المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية التصعيد الأميركي وآفاق الحرب



Abu Taqi
19-06-2025, 04:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
التصعيد الأميركي وآفاق الحرب
بدعم من قِبل أوروبا ومعسكر التحالف والتطبيع العربي الخياني، تتصاعد حدة المواجهة الصهيو-أميركية مع إيران على وقع الغارات الإسرائيلية المتواصلة، وردود إيران الصاروخية التي لم يتمكن نتنياهو من التعتيم على آثارها العسكرية، وحجب رمزيتها الاستراتيجية وآثارها النفسية عن قطعانه، رغم عنف غاراته الهمجية، وحرصه على إظهار نجاعتها وفاعليتها وتسويقها للرأي العام الداخلي لإبراز قدراته وقوة الكيان وتلميع صورته، والتغطية على فشله في استعادة الأسرى وعلى مماطلاته بشأن ملفهم، ولتثبيت الجبهة الداخلية التي لم تعتد على حروب نظامية وكُلف عالية، والوصول من ذلك إلى توحيد الجبهة الداخلية تحت قيادته لمواصلة تنفيذ مخططاته.
وكذلك تسويق حملته العسكرية للرأي العام الدولي لتأكيد قيمة كيانه الاستراتيجية للغرب، والتغطية على جرائمه وإبادته الجماعية في غزة وكسر عزلته، ولتشجيع القوى الداعمة له على تخطي المحاذير الداخلية، والمشاركة الرسمية في الحرب ليضمن إنجازًا يعزز أجندته الشخصية والداخلية والإقليمية. وبخاصة مشاركة الولايات المتحدة التي لا تتحقق أهداف الحرب المتعلقة بقدرات إيران الصاروخية ومنشآتها النووية وتقويض نظامها إلا بمشاركتها المباشرة. إذ لا يكفي الدعم اللوجستي والدفاع عن أجواء الكيان المحتل لتحقيق الأهداف الأميركية والإسرائيلية المشتركة للحرب.
فمن حيث مشاركة الولايات المتحدة المستترة فإنها لم تعد خافية، رغم حجم التضليل والخداع الذي مارسه نتنياهو وترمب لإخفاء الدور الأميركي في بدء المعركة، والذي توارى خلف تضخيم الخلاف بين نتنياهو وترمب حول الملف النووي الإيراني، وخلف المفاوضات التي منحت "إسرائيل" الوقت للتحضير العسكري والاستخباري، ومباغتة القيادة الإيرانية بالهجوم. فيما كان قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اتهم طهران بعدم التعاون، بمنزلة الغطاء القانوني للعدوان. وكان زيادة السعودية إنتاجها للنفط قبل شهرين بمنزلة صمام أمان وتحوط لارتفاع أسعار الطاقة عند تنفيذ الهجوم.
ومع ضبابية المشهد وتعقيداته المتراكمة، وغموض آفاقه وصعوبة التنبؤ بمآلاته السياسية والعسكرية، ولا سيما مع اتباع ترمب لنظرية "المجنون" (madman theory) التي ابتكرها نيكسون، في إطار سيكولوجية "الخداع" (bluffing) لإحداث الصدمة وترويع الخصوم وإكراههم على الخضوع. وفي ظل زيادة الحشد العسكري الأميركي في المنطقة، وتصريحات ترمب لشبكة "إيه بي سي" الأميركية، التي أشار فيها إلى احتمال تدخل بلاده لمساعدة إسرائيل في "القضاء على البرنامج النووي الإيراني". وتهديده أول أمس الثلاثاء باغتيال خامنئي، قائلًا إنه "هدف سهل ونعرف أين يختبئ ولا نريد القضاء عليه في الوقت الحالي على الأقل"، طالبًا استسلامًا غير مشروط من إيران، مضيفًا إن الصبر الأميركي بدأ ينفد. وفي ظل إصرار المرشد الإيراني علي خامنئي على أن إيران "لن تستسلم وأن أي هجوم أميركي سيكون له عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها". بالإضافة إلى اغتنام نتنياهو فرصة تحطيم الذراع الأهم الذي يمثل بندقية إيران الموجهة على الكيان في لبنان، والوضع الجيوسياسي الملائم الذي أحدثه في سوريا بعد تجريدها من سلاحها وفك ارتباطها بإيران، وخروج العراق من ميزان القوى الإقليمية مبكرًا، وتغييب مصر من معادلة الصراع في المقام الأول، ووقوف النظام الأردني حيث تقف أميركا دومًا، وخوار الأنظمة العربية وتواطؤها، وبعد إضعاف الدفاع الجوي الإيراني وتصفية الصفوف الأولى في القيادة العسكرية والأمنية الإيرانية، فإن مسار الحرب يُنبئ بآفاق خطيرة لا تسير في مصلحة إيران ولا أهل المنطقة، ولا سيما في ضوء المعادلة الصفرية التي فرضها نتنياهو في استراتيجية تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، وفي ضوء التحدي الوجودي الذي يواجه النظام الإيراني، والذي وُضع أمام خيارين مؤلمين: خيار الاستسلام الذي يؤول إلى هزيمة المحافظين داخليًا لصالح التيار الإصلاحي المنفتح على الغرب، ويؤول إلى تركيع إيران وتجريدها من قوتها العسكرية، وإنهاء "محور المقاومة" وإخراجها كليًا من معادلة التأثير والنفوذ في المنطقة، بعد أن تتطور المواجهة وتتدخل أميركا لصالح إسرائيل مما ستؤول إلى تدمير ترسانتها العسكرية وتدمير اقتصادها، وزجها في الفوضى الداخلية المهيأة تربتها ديموغرافيًا وأيديولوجيًا للانفجار والتشظي، وإسقاط نظامها وإعادة هيكلتها على نحو مشابه لسوريا والعراق في الضعف والتفكك والتبعية، وإدخالها في الهندسة الجديدة للشرق الأوسط، وإعطائها دورًا وظيفيًّا تمليه الظروف ومقتضيات المصالح الأميركية والصهيونية. وهو الأمر الذي اختصره نتنياهو بتصريحاته الواضحة والمقترنة بأعماله على أرض الواقع بقوله: "هذه نقطة تحول تاريخية ونريد إنهاء المحور الإيراني"، وقوله للقناة 14 العبرية: "بعد فوزنا، سنوسّع اتفاقيات إبراهيم، وسنشهد شرقًا أوسط جديدًا". أو خيار تخلي إيران عن المواجهة الشاملة، وإعطاء أميركا وإسرائيل نصرًا جزئيًّا بهدف أن تبقى ولا تنكسر تمامًا. والخيار الصحيح الذي لم يفت أوانه بعد، هو مواصلة المواجهة بكل قوتها، والتقدم على العدو بـ"هيمنة الردع والتصعيد"، وتفعيل فصائل المقاومة في العراق ولبنان واليمن بكامل قوتها لتحقيق تكافؤ القوة في الميدان، ولا بد ألا تخوض المنازلة على قواعد الصراع التي يفرضها العدو، وأن تمنع الكيان الصهيوني من تغيير ميزان القوى في المنطقة مهما كان الثمن، حتى لا يجري عليها نموذج الدول الفاشلة كالعراق وسوريا وليبيا والسودان. هذا هو الخيار الصحيح الذي يُرغم أميركا على الرجوع عن خياراتها، وأن يمكن إيران من تحصيل اتفاق يليق بالدولة التي تنشد صيانة هويتها من الاندثار، وكيانها من الانكسار، وتأثيرها من الانحسار، ومصالحها من الدمار.
غير أن الخيار الأول الذي يأمل نتنياهو وُلُوجه وتحقيقه، والذي ينتهي إلى تثمين الولايات المتحدة والغرب لقيمة "إسرائيل" كقاعدة استعمارية، وقوة إقليمية منفردة في المنطقة، والذي من شأنه أن يمكن نتنياهو من تصفية قضية فلسطين عبر المسار "الإبراهيمي" بلا تكاليف، ويمكنه من التغول على أهل المنطقة وإملاء إرادته عليها، وفرض ترتيباته الأمنية في سوريا، واتخاذها منصة لتقويض نظام أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا، ومنع هذه الأخيرة من ملء الفراغ الاستراتيجي ومنافسته على النفوذ في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي ظهرت مقدماته في التوغل بالأراضي السورية وفي اختراق المقاتلات الإسرائيلية للأجواء التركية قبل يومين، كل ذلك مرهون بعوامل عديدة حتى يتسنى إنجازه بنجاح.
وسيكون من أهم عوامل نجاحه عدم تمكين إيران من رفع وتيرة ردودها، وتحمل الكيان لكلفة الحرب واستيعاب كلفتها على المصالح الأميركية في المنطقة أو تخفيضها. أو تخلي القيادة الإيرانية المحافظة عن سياسة المواجهة تحت وطأة اختلال ميزان القوة، تفاديًا للاستسلام المذل وطلبًا للسلامة، وامتصاص الهجوم وتبعاته وتفريغه من خلال ترك الولايات المتحدة تحقق الهدف المعلن، وتنهي الحرب بتدخلها وتدمير منشأة فوردو النووية، دون أن ترد ردًّا مؤثرًا كإغلاق مضيق هرمز أو ضرب القواعد الأميركية في المنطقة.
وهذا الأفق يتقاطع مع رغبة ترمب بالتدخل المحدود لإرضاء تيار المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، والذين يضغطون لدخول الحرب لاعتبارات أيديولوجية وتنافسية مع فريق ترمب. كما يرضي أيضًا الرأي العام الأميركي الرافض للتدخل الأميركي، وبخاصة تيّار "ماغا" القومي المناصر لترمب والذي نشط منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران تحت شعارات "ليست حربنا" "لا تكن دمية بيد نتنياهو". "نحن انتخبناك ضدّ الحرب". وهذا ما يفسر الازدواجية في تصريحات ترمب ومواقفه الرمادية حيال التدخل في الحرب وعدمه؛ وذلك لمسايرة قواعده الانتخابية الرافضة للتدخل في الحرب من جهة، وإطفاء غضب التيار الضاغط للمشاركة فيها من جهة ثانية. كما ويفسر أيضًا مساعي بعض الجمهوريين لسن تشريع يفرض على ترمب الاستئذان من الكونجرس للتدخل في الحرب، وذلك لتحصينه من ضغوط اللوبي الصهيوني والمؤيدين لدخول الولايات المتحدة الحرب في حال استقام مسارها لتحقيق أهدافها دون تدخله العسكري. وفي هذا السياق عبر السيناتور الجمهوري راند بول -عضو مجلس الشيوخ عن كنتاكي- عن أمله في ألا يستسلم ترمب لضغوط التدخل، وأضاف في تصريحات لشبكة "إن بي سي" إن "مهمة الولايات المتحدة ليست التورط في هذه الحرب". فيما قال النائب الجمهوري توماس ماسي من كنتاكي -عبر منصة إكس- إن "هذه ليست حربنا، لا ينبغي لنا استخدام جيشنا هنا". ووفق هذه المعطيات فإن آفاق الحرب ونتائجها محكومة بعوامل ميدانية وسياسية متعددة، ومفتوحة على احتمالات وخيارات متنوعة ومآلات مختلفة. إلا أن الثابت فيها هو أن نتنياهو وأميركا يرغبان بمواصلتها حتى تحقيق أهدافها الواسعة التي تتعدى ضرب المنشآت النووية والقدرات الصاروخية إلى إسقاط النظام من الداخل، وإبطال فاعلية ما تبقى من أذرع المقاومة، ودمجها في المنظومات السياسية في بلدانها، وترسيخ الهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة عبر القوة الغاشمة، والمسار "الإبراهيمي" إلى أمد بعيد.
والثابت في هذه الحرب أيضًا أن النظام الإيراني إنما ينطلق من موقع الدفاع طلبًا للسلامة وحفظ ماء الوجه وتخطي العاصفة النارية التي لا يمكن إطفاؤها بكأس من الماء كما يتوهم، وإنما بالسير على قاعدة "هيمنة الردع والتصعيد"، إذ لا شيء يلجم الكيان الصهيوني ويغير الموقف الأميركي غير ذلك. وأما إن بقيت إيران تسير من منطلق أن "عمليات قواتها المسلحة ستستمر بقوة حتى يتوقف عدوان النظام الصهيوني". فستكون قد جردت نفسها من الفعل وعنصر الردع وهيأت نفسها لتغيير نظامها وملّكت أعداءها رقبتها.
وأما موقف أميركا من المقاومة وتجفيف مواردها وقطع رأسها فلا يبدو أن فيه تراجعًا، لارتباطه الوثيق بمشروع الحل الإقليمي والنهج "الإبراهيمي"؛ ولذلك لا يستبعد دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة لحسم الصراع ولا سيما وأنها لا تسمح بأن تبدو "إسرائيل" كيانًا قابلًا للكسر.
يتبع>>

Abu Taqi
19-06-2025, 04:42 PM
والجديد في الموقف الأميركي هو ما يترتب على تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط من آثار على الدور الوظيفي التقليدي السابق لإيران، إذ إن إخراجها من معادلة القوى الإقليمية يعني إنهاء دورها الوظيفي المتعلق بإفزاع المنطقة، والاستعاضة عن ذلك بالإفادة مما تقوم به حركة أنصار الله الحوثية من هجمات مفزعة، تستغلها أمريكا و"إسرائيل" وقودًا لقطار التطبيع والنهج "الإبراهيمي وتستغلها أيضًا للتدخل والتمركز في المنطقة. بينما يتم تسخير إيران بعد إعادة هيكلتها أو تحويلها إلى دولة فاشلة إذا واصلت المواجهة، كمنصة أو محطة انطلاق للتخريب في الدول المجاورة، أو استعمالها بحسب مقتضى الظروف والوقائع في حينه. وبخاصة وأن الأنظمة العربية العميلة لم تعد تنتظر من يفزعها كي ترتمي بأحضان الولايات المتحدة والصهاينة، فقد انحدرت في انبطاحها للكيان الصهيوني إلى دركات تأنف عنها البهائم التي لا تسلّم لحومها إلى وحوش الغاب بلا معركة.
وختامًا لا بد أن يدرك المسلمون إن اقتلاع الكيان المحتل وتحرير فلسطين لا يتحقق دون تحرير الأمة من الاستعمار الغربي بكل أشكاله، ودون تحرير الأمة من الأنظمة الاستبدادية العميلة والنظام الدولي الظالم؛ لأن هذا الاستعمار الغربي المتسلل عبر القواعد العسكرية والشقوق الثقافية والشروخ المجتمعية والسياسات الاقتصادية والأنظمة البوليسية الوظيفية والنظام الدولي المجرم، هو العائق الحقيقي أمام تحرر الأمة ونهوضها واستنهاض طاقتها وكامل قوتها واستعادة مجدها ومكانتها بين الأمم ودورها الرسالي.
وقد أثبتت تجارب المقاومة الحركية الفردية وتفرق الجبهات في ظل اختلال ميزان القوى لصالح العدو الصهيوني، وفي ظل قواعد الاشتباك المفخخة وسقوف المواجهة والمقاربات السياسية المقيدة بقواعد الصراع المصممة لهزيمة المسلمين وانتصار الغرب ووكيله الاستعماري الصهيوني، عجزَ المقاومة عن الدفاع عن نفسها فضلًا عن تحقيق أي نصر ناجز. ومن ثم فإن خروج المسلمين من أوحال التردي والذل لن يتحقق إلا بالقطع مع كل مخرجات الواقع الذي أفرزه الاستعمار منذ هدم الخلافة الإسلامية، واستعادة هويتهم ووحدتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، واسترداد سلطانهم واستئناف حياتهم الإسلامية بإقامة دولتهم وبناء مشروعهم الحضاري، الذي سيهيل التراب على خنا الحضارة الغربية، ويجتث مشاريع الغرب الاستعمارية ونفوذه وهيمنته على بلاد المسلمين. حينها فقط يتحول ميزان القوى لصالح المسلمين ويتحول مركز الثقل الحضاري والتقدم المدني والقرار الدولي إلى العالم الإسلامي، ومع ظهور صورة الإسلام المشرقة على حقيقتها وبروز عدله الإلهي وقيمه الرفيعة تنعطف بوصلة الجذب الحضاري نحوه، وينتظم في إثره سلم القيم وتنحسر المعايير النفعية والقيم المادية، وتتراجع معه الميول الاستعمارية والسيادة القومية في العلاقات الدولية وتنطفئ. وحينها يلتمس العالم الهدى من أنوار الإسلام، ويتسنى للمسلمين بعد ذلك حمل رسالتهم إلى العالم دون كُلف باهظة أو حروب غير متكافئة.
23/ذو الحجة/1446هـ
19/6/2025م