحن البري، تمت تسميتها ضمن 6 شركات سوف تتولى الجزء الأكبر من مهمات الشحن البري الأميركي في أفغانستان، جالبة المؤن والإمدادات إلى شبكة من القواعد والبقاع البعيدة المتفرقة في كل أنحاء البلاد.

في البداية، كان العقد كبيراً ولكنه لم يكن هائل الضخامة، ثم تغير على حين غرة، مثل حديقة فسيحة تزهر مرة واحدة. وخلال الصيف، ومستشرفة "الزيادة" القادمة في عدد القوات، والعقيدة الجديدة "المال كمنظومة سلاح"، قامت الولايات المتحدة بتوسيع العقد المبرم مع شركة (إن. سي. إل) وخمس شركات أخرى بنسبة 600%. وقد حذرت وثائق العقد من التداعيات الوخيمة التي ستترتب على القوات الأميركية في أفغانستان في حال عدم صرف المزيد من الأموال: "لن يحصل الجنود على الطعام، والماء، والمعدات، والذخيرة التي يحتاجون إليها". وعليه، تم رفع قيمة كل من عقود الشحن الستة الخاصة بتموين الجيش الأميركي لتصل قيمة كل منها إلى 360 مليون دولار، أو إلى ما بلغ مجموعه 2.2 بليون دولار. ولكم أن تضعوا الأمر في المنظور التالي: هذا الجهد المفرد الذي يبلغ سنتين من العمر لاستئجار شاحنات وسواقين أفغان كان يعادل 10% من الناتج القومي الأفغاني الإجمالي. وقد استطاعت شركة (إن. سي. إل)، التي يديرها ابن وزير الدفاع حسن الصلات، جني الذهب الخالص من هذه التعاقدات.

تبقي شركة "المجموعة الوطنية" جهود الجيش الأميركي حية فعلاً في أفغانستان. وقال لي أحد المديرين التنفيذيين في الشحن البري الأميركي: "إننا نقدم كل شيء يحتاج إليه الجيش حتى يتمكن من البقاء هنا. إننا نجلب لهم ورق تواليتهم، ومياههم، ووقودهم، وبنادقهم وعرباتهم". وتقع النقطة المركزية للتوزيع في قاعدة باغرام الجوية التي تبعد ساعة فقط إلى الشمال من كابول، والتي يتم منها عملياً نقل كل شيء في أفغانستان بواسطة شاحنات إلى المناطق الخارجية مما يدعوه الجيش "فضاء المعركة" –أي، كامل أنحاء البلاد. وبعد أن تركن إلى جوار "نقطة سيطرة العبور رقم 3، تقف الشاحنات في صف، مشغلة محركاتها ومرسلة إلى الأعلى سحباً من الغبار في حين تستعد لأداء مهماتها المتعددة عبر البلاد.

يكمن السر الحقيقي للشحن في أفغانستان في ضمان الأمن على الطرق الخطرة التي يسيطر عليها أمراء الحرب، والميليشات القبائلية، والمتمردون وقادة طالبان. وكان المدير الأميركي الذي تحدثت إليه واضحاً تماماً إزاء ذلك: "إن الجيش يدفع بشكل أساسي لطالبان حتى لا تطلق النار عليها. إنها نقود وزارة الدفاع". وهو شأن يبدو الجميع وأنهم يوافقون عليه.

مايك هانا هو مدير شركة شحن تدعى "خدمات الجيش الأميركي الأفغانية". وقد ظلت هذه الشركة التي ما تزال تعمل في أفغانستان، تقوم بعمليات الشحن لصالح الولايات المتحدة طوال سنوات، لكنها خسرت المنافسة بعقد شركة "مجموعة الأمة" الذي فازت به شركة "إن سي إل". وقد فسر لنا هانا الحقائق الأمنية في أفغانستان بشكل بالغ البساطة: "إنك تدفع للناس في المناطق المحلية –بعضهم أمراء حرب، وبعضهم ساسة يعملون في قوات الشرطة –من أجل تمكين شاحناتك من المرور".

وقال هانا إن الأسعار المتقاضاة تتباين اعتماداً على الطريق التي تسير فيها القوافل: "إننا نتعرض بشكل أساسي للابتزاز. حين لا تدفع، سوف تتعرض للهجوم. لكننا نجعل جماعتنا من المسجلين يذهبون إلى هناك، وهم يدفعون إلى من يحتاجون إلى أن يدفعوا له". وفي بعض الأحيان، كما يقول، تكون نقود "الخاوة" كبيرة، وأحياناً منخفضة. " لدى تحريك 10 شاحنات، يحتمل أن يكون الرقم 800 دولار أميركي لكل شاحنة تتحرك مارة بالمنطقة. وتعتمد المسألة على عدد الشاحنات وعلى طبيعة ما تحمله. فإذا كانت لديك شاحنات وقود، سيتقاضون منك أكثر. وإذا كانت لديك شاحنات جافة، فإنهم لن يتقاضوا منك نفس المقدار. وإذا كنت تحمل عربات "م. آر. إيه. بي" أو "هامفي" فإنهم سيتقاضون منك أكثر".

ويضيف هانا أن هذا شر لابد منه. ويقول: "إذا قلت لي إنني لا يجب أن أدفع لهؤلاء المتمردين في هذه المنطقة، فسوف تزداد فرص تعرض شاحناتي للهجوم بطريقة استثنائية".

مؤمن
13-12-2009, 03:38 PM
يقول هانا إن ذلك شر لا بد منه فحسب. ويضيف: "لو قلت لي أن لا أدفع لهؤلاء المتمردين في هذه المنطقة، فإن فرصة أن تتعرض شاحناتي للهجوم تزداد بشكل استثنائي".

بينما كانت الشركات الأميركية والعالمية، مثل "بلاكووتر" تسيطر على صناعة الأمن الخاص في العراق، والتي تعمل كأذرع، بحكم الأمر الواقع، للحكومة الأميركية، فإن هناك الكثير من اللاعبين المحليين في أفغانستان أيضاً. وكنتيجة لذلك، أصبحت هذه الصناعة في كابول أشبه بفكرة "كلب يعض كلباً". وكما أوضح لي المدير التنفيذي المذكور، فإن من الواقع أن يكون "لكل أمير حرب شركته الأمنية الخاصة"، هو السائد في أفغانستان.

على المستوى النظري، تخضع شركات الأمن الخاص في كابول إلى الكثير من القوانين، ولو أن الواقع يختلف. وكان قد تم ترخيص 39 شركة حتى شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، ثم تم منح دزينة أخرى من الشركات رخصاً أيضاً. وتتمتع الكثير من هذه الشركات المرخصة بصلات سياسية: فمثلما أن شركة "إن سي. إل" مملكوكة لابن وزير الدفاع، وشركة "إدارة المخاطر ‘وطن’" تدار من قبل أبناء عم الرئيس كرزاي، فإن حشمت كرزاي يسيطر على "جماعة آسيا الأمنية"، وهو قريب آخر للرئيس. وقد أغلقت الشركة شارعاً كاملاً في مقاطعة "شيربور" الثمينة واحتلته لنفسها. وهناك شركة أمنية أخرى يسيطر عليها ابن رئيس مجلس النواب، كما تقول المصادر، وهكذا دواليك.

بالطريقة نفسها، عادة ما تكون صناعة الشحن البري الأفغانية، والعمليات اللوجستية الرئيسية، مرتبطة بشخصيات مهمة وقادة قبَليين. وهناك ناقل رئيسي في أفغانستان، هو "شركة الشحن الأفغانية الدولية"، والتي كانت تدفع 20.000 دولار شهري على شكل رشاوى إجبارية لمسؤول تعاقد في الجيش الأميركي، وفقاً لما ورد في اتفاقية التماس قدمه المسؤول لمحكمة أميركية في شهر آب (أغسطس) الماضي. وتظل شركة الشحن الأفغانية الدولية مؤسسة ذات صلات ممتازة، إذ يديرها شخص عمره 25، هو ابن شقيق الجنرال بابا جان، وهو قائد سابق في التحالف الشمالي، ثم رئيس شرطة كابول فيما بعد. وفي إحدى المقابلات، أصر بابا جان، وهو قائد جذل وذو شخصية كارزمية، على عدم وجود أي علاقة تربطه بمؤسسة ابن أخيه.

لكن جوهر الأمر هو أنه يجري الدفع للمتمردين من أجل توفير المرور الآمن، لأن هناك طرقاً أخرى قليلة لجلب البضائع إلى بؤر الاشتباك وقواعد العمليات المتقدمة، حيث يحتاج إليها الجنود. وبحكم الأمر الواقع، توجد الكثير من هذه البؤر في مناطق معادية، أي في الأجزاء الجنوبية من أفغانستان. ولا تقوم المؤسسات الأمنية بحماية قوافل بضائع الجيش الأميركي فعلياً هنا، لأنها لا تستطيع ذلك بكل بساطة؛ إنها بحاجة إلى تعاون طالبان.

لعل إحدى المشكلات الكبيرة التي تواجه الشركات التي تشحن الإمدادات العسكرية الأميركية عبر البلاد هو أنها ممنوعة من تسيلح أنفسها بأي أسلحة أثقل من البندقية. ويجعل ذلك منها غير فعالة في مقاومة هجمات طالبان على القواقل. وكما أخبرني مدير تنفيذي في شركة شحن في كابول، فإنهم "قادرون على إطلاق النار على سائقي الشاحنات وإصابتهم من مسافة 3.000 قدم بواسطة قناصات pkm". وأضاف: "إنهم يستخدمون قذائف الآر بي جيه (قذائف مدفوعة صاروخياً)، والتي تستطيع نسف عربة مدرعة. وهكذا تظل أيدي الشركات الأمنية موثقة. وبسبب القوانين، يمكن للشركات الأمنية أن تحمل فقط بنادق رشاشة خفيفة من نوع (إيه. كيه-47) ak-47، ولا يعدو ذلك كونه نكتة. إنني أحمل شخصياً بندقية من هذ الطراز، حتى أطلق النار على نفسي إذا ما اضطررت إلى ذلك!"

لكن القوانين المقيدة موجودة هناك لسبب وجيه: للحيلولة دون حدوث ضرر جانبي مدمر على أيدي قوات الأمن الخاصة. ومع ذلك، وكما يقول هانا من شركة خدمات الجيش الأميركي الأفغانية، إنك إن استخدمت "بنادق إيه-كيه 47 في مواجهة مقذوفة ذات دفع صاروخي، فإنك سوف تخسر حتماً!" ولذلك، حاولت واحدة من شركات "مجموعة الأمة للشحن" أن تخوض معركة بدل الدفع للمتمردين وأمراء الحرب. وهي مؤسسة مملوكة أميركياً تدعى "فور هورسمان إنترناشيونال". وقد حاولت بدلاً من دفع النقود أن تقاتل مهاجميها، لكنها دفعت الثمن بالأرواح، وبخسائر هائلة. وقد رفضت الشركة، مثلها مثل الكثير من المؤسسات الأخرى، التحدث إلينا علنا؛ لكن أحد المطلعين في صناعة الأمن قال لي إن قوافل تلك الشركة تتعرض للهجوم في كل مهمة تقوم بها عملياً.

في جزئها الأغلب، تفعل المؤسسات الأمنية ما يتوجب عليها فعله حتى تتمكن من البقاء. وقد أخبرني محارب أميركي متقاعد ومدير لإحدى تلك المؤسسات في أفغانستان، والذي كان قد عمل هناك كجندي وكمتعاقد أمني خاص في الميدان: "إن ما تفعله هو أن تدفع لأمراء الحرب المرتبطين بطالبان، لأن أياً من عناصرنا الأمنية لا تستطيع التعامل مع التهديد". والمدير متقاعد عسكري يتمتع بسنوات من الخبرة في القوات الخاصة، وهو ليس سعيداً إزاء ما يتم القيام به. ويقول إن على القوات العسكرية الأميركية أن تحاول في الحد الأدنى أن تعرف أكثر عن أولئك الذين يتم الدفع لهم.

وكان مسؤول أفغاني من قطاع الأمن الخاص قد قال لي: "معظم المرافقة تقوم بها طالبان". وهو من الباشتون وقائد سابق للمجاهدين، والذي يضع إصبعه بدقة على نبض الوضع العسكري وصناعة الأمن. وهو يعمل مع إحدى شركات الشحن البري التي تحمل المؤن الأميركية. ويضيف: "في هذا الوقت، تظل الحكومة ضعيفة، والجميع يدفعون لطالبان".

مؤمن
13-12-2009, 03:38 PM
أما بالنسبة لمسؤولي الشحن الأفغان، فإن هذا الواقع يظل أمراً نادراً ما يقلق أحد بشأنه. وكانت إحدى النساء اللواتي قابلتهن رائدة أعمال غير عادية، والتي استطاعت إنشاء عمل لها في قطاع الشحن، وهو الحقل الذي يهيمن عليه الذكور. وقالت لي إن شركة الأمن التي استأجرتها كانت تتعامل مباشرة مع قادة طالبان في الجنوب. وقد عنى الدفع لقادة طالبان أن يقوم هؤلاء القادة بإرسال مرافعة لضمان عدم قيام أي متمردين آخرين بمهاجمة القواقل. وفي حقيقة الأمر، فقد كانوا يحتاجون، كما قالت، إلى عربتين مسلحتين فقط من قوات طالبان. وقالت لي: "عربتان من طالبان تكفيان. واحدة في الخلف وأخرى في الأمام". وأضافت: "إنك لا تستطيع العمل بغير هذا. وإنجاز العمل بغير ذلك غير ممكن".

يعيدنا هذا وراء إلى قضية "مجموعة وطن للمخاطر"، المؤسسة التي يديرها أحمد راتب بوبال ورشيد بوبال، أقارب كرزاي العائليين ومروجي المخدرات السابقين. من المعروف أن "وطن" تسيطر على قطاع رئيسي واحد من الطريق التي يستخدمها كافة سائقي الشاحنات: الطريق الاستراتيجية إلى قندهار، والتي تدعى الطريق السريع رقم (1). ولك أن تعتبرها الطريق إلى الحرب –إلى الجنوب والغرب على حد سواء. وإذا ما أراد الجيش أن يوصل المؤن إلى مقاطعة هلمند، على سبيل المثال، فإن على الشاحنات أن تشق طريقها عبر قندهار.

"وطن للمخاطر"، وفقاً لما قاله سبعة مسؤولي أمن مختلفين من شركات الأمن والشحن، هي المزود الحصري للأمن على طول هذا المسار. ويظل موقع شركة "وطن" الإلكتروني مثيراً للإعجاب، وهي تزعم بأن أفرادها "مغربلون بعناية بحيث تم استبعاد كافة أعضاء الميليشيا السابقين، ومؤيدي طالبان، والأفراد الموالين لأمراء الحرب، وبارونات المخدرات، أو أي مجموعات أخرى تعارض الدعم الدولي للعملية الديمقراطية". ومهما تكن وسائل الغربلة التي تستخدمها المؤسسة، فإن سلاح "وطن " السري لحماية الإمدادات الأميركية المتجهة عبر قندهار هو رجل يدعى القائد روح الله. ولروح الله، الذي يقال إنه رجل وسيم في الأربعينيات من عمره، صوت عالي النبرة بشكل غريب. وهو يرتدي قمباز السلوار التقليدي وساعة رولكس، ويترأس جماعة كبيرة من المقاتلين غير النظاميين الذين لا يتمتعون بولاء معروف للحكومة. ويكفي اسمه، كما قال لي مسؤولو الأمن، لفرض الطاعة أو إثارة الرعب في كافة القرى الواقعة على طول الطريق.

إنه عمل خطر بطبيعة الحال: فحتى الربيع الماضي، كان لروح الله منافس –أمير حرب بساق واحدة يدعى القائد عبد الخالق. لكن الرجل قتل في كمين.

وهكذا، أصبح روح الله محارب الطرق الوحيد الباقي في ذلك القطاع من الطريق. ووفقاً للشهود، فإنه يعمل على النحو الآتي: ينتظر حتى تتجمع مئات من الشاحنات الجاهزة للسير جنوباً على الطريق السريع. ثم يجمع رجاله معاً، ويضعهم في عربات ذات دفع رباعي وشاحنات صغيرة. ويقول الشهود إنه لا يقصر ترسانته من الأسلحة على البنادق الرشاشة الصغيرة (إيه، كيه-47) وإنما يستخدم أي أسلحة تقع عليها يداه. لكن سلاحه الرئيسي هو سمعته. ولذلك، يتم الدفع لشركة "وطن" بسخاء، حيث تتقاضى رسماً عن كل شاحنة تعبر ذلك الممر. وقال لي مسؤول الشحن الأميركي إن روح الله "يتقاضى 1.500 دولار عن كل شاحنة تذهب إلى قندهار. أي تقطع مسافة 300 كيلومتر فقط".

من الصعب تشخيص هذا الأمر بالضبط –أهو أمن، أم ابتزاز، أم نوع من "التأمين". وهناك سؤال مهم أيضاً: هل لروح الله صلات مع طالبان؟ يظل من المستحيل معرفة ذلك. وكما قال محارب أميركي سابق يعمل في الأمن الخاص، والذي يعرف هذه الطريق جيداً: "إنه يعمل مع الطرفين... أيهما أكثر ربحاً. إنه القائد الرئيسي، ويجب أن يكون متورطاً مع طالباً. أما إلى أي مدى، فإن أحداً لا يعرف".

حتى إن (إن. سي. إل)، الشركة التي يملكها حامد ورداك، تدفع بدورها. وقد أخبرني مصدران من العارفين بشكل مباشر أن الشركة ترسل حصتها من البضائع اللوجستية الأميركية في قوافل "وطن" وروح الله. وقال المصدران إن (إن. سي. إل) تدفع فاتورة بقيمة 500.000 دولار شهرياً لقاء خدمات "وطن". وحتى نوضح الفكرة، فإن (إن. سي. إل) التي تنفذ عقداً بقيمة 360 مليون دولار تتقاضاها من الجيش الأميركي، والذي يمتلكها ابن وزير الدفاع الأفغاني، تدفع هي نفسها ملايين الدولارات سنوياً من هذه الأموال لشركة يمتلكها أبناء عم الرئيس كرزاي، من أجل توفير الحماية.

لم يكن حامد ورداك يجيب عن مكالماتي الهاتفية. ولم يقبل ميلت بيردين، ضابط السي آي إيه السابق التابع للشركة، التحدث إلي أيضاً. ومع أنها ليست هناك مشكلة في انخراط بيردين في الأعمال في أفغانستان، إلا أن الكشف عن مصالح العمل الذي يمارسه، ربما يؤثر على شهادته التي يقدمها عن السياسة الأميركية في أفغانستان والباكستان. فبعد كل شيء، يبقى أمر أن تربح (إن. سي. إل) أو أن تخسر مئات الملايين من الدولارات معتمداً على رغبات وتصورات صناع السياسة الأميركيين.

لعل مما يستحق التساؤل هو، لماذا تفوز شركة (إن. سي. إل.)، وهي شركة بلا خبرة معروفة في الشحن، ولديها القليل مما يمكن الحديث عنه من الخبرة الأمنية، بعقد قيمته 360 مليون دولار. ويطرح العديد من أهل البيت الأفغان كثيراً من الأسئلة المشابهة. "لماذا تعمد الولايات المتحدة إلى منحه (ورداك) عقداً إذا كان ابن وزير الدفاع الأفغاني؟" هذا هو السؤال الذي طرحه عليّ محمود كرزاي، وهو شقيق الرئيس كرزاي، والذي سبق وأن عومل هو نفسه في الصحافة كمعبر لمهاجمة المسؤولين الأفغان. بل إن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت عنه صورة قلمية مليئة بالنقد. وفي دفاعه عن نفسه، أكد كرزاي أنه قد أحجم، على الأقل، عن الانخراط في التعاقدات الأمنية المطروحة من جانب الحكومة الأميركية والحكومة الأفغانية. وأشار، كما فعل آخرون، إلى أن أحمد ورداك كان يتمتع بالقليل جداً من الخلفية عن مسائل الشحن والخلفية الأمنية قبل أن تتلقى شركته الأمنية تعاقدات شحن وتعاقدات أمنية من وزارة الدفاع. وقال: "تبقى هذه ممارسة تستحق الاستنطاق في قطاع الأعمال. ما كان ينبغي لهم أن يمنحوه العقد. كيف يحدث أن لا يتعرض هذا للاستنطاق؟"

تسنت لي الفرصة لأسأل الجنرال وارداك، والد حامد، عن الموضوع. وهو رجل بالغ النشاط والأناقة، مع أنه لم يعد ذلك القائد الكيس، كما وصفه بيردين ذات مرة. سألت وارداك عن شركة ابنه وعن (إن. سي. إل.) فقال وزير الدفاع: "لقد حاولت أن أكون مستقيماً وأن أصحح وأحارب الفساد طوال حياتي. كان هذا موضوعاً حاول الناس استخدامه ضدي، ولذلك كان أمراً مؤلماً". وقد تحدثت إلى الجنرال وارداك بإيجاز عن (إن. سي. إل). ويبدو أن القضية قد صنعت صدعاً بينه وبين ابنه. وقال: "كنت ضد الموضوع منذ البداية، ولهذا لم نتحدث مع بعضنا البعض منذ وقت طويل. لم أحاول أبداً أن أدعمه أو أن استخدم سلطاتي ولا نفوذي من أجل أن يحقق الأرباح".

وعندما أخبرت الجنرال وارداك بأن شركة ابنه حصلت على عقد أميركي بقيمة 360 مليون دولار، بدا وأنه أخذ بالمفاجأة. وقال: "هذا مستحيل. إنني لا أصدق ذلك". وقد صدقت الجنرال عندما قال إنه لم يعرف فعلاً ما كان ابنه يسعى إليه. لكن تلميع صورة ما يبدو أنه صفقات يعقدها أحد أهل البيت ربما تكون أسهل من الخطوة التالية: إغلاق أنبوب النقود التي تذهب من متعاقدي وزارة الدفاع إلى متمردين محتملين.

قبل سنتين، كما قال لي مسؤول أمن أفغاني رفيع، كان جهاز الاستخبارات الأفغاني "إدارة الأمن القومي" قد حذر الجيش الأميركي من المشكلة. وقد سلمت الإدارة ما قيل لي إنه "تقارير مفصلة جداً" للأميركيين، توضح كيف أن طالبان تستفيد من نقود حماية قوافل المؤن الأميركية. بل إن أجهزة الاستخبارات الأفغانية عرضت حلاً: ماذا لو كانت الولايات المتحدة قد أخذت عشرات الملايين من الدولارات التي تدفعها للمتعهدين الأمنيين، وأنشأت بها بدلاً من ذلك، وحدة دعم قوافل محترفة ومختصة لتقوم بحراسة خطوط الدعم اللوجستي؟ لكن ذلك الاقتراح لم يذهب إلى أي مكان وطرح جانباً.

إن الحقيقة الغرائبية هي أن ممارسة شراء حماية طالبان ليست سراً. وقد سألت الكولونيل ديفيد هيت، الذي يقود الكتيبة الثالثة في وحدة الجبل العاشر، لأن جزءاً من الطريق السريع رقم (1) عبر منطقة عملياته. سألته عما يعتقده إزاء شركات الأمن التي تدفع للمتمردين؟ فقال في مقابلة أجريت في مكتبه في مقاطعة لوجار: "إن الجندي الأميركي في داخلي يرفض ذلك. لكنني أعرف أن الأمر هو ما هو عليه: أي دفع النقود بشكل أساسي، بينما تقول: ‘هيه، لا تتشاحن معي، إنني لا أحب ذلك، لكن هذا هو واقع الأمر".

وكما شرح مسؤول عسكري في كابول عملية التعاقدات في أفغانستان ككل، "إننا نفهم أن 10 إلى 20% تذهب إلى المتمردين في السياق. وربما يقول مطلع إنها أقرب إلى 10%. ويحدث هذا بشكل عام في كل موضوع اللوجستيات".

وفي تصريح لمجلة "ذا نيشن" عن "مجموعة الشحن"، قال الكولونيل واين شانكس، مسؤول العلاقات العامة للقوات الدولية في أفغانستان، إن مسؤولي الجيش "مدركون للمزاعم القائلة بأن أموال السمسرة ربما تجد طريقها إلى أيدي الجماعات المتمردة، لكننا لا نقوم مباشرة بدعم هذا النشاط أو بالتغاضي عنه، إذا ما كان يحدث فعلاً". وأضاف أنه، على الرغم من الرقابة، فإن "العلاقات بين المتعهدين والمتعهدين الفرعيين، كما وبين المتعاهدين الفرعيين والآخرين في مجتمعات عملياتهم، ليست شفافة تماماً".

مهما كان واقع الحال، فإن القضية الرئيسية لا تتعلق بإدارة الجيش الأميركي وجهه بعيداً عن المشكلة. ويعترف الكثير من المسؤولين بما يحدث، بينما يعبرون في الوقت نفسه عن قلق عميق إزاء الوضع. إن المشكلة هي أن الولايات المتحدة –كما هو حال الحال في أفغانستان- لا تبدو وأنها تعرف كيف تصلحه.

*أرام روستون: صحافي استقصائي ومؤلف كتاب "الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب: الحياة غير العادية، المغامرات والطموحات لأحمد الجلبي".

الخالدي
03-02-2010, 09:40 AM
هنا يرد السؤال نفسه في طالبان،،، هل هي حركة امريكية الإنشاء لكنها تحررت من الهيمنة الأمريكية وباتت تجد بهذا الواقع مصدرا للربح الوفير الذي لا ينضب؟؟؟؟

لا أجد رأيا صريحا للحزب في طالبان، قد يكون الحزب قال شيئا لم يقع تحد يدي!!!

نائل سيد أحمد
27-09-2010, 11:49 AM
للتذكير

ـــــــــــــــــــــــــ