Abu Taqi
05-12-2023, 12:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
خديعة حل الدولتين وتسويقه على جثث أطفال غزة
تروج أميركا منذ عقود لمشروع ما يُسمى بـ"حل الدولتين" لمعالجة آثار المشروع الاستعماري الغربي الذي بدأته بريطانيا منذ بداية القرن الماضي في بلاد المسلمين. وهذا الحل الذي تبنته الولايات المتحدة يمنح في ظاهره حقًا للفلسطينيين بدولة مستقلة تقوم جنبًا إلى جنب مع دولة الاحتلال المجرم، باعتبار أن "إسرائيل" تحتل فقط مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وبهذا المعنى فإنه علاوة ما فيه من خداع وتضليل وغسل للأدمغة وتغييب للحقيقة فإنما هو ترسيخ وتشريع لدولة الكيان الصهيوني وتصفية لقضية فلسطين على يد من انتحلوا صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني!
فالمراد من هذا الحل المسخ هو أن يجري إقراره على يد الفلسطينيين أنفسهم، وأن يعترفوا بدولة "إسرائيل"، ويتنازلوا بصورة رسمية واتفاقيات دولية عن أرضهم المحتلة سنة 1948 وعن جزء من الضفة الغربية أي عمَّا يقارب ٨٠% من أرض فلسطين/سنجق القدس التاريخية، وإعطاء الفلسطينيين وهُم أهل البلاد كلِّها ما لا يزيد عن ٢٠% من الأرض التي تمزقها المستوطنات الكبرى والطرق الالتفافية فضلًا عن الجدار العازل الذي يقضم منها أراضٍ زراعية خصبة؛ ليقيموا عليها دولة منزوعة السلاح والسيادة، توهم الفلسطينيين بحل قضيتهم عبر قطع متفرقة من الأرض يعيشون عليها كسجناء، وسلطة وظيفتها الأساسية هي إضفاء الشرعية على الكيان المحتل وإزالة صفة الاحتلال عنه، وحمايته من المسلمين الذين لا يعترفون به. وهي الوظيفة التي تمارسها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من تنسيق أمني واعتقال للمقاومين وتعذيبهم وانتزاع المعلومات منهم وتسليمهم ليهود! منذ أن جيء بها للضفة الغربية عقب اتفاق أوسلو المشؤوم.
هذا هو مختصر حل الدولتين الذي بات لا يفارق ألسنة الساسة الأميركيين وزعماء العالم منذ بدء عملية طوفان الأقصى، وذلك لتقديمه وترسيخه في الوعي كملاذ آمن ليهود والفلسطينيين، مستغلين الصَّدْع الأمني الذي أصاب الكيان المتطرف والوضع المأساوي لأهل فلسطين في غزة والضفة الغربية. ولا سيما وأن طوفان الأقصى غدا وكأنه قميص يوسف الذي رد إلى المسلمين بصرهم وأحدث ثورة في التفكير والبحث عن حل جذري لهذا السرطان الصهيوني المجرم. وهذا ما يُفسر تواطؤ الولايات المتحدة والعالم بما فيه الأنظمة العربية على ممارسات يهود الوحشية بحق غزة وأهلها، فضلًا عن مؤازرتهم لكيان يهود باعتبار أنه يمثل مشروعهم الاستعماري العسكري في بلاد المسلمين، وباعتباره حائط الصد في وجه المسلمين، والذي يستوجب دعمه وتقويته والدفاع عنه، وضمان احتفاظه بقوة رادعة ليس لأهل فلسطين فحسب، بل ولأهل المنطقة جميعهم. وهذا ما عبر عنه خيرت فيلدرز النائب الهولندي الحاقد على الإسلام والمدعوم من المنظمات الأميركية المروجة لـ"الإسلام فوبيا" بقوله: "إذا وقعت القدس في أيدي المسلمين، فستكون أثينا وروما التاليتين. وبالتالي فإن القدس هي الجبهة الرئيسية التي تحمي الغرب. إنه ليس صراعًا على الأرض، بل هو معركة أيديولوجية، بين عقلية الغرب المتحرر وأيديولوجية البربرية الإسلامية".
ولذلك شدد الساسة الأميركيون على عدم السماح للمقاومة بالانتصار؛ لأن انتصار المجاهدين هو انتصار على المشروع الغربي في الشرق الأوسط، ولأن من شأنه أن يوقظ الوعي الإسلامي العام من غيبوبته، وأن يعيد الاعتبار للجهاد وفضيلة التضحية والصمود، وأن يوجد أجواءً للعلاج الإسلامي لقضية فلسطين، ويسد ذريعة الأنظمة العميلة حيال المسار الاستسلامي. ويؤول من ثم إلى تقويض المساعي الاستعمارية لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة والتطبيع والتعايش معه.
لقد رفض جُلُّ المسلمين الحلول الاستسلامية بما فيها حل الدولتين عقودًا طويلة بمقتضى الشرع، وضحوا بكل شيء لاستعادة فلسطين كلها. وحتى منظمة التحرير الفلسطينية الخائنة التي وجدت سنة 1964 لتصفية القضية إنما قامت لتحرير الأرض المحتلة سنة 1948 بحسب زعمهم، إذ لم تكن الضفة الغربية قد سقطت بعد، فاستقطبت شباب الأمة المتحمسين الذين ضحوا بأرواحهم للتحرير، لكنها بقيت تمثل المشروع الاستعماري وليس مشروع الأمة في الجهاد والتحرير الكامل لفلسطين وباتت جهازًا جاسوسيًا للكيان الصهيوني. وها نحن نرى أهل فلسطين يقارعون المحتل منذ ٧٥ سنة دون أن تلين قناتهم، أو تفتر عزيمتهم، ودون أن توهن وحشية المحتل ووقوف العالم إلى جانبه من إرادتهم ونضالهم لإعادة هذا الجزء العزيز لأرض الإسلام، متطلعين إلى أن يعودوا أمة واحدة في دولة واحدة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله رسالة هدىً ورحمةٍ للعالمين. وهي تملك من المقومات ما يكفي لإقامة دولة واحدة قويّة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًا تستطيع أن تؤثر في العلاقات الدولية وتدفع صيال العدو عن أرضها وأبنائها على أقل تقدير.
أيها المسلمون..
إن الكفار المستعمرين وعملاءهم قد جمعوا كيدهم لتجيير تضحيات أهل غزة والمجاهدين لصالح حل الدولتين الرخيص قبل أن تجف دماء الشهداء والأطفال والنساء، فمنذ بدأ العدوان على غزة وهم يغزلون على حل الدولتين، ولم ينفكوا يربطون أمن أهل فلسطين بأمن يهود، ويربطون أمن المنطقة به، ولا سيما في لجة هذه الحرب الوحشية، ليطبعوا هذا الحل الخادع في وعي المسلمين ويهود كملاذٍ آمنٍ؛ لما في ذلك من منفعة للدول الغربية الاستعمارية التي يرتبط اقتصادها وقيمها بارتهان المنطقة الإسلامية بيدهم. ولا بد والحالة هذه من بيان الموقف الشرعي من هذا الحل الخادع وصيانة وعي الأمة من الحلول التآمرية المتسللة تحت ضغط الواقع.
ولا يخفى أن حل الدولتين يقتضي التنازل عن الأرض والاعتراف بحق "إسرائيل" بفلسطين المحتلة سنة 1948، وأجزاءٍ من الضفة الغربية والقدس. وهو ما تواطأت عليه منظمة التحرير التي اعترفت بدولة "إسرائيل" في غمرة السلام المزعوم سنة 1993. والمعنى أنه لا مندوحة عن الاعتراف بحق الصهاينة بفلسطين لإبرام حل الدولتين. وهنا مكمن الخطورة والانحراف، إذ يحاول البعض أن يقفز عن هذا الواقع ويُصور حلَّ الدولتين بالهدنة المؤقتة أو الحلِّ المرحلي ويُلبس التفريط والتخاذل لباس الشرع والدين، مستندين إلى التورية التي لا محل لها في هذا المقام، وهو ما أشار إليه الإِمَام أَحمد فيما رَوَاهُ عَنْهُ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيُّ حيث قال: "وَالضَّابِطُ (أي الضابط للتورية والتعريض) أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ بَيَانُهُ فَالتَّعْرِيضُ فِيهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ كِتْمَانٌ وَتَدْلِيسٌ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ... وَالْعُقُودُ بِأَسْرِهَا ..،." ولا شك أن الاتفاقيات السياسية تندرج في العقود وفيها إقرار بالحق للصهاينة، ولا يجوز التورية أو الإضمار فيها مطلقًا، وأضاف النووي في الأذكار أن العلماء قيدوا التعريض بأن لا يفضي إلى باطل. ولا يحتاج باطل التفريط بالقدس وأرض المسلمين عبر "حل الدولتين" إلى بيان. وهذا علاوة على ما في الإقرار بحل الدولتين من تعسيرٍ لتحرير فلسطين ونصرة أهلها في المستقبل.
لقد بين علماء الإسلام حرمة التنازل عن أرض الإسراء والمعراج، أو عن جزء منها، أو الاعتراف بالكيان الغاصب، سواء أكان اعترافًا صريحًا أم ضمنيًّا. وكل ذلك لحرمة هذه الأرض وكونها وقفًا على المسلمين جميعًا، ولا يملك أيٌّ فرد مسلم أو تنظيم أو حاكم ولو كان خليفة المسلمين أن يتنازل أو يتخلى عنها أو يُقر العدو بملكيتها. ويُعد تمليك العدو الكافر شبرًا من أرض المسلمين حرامًا وخيانة. إذ إن الفقهاء قد اتفقوا على حرمة التنازل عن دار الإسلام للكفار وأن يحكموا فيها بغير ما أنزل الله. فإن جاء من يقول: إن المصلحة تقتضي أن نقبل الحل المرحلي، ريثما يتيسر للمسلمين استرجاع كامل الأراضي التي اغتصبها العدو الكافر، نقول له وللمسلمين ولإخواننا المجاهدين في فلسطين، احذروا هذا المنزلق الخطير، فعلاوة على حرمته فإن بمثله وبذريعته اعترفت منظمة التحرير الخائنة بإسرائيل، وبمثله وبذريعته قبلت سلطة عباس العميلة أن تكون كلب حراسة للكيان الصهيوني. ولا بد أن تحذر حماس وكتائب القسام مما تخطط لهم أميركا عبر عملائها في مصر وقطر، فها هي إذاعة العدو الصهيوني قد نقلت اليوم عن مصادر مصرية رؤيتها لما بعد الحرب بأن "تُدمج حماس في السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية" بل وقبول بعض المهجّرين من غزة. وذلك لتحويلها إلى حركة سياسية وجرها إلى مستنقع "السلام". كما ونحذر من الطرح الخبيث الذي يقدمه البعض بثوب وديع: "لا يفتي قاعد لمجاهد"، فإن الجهاد وبذل التضحيات يتعارض مع مخالفة الشرع لمصلحة متوهمة أو حقيقية ولا يُبررها. فإنه ما كان الجهاد ابتداءً إلا لاستعادة هذه البلاد، وليس ذريعة للتخلي عنها، أو عن جزءٍ منها. ولا بد أن نعلم بأن القبول بحل الدولتين إنما هو خذلان لتضحيات وصمود أهل غزة وفلسطين، وتفريط بالأعمال البطولية التي قام بها المجاهدون، وخيانة لدماء الجرحى والشهداء.
ولا بد أن نعلم أيضًا أن الجهاد نصر أو استشهاد، وليس للاستشهاد فحسب، وجهاد أهل غزة وفلسطين لا يكفي لتحقيق النصر، ومن الخذلان أن يقف المسلمون متفرجين على التهجير والمذبحة التي يرتكبها الصهاينة بدعم من الكفار المستعمرين إلى أن يُفضي الجهاد إلى الاستشهاد فقط. ومن الظلم أن ينتظر المسلمون انتصار أهل غزة في حرب غير متكافئة دون نصرتهم ودعمهم بوسيلة منتجة تتجاوز العواطف والتبرعات المالية والدعاء، إما بإرغام الأنظمة العميلة على التحرك لنصرتهم، أو إسقاطها وهو الحل الذي يُشعل كافة الجبهات على الكيان المجرم ورُعاته ويقلب معادلة الصراع لصالح المسلمين وأهل فلسطين. فدفع صيال العدو وإعلاء كلمة الله في هذه الحرب بين الكفار الصهاينة اليهود وبين المسلمين هو واجب الأمة كلها وليس واجب الفلسطينيين وحدهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
21/جمادى الأولى/1445هـ
5/12/2023م
متابعة سياسية
خديعة حل الدولتين وتسويقه على جثث أطفال غزة
تروج أميركا منذ عقود لمشروع ما يُسمى بـ"حل الدولتين" لمعالجة آثار المشروع الاستعماري الغربي الذي بدأته بريطانيا منذ بداية القرن الماضي في بلاد المسلمين. وهذا الحل الذي تبنته الولايات المتحدة يمنح في ظاهره حقًا للفلسطينيين بدولة مستقلة تقوم جنبًا إلى جنب مع دولة الاحتلال المجرم، باعتبار أن "إسرائيل" تحتل فقط مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وبهذا المعنى فإنه علاوة ما فيه من خداع وتضليل وغسل للأدمغة وتغييب للحقيقة فإنما هو ترسيخ وتشريع لدولة الكيان الصهيوني وتصفية لقضية فلسطين على يد من انتحلوا صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني!
فالمراد من هذا الحل المسخ هو أن يجري إقراره على يد الفلسطينيين أنفسهم، وأن يعترفوا بدولة "إسرائيل"، ويتنازلوا بصورة رسمية واتفاقيات دولية عن أرضهم المحتلة سنة 1948 وعن جزء من الضفة الغربية أي عمَّا يقارب ٨٠% من أرض فلسطين/سنجق القدس التاريخية، وإعطاء الفلسطينيين وهُم أهل البلاد كلِّها ما لا يزيد عن ٢٠% من الأرض التي تمزقها المستوطنات الكبرى والطرق الالتفافية فضلًا عن الجدار العازل الذي يقضم منها أراضٍ زراعية خصبة؛ ليقيموا عليها دولة منزوعة السلاح والسيادة، توهم الفلسطينيين بحل قضيتهم عبر قطع متفرقة من الأرض يعيشون عليها كسجناء، وسلطة وظيفتها الأساسية هي إضفاء الشرعية على الكيان المحتل وإزالة صفة الاحتلال عنه، وحمايته من المسلمين الذين لا يعترفون به. وهي الوظيفة التي تمارسها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من تنسيق أمني واعتقال للمقاومين وتعذيبهم وانتزاع المعلومات منهم وتسليمهم ليهود! منذ أن جيء بها للضفة الغربية عقب اتفاق أوسلو المشؤوم.
هذا هو مختصر حل الدولتين الذي بات لا يفارق ألسنة الساسة الأميركيين وزعماء العالم منذ بدء عملية طوفان الأقصى، وذلك لتقديمه وترسيخه في الوعي كملاذ آمن ليهود والفلسطينيين، مستغلين الصَّدْع الأمني الذي أصاب الكيان المتطرف والوضع المأساوي لأهل فلسطين في غزة والضفة الغربية. ولا سيما وأن طوفان الأقصى غدا وكأنه قميص يوسف الذي رد إلى المسلمين بصرهم وأحدث ثورة في التفكير والبحث عن حل جذري لهذا السرطان الصهيوني المجرم. وهذا ما يُفسر تواطؤ الولايات المتحدة والعالم بما فيه الأنظمة العربية على ممارسات يهود الوحشية بحق غزة وأهلها، فضلًا عن مؤازرتهم لكيان يهود باعتبار أنه يمثل مشروعهم الاستعماري العسكري في بلاد المسلمين، وباعتباره حائط الصد في وجه المسلمين، والذي يستوجب دعمه وتقويته والدفاع عنه، وضمان احتفاظه بقوة رادعة ليس لأهل فلسطين فحسب، بل ولأهل المنطقة جميعهم. وهذا ما عبر عنه خيرت فيلدرز النائب الهولندي الحاقد على الإسلام والمدعوم من المنظمات الأميركية المروجة لـ"الإسلام فوبيا" بقوله: "إذا وقعت القدس في أيدي المسلمين، فستكون أثينا وروما التاليتين. وبالتالي فإن القدس هي الجبهة الرئيسية التي تحمي الغرب. إنه ليس صراعًا على الأرض، بل هو معركة أيديولوجية، بين عقلية الغرب المتحرر وأيديولوجية البربرية الإسلامية".
ولذلك شدد الساسة الأميركيون على عدم السماح للمقاومة بالانتصار؛ لأن انتصار المجاهدين هو انتصار على المشروع الغربي في الشرق الأوسط، ولأن من شأنه أن يوقظ الوعي الإسلامي العام من غيبوبته، وأن يعيد الاعتبار للجهاد وفضيلة التضحية والصمود، وأن يوجد أجواءً للعلاج الإسلامي لقضية فلسطين، ويسد ذريعة الأنظمة العميلة حيال المسار الاستسلامي. ويؤول من ثم إلى تقويض المساعي الاستعمارية لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة والتطبيع والتعايش معه.
لقد رفض جُلُّ المسلمين الحلول الاستسلامية بما فيها حل الدولتين عقودًا طويلة بمقتضى الشرع، وضحوا بكل شيء لاستعادة فلسطين كلها. وحتى منظمة التحرير الفلسطينية الخائنة التي وجدت سنة 1964 لتصفية القضية إنما قامت لتحرير الأرض المحتلة سنة 1948 بحسب زعمهم، إذ لم تكن الضفة الغربية قد سقطت بعد، فاستقطبت شباب الأمة المتحمسين الذين ضحوا بأرواحهم للتحرير، لكنها بقيت تمثل المشروع الاستعماري وليس مشروع الأمة في الجهاد والتحرير الكامل لفلسطين وباتت جهازًا جاسوسيًا للكيان الصهيوني. وها نحن نرى أهل فلسطين يقارعون المحتل منذ ٧٥ سنة دون أن تلين قناتهم، أو تفتر عزيمتهم، ودون أن توهن وحشية المحتل ووقوف العالم إلى جانبه من إرادتهم ونضالهم لإعادة هذا الجزء العزيز لأرض الإسلام، متطلعين إلى أن يعودوا أمة واحدة في دولة واحدة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله رسالة هدىً ورحمةٍ للعالمين. وهي تملك من المقومات ما يكفي لإقامة دولة واحدة قويّة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًا تستطيع أن تؤثر في العلاقات الدولية وتدفع صيال العدو عن أرضها وأبنائها على أقل تقدير.
أيها المسلمون..
إن الكفار المستعمرين وعملاءهم قد جمعوا كيدهم لتجيير تضحيات أهل غزة والمجاهدين لصالح حل الدولتين الرخيص قبل أن تجف دماء الشهداء والأطفال والنساء، فمنذ بدأ العدوان على غزة وهم يغزلون على حل الدولتين، ولم ينفكوا يربطون أمن أهل فلسطين بأمن يهود، ويربطون أمن المنطقة به، ولا سيما في لجة هذه الحرب الوحشية، ليطبعوا هذا الحل الخادع في وعي المسلمين ويهود كملاذٍ آمنٍ؛ لما في ذلك من منفعة للدول الغربية الاستعمارية التي يرتبط اقتصادها وقيمها بارتهان المنطقة الإسلامية بيدهم. ولا بد والحالة هذه من بيان الموقف الشرعي من هذا الحل الخادع وصيانة وعي الأمة من الحلول التآمرية المتسللة تحت ضغط الواقع.
ولا يخفى أن حل الدولتين يقتضي التنازل عن الأرض والاعتراف بحق "إسرائيل" بفلسطين المحتلة سنة 1948، وأجزاءٍ من الضفة الغربية والقدس. وهو ما تواطأت عليه منظمة التحرير التي اعترفت بدولة "إسرائيل" في غمرة السلام المزعوم سنة 1993. والمعنى أنه لا مندوحة عن الاعتراف بحق الصهاينة بفلسطين لإبرام حل الدولتين. وهنا مكمن الخطورة والانحراف، إذ يحاول البعض أن يقفز عن هذا الواقع ويُصور حلَّ الدولتين بالهدنة المؤقتة أو الحلِّ المرحلي ويُلبس التفريط والتخاذل لباس الشرع والدين، مستندين إلى التورية التي لا محل لها في هذا المقام، وهو ما أشار إليه الإِمَام أَحمد فيما رَوَاهُ عَنْهُ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيُّ حيث قال: "وَالضَّابِطُ (أي الضابط للتورية والتعريض) أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ بَيَانُهُ فَالتَّعْرِيضُ فِيهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ كِتْمَانٌ وَتَدْلِيسٌ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ... وَالْعُقُودُ بِأَسْرِهَا ..،." ولا شك أن الاتفاقيات السياسية تندرج في العقود وفيها إقرار بالحق للصهاينة، ولا يجوز التورية أو الإضمار فيها مطلقًا، وأضاف النووي في الأذكار أن العلماء قيدوا التعريض بأن لا يفضي إلى باطل. ولا يحتاج باطل التفريط بالقدس وأرض المسلمين عبر "حل الدولتين" إلى بيان. وهذا علاوة على ما في الإقرار بحل الدولتين من تعسيرٍ لتحرير فلسطين ونصرة أهلها في المستقبل.
لقد بين علماء الإسلام حرمة التنازل عن أرض الإسراء والمعراج، أو عن جزء منها، أو الاعتراف بالكيان الغاصب، سواء أكان اعترافًا صريحًا أم ضمنيًّا. وكل ذلك لحرمة هذه الأرض وكونها وقفًا على المسلمين جميعًا، ولا يملك أيٌّ فرد مسلم أو تنظيم أو حاكم ولو كان خليفة المسلمين أن يتنازل أو يتخلى عنها أو يُقر العدو بملكيتها. ويُعد تمليك العدو الكافر شبرًا من أرض المسلمين حرامًا وخيانة. إذ إن الفقهاء قد اتفقوا على حرمة التنازل عن دار الإسلام للكفار وأن يحكموا فيها بغير ما أنزل الله. فإن جاء من يقول: إن المصلحة تقتضي أن نقبل الحل المرحلي، ريثما يتيسر للمسلمين استرجاع كامل الأراضي التي اغتصبها العدو الكافر، نقول له وللمسلمين ولإخواننا المجاهدين في فلسطين، احذروا هذا المنزلق الخطير، فعلاوة على حرمته فإن بمثله وبذريعته اعترفت منظمة التحرير الخائنة بإسرائيل، وبمثله وبذريعته قبلت سلطة عباس العميلة أن تكون كلب حراسة للكيان الصهيوني. ولا بد أن تحذر حماس وكتائب القسام مما تخطط لهم أميركا عبر عملائها في مصر وقطر، فها هي إذاعة العدو الصهيوني قد نقلت اليوم عن مصادر مصرية رؤيتها لما بعد الحرب بأن "تُدمج حماس في السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية" بل وقبول بعض المهجّرين من غزة. وذلك لتحويلها إلى حركة سياسية وجرها إلى مستنقع "السلام". كما ونحذر من الطرح الخبيث الذي يقدمه البعض بثوب وديع: "لا يفتي قاعد لمجاهد"، فإن الجهاد وبذل التضحيات يتعارض مع مخالفة الشرع لمصلحة متوهمة أو حقيقية ولا يُبررها. فإنه ما كان الجهاد ابتداءً إلا لاستعادة هذه البلاد، وليس ذريعة للتخلي عنها، أو عن جزءٍ منها. ولا بد أن نعلم بأن القبول بحل الدولتين إنما هو خذلان لتضحيات وصمود أهل غزة وفلسطين، وتفريط بالأعمال البطولية التي قام بها المجاهدون، وخيانة لدماء الجرحى والشهداء.
ولا بد أن نعلم أيضًا أن الجهاد نصر أو استشهاد، وليس للاستشهاد فحسب، وجهاد أهل غزة وفلسطين لا يكفي لتحقيق النصر، ومن الخذلان أن يقف المسلمون متفرجين على التهجير والمذبحة التي يرتكبها الصهاينة بدعم من الكفار المستعمرين إلى أن يُفضي الجهاد إلى الاستشهاد فقط. ومن الظلم أن ينتظر المسلمون انتصار أهل غزة في حرب غير متكافئة دون نصرتهم ودعمهم بوسيلة منتجة تتجاوز العواطف والتبرعات المالية والدعاء، إما بإرغام الأنظمة العميلة على التحرك لنصرتهم، أو إسقاطها وهو الحل الذي يُشعل كافة الجبهات على الكيان المجرم ورُعاته ويقلب معادلة الصراع لصالح المسلمين وأهل فلسطين. فدفع صيال العدو وإعلاء كلمة الله في هذه الحرب بين الكفار الصهاينة اليهود وبين المسلمين هو واجب الأمة كلها وليس واجب الفلسطينيين وحدهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
21/جمادى الأولى/1445هـ
5/12/2023م