المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول الانتخابات المصرية



Abu Taqi
12-12-2023, 01:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الانتخابات المصرية
فتحت مراكز الاقتراع في مصر أبوابها صباح الأحد الموافق 10 كانون أول/ديسمبر الجاري لانتخابات رئاسية تجرى على مدار ثلاثة أيام، يخوض فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي منافسة شكلية مع ثلاثة مرشحين مغمورين هم رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، والثاني هو رئيس حزب الوفد (ليبرالي) عبد السند يمامة، والثالث هو رئيس حزب الشعب الجمهوري (ليبرالي) حازم عمر. حيث كان السيسي قد مهد لتمسكه بالحكم من خلال التعديلات الدستورية التي قررها سنة 2019 لتصبح ولايته الثانية ست سنوات بدلًا من أربع، وتتيح له الترشح لولاية ثالثة. كما قام قبل نحو عام عبر أجهزته الأمنية بإطلاق دعوة "مجهولة المصدر" لمظاهرات في نفس اليوم الذي سيلتقي فيه الرئيس بايدن على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ (11/11/2022)، حيث صُمِّمت الدعوة للمظاهرات لتفشل ولا يستجيب إليها أحد؛ لتُظهر سيطرة السيسي واستقرار نظامه، وهو المؤهل الوظيفي الذي يحتاجه السيسي لتقديم أوراق اعتماده عميلًا للولايات المتحدة الحريصة على حماية "إسرائيل" من جهة مصر، وعلى معالجة التحديات الداخلية المصرية بعد الربيع العربي من خلال نظام قمعي، بصرف النظر عن الأصوات الأميركية المُطالبة بمحاسبة الرئيس المصري بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
ولذلك ركّز السيسي في لقائه مع بايدن على استقرار النظام وعلى اهتمامه بـ"حقوق الإنسان" وأكد على ولائه للولايات المتحدة وعلى أمن الكيان الصهيوني بقوله: إن سياسة مصر ما تزال تسير على نفس النهج منذ أربعة عقود، وأنها متطابقة تمامًا مع السياسات الأميركية. بينما أثنى الرئيس بايدن على السيسي وبخاصة فيما يتعلق بموقفه من المسائل المتعلقة بغزة و"إسرائيل" مبديًا رغبة الولايات المتحدة بدوام العلاقة معه لمدى أطول.
وكدأب الحكام المستبدين العملاء والأنظمة القمعية التي تلعق أحذية الولايات المتحدة و"إسرا ئيل" من أجل دعمها ضد الشعب، اجرى الرئيس السيسي الانتخابات بالرشى والتهديد والتزوير وتجنيد الأكشاك الحزبية وموظفي الدولة لحشد التأييد له، متظاهرًا بتحدي "إسرائيل" بشأن التهجير في دعايته الانتخابية، ومستغلًا انشغال الشعب والإعلام والمراقبين بدوي الحرب على غزة لحجب الضوء عن هزلية الانتخابات وعن جرائمه بحق الشعب وعن سير الانتخابات ونتائجها المحسومة سلفًا بفوزه لولاية ثالثة دون الحاجة لانتظار الإعلان عنها في الثامن عشر من هذا الشهر، ولا سيما وأن مباركة الجيش لترشحه يشي بأنه ما يزال خيار أمريكا لحكم مصر، باعتبار أن الولايات المتحدة هي التي تُهندس الحكم في الأنظمة التابعة لها عبر الأحزاب السياسية العلمانية وقوى الدجل الديني والسياسي والإعلامي، وعبر عملائها الذين كونتهم في الكليات الحربية الأميركية مثل عبد الفتاح السيسي نفسه، والذي تلقى دروسًا في "مكافحة الإرهاب" أثناء دورته العسكرية في الولايات المتحدة وجرى إعداده لمنصب الرئاسة؛ إذ ليس ثمة ما يدعو أهل مصر لانتخاب مجرم وضيع ضيّق عيشهم وقتل أبناءهم وزج بهم في سجن كبير، وضاعف الدين العام وارتفعت في عهده تكاليف المعيشة إلى مستويات قياسية منذ استيلائه على الحكم، ورهن اقتصاد مصر ومستقبل أهلها في يد المؤسسات المالية الدولية والشركات الأجنبية، وطوّع سياسة الدولة لخدمة أهداف أميركا والدول الاستعمارية ومشاريعها المركزية في محاربة الإسلام ورجاله، وتمكين الكيان الصهيوني من تنفيذ مخططاته وحروبه على غزة وأهل فلسطين!!
لقد برهن عبد الفتاح السيسي لأميركا وللكيان الصهيوني خلال فترة حكمه وبخاصة في الحرب الجارية على غزة أنه جدير بثقتهم رغم ما أثير عليه من قضايا فساد ارتبط فيها مسؤولون في الولايات المتحدة، وبرهن لهم أنه جدير بالحكم رغم حالة الاحتقان التي أوصل إليها مصر بفعل سياساته التدميرية للمجتمع والاقتصاد المصري. فالمؤهلات الخيانية والإجرامية التي يمتلكها السيسي وباقي الحكام العملاء في البلاد العربية، بالإضافة إلى حالة التيه التي تعيشها الأمة الإسلامية واستنكافها عن التديّن الصحيح، وقصور يد العاملين المخلصين عن إنقاذها وتقصير بعضهم الآخر، كل ذلك هو الذي وفَّر للحكام والأنظمة السند الخارجي لاستمرارهم في الحكم، وبات التخلص منهم مرهونًا برفع الولايات المتحدة الإسناد عنهم بمقتضى مصالحها كما حصل في "الربيع العربي".
إن ما يجب أن يدركه المسلمون أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية الهزلية التي تجري في بلاد المسلمين لا ترد لهم السلطان أبدًا، فالوسط السياسي والقوانين الناظمة لانتخابات شكلية وأجهزة النظام قد صُممت لإقصاء إرادة الشعب، وبخاصة في ظل أنظمة رأسمالية لا تمكّن سوى أصحاب المال والقوة من التحكم بالسلطات التشريعية والتنفيذية، والتوجيه الإعلامي والتأثير في السلطة القضائية، لدرجة أن بعض الأثرياء في الأردن على سبيل المثال شرعوا مبكرًا بشراء مواقع قيادية في الأحزاب التي تحظى بكوتة برلمانية من أجل حجز مقاعد لهم في البرلمان. وبالتالي لا يمكن أن تنفذ إرادة الأمة وتسترد سلطانها إلا إذا أخذت زمام المبادرة بنفسها أو عبر ممثلين من جنسها لا من قماشة النظام الفاسد.
ولهذا فإن مشاركة المسلمين في الانتخابات الرئاسية الهزلية في ظل فساد الأنظمة والأوساط السياسية، وفي ظل النفوذ الغربي في البلاد الإسلامية، وتهميش القوى السياسية المخلصة والمستقلة إنما يخدم هذه الأنظمة العميلة ويضفي عليها شرعية لا يجوز منحهم إياها بحال.
وإذا أراد المسلمون أن يعود سلطانهم المسلوب، فعليهم أن يستعيدوا هويتهم الإسلامية النقية، ويحرروا إرادتهم من الارتهان لنفوذ الاستعمار وعملائه، وينظموا صفوفهم ويستردوا قواهم المادية المُختطفة والمسخرة لإسناد الحكام والأنظمة الوظيفية، ويستعيدوا وعيهم الذي غيبته الميوعة الفكرية والثقافة الغربية، وأن يربطوا انقيادهم لممثليهم بالتزام ممثليهم بالإسلام ومشروعه النهضوي، وأن يوحدوا نظرتهم إلى الحكم وفق شريعة الله وينبذوا كل دعوة لا تتخذ الإسلام أساسًا ومنهج حياة، وأن يتبنوا المشروع الإسلامي ويعملوا مع حملته الواعين، حتى يستعيدوا السلطان على أساس الإسلام. وحينها فقط تصبح آلية الانتخابات معبرة عن إرادة الأمة وليس قبل ذلك.
ï´؟وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن دونِ اللَّهِ مِن أَولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَرونَï´¾
28/جمادى الأولى/1445هـ
12/12/2023م