Abu Taqi
02-11-2023, 10:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الأبعاد السياسية لوحشية الكيان المجرم في عدوانه على غزة
لقد جاءت عملية طوفان الأقصى التي أفاضت على الأمة الإسلامية عزة ونسائم نصر، في أوج غطرسة الكيان المجرم وقطعانه المتوحشين، وظل حكومة يمينية بالغة التطرف، وفي ظل موقف عربي رسمي غاية في التآمر والهرولة نحو التحالف والتطبيع ليعيد الجهاد إلى معادلة الصراع رغم استسلام المطبعين بل وانبطاحهم. فقد حققت إنجازًا عظيمًا بإعادة ثقة المسلمين بالجهاد كرافعة للدين ولجم المعتدين، فما من قوم تركوا الجهاد إلا ذلوا كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه. كما جاءت في ظل مساعي نتنياهو وأميركا لاستكمال النهج الإبراهيمي وفي رأس أولوياته التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي يسابق الزمن لتأمين إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. إن هذه العملية الضخمة جاءت وسط حالة نزاع وانقسامات إسرائيلية على المستوى السياسي والمجتمعي وحاجة نتنياهو لمهرب يُبعد ملفاته عن طاولة النقد الداخلي والمحاكمة القضائية ويكسر عزلته الخارجية.
ورغم جبن يهود، وبسالة القسام، إلا أن المعلومات التي تضافرت حول علم نتنياهو شخصيًا بتحضيرات حماس لعملية كبيرة منذ سنة 2016 بحسب وثيقة ليبرمان التي جرى تسريبها مؤخرًا، وعلمه المسبق بالعملية قبيل وقوعها بأيام بحسب ما رشح عن حرب التسريبات بين مكتب نتنياهو وبين الأجهزة الأمنية، تشي بأن نتنياهو وجد في عملية حماس فرصة لترحيل أزمته الداخلية ومحاولة تنفيذ مخطط الليكود بتهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو الأمر الذي كشفت عنه عدة تقارير أثناء الحرب، وأبرزها ما جاء في توصيات وزيرة الاستخبارات الصهيونية غيلا غيملائيل بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول، وتم نشرها لأول مرة بواسطة موقع إخباري إسرائيلي محلي يدعى سيشا ميكوميت "Sicha Mekomit"، وعلق عليها مكتب نتنياهو بأنها "مجرد ورقة مفاهيمية"؛ أي أنه لم ينفِ وجودها وما تعكسه من مفاهيم ومشاريع صهيونية.
والحقيقة أن ما يجري على الأرض في ساحة الحرب والشواهد المتضافرة تدل على أن مشروع التهجير قد وُضع كأحد أهداف الحرب على غزة. وقد بدت ملامح إصرار نتنياهو على تنفيذه من خلال إجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي المباشرة للمستشار الألماني برفض التهجير، علمًا بأن ثمة أنباءً تفيد بطلب نتنياهو من بعض القادة الأوروبيين (وليس الأميركيين) التوسط لدى السيسي بقبول تهجير أهل غزة إلى سيناء.
ومن الشواهد البارزة على عزم نتنياهو على تهجير أهل غزة علاوة على سعيه لاستعادة الردع وتقليص قوة حماس وإفراغ المقاومة من مضمونها في الوعي الجمعي الإسلامي وتغيير البيئة الأمنية في غزة هي وحشية المجازر والتدمير الواسع الذي ارتكبه في عدوانه على غزة وأهلها. صحيح أن قصفه لشمال غزة يهدف إلى تمهيد الطريق للتوغل البري لكن تدمير مناطق واسعة في القطاع إنما يهدف إلى الانتقام والردع والتهجير. فقد شهدت غزة في الأيام الأخيرة وحتى الآن قصفًا هو الأعنف برًا وبحرًا وجوًّا منذ بداية الحرب، وهو ما أسفر عن وقوع آلاف الشهداء والمصابين. ولا سيما وأن القصف الوحشي قد استهدف أبراجًا ومربعات سكنية مكتظة بالسكان، وطال جميع مناطق القطاع مثل مناطق الرمال والزيتون والشجاعية والكرامة والمشتل وبيت حانون وجباليا ومخيمها ومخيم الشاطئ ومدينة الزهراء وخان يونس وغيرها، وأحدث أضرارًا بالغة بنحو 200 ألف وحدة سكنية، كما طال مراكز إيواء المشردين الذين فقدوا ذويهم ومنازلهم، مثل المدارس والمساجد والمستشفيات، كالمستشفى المعمداني ومستشفى القدس الذي يلوذ به نحو 14 ألف لاجئ، بالإضافة إلى استهداف رجال الدفاع المدني والأطباء والصحفيين وعشرات المنشآت الحكومية، ومطاردة سكان غزة وارتكاب أكثر من 60 مجزرة خلال اليومين الماضيين فقط لترويعهم ودفعهم إلى الهجرة. وكل ذلك يؤكد نية نتنياهو لتهجير أهل غزة؛ وهو الأمر الذي يُفسر هلع النظام الأردني ورفضه للتهجير والدولة اليهودية الواحدة التي تفضي إلى إفراغ الضفة الغربية من السكان وتُلقي بثقلهم على الأردن الذي لا يزال ملكه يخوض صراعًا داخليًا مع القوى الرافضة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. ولذلك صرَّح وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بأن "كل المؤشرات تشير إلى أن الأسوأ قادم" وأن "أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إعلان حرب."
وأما الموقف الأميركي وبرغم دعمه المطلق للكيان المجرم، إلا أنه يتحفظ على نوايا نتنياهو واليمين الديني الصهيوني الرامية إلى تهجير أهل غزة ضمن مشروع الدولة اليهودية الواحدة، ونسف حل الدولتين المزعوم. وفي هذا السياق صرَّح الرئيس بايدن: "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين"، كما أكد في اتصاله مع السيسي مؤخرًا على ضرورة عدم نزوح أهل غزة الى سيناء. وفي رسالة تنطوي على تحذير لنتنياهو بشأن التهجير الذي ترصده أميركا في وحشية العدوان الإسرائيلي، والذي يدل على إصرار نتنياهو على سياسة فرض الأمر الواقع، طالب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، إسرائيل بالتمييز بين محاربة حماس والمدنيين الأبرياء. ومن المرتقب أن يصل وزير الخارجية أنتوني بلنكين إلى إسرائيل يوم الجمعة لمناقشة خطط وأهداف الحملة العسكرية على غزة (بحسب وزارة الخارجية الأميركية). فيما أشار وزير الدفاع أوستن إلى أحاديث أجراها مع مسؤولين إسرائيليين لحثهم على ضرورة حماية المدنيين، قائلًا: "لقد كررت بوضوح لزعماء إسرائيل بأن حماية المدنيين في غزة هو واجب معنوي وضرورة استراتيجية". والمقصود بـ"ضرورة استراتيجية" عدم إثارة أهل المنطقة لما تنطوي عليه من مخاطر على الأنظمة التابعة للولايات المتحدة.
ولذلك لا يندرج الموقف الأميركي برفض التهجير، وتظاهرها بالحرص على المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم في إطار قيمي أو يقظة "ضمير"! بقدر ما يندرج في إطار المقاربات السياسية المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
ومع ذلك رفضت أميركا وأوروبا الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة إلى أن تتوقف حماس عن تشكيل خطر على إسرائيل. ولا سيما وأن عملية طوفان الأقصى قد غمست جيلًا مسلمًا بأكمله في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني وأحيت معاني العزة والكرامة والجهاد في أبناء الأمة، وأنعشت التوجه الإسلامي الضاغط على حكام المنطقة. وهو الأمر الذي طالما حذر منه الزعماء العرب تحت ذريعة (الإرهاب) بل وبلغت الوقاحة فيهم والتآمر والحقد على الإسلام وأهله أن يسكتوا إن لم يؤيدوا إبادة غزة واجتثاث المقاومة. وهو ما كشف عنه الدبلوماسي الأميركي دنيس روس بقوله: "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة". ونقل عنهم أنه "إذا اعتبرت حماس منتصرة، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها الجماعة، ويعطي نفوذًا وزخمًا لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي".
وأما الموقف الهجين لدول الإقليم، فعلاوة على مشاركتهم في الجريمة الصهيونية عبر صمتهم المطبق، بل وإرسال بعضهم للسلاح الأميركي إلى الكيان المجرم، واستقبالهم الوفود الصهيونية في عواصمهم، وانشغال بعضهم الآخر بحفلات العهر والمجون، فإن رفضهم للتهجير واستجداءهم لفتح معبر رفح، لا يعدو عن كونه مباركة لذبح حماس وأهل غزة، ورسالة اعتذار إلى نتنياهو عن قبول فكرة التهجير التي تخرق المقاربة الأميركية لحل الدولتين الخادع وتُربك أوضاعهم الداخلية. ولذلك حددوا موعدًا للقمة الطارئة في الرياض يوم11 نوفمبر/تشرين الثاني لإفساح المجال لنتنياهو كي يمارس وحشيته بأطفال غزة، ويدمر قوة القسام التي نزعت ورقة التوت عن سوأتهم.
وليس من المنتظر أن يتمخض عن حظيرتهم سوى ما يُعمق جراح الأمة؛ لأن هذه هي وظيفتهم، ولأن الأيدي المرتعشة أجبن من أن تسجل موقفًا لله أو للتاريخ. ولا يستثنى من ذلك تركيا وإيران المنهمكتان في صراع الأدوار والنفوذ والمضاربة والمزايدة والمتاجرة بدماء أهل غزة وفلسطين. فبينما لم نشاهد تحركًا للجيوش العربية إلا لقمع الشعب المنتفض في "الربيع العربي" خاضت جيوش تركيا وإيران حروبًا في كل مكان سوى فلسطين؛ لأنها ليست في الأجندة القومية والمذهبية لإيران، ولا في الأجندة التركية التي يمثل النفع الاقتصادي والقومي أساسًا لسياستها الخارجية. وفي وسط هذا البحر من الدماء في غزة تحاول إيران الحفاظ على ورقة حماس في إطار تنافسها مع إسرائيل على المنطقة، بينما تحاول تركيا اجتذاب حماس ودعمها بغطاء سياسي لأغراض استهلاكية داخلية وإقليمية، وفي إطار التنافس مع إيران. وإن ما نخشاه هو أن تستعمل القوى الدولية والإقليمية نضال أمتنا ودماء أطفالنا وقودًا في لعبة إقليمية كبرى تبدو معالمها في التنافس بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.
وبناءً على ما تقدم فإن مواقف الأنظمة العربية وتركيا وإيران أسوأ من مواقف الغرب نفسه، فإذا كان صمود أهل غزة وفلسطين سيفشل مخطط التهجير بإذن الله، فعلى المسلمين أن لا يراهنوا على الأنظمة العربية ولا على تركيا وإيران، وأن يواصلوا الضغط حتى إسقاطهم وقلب المعادلة لصالح الإسلام الذي أعلن نتنياهو أنه التحدي الحضاري لإسرائيل والغرب كله. وعلى المسلمين أن يعلموا أن الذي يؤهلهم للنصر هو تمسكهم بالعقيدة الإسلامية وشريعتها، وإقامة دولة على أساسها لتعد العدة للجهاد والتحرير. وإلى ذلك الحين، ليعمل كل مسلم في موقعه وضمن استطاعته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
18/ربيع الآخر/1445هـ
2/11/2023م
متابعة سياسية
الأبعاد السياسية لوحشية الكيان المجرم في عدوانه على غزة
لقد جاءت عملية طوفان الأقصى التي أفاضت على الأمة الإسلامية عزة ونسائم نصر، في أوج غطرسة الكيان المجرم وقطعانه المتوحشين، وظل حكومة يمينية بالغة التطرف، وفي ظل موقف عربي رسمي غاية في التآمر والهرولة نحو التحالف والتطبيع ليعيد الجهاد إلى معادلة الصراع رغم استسلام المطبعين بل وانبطاحهم. فقد حققت إنجازًا عظيمًا بإعادة ثقة المسلمين بالجهاد كرافعة للدين ولجم المعتدين، فما من قوم تركوا الجهاد إلا ذلوا كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه. كما جاءت في ظل مساعي نتنياهو وأميركا لاستكمال النهج الإبراهيمي وفي رأس أولوياته التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي يسابق الزمن لتأمين إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة. إن هذه العملية الضخمة جاءت وسط حالة نزاع وانقسامات إسرائيلية على المستوى السياسي والمجتمعي وحاجة نتنياهو لمهرب يُبعد ملفاته عن طاولة النقد الداخلي والمحاكمة القضائية ويكسر عزلته الخارجية.
ورغم جبن يهود، وبسالة القسام، إلا أن المعلومات التي تضافرت حول علم نتنياهو شخصيًا بتحضيرات حماس لعملية كبيرة منذ سنة 2016 بحسب وثيقة ليبرمان التي جرى تسريبها مؤخرًا، وعلمه المسبق بالعملية قبيل وقوعها بأيام بحسب ما رشح عن حرب التسريبات بين مكتب نتنياهو وبين الأجهزة الأمنية، تشي بأن نتنياهو وجد في عملية حماس فرصة لترحيل أزمته الداخلية ومحاولة تنفيذ مخطط الليكود بتهجير أهل غزة إلى سيناء، وهو الأمر الذي كشفت عنه عدة تقارير أثناء الحرب، وأبرزها ما جاء في توصيات وزيرة الاستخبارات الصهيونية غيلا غيملائيل بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول، وتم نشرها لأول مرة بواسطة موقع إخباري إسرائيلي محلي يدعى سيشا ميكوميت "Sicha Mekomit"، وعلق عليها مكتب نتنياهو بأنها "مجرد ورقة مفاهيمية"؛ أي أنه لم ينفِ وجودها وما تعكسه من مفاهيم ومشاريع صهيونية.
والحقيقة أن ما يجري على الأرض في ساحة الحرب والشواهد المتضافرة تدل على أن مشروع التهجير قد وُضع كأحد أهداف الحرب على غزة. وقد بدت ملامح إصرار نتنياهو على تنفيذه من خلال إجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي المباشرة للمستشار الألماني برفض التهجير، علمًا بأن ثمة أنباءً تفيد بطلب نتنياهو من بعض القادة الأوروبيين (وليس الأميركيين) التوسط لدى السيسي بقبول تهجير أهل غزة إلى سيناء.
ومن الشواهد البارزة على عزم نتنياهو على تهجير أهل غزة علاوة على سعيه لاستعادة الردع وتقليص قوة حماس وإفراغ المقاومة من مضمونها في الوعي الجمعي الإسلامي وتغيير البيئة الأمنية في غزة هي وحشية المجازر والتدمير الواسع الذي ارتكبه في عدوانه على غزة وأهلها. صحيح أن قصفه لشمال غزة يهدف إلى تمهيد الطريق للتوغل البري لكن تدمير مناطق واسعة في القطاع إنما يهدف إلى الانتقام والردع والتهجير. فقد شهدت غزة في الأيام الأخيرة وحتى الآن قصفًا هو الأعنف برًا وبحرًا وجوًّا منذ بداية الحرب، وهو ما أسفر عن وقوع آلاف الشهداء والمصابين. ولا سيما وأن القصف الوحشي قد استهدف أبراجًا ومربعات سكنية مكتظة بالسكان، وطال جميع مناطق القطاع مثل مناطق الرمال والزيتون والشجاعية والكرامة والمشتل وبيت حانون وجباليا ومخيمها ومخيم الشاطئ ومدينة الزهراء وخان يونس وغيرها، وأحدث أضرارًا بالغة بنحو 200 ألف وحدة سكنية، كما طال مراكز إيواء المشردين الذين فقدوا ذويهم ومنازلهم، مثل المدارس والمساجد والمستشفيات، كالمستشفى المعمداني ومستشفى القدس الذي يلوذ به نحو 14 ألف لاجئ، بالإضافة إلى استهداف رجال الدفاع المدني والأطباء والصحفيين وعشرات المنشآت الحكومية، ومطاردة سكان غزة وارتكاب أكثر من 60 مجزرة خلال اليومين الماضيين فقط لترويعهم ودفعهم إلى الهجرة. وكل ذلك يؤكد نية نتنياهو لتهجير أهل غزة؛ وهو الأمر الذي يُفسر هلع النظام الأردني ورفضه للتهجير والدولة اليهودية الواحدة التي تفضي إلى إفراغ الضفة الغربية من السكان وتُلقي بثقلهم على الأردن الذي لا يزال ملكه يخوض صراعًا داخليًا مع القوى الرافضة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين. ولذلك صرَّح وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بأن "كل المؤشرات تشير إلى أن الأسوأ قادم" وأن "أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إعلان حرب."
وأما الموقف الأميركي وبرغم دعمه المطلق للكيان المجرم، إلا أنه يتحفظ على نوايا نتنياهو واليمين الديني الصهيوني الرامية إلى تهجير أهل غزة ضمن مشروع الدولة اليهودية الواحدة، ونسف حل الدولتين المزعوم. وفي هذا السياق صرَّح الرئيس بايدن: "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين"، كما أكد في اتصاله مع السيسي مؤخرًا على ضرورة عدم نزوح أهل غزة الى سيناء. وفي رسالة تنطوي على تحذير لنتنياهو بشأن التهجير الذي ترصده أميركا في وحشية العدوان الإسرائيلي، والذي يدل على إصرار نتنياهو على سياسة فرض الأمر الواقع، طالب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، إسرائيل بالتمييز بين محاربة حماس والمدنيين الأبرياء. ومن المرتقب أن يصل وزير الخارجية أنتوني بلنكين إلى إسرائيل يوم الجمعة لمناقشة خطط وأهداف الحملة العسكرية على غزة (بحسب وزارة الخارجية الأميركية). فيما أشار وزير الدفاع أوستن إلى أحاديث أجراها مع مسؤولين إسرائيليين لحثهم على ضرورة حماية المدنيين، قائلًا: "لقد كررت بوضوح لزعماء إسرائيل بأن حماية المدنيين في غزة هو واجب معنوي وضرورة استراتيجية". والمقصود بـ"ضرورة استراتيجية" عدم إثارة أهل المنطقة لما تنطوي عليه من مخاطر على الأنظمة التابعة للولايات المتحدة.
ولذلك لا يندرج الموقف الأميركي برفض التهجير، وتظاهرها بالحرص على المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم في إطار قيمي أو يقظة "ضمير"! بقدر ما يندرج في إطار المقاربات السياسية المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
ومع ذلك رفضت أميركا وأوروبا الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة إلى أن تتوقف حماس عن تشكيل خطر على إسرائيل. ولا سيما وأن عملية طوفان الأقصى قد غمست جيلًا مسلمًا بأكمله في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني وأحيت معاني العزة والكرامة والجهاد في أبناء الأمة، وأنعشت التوجه الإسلامي الضاغط على حكام المنطقة. وهو الأمر الذي طالما حذر منه الزعماء العرب تحت ذريعة (الإرهاب) بل وبلغت الوقاحة فيهم والتآمر والحقد على الإسلام وأهله أن يسكتوا إن لم يؤيدوا إبادة غزة واجتثاث المقاومة. وهو ما كشف عنه الدبلوماسي الأميركي دنيس روس بقوله: "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة". ونقل عنهم أنه "إذا اعتبرت حماس منتصرة، فإن ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها الجماعة، ويعطي نفوذًا وزخمًا لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي".
وأما الموقف الهجين لدول الإقليم، فعلاوة على مشاركتهم في الجريمة الصهيونية عبر صمتهم المطبق، بل وإرسال بعضهم للسلاح الأميركي إلى الكيان المجرم، واستقبالهم الوفود الصهيونية في عواصمهم، وانشغال بعضهم الآخر بحفلات العهر والمجون، فإن رفضهم للتهجير واستجداءهم لفتح معبر رفح، لا يعدو عن كونه مباركة لذبح حماس وأهل غزة، ورسالة اعتذار إلى نتنياهو عن قبول فكرة التهجير التي تخرق المقاربة الأميركية لحل الدولتين الخادع وتُربك أوضاعهم الداخلية. ولذلك حددوا موعدًا للقمة الطارئة في الرياض يوم11 نوفمبر/تشرين الثاني لإفساح المجال لنتنياهو كي يمارس وحشيته بأطفال غزة، ويدمر قوة القسام التي نزعت ورقة التوت عن سوأتهم.
وليس من المنتظر أن يتمخض عن حظيرتهم سوى ما يُعمق جراح الأمة؛ لأن هذه هي وظيفتهم، ولأن الأيدي المرتعشة أجبن من أن تسجل موقفًا لله أو للتاريخ. ولا يستثنى من ذلك تركيا وإيران المنهمكتان في صراع الأدوار والنفوذ والمضاربة والمزايدة والمتاجرة بدماء أهل غزة وفلسطين. فبينما لم نشاهد تحركًا للجيوش العربية إلا لقمع الشعب المنتفض في "الربيع العربي" خاضت جيوش تركيا وإيران حروبًا في كل مكان سوى فلسطين؛ لأنها ليست في الأجندة القومية والمذهبية لإيران، ولا في الأجندة التركية التي يمثل النفع الاقتصادي والقومي أساسًا لسياستها الخارجية. وفي وسط هذا البحر من الدماء في غزة تحاول إيران الحفاظ على ورقة حماس في إطار تنافسها مع إسرائيل على المنطقة، بينما تحاول تركيا اجتذاب حماس ودعمها بغطاء سياسي لأغراض استهلاكية داخلية وإقليمية، وفي إطار التنافس مع إيران. وإن ما نخشاه هو أن تستعمل القوى الدولية والإقليمية نضال أمتنا ودماء أطفالنا وقودًا في لعبة إقليمية كبرى تبدو معالمها في التنافس بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.
وبناءً على ما تقدم فإن مواقف الأنظمة العربية وتركيا وإيران أسوأ من مواقف الغرب نفسه، فإذا كان صمود أهل غزة وفلسطين سيفشل مخطط التهجير بإذن الله، فعلى المسلمين أن لا يراهنوا على الأنظمة العربية ولا على تركيا وإيران، وأن يواصلوا الضغط حتى إسقاطهم وقلب المعادلة لصالح الإسلام الذي أعلن نتنياهو أنه التحدي الحضاري لإسرائيل والغرب كله. وعلى المسلمين أن يعلموا أن الذي يؤهلهم للنصر هو تمسكهم بالعقيدة الإسلامية وشريعتها، وإقامة دولة على أساسها لتعد العدة للجهاد والتحرير. وإلى ذلك الحين، ليعمل كل مسلم في موقعه وضمن استطاعته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
18/ربيع الآخر/1445هـ
2/11/2023م