المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق السياسي القمة العربية الإسلامية في الرياض



Abu Taqi
12-11-2023, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي
القمة العربية الإسلامية في الرياض
بعد مضي 36 يومًا على التدمير الشامل والتهجير القسري والمجازر الصهيونية الوحشية بحق أهل غزة، والقتل والإذلال والاعتقال في الضفة الغربية، طالب قادة البلاد العربية والإسلامية في قمة الرياض التي تضم 57 دولة بوقف الحرب على قطاع غزة وكسر الحصار وإيصال المساعدات، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها في محكمة الجنايات الدولية. ودعَوا إلى مؤتمر دولي لـ"السلام" وفق "الشرعية الدولية والمبادرة العربية لحل الدولتين"، التي وصفها شارون بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، والتي دفنها نتنياهو بالمستوطنات والتهويد ومساعي التهجير.
ولا غرابة في مواقف هذه الشرذمة الحاكمة التي تمثل جيش الدفاع الحقيقي عن الكيان المجرم قاتلهم الله، إذ لم يصدر عنهم عبر تاريخهم الأسود في الخيانة والتآمر سوى الخيبة والخذلان وما يغيظ المسلمين ويملأ قلوبهم قيحًا، ومن جملة ذلك ما قاله وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في منتدى بلومبرج للاقتصاد الجديد في 8 نوفمبر/تشرين الثاني في خضم المجازر الصهيونية وقطع الكهرباء والماء والدواء والتجويع لأهل غزة: "إن ملف التطبيع على الطاولة... وإن المملكة العربية السعودية ستستمر في محاولاتها لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل"!!
إن هذه القمة وقراراتها هي تجسيد للدور الوظيفي الذي أسنده المستعمر لحكام المسلمين، فرغم أنها جاءت وسط انهيار منظومة الردع الصهيونية وعجز الكيان الوحشي ورعاته عن هزيمة ثلة مؤمنة لا تملك سلاحًا كأسلحة جيوش هؤلاء الحكام الجبناء، ورغم المناخ الدولي الشعبي الناقم على الكيان المجرم، والحنق الشعبي الداخلي والخارجي على إدارة بايدن بسبب اصطفافها إلى جانب قتلة الأطفال، ومحاصرة المجازر الصهيونية الوحشية للقيم الغربية المزعومة. ورغم استعداد الأمة كلها للجهاد أبت خِسّة حكام المسلمين إلا أن يراهنوا على الكيان الهش، وأن لا يغادروا خندقه وصفوفه، بل وأن يُحذروا الغرب من أن البديل عن السلام هو "التطرف والإرهاب"، وتنامي كراهية المسلمين للغرب ومنظومته القيمية التي تآكلت بفعل الانحياز الغربي إلى الممارسات الصهيونية الوحشية! وقرروا أن يمدوه بالجدر والحبال وأسباب البقاء ليواصل مجازره، عوضًا عن أن يستثمروا في هبة شعوبهم ومقاومة أهل غزة وصمودها العظيم، أو يسخروا قوى الأمة المادية من مال ورجال ونفط وسلاح لحماية أهل غزة ووقف العدوان الصهيوني على الأقل. ذلك أنهم ربطوا بقاءهم ببقائه، ومصيرهم بمصيره؛ لأنهم لا يستندون في سلطانهم لأمتهم، ولا يمثلون إرادتها، وإنما يمثلون إرادة المستعمر الذي مكنهم من الحكم لحماية مصالحه وعلى رأسها تكبيل الشعوب وحماية الكيان المحتل. إذ إن المطلوب من الحكام العرب والمسلمين في ضوء الهزيمة التي لحقت بالكيان المجرم هو إظهار جبنهم وعجزهم لترميم صورة الردع الإسرائيلية، وإنقاذ الكيان الصهيوني من الانهيار، ومنع المدد عن المجاهدين وتفكيك صمود أهل غزة وفلسطين الأسطوري بكل ما تعنيه الكلمة، واحتواء مشاعر المسلمين وتفريغها في قنوات الصرف الصحي التي تصب في "السلام" وحل الدولتين المزعوم، ومحو صورة التضحية والجهاد التي رسمها المجاهدون في غزة من وعي المسلمين ومن معادلة الصراع مع العدو الغاشم. وهذا ما يفسر قول قادة الكيان الصهيوني إن هدف وحشيتهم في غزة هو "ألَّا يتكرر اليوم الأسود" يوم أخذ القسام زمام المبادرة واجتاح حدود فلسطين محطمًا أكذوبة "الجيش الذي لا يُقهر" في بضع ساعات، ويفسر تهديد وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالنت لحزب الله بمصير مشابه لغزة في بيروت. ويفسر أيضًا فزعة الولايات المتحدة والغرب الحاقد لإنقاذ الكيان المجرم رغم موقفهم من حكومته الصهيونية الدينية التي تعيق مخططاتهم.
أيها المسلمون..
لا يكفي أن نعلم أن مطالب القمة العربية الإسلامية تعبر عن إرادة الولايات المتحدة والكيان الغاصب. وأنها استجابة للإملاءات الأميركية إن على صعيد حماية الكيان المحتل ومواصلة تصفية قضية فلسطين عبر "السلام"، أم على صعيد الضغط على نتنياهو وحكومته المتمردة على الأجندة الأميركية حيال "حل الدولتين" المزعوم. ولا يكفي أن تعبر الأمة عن إرادتها بالتعاطف والمشاعر التي ستهدأ بعد انتهاء الحرب، أو بفعل التبلد الذي يصيبها نتيجة التعود على مشاهد القتل والتنكيل بأهل غزة. ولا يكفي الرهان على تحول الرأي العام العالمي واتخاذ الدول الكبرى مسافة من العملية العسكرية الوحشية التي تنفذها "إسرائيل" لدواعي تدور مع المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى ومع الحسابات الشخصية والحزبية والحسابات الداخلية والانتخابية، ولا سيما بعد أن بات تأييد بايدن المطلق لإسرائيل يهدد حظوظه في الانتخابات الأميركية، وهو الأمر الذي التقطه منافسه ترمب، ووجه انتقادات لإسرائيل بالأمس، كل ذلك لا يكفي لنصرة غزة ووقف العدوان كأولوية ملحة. إذ إن الواجب هو تحقيق نصرة المسلم لأخيه المسلم كما أمر الله {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}؛ أي بدفع صيال العدو بجهاد الدفع الذي لا يحتاج إلى إذن ولي الأمر الشرعي، فكيف بمن ينتحلون صفته بتواطؤ "العلماء" الفجرة. ولا يتم ذلك إلا بإزالة الموانع المتمثلة بهذه الأنظمة الخائنة، عبر عمل جماعي منتج؛ أي عبر تنظيم الأمة وقيادتها نحو الغاية. فالعمل الجاد والصادق من الأحزاب والعلماء وأصحاب القوة والرأي هو الذي يتجاوز القيادة الفكرية إلى القيادة الفعلية التي تُحرك الجماهير إلى مراكز القوة والحكم لاقتلاعها وإقامة دولة الإسلام التي تنتصر لأبنائها وكرامتها، إذ لا شيء يوقف مشاريع الكيان الصهيوني ورعاته الغربيين سوى مشروع الإسلام العظيم بعقيدته ونظامه ودولته.
أيها المسلمون..
لا يغرنكم مواقف حكامكم المنادية بوقف الحرب حتى لو كانت جادة؛ لأن مواقفهم تدور مع مصالحهم الشخصية لا مع إرادة الأمة، ولأنها مضطردة مع مواقف الولايات المتحدة ومصالحها ومشاريعها لا مع مصالح المسلمين وقضاياهم. ولا أدل على ذلك من مواقفهم المرتعشة في بداية الحرب، ومواقفهم المنادية بوقف الحرب بعد أن تبدل الموقف الأميركي منها لأسباب داخلية وخارجية يدركها كل متابع سياسي وبعد أن استعوتهم أميركا ليعبروا عن موقفها وإرادتها. فلا تقبلوا منهم أقل من وقف التطبيع وطرد سفراء الكيان المجرم، ووقف العلاقات السرية والعلنية مع الصهاينة المجرمين، وإجبار النظام المصري العميل على فتح المعابر مع غزة وكسر الحصار عنوة، وليس بطلب الإذن من الكيان الصهيوني أو استجداء "المجتمع الدولي" الذي وجه الحكام خطابهم إليه للتنصل من مسؤوليتهم. ولا تقبلوا أقل من التهديد بوقف إمدادات النفط وإعلان النفير العام إذا كانوا صادقين في لجم العدوان على غزة وأهلها، عوضًا عن بيع الوهم والبيانات الكاذبة.
واعلموا أن الذي سيوقف الحرب ليس موقف الحكام المتخاذل ولا فزعة المظاهرات العالمية ولا حتى انعكاس الحرب وتداعياتها على الدول الغربية وحكامها، أو خضوع نتنياهو لإرادة أميركا، أو تحقيقه لصفقة تبادل أسرى تعطيه طوق نجاة وصورة نصر، فهذه كلها عوامل ثانوية، وإنما الذي سيوقف العدوان هو بسالة المجاهدين التي لا مثيل لها في التاريخ، وصمود أهل غزة البطولي رغم القتل والتهجير والتدمير.
أيها المسلمون..
نذكركم بقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * َسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
فلتكن إرادة التغيير والجهاد حية فينا، ولنعمل جميعًا على تحويلها إلى طوفان يطيح بأنظمة الكفر والخذلان إذا كنا نرجو الله واليوم الآخر. فالجهاد هو طريق النصر والعزة والنجاة لمن أدرك قول الله تعالى: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}، وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلًّا لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم" وقول علي بن أبي طالب إن "الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ".

28/ربيع الآخر/1445هـ
12/11/2023م