المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية قراءة في مستجدات الحرب الهمجية على غزة



Abu Taqi
24-01-2024, 01:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
قراءة في مستجدات الحرب الهمجية على غزة
مضى أكثر من مئة يوم على العدوان الوحشي الصهيوني على أهلنا في غزة، وسط تواطؤ دولي وعربي غير مسبوق. غير أن مسار الحرب وعملياتها العسكرية قد حرَّك المياه الراكدة، وفجر الخلافات السياسية في الداخل الإسرائيلي، وأبرَزَ تباينَ أجنداتِ ومواقف "إسرائيل" وأميركا من مآلات الحرب قبل انتهائها.
ومن تتبع أحداث الحرب في هذا الشهر يتضح أنه ما يزال التوجه العام على المستوى الشعبي والرسمي في "إسرائيل" مشحونًا بروح الانتقام لما جرى في 7 أكتوبر، وما يزال جمهور الاحتلال يؤيد استمرار الحرب، وهو ما يشكل غطاءً لموقف نتنياهو المتصلب بشأن وقفها، ومماطلته في الانتقال الكامل والفوري للمرحلة الثالثة التي أعلن أمس أنها ستستغرق 6 شهور.
ويتضح أيضًا أن رغبة الانتقام في الشارع الإسرائيلي وتماسك ائتلافه الحكومي المدجج بالأحقاد الدينية والقومية، بالإضافة إلى العامل الشخصي، هو الذي يغذي رصيد نتنياهو الإجرامي ويمكنه من مواجهة الضغوط الخارجية، ومواصلة الحرب بحثًا عن صورة نصر يرمم بها الردع، مع مواصلة مساعيه لتنفيذ أجندة تهجير سكان غزة أو التأسيس له، وإعاقة إقامة "دولة فلسطينية".
وأما الخلافات السياسية التي يصورها الإعلام بأنها تنذر بانهيار الحكومة فليست بجديدة، وإنما هي امتداد للصراع على السلطة وتصادم الإرادات وأجندات الأحزاب، نحو مواقفهم من حل الدولتين، والتعديلات القضائية، وإدارة العلاقة مع السلطة وسكان الضفة وقطاع غزة. وما يزال التوجه اليميني يتعمق ويسود الموقف الإسرائيلي العام الذي يستند إليه اليمين المتطرف في السلطة. ومن ثم فإن احتمال انهيار مجلس الحرب لو حصل فلا يعني انهيار الائتلاف الحكومي اليميني المتشدد، ولا يمكن التنبؤ منه أو الرهان عليه في توقف الحرب أو سقوط حكومة اليمين المتطرف، وهو ما يعني أن نتنياهو وحكومته التي تحظى بحزام برلماني آمن (64 عضو كنيست) ما يزالون محصنين ضد السقوط، رغم تراجع شعبية نتنياهو لصالح منافسيه في الظرف الراهن.
فقد حاول حزب العمل طرح الثقة في الحكومة قبل أيام ولم يحصل إلا على 18 صوتًا. وإذا كان ثمة خطر يهدد الحكومة بالسقوط، فإنما ينجم فقط حال تفكك الائتلاف اليميني، أو انقسام حزب الليكود عبر وزير الدفاع غالانت، أو عبر استقطاب المعارضة لبعض أعضاء الكنيست من حزب الليكود، وهو ما حاولت المعارضة الاشتغال له عندما عرضت تشكيل حكومة وطنية يرأسها الليكود من دون نتنياهو، أو في حال توقف الحرب بضغط شعبي بسبب الكلفة الباهظة في الخسائر البشرية والاقتصادية دون تحقيق إنجاز ذي قيمة موازية.
وفي هذا السياق، ورغم أن نتنياهو قد وضع أهدافًا للحرب صعبة المنال، بهدف كسب الرأي العام لإطالة أمد الحرب وتحقيق إنجاز يحفظ ماء وجهه وهيبة الكيان، ويكسبه وقتًا لتنفيذ أجندة التهجير وفرض مزيد من الوقائع التي تعيق "حل الدولتين" المسخ، إلا أنه تحوَّط أيضًا للفشل وصاغ نفس أهداف الحرب مؤخرًا بصيغة غير قابلة للقياس كقوله (تحقيق نصر كامل) بحيث تستعصي إدانته بشأنها.
وأما الخلافات داخل "مجلس الحرب" فهي مشاحنات شخصية ذات أبعاد انتخابية، سواء نزاعات نتنياهو مع وزير الدفاع يوآف غالانت أو نزاعه مع بيني غانتس وإزنكوت، وهي ليست خلافًا حول أهداف الحرب، وإن شاب آراءهم بعض التباين حول آليات التنفيذ وأولوياته؛ إذ إن حجر الزاوية في العقيدة العسكرية والأمنية الإسرائيلية هو "صفر تهديد"، وهو ما تتفق عليه كافة القوى السياسية الإسرائيلية، وبالتالي فإن توقف الحرب دون استعادة الردع وتحرير الأسرى يُعدُّ فشلًا كبيرًا لمجلس الحرب وحكومة اليمين وهو الأمر الذي ينعكس على حظوظهم الانتخابية وعلى أمن الكيان برمته.
ولأجل ذلك كلِّه مشفوعًا بدوافع نتنياهو الشخصية وأجندة اليمين المتطرف الأيديولوجية والسياسية، يُستبعد قرب توقف الحرب في الوقت الراهن أو في المدى المنظور. ولا سيما وأن الموقف الأميركي والدولي وإن كان يضغط لوقفها أو تحجيمها بشكل يمنع من تحقيق أهداف اليمين المتشدد لكنه يؤيد نزع أظافر حماس، وتجريدها من السلاح، وتحويلها لحزب سياسي، ودمجها في المسار السياسي عبر منظمة التحرير وإقامة (دولة فلسطينية منزوعة السلاح) والذي يجري الإعداد له تحت عنوان إصلاح السلطة ومنظمة التحرير. ولذلك تركز أميركا على ما بعد الحرب وتوليه أهمية أكبر من الحرب ذاتها، وهو ما يفسر عدم اهتمامها باستراتيجية الحرب إلا بمقدار ما يؤثر على أجندتها السياسية، كالمجازر وأثرها على تهجير السكان، وخطط الحكومة الإسرائيلية للسيطرة العسكرية على قطاع غزة، وتصعيدها في الضفة الغربية تمهيدًا لضم مناطق (ج) وفرض السيادة على المقدسات. وبالتالي فإنَّ وقف الحرب في الوقت الراهن مستبعدٌ كليًّا، وبخاصة وأن محاولات كبحها من بوابة تبادل الأسرى التي تمثل الحلقة الضعيفة والضاغطة شعبيًا على نتنياهو مقفلة في الظروف الراهنة، بسبب شروط حماس، ورفض نتنياهو للوقف الكامل للحرب دون تحقيق إنجاز يعصمه من السقوط في ظل تهديد وزراء من ائتلافه بالانسحاب من الحكومة إذا توقفت الحرب بفعل الهدنة المقترحة مؤخرًا من قِبل أميركا ومصر وقطر "خطة الـ90 يومًا". ولذلك يستغل نتنياهو كل مقترح حول تبادل الأسرى لتخدير الرأي العام الإسرائيلي وخداع أهالي الأسرى وإسكاتهم من أجل تجنب استعادة أبنائهم عبر المفاوضات التي تخرجه من الحرب مهزومًا، ومن أجل مواصلة الخيار العسكري الذي يترجمه بتوسيع عملياته البرية في جنوب قطاع غزة، ويؤكده بيانه المشترك مع غانتس وغالانت عقب الضربة التي تلقاها جيشهم في خان يونس ونفق خلالها 24 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا، إذ قالوا في بيانهم: "لن نتوقف حتى تحقيق الهدف النهائي". كما يؤكد استمرارهم في الحرب تصاعدُ الغارات والعمليات والتعزيزات العسكرية الإسرائيلية في خان يونس على أمل أن "يفككوا القوة العسكرية لحماس"، وأن يفرضوا واقعًا أمنيًّا يفضي إلى تهجير السكان نحو مدينة رفح، ويعقد العملية السياسية بعد الحرب، ويطيل المفاوضات حولها. وهو ما يصر عليه نتنياهو ولم يُخفه في رفضه القاطع لإقامة دولة فلسطينية، أو التخلي عن السيطرة الأمنية بعد الحرب على غزة وعلى غرب نهر الأردن ردًا على تصريحات بايدن بشأن حل الدولتين.
وأما فيما يخص التصعيد في الجبهة الشمالية فإن نتنياهو يدرك مقاربة إيران وأذرعها حيال توسيع الحرب، ويعرف أن ثمة تفاهمات أميركية إيرانية بعدم استجابة إيران وحزب الله لاستفزازاته والانزلاق إلى حرب إقليمية، وبالتالي فإن بقاء قواعد الاشتباك مع حزب الله بالسقف الراهن وضرب مواقع إيرانية في سوريا مفيدة لنتنياهو لتسويق قدراته في الردع والأمن ومواجهة اتهامات منافسيه له بالتراخي في تعاطيه مع التهديد الإيراني وأذرعه، ولتبرير استمرار الخيار العسكري داخليًا، ومحاولة معالجة المخاطر الأمنية على الجبهة اللبنانية وحشد المواقف الدولية للضغط على حزب الله لتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 وإبعاده وراء نهر الليطاني. وإذا تمكن نتنياهو من حسم الحرب في غزة لصالحه بفرض واقع أمني يحِدُّ من قدرات المقاومة الفلسطينية _وهو أمرٌ مستبعدٌ_ فمن الممكن أن يستغل الظرف ويزيد من ضغوطه العسكرية على حزب الله عبر قواعد الاشتباك الراهنة لتحسين شروطه وتحصين جبهته الشمالية مع لبنان في الناحية الأمنية، ولهذا السبب تحرص إيران وحزب الله على دعم حركة حماس في مسعاها لإفشال نتنياهو في حربه على غزة.
وفي هذا السياق أيضًا تندرج تصريحات غانتس حول اتساع الحرب إلى لبنان وقوله إن إسرائيل تقترب من مرحلة تحتاج فيها إلى تحرك واسع النطاق في عمق لبنان لإزالة تهديد حزب الله، وتندرج فيه أيضًا تهديدات وزير الدفاع بمواصلة ضرب حزب الله حتى لو انتهت الحرب في غزة.
وأما في الجانب السياسي، فقد شهدت الأيام الأخيرة حراكًا بشأن ما بعد الحرب، إذ إن أميركا تحاول منذ انطلاق الحرب أن تغريَ نتنياهو بقبول حل الدولتين من خلال الدعم الكامل في حملته العسكرية على المقاومة، ومن خلال إغرائه بالتطبيع مع السعودية التي صرَّح وزير خارجيتها في دافوس وسفيرها في لندن قبل أيام قليلة باستعدادها للتطبيع مع "إسرائيل" في إطار مسار يفضي إلى قيام دولة فلسطينية. فبعد مكالمة بايدن مع نتنياهو يوم الجمعة، أشار الرئيس الأميركي إلى صيغة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وفارغة المضمون، وزعم أن نتنياهو لم يرفضها، وهي أشبه بالصيغة التي طرحها نتنياهو سنة 2009 بغرض المماطلة ومنع قيام دولة فلسطينية، والتي تُبقي القدس عاصمة موحدة لـ"إسرائيل"، مع بقاء الكتل الاستيطانية والسيادة الإسرائيلية على الأرض والأغوار، وإسقاط حق العودة وغيرها من الشروط التي تجعل من الفلسطينيين جالية في دولة يهودية. ومع ذلك رفض نتنياهو العرض وكذب بايدن بعد ساعات قليلة من المحادثة الهاتفية، وقال إنه "يجب أن تكون غزة منزوعة السلاح، وأن تكون تحت السيطرة الأمنية الكاملة لدولة إسرائيل. ولن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن (أي فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر). وبوصفي رئيسًا لوزراء إسرائيل، فقد وقفت بثبات إلى جانب هذا الموقف في مواجهة الضغوط الدولية والداخلية الكبيرة. إصراري هو الذي حال دون قيام دولة فلسطينية لسنوات طويلة، والتي كانت ستشكل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل. وطالما أنني رئيسٌ للوزراء، سأواصل التمسك به بحزم". ولذلك فليس من المتوقع أن تتقدم العملية السلمية في ظل حكومة اليمين الديني، ولا سيما وأن الحديث في المسار السياسي لما بعد الحرب يجري بافتراض نجاح إسرائيل في هزيمة المقاومة، وهو ما تنفيه الوقائع على الأرض من صمود وبطولات وخسائر إسرائيلية باهظة.

Abu Taqi
24-01-2024, 01:32 PM
وفي ضوء ذلك كله فإن من المتوقع أن تتزايد الضغوط على نتنياهو وحكومته، والتي بدأت عقب رفضه لحل الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح المقترحة من قبل بايدن، حيث نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مسؤولين أوروبيين قولهم إن الاتحاد الأوروبي يحث أعضاءه على معاقبة إسرائيل إذا واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض قيام دولة فلسطينية. وإنَّ الاتحاد سيمضي قدمًا في محادثات سلام لإنهاء الحرب في غزة دون مشاركة إسرائيل، بالإضافة إلى عزم بعض دول الاتحاد مثل بلجيكا على الانضمام للمطالبين بتجريم "إسرائيل" في محكمة الجنايات الدولية. وإعلان أستراليا أنه "لا يمكن أن يكون هناك أي تقليص لمساحة أراضي غزة ولا أي وجود إسرائيلي دائم هناك. نشعر بخيبة أمل عميقة إزاء تصريحات نتنياهو التي رفض فيها الدعوات لإيجاد طريق لدولة فلسطينية". وهذا إلى جانب الضغوط الداخلية الموجهة، نحو تصعيد أهالي الأسرى واقتحامهم لاجتماع الكنيست، واعتصامهم أمام منزل نتنياهو ومطالبتهم باستقالته، وتسريبات الأجهزة الأمنية لمعلومات تفيد بعدم جدوى الخيار العسكري بشأن تحرير الأسرى وهزيمة حماس.
وختامًا فإن ما ينبغي على المسلمين إدراكه والتصرف بموجبه هو أن الحراك الدولي المتمثل بالضغوط السياسية على الحكومة الإسرائيلية بشأن الحرب ووحشيتها ودعم قيام دولة فلسطينية، إنما يندرج في المقاربات السياسية التي تحقق مصالح الدول الاستعمارية الغربية المتمثلة بتصفية قضية فلسطين وتثبيت الكيان الصهيوني عبر حل الدولتين. فقد كشف الدعم الغربي لمجازر الكيان الصهيوني أن الأمة الإسلامية هي المقصودة بهذه الحرب، والواجب يحتم عليها منابذة الحكام الذين يتوسلون الحلول من أعدائها. وينبغي أن تدرك أنها هي التي بيدها التغيير وليس الحكام ولا الولايات المتحدة والغرب الاستعماري الذي راهنت عليه في "الربيع العربي" وخدعها.
ويجب أن يدرك المجاهدون أن قضية فلسطين ليست قضية وطنية، وأن لا يختزلوها بوطن يضيف لأقطار المسلمين خرقة وحظيرة تقوم على العلمانية وتزيد من مزق المسلمين وبعدهم عن الله وشريعته، وإنما هي قضية افتكاك أرض إسلامية من غزاة مستعمرين، ودفعٌ لصيال عدو إرهابي محتل، وأن تحريرها واجب على الأمة الإسلامية التي ما تزال منتكسة عن نصرة أبنائها وإيصال المساعدات المعيشية لهم على أقل تقدير؛ لأنها تعاجزت عن محاسبة حكامها الذين حظروا عليها حتى الدعاء لأهل غزة كما هو الحال في بلاد الحرمين. وكل ذلك بسبب انشغالها بالحياة الدنيا عن الآخرة، وطلب أبنائها في الجيوش ومواقع التأثير والنفوذ رزقهم بطاعة الحكام الفجرة ومعصية الله عِوَضَ أن يطلبوه في طاعة الله ومرضاته. وإلى أن يتصالح المسلمون مع ربهم، ويجتثوا أنظمة الكفر والطغيان والخيانة، ويقيموا دولتهم وشريعة ربهم، ويهبوا لنجدة أهلهم في فلسطين ويحرروها من دنس يهود، ينبغي على المجاهدين في فلسطين أن يرفضوا الحلول التصفوية، وأن لا يُلبسوها شرعية دينية، حتى لو بقيت حركات المقاومة تعمل لدفع صيال العدو فحسب. فواجب تحرير فلسطين هو واجب الأمة كلها.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
12/رجب الخير/1445هـ
24/1/2024م