Abu Taqi
08-05-2025, 11:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
دردشة سياسية في ملفات المنطقة المفتوحة
وجهت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن قبل ثلاثة أيام ضربة بصاروخ باليستي فرط صوتي استهدف مطار بن غوريون في الكيان الصهيوني، وذلك في إطار الإسناد اليمني للمقاومة في غزة، وضمن محاولة إيرانية "حوثية" لعرقلة التوجه الأميركي الصهيوني الساعي لتصفية معاقل المقاومة التي تغذيها إيران لبسط نفوذها في المنطقة، وبخاصة بعد نجاح أميركا و"إسرائيل" بقطع اتصال إيران بأهم أذرعها في لبنان، وإشغال الفصائل العراقية المحسوبة عليها بوضعهم الداخلي. ويجري ذلك في ظل محاولة انتزاع صفقة تبادل أسرى بين حماس والكيان المحتل، وفي ظل الحصار الصهيوني ومنعه لإدخال المساعدات الإنسانية لغزة. كما ويجري ذلك أيضًا في ظل المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ترغب إدارة ترمب من خلالها في ضبط بوصلة السياسة الإيرانية بحسب المسار السياسي الأميركي في المنطقة؛ ومن ذلك تجريد إيران من عناصر القوة التي اكتسبتها عبر أذرعها السياسية والعسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. بينما تتطلع إيران إلى صفقة تضمن تحسين وضعها الاقتصادي وإنهاء عزلتها، في إطار التفاوض على الملف النووي دون التخلي عن أسلحتها الصاروخية، ودون أن تفقد قدرتها على الردع وأوراق نفوذها في الإقليم، ولا سيما في مواجهة التحدي الإسرائيلي المنافس، والذي يهدف إلى تقويض هيبة إيران، وفرض قواعد الاشتباك التي تمنح "إسرائيل" استهدافها بشكل مباشر وتهديد أمنها الداخلي، عبر العمليات الاستخبارية كتفجير ميناء رجائي أحد جزئي ميناء بندر عباس، وتمنحها حرية الحركة في إيران، خلافًا للرغبة الأميركية، وهو الأمر الذي يضع ضرب مطار بن غوريون من قبل أنصار الله الحوثية في خانة الرد والردع الإيراني للكيان الصهيوني. وهذا ما يفسر اتهام قادة الكيان المحتل لإيران بوقوفها وراء الهجوم الحوثي على المطار، بل وذهبت المعارضة الإسرائيلية إلى حد مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالرد في طهران.
ويأتي هذا العدوان الأميركي الصهيوني ضمن سلسلة هجمات على اليمن منذ منتصف آذار/مارس الماضي، كان آخرها موجة الغارات الغاشمة على ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات توليد الكهرباء وبعض المرافق الأخرى لاستعراض القوة والضغط على إيران ولضبط ردود الفعل الإسرائيلية التي أعلنت عن إسقاط الخطوط الحمراء عقب الهجوم على مطار بن غوريون. إلا أنه ومع اقتراب جولة ترمب في المنطقة، ومع تعنت نتنياهو في التجاوب مع احتياجات أميركا ومقتضيات الزيارة، ظهر خفض للتصعيد من طرف الولايات المتحدة بإعلان ترمب اتفاقًا مع أنصار الله الحوثية، يتضمن وقف الهجمات على اليمن مقابل وقف أنصار الله الحوثية استهداف السفن الأميركية، دون الإشارة إلى موقف ترمب من استهداف أنصار الله الحوثية للسفن الإسرائيلية أو عمق الكيان الإسرائيلي، إلا بشكل مجمل يوحي بعدم تشدد أميركا حياله، وهو ما حدا بعضو المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله محمد علي الحوثي للقول إن "إعلان ترمب انتصارٌ يفصل الإسناد الأميركي للكيان المؤقت" وإن "إعلان ترمب فشل لنتنياهو وعليه أن يقدم استقالته".
.
وأمام هذه التطورات فإن هناك أمرين لافتين في كل ما يجري من مداولات بشأن قضايا المنطقة. الأمر الأول هو مساعي نتنياهو وحكومته لفصل ما يتعلق بالحل الإقليمي والتطبيع مع الدول العربية الذي تقوده الولايات المتحدة عن مشروع ائتلافه الحكومي المتطرف، والذي لا يريد أن يفرِّط بفرصة تهيئة الظروف وفرض الوقائع التي تفضي إلى السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجعل الهجرة خيارًا وحيدًا وملاذًا عمليًا من البطش والإبادة الجماعية، والوصول من ذلك لحل الدولة اليهودية الخالصة، بالإضافة إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، مستغلًا تقاطع مشروع الحل الإقليمي الأميركي مع تصفية المقاومة وجيوبها، وتقاطعه مع ضرورة تحجيم إيران وتقليم أظافرها وتجريدها من أدوات التأثير. ويندرج في ذلك أيضًا مساعي نتنياهو لإضعاف النفوذ التركي الذي حل منافسًا بديلًا عن المنافس الإيراني في سوريا والمنطقة. وهذا المسار السياسي يتفق تمامًا مع المشروع الصهيوني اليميني المتطرف، وهو ملاذ نتنياهو للنجاة وتفادي السقوط والمحاكمة، وهو سبب تفلت نتنياهو من الاتفاقات، وسبب مماطلته بشأن صفقة تبادل الأسرى التي يتخذ من عرقلتها وسيلة لكسب الوقت.
وأما الموقف الأميركي فإنه يقوم على تصفية المقاومة في المنطقة وربط الحل الإقليمي بالتهدئة على كافة الجبهات، ويفضل الخيار الدبلوماسي في تحقيق أهدافه هذه وأهداف "دولة إسرائيل"، بمعزل عن المصلحة الشخصية لنتنياهو وأجندة اليمين الديني الصهيوني الحاكم.
وأما الدعم السياسي والعسكري والمالي الأميركي للكيان فإنما يتعلق بالاستراتيجية بعيدة المدى بشأن الحفاظ على دولة "إسرائيل"، كوكيل استعماري في الشرق الأوسط، ويتعلق كذلك بالسوق الانتخابي وتأثير القوى السياسية الداعمة للكيان الصهيوني في الحياة السياسية الأميركية. ولا يُبحث على صعيد مساندة المسار السياسي الإسرائيلي، وبخاصة وأن أجندة اليمين الصهيوني الديني المنفلتة تهدد استقرار المنطقة والمشروع الأميركي في الشرق الأوسط برمته. ولذلك تحاول الولايات المتحدة تطويق مساعي نتنياهو وائتلافه الحكومي الرامية لخلط الأوراق وعرقلة توجهات ترمب والإدارة الأميركية بشأن التهدئة قبل زيارة الأخير للمنطقة، وذلك عبر الضغط الداخلي الإسرائيلي بشأن صفقة تبادل الأسرى، وعبر الضغط الدولي لكبح تصرفات الحكومة الإسرائيلية الرامية لفرض التهجير في غزة من خلال منعها دخول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ترك مهمة الضغط على "إسرائيل" لأوروبا بشأن الملف السوري من خلال استقبال الرئيس الفرنسي للرئيس السوري أحمد الشرع، وتوجيهه هو والاتحاد الأوروبي نقدًا لاذعًا بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا وزعزعة استقرارها. حيث دعا المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي أنور العنوني، "إسرائيل" إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها الترابية. وهذا فضلًا عن إبداء ترمب وإدارته مواقف متنافرة مع رغبات الحكومة الإسرائيلية سواء بشأن صفقة تبادل الأسرى، ومنع دخول المساعدات إلى غزة، وتوسيع العملية العسكرية في القطاع، في ظل فشل اللوبي الصهيوني في مجلس الشيوخ في إقرار قانون جديد لتوسيع معنى مناهضة السامية الرامي إلى تجريم مقاطعة إسرائيل، وسط تراجع الرأي العام الأميركي حيال الدعم المطلق للكيان المحتل؛ حيث أنه وللمرة الأولى منذ خمسة عقود يتقلص التأييد للكيان الصهيوني في استطلاعات الرأي الأميركي بما في ذلك آراء الديمقراطيين وآراء الجمهوريين الذين هم دون سن الخمسين عامًا. ومن تلك المواقف الأميركية المختلفة عن موقف الحكومة الإسرائيلية، ما يتعلق بالمسار الدبلوماسي الأميركي حيال الملف النووي الإيراني، والموقف الأميركي من الدور التركي في سوريا، حيث ناقش ترمب في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل ما يتعلق بالملف السوري، مما يشي باقتراب الانفتاح الأميركي على النظام السوري الجديد خلال أو عقب زيارته للمنطقة.
ومن الشواهد على اختلاف وجهات النظر الأميركية الإسرائيلية أيضًا تصريح ترمب بأنه سيُصدِر "إعلانًا كبيرًا للغاية" قبل زيارته للمنطقة، وإعلانه أول أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستتوقف فورًا عن قصف اليمن، بعدما أكدت أنصار الله الحوثية أنهم لا يريدون القتال، وفق ادعائه.
وفي الوقت الذي قال فيه عضو المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله محمد علي الحوثي: "إعلان ترمب انتصارٌ يفصل الإسناد الأميركي للكيان المؤقت، وفشل لنتنياهو" نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: "فوجئنا بإعلان ترمب وقف إطلاق النار على الحوثيين"! في حين نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤول في إدارة ترمب، قوله في لقاء مع عائلات أسرى، "إن اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة أنصار الله اليمنية مجرد بداية، وإذا لم تَعُد إسرائيل إلى رشدِها فإن صفقة الألفية أيضًا ستمر من دونها". وأضاف: "لدينا أمل في أن تستفيد إسرائيل من القطار التاريخي الذي انطلق، لكن الولايات المتحدة لن تنتظر في المحطة".
ورغم ذلك فليس من المؤكد أن يخضع نتنياهو المأزوم داخليًا لإرادة ترمب في ظل التحديات الداخلية المتعلقة بملف فساده ومسؤوليته عن الفشل بشأن طوفان الأقصى، وفي ظل القيود المضروبة عليه من قبل ائتلافه الحكومي بشأن العدوان على غزة، وفي ظل إصراره على الفصل بين الحل الإقليمي وبين خياره العسكري الذي حقق له مكاسب جمة على صعيد تعطيل حل الدولتين، وعلى صعيد تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، وفرضه لقواعد اشتباك لصالح كيانه المجرم في المنطقة بأسرها من دون قيود.
وأما الأمر الآخر اللافت والفاضح فهو غياب أدنى قدر من الكرامة والفعل والاعتبار للأنظمة العربية، في الوقت الذي تدور فيه المناقشات بشأن قضايا المنطقة بين الولايات المتحدة وبين إيران وتركيا و"إسرائيل". وهو ما يعكس مبلغ التبعية والذل الذي يعتري الأنظمة العربية وحكامها، ويعكس كذلك مبلغ الضعف الذي آلت إليه الأمة الإسلامية نتيجة تنكبها عن دينها وشريعة ربها، فهانت على نفسها وهانت على أعدائها الذين تكالبوا عليها ينكلون بها وهي صامتة صمت القبور حيث لا راعي يدفع عنها صيال الأعداء ويقودها إلى معالي الأمور.
10/ذو القعدة/1446هـ
8/5/2025م
متابعة سياسية
دردشة سياسية في ملفات المنطقة المفتوحة
وجهت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن قبل ثلاثة أيام ضربة بصاروخ باليستي فرط صوتي استهدف مطار بن غوريون في الكيان الصهيوني، وذلك في إطار الإسناد اليمني للمقاومة في غزة، وضمن محاولة إيرانية "حوثية" لعرقلة التوجه الأميركي الصهيوني الساعي لتصفية معاقل المقاومة التي تغذيها إيران لبسط نفوذها في المنطقة، وبخاصة بعد نجاح أميركا و"إسرائيل" بقطع اتصال إيران بأهم أذرعها في لبنان، وإشغال الفصائل العراقية المحسوبة عليها بوضعهم الداخلي. ويجري ذلك في ظل محاولة انتزاع صفقة تبادل أسرى بين حماس والكيان المحتل، وفي ظل الحصار الصهيوني ومنعه لإدخال المساعدات الإنسانية لغزة. كما ويجري ذلك أيضًا في ظل المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ترغب إدارة ترمب من خلالها في ضبط بوصلة السياسة الإيرانية بحسب المسار السياسي الأميركي في المنطقة؛ ومن ذلك تجريد إيران من عناصر القوة التي اكتسبتها عبر أذرعها السياسية والعسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة. بينما تتطلع إيران إلى صفقة تضمن تحسين وضعها الاقتصادي وإنهاء عزلتها، في إطار التفاوض على الملف النووي دون التخلي عن أسلحتها الصاروخية، ودون أن تفقد قدرتها على الردع وأوراق نفوذها في الإقليم، ولا سيما في مواجهة التحدي الإسرائيلي المنافس، والذي يهدف إلى تقويض هيبة إيران، وفرض قواعد الاشتباك التي تمنح "إسرائيل" استهدافها بشكل مباشر وتهديد أمنها الداخلي، عبر العمليات الاستخبارية كتفجير ميناء رجائي أحد جزئي ميناء بندر عباس، وتمنحها حرية الحركة في إيران، خلافًا للرغبة الأميركية، وهو الأمر الذي يضع ضرب مطار بن غوريون من قبل أنصار الله الحوثية في خانة الرد والردع الإيراني للكيان الصهيوني. وهذا ما يفسر اتهام قادة الكيان المحتل لإيران بوقوفها وراء الهجوم الحوثي على المطار، بل وذهبت المعارضة الإسرائيلية إلى حد مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالرد في طهران.
ويأتي هذا العدوان الأميركي الصهيوني ضمن سلسلة هجمات على اليمن منذ منتصف آذار/مارس الماضي، كان آخرها موجة الغارات الغاشمة على ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومحطات توليد الكهرباء وبعض المرافق الأخرى لاستعراض القوة والضغط على إيران ولضبط ردود الفعل الإسرائيلية التي أعلنت عن إسقاط الخطوط الحمراء عقب الهجوم على مطار بن غوريون. إلا أنه ومع اقتراب جولة ترمب في المنطقة، ومع تعنت نتنياهو في التجاوب مع احتياجات أميركا ومقتضيات الزيارة، ظهر خفض للتصعيد من طرف الولايات المتحدة بإعلان ترمب اتفاقًا مع أنصار الله الحوثية، يتضمن وقف الهجمات على اليمن مقابل وقف أنصار الله الحوثية استهداف السفن الأميركية، دون الإشارة إلى موقف ترمب من استهداف أنصار الله الحوثية للسفن الإسرائيلية أو عمق الكيان الإسرائيلي، إلا بشكل مجمل يوحي بعدم تشدد أميركا حياله، وهو ما حدا بعضو المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله محمد علي الحوثي للقول إن "إعلان ترمب انتصارٌ يفصل الإسناد الأميركي للكيان المؤقت" وإن "إعلان ترمب فشل لنتنياهو وعليه أن يقدم استقالته".
.
وأمام هذه التطورات فإن هناك أمرين لافتين في كل ما يجري من مداولات بشأن قضايا المنطقة. الأمر الأول هو مساعي نتنياهو وحكومته لفصل ما يتعلق بالحل الإقليمي والتطبيع مع الدول العربية الذي تقوده الولايات المتحدة عن مشروع ائتلافه الحكومي المتطرف، والذي لا يريد أن يفرِّط بفرصة تهيئة الظروف وفرض الوقائع التي تفضي إلى السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجعل الهجرة خيارًا وحيدًا وملاذًا عمليًا من البطش والإبادة الجماعية، والوصول من ذلك لحل الدولة اليهودية الخالصة، بالإضافة إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، مستغلًا تقاطع مشروع الحل الإقليمي الأميركي مع تصفية المقاومة وجيوبها، وتقاطعه مع ضرورة تحجيم إيران وتقليم أظافرها وتجريدها من أدوات التأثير. ويندرج في ذلك أيضًا مساعي نتنياهو لإضعاف النفوذ التركي الذي حل منافسًا بديلًا عن المنافس الإيراني في سوريا والمنطقة. وهذا المسار السياسي يتفق تمامًا مع المشروع الصهيوني اليميني المتطرف، وهو ملاذ نتنياهو للنجاة وتفادي السقوط والمحاكمة، وهو سبب تفلت نتنياهو من الاتفاقات، وسبب مماطلته بشأن صفقة تبادل الأسرى التي يتخذ من عرقلتها وسيلة لكسب الوقت.
وأما الموقف الأميركي فإنه يقوم على تصفية المقاومة في المنطقة وربط الحل الإقليمي بالتهدئة على كافة الجبهات، ويفضل الخيار الدبلوماسي في تحقيق أهدافه هذه وأهداف "دولة إسرائيل"، بمعزل عن المصلحة الشخصية لنتنياهو وأجندة اليمين الديني الصهيوني الحاكم.
وأما الدعم السياسي والعسكري والمالي الأميركي للكيان فإنما يتعلق بالاستراتيجية بعيدة المدى بشأن الحفاظ على دولة "إسرائيل"، كوكيل استعماري في الشرق الأوسط، ويتعلق كذلك بالسوق الانتخابي وتأثير القوى السياسية الداعمة للكيان الصهيوني في الحياة السياسية الأميركية. ولا يُبحث على صعيد مساندة المسار السياسي الإسرائيلي، وبخاصة وأن أجندة اليمين الصهيوني الديني المنفلتة تهدد استقرار المنطقة والمشروع الأميركي في الشرق الأوسط برمته. ولذلك تحاول الولايات المتحدة تطويق مساعي نتنياهو وائتلافه الحكومي الرامية لخلط الأوراق وعرقلة توجهات ترمب والإدارة الأميركية بشأن التهدئة قبل زيارة الأخير للمنطقة، وذلك عبر الضغط الداخلي الإسرائيلي بشأن صفقة تبادل الأسرى، وعبر الضغط الدولي لكبح تصرفات الحكومة الإسرائيلية الرامية لفرض التهجير في غزة من خلال منعها دخول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ترك مهمة الضغط على "إسرائيل" لأوروبا بشأن الملف السوري من خلال استقبال الرئيس الفرنسي للرئيس السوري أحمد الشرع، وتوجيهه هو والاتحاد الأوروبي نقدًا لاذعًا بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا وزعزعة استقرارها. حيث دعا المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي أنور العنوني، "إسرائيل" إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها الترابية. وهذا فضلًا عن إبداء ترمب وإدارته مواقف متنافرة مع رغبات الحكومة الإسرائيلية سواء بشأن صفقة تبادل الأسرى، ومنع دخول المساعدات إلى غزة، وتوسيع العملية العسكرية في القطاع، في ظل فشل اللوبي الصهيوني في مجلس الشيوخ في إقرار قانون جديد لتوسيع معنى مناهضة السامية الرامي إلى تجريم مقاطعة إسرائيل، وسط تراجع الرأي العام الأميركي حيال الدعم المطلق للكيان المحتل؛ حيث أنه وللمرة الأولى منذ خمسة عقود يتقلص التأييد للكيان الصهيوني في استطلاعات الرأي الأميركي بما في ذلك آراء الديمقراطيين وآراء الجمهوريين الذين هم دون سن الخمسين عامًا. ومن تلك المواقف الأميركية المختلفة عن موقف الحكومة الإسرائيلية، ما يتعلق بالمسار الدبلوماسي الأميركي حيال الملف النووي الإيراني، والموقف الأميركي من الدور التركي في سوريا، حيث ناقش ترمب في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل ما يتعلق بالملف السوري، مما يشي باقتراب الانفتاح الأميركي على النظام السوري الجديد خلال أو عقب زيارته للمنطقة.
ومن الشواهد على اختلاف وجهات النظر الأميركية الإسرائيلية أيضًا تصريح ترمب بأنه سيُصدِر "إعلانًا كبيرًا للغاية" قبل زيارته للمنطقة، وإعلانه أول أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستتوقف فورًا عن قصف اليمن، بعدما أكدت أنصار الله الحوثية أنهم لا يريدون القتال، وفق ادعائه.
وفي الوقت الذي قال فيه عضو المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله محمد علي الحوثي: "إعلان ترمب انتصارٌ يفصل الإسناد الأميركي للكيان المؤقت، وفشل لنتنياهو" نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: "فوجئنا بإعلان ترمب وقف إطلاق النار على الحوثيين"! في حين نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤول في إدارة ترمب، قوله في لقاء مع عائلات أسرى، "إن اتفاق وقف إطلاق النار مع جماعة أنصار الله اليمنية مجرد بداية، وإذا لم تَعُد إسرائيل إلى رشدِها فإن صفقة الألفية أيضًا ستمر من دونها". وأضاف: "لدينا أمل في أن تستفيد إسرائيل من القطار التاريخي الذي انطلق، لكن الولايات المتحدة لن تنتظر في المحطة".
ورغم ذلك فليس من المؤكد أن يخضع نتنياهو المأزوم داخليًا لإرادة ترمب في ظل التحديات الداخلية المتعلقة بملف فساده ومسؤوليته عن الفشل بشأن طوفان الأقصى، وفي ظل القيود المضروبة عليه من قبل ائتلافه الحكومي بشأن العدوان على غزة، وفي ظل إصراره على الفصل بين الحل الإقليمي وبين خياره العسكري الذي حقق له مكاسب جمة على صعيد تعطيل حل الدولتين، وعلى صعيد تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، وفرضه لقواعد اشتباك لصالح كيانه المجرم في المنطقة بأسرها من دون قيود.
وأما الأمر الآخر اللافت والفاضح فهو غياب أدنى قدر من الكرامة والفعل والاعتبار للأنظمة العربية، في الوقت الذي تدور فيه المناقشات بشأن قضايا المنطقة بين الولايات المتحدة وبين إيران وتركيا و"إسرائيل". وهو ما يعكس مبلغ التبعية والذل الذي يعتري الأنظمة العربية وحكامها، ويعكس كذلك مبلغ الضعف الذي آلت إليه الأمة الإسلامية نتيجة تنكبها عن دينها وشريعة ربها، فهانت على نفسها وهانت على أعدائها الذين تكالبوا عليها ينكلون بها وهي صامتة صمت القبور حيث لا راعي يدفع عنها صيال الأعداء ويقودها إلى معالي الأمور.
10/ذو القعدة/1446هـ
8/5/2025م