المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية جولة ترمب في المنطقة



Abu Taqi
15-05-2025, 06:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
جولة ترمب في المنطقة
وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء في زيارة هي الأولى له خارج الولايات المتحدة (باستثناء رحلة العزاء بوفاة بابا الفاتيكان)، وذلك في مستهل جولته في المنطقة، والتي تشمل بالإضافة للسعودية قطر والإمارات، بالإضافة إلى لقاء القمة بين ترمب ودول مجلس التعاون الخليجي.
وقد شهدت زيارة الرئيس الأميركي إبرام اتفاقيات تجارية بمئات مليارات الدولارات، من خلال توقيع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مجموعة من الصفقات في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والأسلحة والتكنولوجيا. حيث أعلن البيت الأبيض أن الرياض ستشتري أسلحة بقيمة تقارب 142 مليار دولار، فيما وصفه "بأكبر صفقة أسلحة في التاريخ". وأفادت واشنطن بأن شركة "داتا فولت" السعودية ستستثمر 20 مليار دولار في مشاريع متعلقة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. بينما أشار الرئيس ترمب إلى الاتفاقيات الموقعة مع دولة قطر بقوله إن "شركة بوينغ شهدت الحصول على أكبر طلب في تاريخها والعدد الإجمالي يبلغ 160 طائرة"، وأضاف إن قيمة الصفقة تبلغ 200 مليار دولار.
وللوقوف على أبعاد هذه الزيارة لا بد من تتبع ظروفها في ضوء تطلعات الإدارة الأميركية القائمة على قاعدة "أميركا أولًا"، وفي ضوء المناخ السياسي المشحون في الشرق الأوسط نتيجة حرب الإبادة الوحشية الإسرائيلية على غزة، ونتيجة تغير ميزان القوى الإقليمية لصالح الكيان الصهيوني وتركيا في إثر انحسار نفوذ إيران وتأثيرها السياسي بعد تحطم أذرعها وسقوط النظام السوري. ولا بد من قراءة أبعاد هذه الزيارة أيضًا في ضوء ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليمينية من عراقيل للمسار السياسي الإقليمي المحكوم بالرؤية الأميركية والمتعارض مع مصالح نتنياهو واليمين الديني الصهيوني. في ضوء ذلك كله يمكن القول بأن زيارة ترمب للمنطقة تهدف إلى أمرين رئيسيين؛ الهدف الأول يتعلق بمساعي ترمب لتحقيق مكاسب مادية للولايات المتحدة على حساب أهل المنطقة عبر صفقات تجارية تزيد عن تريليوني دولار، والتي من شأنها أن تعزز مصداقية ترمب وجناحه في الدولة العميقة وشعبيته في الداخل الأميركي.
وفي هذا السياق، استهل ترمب زيارته الخارجية بالدول العربية الخليجية؛ لأن التعاطي مع أنظمتها التابعة وحكامها العملاء لا يتطلب منه كبير عناء، بل هو أمر سهل وميسور في ظل قادة عبيد لا يتورعون عن تقديم البلاد والعباد جزية وقربانًا للبيت الأبيض لقاء بقائهم في الحكم، ولا يستمدون شرعيتهم من إرادة شعوبهم وإنما يستمدونها من سيدهم الأمريكي. وعلى هذا الصعيد فقد حقق ترمب غايته قبل الزيارة عندما أعلنت السعودية والإمارات عن استثمارات تربو على تريليوني دولار في أميركا، علاوة على مليارات الدولارات من أموال المسلمين المتوقع استثمارها في الولايات المتحدة. ويحصل ذلك في الوقت الذي يبرر فيه ابن سلمان الانفتاح الليبرالي في المملكة بجلب الاستثمارات التي لا تدر إلا الفتات بالمقارنة مع استثمارات السعودية التريليونية في الخارج. وأما قطر _التي أنفقت أكثر من 200 مليار دولار على تنظيم مونديال كرة القدم بحسب حسن الذوادي، الأمين العام للجنة المنظمة للمونديال_ فقد كشف البيت الأبيض في "مستند حقائق" عن تفاصيل في الصفقات والتفاهمات والاستثمارات الموقعة بين قطر وأميركا خلال زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب للدوحة، جاء فيه أن الرئيس ترمب "وقّع اتفاقيةً مع قطر تُسهم في تعزيز التبادل الاقتصادي بينهما بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار"! فأي استخفاف وخداع وهدر لأموال المسلمين على أيدي هؤلاء الزعماء السفهاء والجواسيس! وأي بؤس تعيشه هذه الأمة تحت حكمهم؟!!
وأما الهدف الثاني من الزيارة والمتعلق بالمناخ السياسي المحتقن في المنطقة، فيتمثل في إعادة توجيه السياسات الأميركية لتذليل العقبات التي تعترض استراتيجية "الحل الإقليمي". ويشمل ذلك تسخير دول الخليج وباقي دول المنطقة لإغراء نتنياهو وائتلافه الحكومي وتطويعهم للرؤية الأميركية بشأن استقرار المنطقة، وبشأن المعوقات الآنية المتمثلة بحرب الإبادة على غزة وضرورة إنهائها، والمتمثلة كذلك باستقرار الوضع السوري، وإنهاء الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية. وهي الملفات التي ما تزال تتباين حولها الرؤية الأميركية مع الرؤية الإسرائيلية. ولعل ذلك ما يفسر تشديد ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي في كلماتهم على إنهاء الحرب الوحشية على غزة، ورفع العقوبات عن سوريا؛ ذلك أن الحل الإقليمي يتطلب وقف التصعيد واستقرار المنطقة، وبخاصة بعد خروج إيران من معادلة التأثير في ميزان القوى الإقليمية. ولا يخفى أن الولايات المتحدة تريد الاستثمار في تغيُّر ميزان القوى في هذه الحرب والذي أظهر انكشافًا فاضحًا لحجم الدول العربية وانكسارها أمام الصلف الصهيوني. إذ تسعى أميركا إلى استئناف "المسار الإبراهيمي" ولا سيما وأن الفرصة باتت مواتية لأن يشمل مسار التطبيع دولتي سوريا ولبنان من دول الطوق بعد سقوط نظام المجرم بشار، وتحطم حزب الله وضعفه وانشغاله بالوضع اللبناني الداخلي، وبعد الوضع الكارثي الذي حل بغزة، وأرغم مقاومتها على تحديد خيارها بالطريق الدبلوماسي لإنقاذ نفسها، ووقف المجزرة المروعة بأهل غزة، وبعد انحسار النفوذ الإيراني الذي سيزداد تقزمًا بعد الصفقة المتوقعة مع أميركا، والتي حدد ترمب بنودها في كلمته في الرياض بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وتوقفها عن دعم من وصفهم بالإرهابيين (أذرعها).
وأما الجانب الإسرائيلي، فإن نتنياهو لا يزال مصرًّا على الاستثمار في نتائج الحرب وتبدل قواعد الاشتباك، وتغيُّر موازين القوى في المنطقة، بما يحقق أجندته الصهيونية حيال الدولة اليهودية الخالصة في الضفة، وبما يمكنه من تهجير سكان القطاع، مستغلًا استعادته لـ"هيمنة الردع" وقيمة "إسرائيل" الاستراتيجية الاستعمارية للمصالح الغربية، وهو ما يتعارض مع المشروع الأميركي وأجندة ترمب للشرق الأوسط. ولعل ذلك ما يفسر التنافر الذي لا تُخطئه العين بين إدارة ترمب وبين نتنياهو وائتلافه الحكومي مؤخرًا. ومن أبرز الشواهد على ذلك ما جرى تسريبه بأمر من ويتكوف حول ما دار في اجتماعه مع عائلات الأسرى الإسرائيليين مؤخرًا، وقوله لهم "إن الضغط العسكري يعرض أبناءهم للخطر" وتصريحه أيضًا: إن "الواقع يثبت أن معظم الناجين تم تحريرهم عبر حل دبلوماسي، لا عسكري". وهو ما ينطوي على تحريض ضد الحكومة الإسرائيلية. فيما نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" في الخامس من أيار/مايو الجاري، أن نتنياهو أبلغ مساعديه "سرًا" أن ترمب يعبر عن المواقف الصحيحة، لا سيما بشأن سوريا وإيران، خلال الاجتماعات الثنائية، إلا أن "تصرفاته على الأرض لا تعكس تلك الأقوال". ومن الشواهد على التنافر بين إدارة ترمب ونتنياهو أيضًا تجاهل ترمب لإسرائيل في زيارته للمنطقة وتعاطيه مع الملف النووي الإيراني والملف السوري والملف اليمني بخلاف الرغبة الإسرائيلية، ويأتي هذا التجاهل للضغط على نتنياهو من أجل إعادته إلى المسار الذي يعتقد ترمب ومن خلفه في الدولة العميقة أنه يحقق مصلحة أميركا و"إسرائيل"، ولا يمكن نتنياهو من جر مياه الولايات المتحدة إلى قناته.

Abu Taqi
15-05-2025, 06:57 PM
وفي هذا السياق نقلت وسائل الإعلام عن مصادر قريبة من ترمب قولها إن "نتنياهو يتلاعب بنا"، "ولا يلتزم بالاتفاقات". ولذلك يميل ترمب إلى حل النزاع مع إيران عبر القنوات الدبلوماسية، بعدما قام مؤخرًا بعقد اتفاقٍ مع حركة أنصار الله الحوثية، في خطوة تنطوي على تحميل "إسرائيل" مسؤولية التصعيد في المنطقة، وهو الأمر الذي تولى التسويق له مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، حيث قال: "يجب معالجة زعزعة الاستقرار الإقليمي التي تؤثر على الوضع في اليمن"، وفي هذا الخصوص صرح ترمب من قطر "نريد أن ننجح في المفاوضات مع إيران وأعتقد أننا قريبون من التوصل لاتفاق...هناك تقدم في مسألة إيران وقد وافقت إلى حد بعيد على بنود اتفاق".
ومن ذلك أيضًا تجديد إدارة ترمب التفاوض مع حركة حماس التي استغلت الموقف المتوتر بين ترمب ونتنياهو وأفرجت عن الأسير الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر بلا مقابل.
من جهة أخرى قام ترمب برفع العقوبات عن سوريا رغم أن نتنياهو طلب منه عدم رفعها بحسب الصحافة الإسرائيلية، كما أبدى رضاه عن الحضور التركي في الملف السوري، والتقى الرئيس السوري في الرياض وأثنى عليه لمنحه الشرعية الدولية ولكبح جماح الأطماع الإسرائيلية في سوريا مستغلًا تضاؤل الرأي العام الأميركي والعالمي المؤيد لـ"إسرائيل"، ومتسلحًا بالمواقف الأوروبية الداعمة لإعادة سوريا إلى المجتمع الدولي لسد ثغرة ملف المهاجرين الذي أرّق الأوروبيين طوال العقد الماضي، مما نجم عن ذلك كله استدارة في الخطاب الإسرائيلي حيال الموقف من سوريا ونظامها الجديد. إذ صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن "إسرائيل تريد علاقات جيدة مع النظام السوري الجديد"، وأضاف "لدينا بطبيعة الحال مخاوف أمنية … نوايانا طيبة ونريد الأمن والاستقرار وهذه رغبتنا".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس أحمد الشرع يسعى جاهدًا لكسر العزلة عن نظامه من خلال ارتمائه بأحضان أنظمة الخليج العميلة، ومن خلال الانفتاح على الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وقد طالب الشرع بمشروع "مارشال" لإعادة إعمار سوريا على غرار مشروع مارشال الأميركي لأوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وهو المشروع الاستعماري الذي تعدى الإعمار إلى رهن الإرادة الأوروبية بيد الولايات المتحدة، وبهذا المعنى فإن الرئيس السوري أحمد الشرع منسجم تمامًا مع التوجهات الأميركية، ولا سيما وأن مشروع "مارشال" الذي يطالب به الشرع من شأنه أن يضع سوريا في قلب مشروع "الممر الأوسط" الذي يربط التجارة وخطوط الغاز والطاقة من آسيا عبر الخليج العربي إلى تركيا ثم أوروبا بعيدًا عن روسيا. وهو ما أشار إليه ترمب في كلمته في قطر: إن "الشرق الأوسط يتمتع بطرق حيوية واستراتيجية في قلب العالم"، مؤكدًا التطلع للعمل مع دول المنطقة.
هذا وقد ظهرت ملامح تهدئة التوتر من قبل نتنياهو مع ترمب من خلال ما أفاد به مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه طلب من المفاوضين الإسرائيليين التوجه رفقة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف إلى الدوحة لاستئناف المحادثات بشأن وقف إطلاق النار بغزة. ومع ذلك فإن موقف نتنياهو لا يعبر عن سياسته الرامية إلى مواصلة الحرب لاعتبارات شخصية واستراتيجية. حيث جاء قراره بإرسال وفد التفاوض إلى الدوحة في سياق الالتفاف على المطالب الداخلية، وفي سياق جسر الخلافات مع إدارة ترامب، وصرف الأنظار الداخلية عن خلافاته مع هذا الأخير. فيما عبر عن موقفه المتماهي مع مواقف شركائه الحكوميين والمرتهن لها، بالمضي في الحرب حتى "هزيمة حماس"، وقال إن الجيش "جاهز للدخول بكل قوته خلال الأيام المقبلة" دون أن يمانع بصفقة تبادل، وقام بتكثيف القصف على المدنيين في غزة في الأيام الأخيرة للضغط على حماس، وإرغامها على شروطه باستئناف الحرب؛ لتفادي انهيار ائتلافه الحكومي ومواجهة المحاكمة، وهو ما يترك الباب مفتوحًا لمواصلة السير على خيط دقيق يحقق التوازن بين المطالبة الآنية الأميركية، والمطالب الداخلية لكسب الوقت عبر مبادرة ويتكوف قبل شهرين، والداعية لصفقة تقضي بأن تفرج حماس عن عشرة أسرى أحياء ونصف الأسرى القتلى، كشرط للدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار لمدة 45 يومًا.
إن زيارة ترمب للمنطقة لا تخلو أيضًا من أغراض فرعية كتلميع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإظهاره بمظهر القائد الوازن في السعودية والمنطقة تمهيدًا لتسليمه السلطة، وهو الأمر الذي اشتغل له الرئيس ترمب في ولايته الأولى، حيث كشف مايكل وولف مؤلف كتاب "نار وغضب" الصادر بداية عام 2018 أن ترمب أخبر أصدقاءه بأنه هو وصهره كوشنر "هندسا حملة التطهير"؛ أي تطهير ابن سلمان لخصومه الأمراء وفي مقدمتهم ولي العهد الأمير محمد نايف في السعودية. وكشف أيضًا بأن ترمب قال في اجتماعاته الخاصة: "لقد وضعنا رجُلَنا على القمة"، وهو الأمر الذي وقع في السعودية عقب زيارة ترمب الأولى للمملكة بأيام قليلة. وأما قطر والإمارات العربية وسلطنة عمان فإنما يمثلون قنوات خلفية أميركية لاحتواء التنظيمات والمؤسسات والشخصيات الدينية والسياسية وتسخيرهم في خدمة المشاريع الأميركية في المنطقة، وذلك باعتراف رجال تلك الدول كاعتراف أمير قطر تميم بن حمد في محاضرة في جامعة (جورج تاون) بدور بلاده في توجيه وعي الشباب المسلم لنبذ "الإرهاب" تحت عنوان "صناعة الأمل". وبدورها في تطويع حركة حماس بطلب أميركي، فضلًا عن احتضانها لقادة "طالبان" ورعاية تفاهماتها مع أميركا. وأما حكام الإمارات فلا يخفى دورهم في تزييف الإسلام ودعم وإبراز دعاة هذا التزييف وتوفير المنابر لهم، وتسويق التطبيع مع الكيان الصهيوني لنظام أحمد الشرع، ودعم عملاء أميركا في اليمن وليبيا والسودان خدمة للمصالح الأميركية. وعليه فإن هؤلاء الحكام العملاء الذين قمعوا الأمة وحاربوا دينها وبددوا ثرواتها على شهواتهم، وملكوها لأعدائها لقاء كراسيهم، لا خلاص منهم إلا بالامتثال لقول ربنا {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} ولا سبيل لاتقاء شرورهم ومؤامراتهم إلا بالعمل الجماعي الجاد لاسترداد السلطان منهم وإيجاد الخليفة الذي يحكم بكتاب الله وسنة نبيه.
17/ذو القعدة/1446هـ
15/5/2025م