المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول تطورات الأحداث بين الهند والباكستان على خلفية هجوم باهلغام



Abu Taqi
04-05-2025, 02:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية حول تطورات الأحداث بين الهند والباكستان
على خلفية الهجوم المسلح في الشطر الهندي من كشمير
نفذ مسلحون هجومًا داميًا يوم الثلاثاء 22 نيسان/أبريل، في باهالغام، فيما يُعرف بالشطر الهندي من كشمير، مما أسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح. وفي إثر ذلك لم تتأخر الحكومة الهندية وإعلامها عن اتهام الباكستان بالوقوف وراء الهجوم، ثم سارعت على الفور باتخاذ عدة إجراءات انتقامية، بما في ذلك تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960 برعاية البنك الدولي، وطرد بعض الموظفين الدبلوماسيين الباكستانيين، وإلغاء التأشيرات، وإغلاق نقاط العبور بين البلدين، ومطالبة رعايا الباكستان بمغادرة الأراضي الهندية. وكذلك قيامها بهدم مساكن من تتهمهم بالضلوع في العملية في خطوة مشابهة لأعمال الكيان الغاصب في فلسطين. كما صرَّح رئيس الوزراء الهندي الذي قطع زيارته للسعودية، قائلًا: "سنلاحقهم حتى أقاصي الأرض. لن يكسر الإرهاب روح الهند أبدًا"، وأضاف: "أريد أن أقول هذا بوضوح: سينال الإرهابيين الذين يقفون وراء عمليات القتل، إلى جانب داعميهم، عقابٌ أكبر مما يتصورون".
أما الباكستان فقد نفت تورطها في الهجوم. وصرح رئيس وزرائها بأن "الهند عززت بيئةً حربية. وإن تعليق معاهدة مياه نهر السند ليس الحل الأمثل. نحن نؤيد حل المسألة عبر الحوار. وأن وقف تدفق المياه سيكون ظلمًا". كما علقت الحكومة الباكستانية عقب اجتماع مجلس الأمن القومي الباكستاني مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وطردت الموظفين الدبلوماسيين الهنود، وأغلقت معبر واغا الحدودي، وعلقت تأشيرات الدخول للمواطنين الهنود، وعلقت أيضًا اتفاقية شيملا لعام ١٩٧٢، التي أُبرمت عقب حرب عام ١٩٧١ بين الهند والباكستان، والتي أدت إلى انفصال شرق الباكستان عن غربها، وقادت إلى إنشاء بنغلاديش، ورسم "خط السيطرة" بين البلدين.
ومع هذا الهجوم، وبخاصة مع مسارعة البلدين إلى التعبئة العسكرية والاحتكاك الناري المحدود، تزايد الشعور بإمكانية اندلاع حرب محدودة بين البلدين في ظل تصاعد التوترات وإجراءات تعليق معاهدة المياه، الذي سيُعرّض الباكستان للخطر، ويُقلّص قدرتها على الريّ بشكل كبير. وهو ما دفع وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، إلى وصف تعليق معاهدة المياه بأنه "عمل حربي". كما أكد معترفًا أن الباكستان لطالما "قامت بهذا العمل القذر لصالح الولايات المتحدة" عند مواجهتها بدعمها لما يُسمى بالجماعات الإرهابية، مضيفًا: "من السهل جدًا على القوى الكبرى اتهام الباكستان. عندما كنا نخوض حربهم ضد الاتحاد السوفيتي، كان أولئك الذين يُوصفون الآن بالإرهابيين هم نفس الأشخاص الذين كانوا يتناولون العشاء معهم. في ذلك الوقت، كانوا يستخدمونهم كوكلاء".
ورغم أن التوتر المتزايد بين البلدين ليس ظاهرة جديدة، إلا أن توقيت هذا التوتر قد جاء في ظروف متداخلة مع استراتيجية أميركية أوسع تشمل العلاقة الأميركية الهندية والباكستانية، ومساعي ضبطها ضمن سياسة احتواء الهند والصين، والعلاقة المتنامية بين الباكستان والصين. فقد وصف ترمب الوضع المتوتر بين البلدين بأنه ليس بالجديد وأنهم "سيحلون ذلك بطريقة أو بأخرى".
حيث أن الولايات المتحدة كانت قد فعّلت إعادة ترتيب المنطقة منذ إطاحتها برئيسة وزراء بنغلاديش في آب/أغسطس الماضي تماشيًا مع مصالحها الجيوسياسية في المحيطين الهندي والهادئ، وذلك عندما شعرت بأن سياسة الهند في بنغلاديش لم تعد تخدم أهدافها الجيوسياسية والإقليمية، والتي ترتكز على عزل الصين وتقويض نفوذها وإيقاف تمددها في شقوق علاقات دول المنطقة عبر سياسة "النفاذ غربًا"، وبخاصة نفوذها الاقتصادي الواسع في الباكستان والذي يمنحها موطئ قدم في بحر العرب، وعلاقتها المتطورة مع إيران والتي تعتزم من خلالها ربط اقتصادها واقتصاد دول آسيا الوسطى بأوروبا عبر ممر الصين-إيران-أوروبا البريِّ، وإمكانية ربط ذلك بالبنية التحتية الروسية للوصول إلى أوروبا الشمالية، رغم أن الصين بادرت بمشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذى يركز على ميناء جوادر فى الباكستان، وهو فرع أساسي من مشروع طريق الحرير الجديد المسمى بمبادرة الحزام والطريق. بينما بادر الهنود بمشروع الممر الدولي للنقل من الشمال إلى الجنوب (instc) الذى يركز على ميناء تشابهار. ويأتي ذلك في سياق المنافسة الجيوسياسية بين الصين والهند في جنوب آسيا والوصول إلى أوراسيا. وبالتالي فإن هذا التوتر الجديد قد جاء بعد جهود دبلوماسية من قبل إدارة ترمب لإعادة مسار العلاقات مع الهند وضبطها لخدمة المصالح الأميركية في ظل مساعي الولايات المتحدة بعد أزمة كورونا التي أبرزت دور الصين وأهميتها التجارية العالمية؛ لتهيئة الهند لتصبح رديفًا يقلص الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية، مقابل تحرير أسواقها أمام الصادرات والاستثمارات الأميركية عبر اتفاقية تجارية تخدم المصالح الأميركية وتترجم شعار ترمب "أميركا أولًا" وتعطيه نصرًا كبيرًا يزفه إلى قاعدته الانتخابية. وفي ظل مساعي أمريكا لتقليص استيراد الهند للنفط الروسي، وسد نوافذ الأوكسجين والتوسع السياسي والاقتصادي الروسي، بهدف الضغط على بوتين وإخضاعه للإرادة الأميركية. وكذلك ربط المصالح الهندية بمناطق النفوذ الأميركي. ويُفهم ذلك من زيارة مودي للسعودية لإجراء مباحثات مع الأمير محمد بن سلمان، في زيارة لم يعلن عنها إلا في يوم ١٩/٤/٢٠٢٥ بدعوة رسمية سعودية تزامنت مع تواجد نائب الرئيس الأميركي في زيارة رسمية للهند.
>> يتبع

Abu Taqi
04-05-2025, 02:09 PM
وأما الباكستان، فقد دأب حكامها المقاولون على تنفيذ سياسات أميركا القذرة في حق الإسلام والمسلمين، وهو ما اعترف به وزير دفاعها أثناء هذه الأزمة الأخيرة، وهم الآن يستعدون لتقديم تنازلات كبيرة لشركات الطاقة والتعدين الأميركية في إقليم بلوشستان الغني بالثروات الطبيعية كجزء من تسوية واسعة، وكذلك الابتعاد عن الصين والتي انحازت للباكستان في هذه الأزمة وأبدت إحباطها من انعدام الأمن في الباكستان، وهو الأمر الذي أثر على نجاح مشاريعها في الممر الصيني-الباكستاني cpec.
ومن ثم فلا بد من قراءة الأزمة الراهنة بين الهند والباكستان من خلال الاستراتيجية الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن خلال الرؤية الأميركية لإعادة هيكلة العلاقات في جنوب آسيا وتوجيهها نحو الصراع مع الصين، وهو ما يفهم من مجمل السياسات الأميركية في الإقليم، ومن تصريح ترمب "فهم يتقاتلون منذ ١٥٠٠ عام"، بمعنى أنه لا يرغب في اتخاذ موقف قد يُغضب أحد الطرفين، وينعكس على مساعي إدارته في إعادة الهيكلة وضبط علاقات دول المنطقة، على إيقاع الاستراتيجية والمصالح الأميركية والصراع الجيوسياسي والاقتصادي في الإقليم. والتي من المتوقع أن تشمل إعادة هيكلة العلاقة مع الصين وروسيا وأوروبا وعلاقات هذه الدول فيما بينها وبما يعكس الموقف الدولي الذي تتفرد فيه الولايات المتحدة وتسعى لتركيزه والتحوط لتحدياته المستقبلية، الأمر الذي تطلب من الولايات المتحدة الضغط على كافة أزرار التوتر الدولي بهدف احتواء الصين وروسيا والهند وأوروبا واحتواء علاقاتهم فيما بينهم وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة على النحو الذي يثبّت مركزية أميركا في إدارة العلاقات والأزمات الدولية، تمامًا كما يحصل في الأزمة الأوكرانية والملف النووي الإيراني والحرب الوحشية على غزة.
وعليه فمن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بإدارة الأزمة لتخرج بصفقة تعيد توجيه العلاقة الهندية الأميركية من جهة، وتضبط العلاقة الأميركية الباكستانية من جهة أخرى، بما يخدم احتواء أميركا للصين وكبح علاقاتها مع الباكستان والمسار السياسي الهندي والمصالح الأميركية الاقتصادية المتعلقة بالتعريفات الجمركية. بالإضافة إلى ما تنطوي عليه إعادة هندسة علاقات المنطقة عبر الأزمات وبؤر التوتر، والترتيبات الجيوستراتيجية والاقتصادية من تنافس بين مشاريع الممرات الاقتصادية الدولية ومساراتها، التي من المزمع أن تربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع أوروبا. ويُلمح ذلك من خلال التوجهات الروسية في توجيه الاهتمام نحو "الممر الشمالي" ومن خلال العناية التركية في توجيه الاهتمام نحو "الممر الأوسط". ومن اللافت في هذا السياق تصريح نتنياهو في تعزيته لمودي عقب مقتل السياح الهنود بأنه تحدث مع الأخير حول تفعيل الممر الاقتصادي الهندي عبر "إسرائيل" إلى أوروبا، وهو الممر المنافس لمشاريع الصين في الباكستان وإيران، والمشروع التركي لمسار "الممر الأوسط" الذي يمر عبرها إلى أوروبا.
6/ذو القعدة/1446هـ
4/5/2025م