مؤمن
13-12-2009, 03:37 PM
كيف تقوم الولايات المتحدة بتمويل طالبان
مقاتلون من طالبان في أحد مجاهل أفغانستان - (ذا نيشن)
أصبح قيام حكومة الولايات المتحدة بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان أصلاً.
لا تكمن مشكلة الدفع للمتمردين في أفغانستان بإدراك المشكلة، وإنما بعدم قدرة الولايات المتحدة ولا الحكومة الأفغانية على إصلاح هذا الوضع.
لماذا لا تقوم الولايات المتحدة باستخدام عشرات الملايين من الدولارات التي تدفعها للمتعهدين الأمنيين، في إنشاء وحدة دعم قوافل محترفة ومختصة لتقوم بحراسة خطوط الدعم اللوجستي بدلاً من الدفع للشركات الأمنية الخاصة ولطالبان للقيام بهذه المهمة؟
آرام روستون – (ذا نيشن)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، بينما كان حكم طالبان في أفغانستان تحت الهجوم، عقد سفير النظام في إسلام أباد مؤتمراً صحفياً مرتجلاً أمام عدة عشرات من الصحفيين الذين يعتقدون العشب. وإلى جانب دبلوماسي طالبان، كان يجلس مترجم اسمه أحمد راتب بوبال، وهو رجل ذو حضور قوي. ومثل السفير، كان بوبال يضع على رأسه عمامة سوداء، وكانت له لحية هائلة مشعثة، وبقعة سوداء تعلو محجر عينه اليمنى، ويد يسرى اصطناعية، ويمنى مشوهة، تخلفت كلها عن جراح سببتها له حادثة تفجير خلال عملية قديمة ضد السوفيات في كابول.
لكن بوبال كان أكثر من مجرد مجاهد سابق. ففي العام 1988، أي قبل سنة من هروب السوفيات من أفغانستان، كان بوبال قد حوكم في الولايات المتحدة بتهمة التآمر على جلب أكثر من كيلوغرام من الهيروين. وتقول سجلات المحكمة أن سراحه قد أطلق من السجن في العام 1997.
ولنعد سريعاً في الزمن إلى العام 2009، إلى أفغانستان التي بات يحكمها ابن عم بوبال، حامد كرزاي؛ وقد حلق بوبال لحيته الهائلة إلى لحية قصيرة مقصوصة بعناية، وأصبح رجل أعمال هائل الثروة، إلى جانب شقيقه رشيد بوبال، الذي كان قد اعتبر مذنباً في قضية منفصلة بتهمة اتجار بالكوكايين في بروكلين في العام 1996. ويسيطر الأخوان على "مجموعة وطن" الهائلة في أفغانستان، وهي كونسورتيوم (ائتلاف من عدة شركات) يشتغل في قطاعات مختلفة من الاتصالات الهاتفية، واللوجستيات، والأهم من كل ذلك: الأمن. وتعد مؤسسة "إدارة المخاطر في "وطن"، وهي الذراع العسكري للأخوين بوبال، واحدة من شركات الأمن الخاصة القليلة التي يقارب عددها العشر في أفغانستان. وتعمل إحدى مؤسسات "وطن"، والتي تعد مهمة لجهود الحرب، في حماية قوافل الشاحنات الأفغانية المتجهة من كابول إلى قندهار، حاملة على ظهورها المؤن والإمدادات الأميركية.
أهلاً بكم إذن إلى بازار زمن الحرب للتعاقدات في أفغانستان. وهو كرنفال حقيقي للشخصيات المشبوهة والصلات الخفية، حيث يضم مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابقون وضباط الجيش السابقون أيديهم إلى أيدي أعضاء طالبان والمجاهدين السابقين، ليجني الأخيرون أموال حكومة الولايات المتحدة الأميركية باسم جهد الحرب.
في هذا الكرنفال الغرائبي، يجد متعاقدو الجيش الأميركي أنفسهم مجبرين على الدفع لأشخاص مشتبه بانتمائهم إلى المتمردين من أجل حماية طرق الإمداد الأميركية. وهي حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، والتي تقوم حكومة الولايات المتحدة فيها بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية. وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان. وهي "تشكل جزءاً كبيراً من دخلهم"، كما يقول أحد كبار مسؤولي الأمن الأفغان في مقابلة مع "ذا نيشن". وفي حقيقة الأمر، يعتقد مسؤولو الجيش في كابول بأن ما لا يقل عن 10% من عقود وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اللوجستية –والتي تساوي عشرات الملايين من الدولارات- تتكون من دفعات تذهب إلى المتمردين.
يتطلب فهم الكيفية التي سُمح بها لهذا الوضع بأن يمر فك عقد اثنين من الخيوط: الأول هو تعاملات الأشخاص من الداخل، ممن يقررون من يكسب ومن يخسر في قطاع الأعمال الأفغاني؛ والثاني هو الآلية المقلقة التي يضمن بها قطاع أعمال "الأمن الخاص" أن لا تتعرض قوافل الإمدادات التي تسافر عبر تلك الطرق التجارية القديمة للوقوع في كمائن المتمردين.
لعل أحد الأمكنة الجيدة للشروع بالتقاط الخيط الأول هي مؤسسة صغيرة كوفئت بمنحها عقد لوجستيات للجيش الأميركي يساوي عشرات الملايين من الدولارات، هي شركة "إن. سي. ل. القابضة"NCL Holdings . ومثل مؤسسة الأخوين بوبال "وطن للمخاطرة"، تمتلك (إن. سي. إل) ترخيصاً للعمل كشركة أمن في أفغانستان.
كان أكثر ما اشتهرت به شركة (إن. سي. إل. القابضة) في دوائر التعاقدات في كابول، مع ذلك، هو هوية مديرها العام، حامد ورداك. وهو الابن الأميركي الشاب لوزير دفاع أفغانستان الحالي، الجنرال عبد الرحيم ورداك، الذي كان قائداً للمجاهدين ضد السوفيات. وقد انخرط حامد ورداك في قطاع الأعمال كما في السياسة. وكان قد تربى وتلقى تعليمه المدرسي في الولايات المتحدة، وتخرج طالباً متفوقاً من جامعة جورجتاون في العام 1997. وقد نال منحة "رودس" الدراسية وانضم إلى معهد إنتربرايز الأميركي، وهو مركز فكري تابع للمحافظين الجدد. وكان مقدراً لذلك الانضمام أن يلعب دوراً مهماً في حياته، لأنه استطاع أن يعقد في هذا المعهد تحالفات مع بعض شخصيات المحافظين الجدد المهمة في دوائر السياسة الخارجية الأميركية، مثل السفير الراحل جان كيكباترك.
قام وارداك بتسجيل ودمج شركة (إن. سي. إل) في الولايات المتحدة في أوائل العام 2007، على الرغم من أن المؤسسة ربما كانت تعمل في أفغانستان قبل ذلك التاريخ. وكان من المنطقي أن تنشئ لها مكاتب في واشنطن، بسبب صلات وارداك هناك. ويضم مجلس الشركة الاستشاري، على سبيل المثال، ميلتون بيردينMilton Bearden، وهو ضابط سابق معروف جداً في السي آي إيه. ويعد بيردن صوتاً مهماً وعارفاً في القضايا الأفغانية؛ وكان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) شاهداً وقف أمام لجنة العلاقة الخارجية في الكونغرس، حيث قدمه السيناتور جون كيري، رئيس اللجنة، بوصفه "ضابط قضايا أسطوريا سابقا في جهاز السي آي إيه، ومفكراً وكاتباً نافذ البصيرة". ولا تستطيع أي شركة تعاقد أن تحظى بمثل هذا المستشار الناقد بسهولة.
لكن أكبر صفقة حصلت عليها (إن. سي. إل) –والعقد الذي وضعتها في قوائم نخبة شركات أفغانستان الرئيسية- هي صفقة "مجموعة الأمة للشحن". وفي وقت سابق من هذه السنة، ومن دون أي خبرة تذكر في مجال الشحن البري، تمت تسميتها ضمن 6 شركات سوف تتولى الجزء الأكبر من مهمات الشحن البري الأميركي في أفغانستان، جالبة المؤن والإمدادات إلى شبكة من القواعد والبقاع البعيدة المتفرقة في كل أنحاء البلاد.
في البداية، كان العقد كبيراً ولكنه لم يكن هائل الضخامة، ثم تغير على حين غرة، مثل حديقة فسيحة تزهر مرة واحدة. وخلال الصيف، ومستشرفة "الزيادة" القادمة في عدد القوات، والعقيدة الجديدة "المال كمنظومة سلاح"، قامت الولايات المتحدة بتوسيع العقد المبرم مع شركة (إن. سي. إل) وخمس شركات أخرى بنسبة 600%. وقد حذرت وثائق العقد من التداعيات الوخيمة التي ستترتب على القوات الأميركية في أفغانستان في حال عدم صرف المزيد من الأموال: "لن يحصل الجنود على الطعام، والماء، والمعدات، والذخيرة التي يحتاجون إليها". وعليه، تم رفع قيمة كل من عقود الشحن الستة الخاصة بتموين الجيش الأميركي لتصل قيمة كل منها إلى 360 مليون دولار، أو إلى ما بلغ مجموعه 2.2 بليون دولار. ولكم أن تضعوا الأمر في المنظور التالي: هذا الجهد المفرد الذي يبلغ سنتين من العمر لاستئجار شاحنات وسواقين أفغان كان يعادل 10% من الناتج القومي الأفغاني الإجمالي. وقد استطاعت شركة (إن. سي. إل)، التي يديرها ابن وزير الدفاع حسن الصلات، جني الذهب الخالص من هذه التعاقدات.
تبقي شركة "المجموعة الوطنية" جهود الجيش الأميركي حية فعلاً في أفغانستان. وقال لي أحد المديرين التنفيذيين في الشحن البري الأميركي: "إننا نقدم كل شيء يحتاج إليه الجيش حتى يتمكن من البقاء هنا. إننا نجلب لهم ورق تواليتهم، ومياههم، ووقودهم، وبنادقهم وعرباتهم". وتقع النقطة المركزية للتوزيع في قاعدة باغرام الجوية التي تبعد ساعة فقط إلى الشمال من كابول، والتي يتم منها عملياً نقل كل شيء في أفغانستان بواسطة شاحنات إلى المناطق الخارجية مما يدعوه الجيش "فضاء المعركة" –أي، كامل أنحاء البلاد. وبعد أن تركن إلى جوار "نقطة سيطرة العبور رقم 3، تقف الشاحنات في صف، مشغلة محركاتها ومرسلة إلى الأعلى سحباً من الغبار في حين تستعد لأداء مهماتها المتعددة عبر البلاد.
يكمن السر الحقيقي للشحن في أفغانستان في ضمان الأمن على الطرق الخطرة التي يسيطر عليها أمراء الحرب، والميليشات القبائلية، والمتمردون وقادة طالبان. وكان المدير الأميركي الذي تحدثت إليه واضحاً تماماً إزاء ذلك: "إن الجيش يدفع بشكل أساسي لطالبان حتى لا تطلق النار عليها. إنها نقود وزارة الدفاع". وهو شأن يبدو الجميع وأنهم يوافقون عليه.
مايك هانا هو مدير شركة شحن تدعى "خدمات الجيش الأميركي الأفغانية". وقد ظلت هذه الشركة التي ما تزال تعمل في أفغانستان، تقوم بعمليات الشحن لصالح الولايات المتحدة طوال سنوات، لكنها خسرت المنافسة بعقد شركة "مجموعة الأمة" الذي فازت به شركة "إن سي إل". وقد فسر لنا هانا الحقائق الأمنية في أفغانستان بشكل بالغ البساطة: "إنك تدفع للناس في المناطق المحلية –بعضهم أمراء حرب، وبعضهم ساسة يعملون في قوات الشرطة –من أجل تمكين شاحناتك من المرور".
وقال هانا إن الأسعار المتقاضاة تتباين اعتماداً على الطريق التي تسير فيها القوافل: "إننا نتعرض بشكل أساسي للابتزاز. حين لا تدفع، سوف تتعرض للهجوم. لكننا نجعل جماعتنا من المسجلين يذهبون إلى هناك، وهم يدفعون إلى من يحتاجون إلى أن يدفعوا له". وفي بعض الأحيان، كما يقول، تكون نقود "الخاوة" كبيرة، وأحياناً منخفضة. " لدى تحريك 10 شاحنات، يحتمل أن يكون الرقم 800 دولار أميركي لكل شاحنة تتحرك مارة بالمنطقة. وتعتمد المسألة على عدد الشاحنات وعلى طبيعة ما تحمله. فإذا كانت لديك شاحنات وقود، سيتقاضون منك أكثر. وإذا كانت لديك شاحنات جافة، فإنهم لن يتقاضوا منك نفس المقدار. وإذا كنت تحمل عربات "م. آر. إيه. بي" أو "هامفي" فإنهم سيتقاضون منك أكثر".
ويضيف هانا أن هذا شر لابد منه. ويقول: "إذا قلت لي إنني لا يجب أن أدفع لهؤلاء المتمردين في هذه المنطقة، فسوف تزداد فرص تعرض شاحناتي للهجوم بطريقة استثنائية".
مقاتلون من طالبان في أحد مجاهل أفغانستان - (ذا نيشن)
أصبح قيام حكومة الولايات المتحدة بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان أصلاً.
لا تكمن مشكلة الدفع للمتمردين في أفغانستان بإدراك المشكلة، وإنما بعدم قدرة الولايات المتحدة ولا الحكومة الأفغانية على إصلاح هذا الوضع.
لماذا لا تقوم الولايات المتحدة باستخدام عشرات الملايين من الدولارات التي تدفعها للمتعهدين الأمنيين، في إنشاء وحدة دعم قوافل محترفة ومختصة لتقوم بحراسة خطوط الدعم اللوجستي بدلاً من الدفع للشركات الأمنية الخاصة ولطالبان للقيام بهذه المهمة؟
آرام روستون – (ذا نيشن)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، بينما كان حكم طالبان في أفغانستان تحت الهجوم، عقد سفير النظام في إسلام أباد مؤتمراً صحفياً مرتجلاً أمام عدة عشرات من الصحفيين الذين يعتقدون العشب. وإلى جانب دبلوماسي طالبان، كان يجلس مترجم اسمه أحمد راتب بوبال، وهو رجل ذو حضور قوي. ومثل السفير، كان بوبال يضع على رأسه عمامة سوداء، وكانت له لحية هائلة مشعثة، وبقعة سوداء تعلو محجر عينه اليمنى، ويد يسرى اصطناعية، ويمنى مشوهة، تخلفت كلها عن جراح سببتها له حادثة تفجير خلال عملية قديمة ضد السوفيات في كابول.
لكن بوبال كان أكثر من مجرد مجاهد سابق. ففي العام 1988، أي قبل سنة من هروب السوفيات من أفغانستان، كان بوبال قد حوكم في الولايات المتحدة بتهمة التآمر على جلب أكثر من كيلوغرام من الهيروين. وتقول سجلات المحكمة أن سراحه قد أطلق من السجن في العام 1997.
ولنعد سريعاً في الزمن إلى العام 2009، إلى أفغانستان التي بات يحكمها ابن عم بوبال، حامد كرزاي؛ وقد حلق بوبال لحيته الهائلة إلى لحية قصيرة مقصوصة بعناية، وأصبح رجل أعمال هائل الثروة، إلى جانب شقيقه رشيد بوبال، الذي كان قد اعتبر مذنباً في قضية منفصلة بتهمة اتجار بالكوكايين في بروكلين في العام 1996. ويسيطر الأخوان على "مجموعة وطن" الهائلة في أفغانستان، وهي كونسورتيوم (ائتلاف من عدة شركات) يشتغل في قطاعات مختلفة من الاتصالات الهاتفية، واللوجستيات، والأهم من كل ذلك: الأمن. وتعد مؤسسة "إدارة المخاطر في "وطن"، وهي الذراع العسكري للأخوين بوبال، واحدة من شركات الأمن الخاصة القليلة التي يقارب عددها العشر في أفغانستان. وتعمل إحدى مؤسسات "وطن"، والتي تعد مهمة لجهود الحرب، في حماية قوافل الشاحنات الأفغانية المتجهة من كابول إلى قندهار، حاملة على ظهورها المؤن والإمدادات الأميركية.
أهلاً بكم إذن إلى بازار زمن الحرب للتعاقدات في أفغانستان. وهو كرنفال حقيقي للشخصيات المشبوهة والصلات الخفية، حيث يضم مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابقون وضباط الجيش السابقون أيديهم إلى أيدي أعضاء طالبان والمجاهدين السابقين، ليجني الأخيرون أموال حكومة الولايات المتحدة الأميركية باسم جهد الحرب.
في هذا الكرنفال الغرائبي، يجد متعاقدو الجيش الأميركي أنفسهم مجبرين على الدفع لأشخاص مشتبه بانتمائهم إلى المتمردين من أجل حماية طرق الإمداد الأميركية. وهي حقيقة مقبولة من حقائق العملية اللوجستية في أفغانستان، والتي تقوم حكومة الولايات المتحدة فيها بتمويل نفس القوى التي تحاربها القوات الأميركية. وهو أمر ينطوي على مفارقة مميتة، لأن هذه الأموال تضيف إلى القدر الهائل من الأموال التي تمتلكها طالبان. وهي "تشكل جزءاً كبيراً من دخلهم"، كما يقول أحد كبار مسؤولي الأمن الأفغان في مقابلة مع "ذا نيشن". وفي حقيقة الأمر، يعتقد مسؤولو الجيش في كابول بأن ما لا يقل عن 10% من عقود وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اللوجستية –والتي تساوي عشرات الملايين من الدولارات- تتكون من دفعات تذهب إلى المتمردين.
يتطلب فهم الكيفية التي سُمح بها لهذا الوضع بأن يمر فك عقد اثنين من الخيوط: الأول هو تعاملات الأشخاص من الداخل، ممن يقررون من يكسب ومن يخسر في قطاع الأعمال الأفغاني؛ والثاني هو الآلية المقلقة التي يضمن بها قطاع أعمال "الأمن الخاص" أن لا تتعرض قوافل الإمدادات التي تسافر عبر تلك الطرق التجارية القديمة للوقوع في كمائن المتمردين.
لعل أحد الأمكنة الجيدة للشروع بالتقاط الخيط الأول هي مؤسسة صغيرة كوفئت بمنحها عقد لوجستيات للجيش الأميركي يساوي عشرات الملايين من الدولارات، هي شركة "إن. سي. ل. القابضة"NCL Holdings . ومثل مؤسسة الأخوين بوبال "وطن للمخاطرة"، تمتلك (إن. سي. إل) ترخيصاً للعمل كشركة أمن في أفغانستان.
كان أكثر ما اشتهرت به شركة (إن. سي. إل. القابضة) في دوائر التعاقدات في كابول، مع ذلك، هو هوية مديرها العام، حامد ورداك. وهو الابن الأميركي الشاب لوزير دفاع أفغانستان الحالي، الجنرال عبد الرحيم ورداك، الذي كان قائداً للمجاهدين ضد السوفيات. وقد انخرط حامد ورداك في قطاع الأعمال كما في السياسة. وكان قد تربى وتلقى تعليمه المدرسي في الولايات المتحدة، وتخرج طالباً متفوقاً من جامعة جورجتاون في العام 1997. وقد نال منحة "رودس" الدراسية وانضم إلى معهد إنتربرايز الأميركي، وهو مركز فكري تابع للمحافظين الجدد. وكان مقدراً لذلك الانضمام أن يلعب دوراً مهماً في حياته، لأنه استطاع أن يعقد في هذا المعهد تحالفات مع بعض شخصيات المحافظين الجدد المهمة في دوائر السياسة الخارجية الأميركية، مثل السفير الراحل جان كيكباترك.
قام وارداك بتسجيل ودمج شركة (إن. سي. إل) في الولايات المتحدة في أوائل العام 2007، على الرغم من أن المؤسسة ربما كانت تعمل في أفغانستان قبل ذلك التاريخ. وكان من المنطقي أن تنشئ لها مكاتب في واشنطن، بسبب صلات وارداك هناك. ويضم مجلس الشركة الاستشاري، على سبيل المثال، ميلتون بيردينMilton Bearden، وهو ضابط سابق معروف جداً في السي آي إيه. ويعد بيردن صوتاً مهماً وعارفاً في القضايا الأفغانية؛ وكان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) شاهداً وقف أمام لجنة العلاقة الخارجية في الكونغرس، حيث قدمه السيناتور جون كيري، رئيس اللجنة، بوصفه "ضابط قضايا أسطوريا سابقا في جهاز السي آي إيه، ومفكراً وكاتباً نافذ البصيرة". ولا تستطيع أي شركة تعاقد أن تحظى بمثل هذا المستشار الناقد بسهولة.
لكن أكبر صفقة حصلت عليها (إن. سي. إل) –والعقد الذي وضعتها في قوائم نخبة شركات أفغانستان الرئيسية- هي صفقة "مجموعة الأمة للشحن". وفي وقت سابق من هذه السنة، ومن دون أي خبرة تذكر في مجال الشحن البري، تمت تسميتها ضمن 6 شركات سوف تتولى الجزء الأكبر من مهمات الشحن البري الأميركي في أفغانستان، جالبة المؤن والإمدادات إلى شبكة من القواعد والبقاع البعيدة المتفرقة في كل أنحاء البلاد.
في البداية، كان العقد كبيراً ولكنه لم يكن هائل الضخامة، ثم تغير على حين غرة، مثل حديقة فسيحة تزهر مرة واحدة. وخلال الصيف، ومستشرفة "الزيادة" القادمة في عدد القوات، والعقيدة الجديدة "المال كمنظومة سلاح"، قامت الولايات المتحدة بتوسيع العقد المبرم مع شركة (إن. سي. إل) وخمس شركات أخرى بنسبة 600%. وقد حذرت وثائق العقد من التداعيات الوخيمة التي ستترتب على القوات الأميركية في أفغانستان في حال عدم صرف المزيد من الأموال: "لن يحصل الجنود على الطعام، والماء، والمعدات، والذخيرة التي يحتاجون إليها". وعليه، تم رفع قيمة كل من عقود الشحن الستة الخاصة بتموين الجيش الأميركي لتصل قيمة كل منها إلى 360 مليون دولار، أو إلى ما بلغ مجموعه 2.2 بليون دولار. ولكم أن تضعوا الأمر في المنظور التالي: هذا الجهد المفرد الذي يبلغ سنتين من العمر لاستئجار شاحنات وسواقين أفغان كان يعادل 10% من الناتج القومي الأفغاني الإجمالي. وقد استطاعت شركة (إن. سي. إل)، التي يديرها ابن وزير الدفاع حسن الصلات، جني الذهب الخالص من هذه التعاقدات.
تبقي شركة "المجموعة الوطنية" جهود الجيش الأميركي حية فعلاً في أفغانستان. وقال لي أحد المديرين التنفيذيين في الشحن البري الأميركي: "إننا نقدم كل شيء يحتاج إليه الجيش حتى يتمكن من البقاء هنا. إننا نجلب لهم ورق تواليتهم، ومياههم، ووقودهم، وبنادقهم وعرباتهم". وتقع النقطة المركزية للتوزيع في قاعدة باغرام الجوية التي تبعد ساعة فقط إلى الشمال من كابول، والتي يتم منها عملياً نقل كل شيء في أفغانستان بواسطة شاحنات إلى المناطق الخارجية مما يدعوه الجيش "فضاء المعركة" –أي، كامل أنحاء البلاد. وبعد أن تركن إلى جوار "نقطة سيطرة العبور رقم 3، تقف الشاحنات في صف، مشغلة محركاتها ومرسلة إلى الأعلى سحباً من الغبار في حين تستعد لأداء مهماتها المتعددة عبر البلاد.
يكمن السر الحقيقي للشحن في أفغانستان في ضمان الأمن على الطرق الخطرة التي يسيطر عليها أمراء الحرب، والميليشات القبائلية، والمتمردون وقادة طالبان. وكان المدير الأميركي الذي تحدثت إليه واضحاً تماماً إزاء ذلك: "إن الجيش يدفع بشكل أساسي لطالبان حتى لا تطلق النار عليها. إنها نقود وزارة الدفاع". وهو شأن يبدو الجميع وأنهم يوافقون عليه.
مايك هانا هو مدير شركة شحن تدعى "خدمات الجيش الأميركي الأفغانية". وقد ظلت هذه الشركة التي ما تزال تعمل في أفغانستان، تقوم بعمليات الشحن لصالح الولايات المتحدة طوال سنوات، لكنها خسرت المنافسة بعقد شركة "مجموعة الأمة" الذي فازت به شركة "إن سي إل". وقد فسر لنا هانا الحقائق الأمنية في أفغانستان بشكل بالغ البساطة: "إنك تدفع للناس في المناطق المحلية –بعضهم أمراء حرب، وبعضهم ساسة يعملون في قوات الشرطة –من أجل تمكين شاحناتك من المرور".
وقال هانا إن الأسعار المتقاضاة تتباين اعتماداً على الطريق التي تسير فيها القوافل: "إننا نتعرض بشكل أساسي للابتزاز. حين لا تدفع، سوف تتعرض للهجوم. لكننا نجعل جماعتنا من المسجلين يذهبون إلى هناك، وهم يدفعون إلى من يحتاجون إلى أن يدفعوا له". وفي بعض الأحيان، كما يقول، تكون نقود "الخاوة" كبيرة، وأحياناً منخفضة. " لدى تحريك 10 شاحنات، يحتمل أن يكون الرقم 800 دولار أميركي لكل شاحنة تتحرك مارة بالمنطقة. وتعتمد المسألة على عدد الشاحنات وعلى طبيعة ما تحمله. فإذا كانت لديك شاحنات وقود، سيتقاضون منك أكثر. وإذا كانت لديك شاحنات جافة، فإنهم لن يتقاضوا منك نفس المقدار. وإذا كنت تحمل عربات "م. آر. إيه. بي" أو "هامفي" فإنهم سيتقاضون منك أكثر".
ويضيف هانا أن هذا شر لابد منه. ويقول: "إذا قلت لي إنني لا يجب أن أدفع لهؤلاء المتمردين في هذه المنطقة، فسوف تزداد فرص تعرض شاحناتي للهجوم بطريقة استثنائية".