Abu Taqi
26-10-2023, 01:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التحليل السياسي
قراءة في المعادلة السياسية للعملية "السلمية" بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023
إن التحليل السياسي سواء كان حكمًا على واقع أو تشخيصًا لواقع، هو نتاج مزيج من الفلسفة السياسية والمعلومات المتعلقة بالحدث ونوعه ما إذا كان سياسيًّا أم اقتصاديًا؟! دوليًا أم إقليميًّا أم محليًّا؟! والمتعلقة بظروفه؛ أي بالسياق الذي انطلقت منه الأحداث وصعيدها وأهدافها، والمتعلقة بالمنطقة وقادتها. ففي الجانب الفلسفي لا بد من فهم المبدأ الذي تقوم عليه الدول الفاعلة في الموقف الدولي وفي المنطقة، وفهم المقياس الذي يوجِّه سياساتها. وأما المعلومات فتتعلق بالخطط والاستراتيجيات والمصالح ووسائل التنفيذ وأحوال الدول من حيث استقلالها أو دورانها في الفلك أو تبعيتها وطبيعة ارتباط رجالها وعلاقتهم بالدول العظمى.
ومن هذا المنطلق؛ أي من منطلق رؤية ما وراء الجدار وقراءة ما بين السطور عبر البحث في الأحداث وظروفها وبواعثها وأبعادها ومآلاتها والتعمق فيه، لا بد أن ندرك أن "استقرار" الشرق الأوسط هو أحد المصالح الحيوية والاستراتيجية للأمن القومي الأميركي، وذلك لأهمية المنطقة للتفوق الأميركي جيوسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًّا. إذ من المعلوم أن الولايات المتحدة دولة رأسمالية، تقوم سياساتها على المصلحة، ومن أجل أن نفهم سياساتها، لا بد أن نقيس مواقفها على أساس المصلحة والقيمة المادية، وحتى عندما تُغلف مواقفها بالقيم الأخلاقية والإنسانية بما فيها الدعوة إلى الديمقراطية والليبرالية، فإنما تفعل ذلك لتحقيق قيمة مادية ومصالح نفعية سياسية واقتصادية وأمنية، تمامًا كمواقفها التي كان ظاهرها مساندة لثورات الربيع العربي، وتبرعها بمائة مليون دولار لغزة أثناء العدوان الهمجي الإسرائيلي الجاري، ومطالبتها بفتح ممرات إنسانية لإيصال المعونات إلى المنكوبين في غزة. ومثل تدخلها "الإنساني" في الصومال، وانحيازها المزعوم للإيغور في الصين، واهتمامها الانتقائي بحقوق الإنسان، وابتزاز الأنظمة الاستبدادية من خلالها.
وإسرائيل تمثل ركيزة أساسية في الأمن القومي الأميركي، كقاعدة عسكرية متقدمة في البلاد الإسلامية. لمواجهة التحديات الأمنية التي قد تنجم عن أهل المنطقة بعد أن عالجت التحديات الاستعمارية الدولية، وهيمنت على الشرق الأوسط، وتفردت بالموقف الدولي. ولذلك تحرص أميركا على دعم تفوق إسرائيل عسكريًّا واقتصاديًّا، من أجل السيطرة على المنطقة، وتمكين إسرائيل من القيام بمهمتها الوظيفية من جهة أخرى، وفي هذا الصدد يقول هرتزل عن الدور الوظيفي لدولة إسرائيل في زمن تحكم الأوروبيين بالموقف الدولي: "دولة يهودية في فلسطين باعتبارها موقعًا أوروبيًّا، وجزءًا من جدار الدفاع ضد آسيا، وناقلًا للثقافة الأوروبية إلى الشرق؛ دولة تخدم المصالح الأوروبية ويحميها الأوروبيون". وهذا ما تبنته أميركا منذ وعد بلفور وورثته عن بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكما هو معلوم فإن أمن أنظمة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج بالذات (مصدر الطاقة المهم) على المستوى الاستراتيجي بعيد المدى هو أحد أهم أعمدة الأمن القومي الأميركي وزعامة أميركا السياسية وتفوقها الاقتصادي في العالم. ولهذا تمثل إسرائيل منصة الدفاع عن المصالح والقيم الغربية في المنطقة، ويعتبر الاعتداء عليها وتهديد وجودها هو اعتداء على الولايات المتحدة والدول الغربية أنفسهم. وهذا ما يفسر التواطؤ الغربي الفاضح على جرائم إسرائيل، ويفسر قول قادة إسرائيل وقول نتنياهو في لقائه الصحفي مع ماكرون، بأنهم يخوضون حربًا للدفاع عن قيم العالم الحر وحضارته. ومن ثم فلا غرابة من إرسال حاملات الطائرات الأميركية والبوارج البريطانية والأسلحة الألمانية إلى المنطقة، وأن ينطلق موكب حجيج الزعماء الغربيين إلى إسرائيل كلما تعرضت لأذى، نحو زيارة كلٍّ من بايدن وإدارته، والمستشار الألماني، ورئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الفرنسي، ورئيسة وزراء إيطاليا، ورئيسة المفوضية الأوروبية. وأما غياب منسق السياسات الأوروبية جوزيب بوريل من الزيارات فلأنه نشر مقالًا في موقع "Project Syndicate" قال فيه: إن "التطرف يتصاعد على كلا الجانبين" في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو ما دعا وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إلى اتهامه أنه ساوى "ضحايا الإرهاب الإسرائيليين بالإرهابيين الفلسطينيين"!! فيما عقب مسؤول دبلوماسي إسرائيلي لشبكة CNN بقوله: "لا نعتقد أن هناك سببًا لزيارة رسمية من قبل بوريل لإسرائيل في الوقت الحالي". ومن المفارقة أن نجد حكامنا مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقول لمُضيفه بريت باير في قناة فوكس نيوز إنه يهوى ألعاب الفيديو لأنها تفصله عن الواقع!!
ومهما يكن من أمر فلا بد قبل الحديث عما بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين أول/أكتوبر من إلقاء الضوء على المعادلة السياسية للعملية "السلمية" قبل 7 تشرين أول/أكتوبر. والتي يمكن اختصارها بما ذكره وزير خارجية أميركا الأسبق بومبيو في كتابه "Never Give an Inch" "لا تعط بوصة" حول الاتفاقات الإبراهيمية حيث قال إنها لم تكن لتحصل لولا وجود الخطر الإيراني الذي قسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر سلام وهي الدول العربية ومعسكر الشر وهما إيران والقاعدة. وترتب على ذلك تجاوز الرؤية التقليدية لمشكلة الشرق الأوسط باعتبار أنها قضية صراع عربي إسرائيلي لتصبح صراعًا بين معسكرين، وهو ما يُمكّن من دفع قطار التطبيع قبل حل قضية فلسطين، باعتبار أننا لو سرنا على قاعدة "إذا أردت أن تنتظر الخيار الأفضل فإنه لن يأتي". وهذا لا يدل على تغيّر استراتيجي أميركي جوهري حيال حل الدولتين الملغوم، بل يعبر عن تغيير في التكتيك؛ أي تهميش المسار الفلسطيني لصالح الحل الإقليمي (صفقة ترمب). ويترتب على ذلك إطلاق يد نتنياهو لفرض وقائع تجعل من الدولة الفلسطينية المزعومة مجرد صفة للبلديات التي تديرها سلطة التنسيق الأمني في رام الله، دون الاعتراف الإسرائيلي بها.
وأما موقف نتنياهو وحكومته من العملية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة فيمكن اختصاره من خلال كلمته التي ألقاها أواخر العام الماضي، أمام الاجتماع السنوي لـ«الائتلاف اليهودي للحزب الجمهوري» في الولايات المتحدة، حيث قال: «كنت محظوظًا بشكل استثنائي للعمل مع إدارة أميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب، الذي وافق على سياستنا، وقد أدى ذلك إلى 4 اتفاقيات تطبيع" وأضاف: "هذا الأمر حصل لأنّنا تجاوزنا الفلسطينيين". ويمكن الوقوف على رؤيته السياسية أيضًا من خلال قوله أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست كما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية في 26 حزيران/يونيو: "نحن بحاجة إلى القضاء على تطلعات [الفلسطينيين] في إقامة دولة". ومن خلال تشديده في خطابه خلال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة (قبل شهر) على أنه: "يجب ألا نعطي الفلسطينيين حق النقض على معاهدات السلام الجديدة مع الدول العربية". مضيقًا: "إن جهود إسرائيل الماضية باءت بالفشل؛ لأنها استندت إلى فكرة خاطئة مفادها أنه ما لم نتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فإن أي دولة عربية أخرى لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل"، وهو ما يدل على إصراره على حل الدولة اليهودية الواحدة، وعلى تباين حقيقي بين الرؤية الأميركية وبين رؤية نتنياهو وحكومته المتطرفة التي وقعت على وثيقة تتضمن الأسسَ التي بني عليها الائتلاف الحكومي، وتنص على أن للشعب اليهودي حقًا خالصًا غير قابل للجدل على أرض إسرائيل، وأن الحكومة ستعمل على تطوير الاستيطان وتعزيز هجرة اليهود إلى إسرائيل. بينما ترى إدارة بايدن أن نجاح النهج الإبراهيمي يتطلب التحوط لرؤية نتنياهو واليمين الصهيوني الديني الذي يخطط لإلغاء قضية فلسطين تمامًا، وتهجير الفلسطينيين في الوقت المناسب. ولذلك سحبت إدارة بايدن ما وُصف بأنه (شيك على بياض) أُعطي لنتنياهو من قِبل إدارة ترمب، وسعت إلى إسقاطه ودعم منافسيه، وقامت بتثبيت حل الدولتين الملغوم في استراتيجية الأمن القومي الأميركي. والتي تهدف إلى تثبيت الوضع القائم في أراضي الضفة الغربية والقدس والمقدسات، ومنع إسرائيل من التوغل بمزيد من المستوطنات وبخاصة في عمق الضفة الغربية، ومنع إسرائيل من تنفيذ حل الدولة الواحدة، ومحاولة انتزاع اعتراف بصفة "الدولة" للسلطة الفلسطينية القائمة على الأرض إذا تغيرت الظروف الإسرائيلية الداخلية. ولهذا السبب تستغل أميركا كل ما يثير هلع الرأي العام الإسرائيلي لربط أمن الكيان بتحقيق السلام على أساس حل الدولتين آنف الذكر.
أما بخصوص عملية "طوفان الأقصى" ومجريات العدوان على غزة ومآلاتها، فرغم ثقل تداعياتها على أهلنا في غزة، ورغم ترصد الولايات المتحدة وعملائها لجني نتائجها لصالح المسار السياسي، إلا أنها حققت أهم أهدافها، إذ كسرت نظرية الجدار الحديدي ووهم الجيش الذي لا يُقهر، وقذفت الرعب في قلوب الصهاينة وأسقطت هيبة الكيان المجرم، وعرقلت مساعي التهويد المتسارع للأقصى والضفة الغربية، وعمقت الهوة بين المسلمين وحكامهم، وأحدثت هزة من النوع الذي يوقظ مشاعر الأمة ويؤججها ويوحدها ويثير التفكير فيها، كما أُبرزت العملية الفارق القيمي الشاسع بين الإسلام والمسلمين وبين العالم الرأسمالي العلماني، وأعادت الاعتبار للتوجه الإسلامي في البلاد الإسلامية، وجرف طوفانها جُدر اليأس والقنوط والنفور من الدين التي بناها التيار العلماني الليبرالي في الوعي العام الإسلامي، وغذّت جداوله الرأي العام الإسلامي.
وأما على الجانب الصهيوني، فقد نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، الاثنين 23 تشرين أول/أكتوبر، أن جيش الاحتلال أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن أهداف الحرب تتطلب عملية برية بقطاع غزة، حتى على حساب سقوط قتلى في صفوفه". وأشارت إلى أن "المستوى السياسي في دولة الاحتلال سبق ووجه الجيش بتدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحماس وخلق واقع أمني جديد في القطاع".
التحليل السياسي
قراءة في المعادلة السياسية للعملية "السلمية" بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023
إن التحليل السياسي سواء كان حكمًا على واقع أو تشخيصًا لواقع، هو نتاج مزيج من الفلسفة السياسية والمعلومات المتعلقة بالحدث ونوعه ما إذا كان سياسيًّا أم اقتصاديًا؟! دوليًا أم إقليميًّا أم محليًّا؟! والمتعلقة بظروفه؛ أي بالسياق الذي انطلقت منه الأحداث وصعيدها وأهدافها، والمتعلقة بالمنطقة وقادتها. ففي الجانب الفلسفي لا بد من فهم المبدأ الذي تقوم عليه الدول الفاعلة في الموقف الدولي وفي المنطقة، وفهم المقياس الذي يوجِّه سياساتها. وأما المعلومات فتتعلق بالخطط والاستراتيجيات والمصالح ووسائل التنفيذ وأحوال الدول من حيث استقلالها أو دورانها في الفلك أو تبعيتها وطبيعة ارتباط رجالها وعلاقتهم بالدول العظمى.
ومن هذا المنطلق؛ أي من منطلق رؤية ما وراء الجدار وقراءة ما بين السطور عبر البحث في الأحداث وظروفها وبواعثها وأبعادها ومآلاتها والتعمق فيه، لا بد أن ندرك أن "استقرار" الشرق الأوسط هو أحد المصالح الحيوية والاستراتيجية للأمن القومي الأميركي، وذلك لأهمية المنطقة للتفوق الأميركي جيوسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًّا. إذ من المعلوم أن الولايات المتحدة دولة رأسمالية، تقوم سياساتها على المصلحة، ومن أجل أن نفهم سياساتها، لا بد أن نقيس مواقفها على أساس المصلحة والقيمة المادية، وحتى عندما تُغلف مواقفها بالقيم الأخلاقية والإنسانية بما فيها الدعوة إلى الديمقراطية والليبرالية، فإنما تفعل ذلك لتحقيق قيمة مادية ومصالح نفعية سياسية واقتصادية وأمنية، تمامًا كمواقفها التي كان ظاهرها مساندة لثورات الربيع العربي، وتبرعها بمائة مليون دولار لغزة أثناء العدوان الهمجي الإسرائيلي الجاري، ومطالبتها بفتح ممرات إنسانية لإيصال المعونات إلى المنكوبين في غزة. ومثل تدخلها "الإنساني" في الصومال، وانحيازها المزعوم للإيغور في الصين، واهتمامها الانتقائي بحقوق الإنسان، وابتزاز الأنظمة الاستبدادية من خلالها.
وإسرائيل تمثل ركيزة أساسية في الأمن القومي الأميركي، كقاعدة عسكرية متقدمة في البلاد الإسلامية. لمواجهة التحديات الأمنية التي قد تنجم عن أهل المنطقة بعد أن عالجت التحديات الاستعمارية الدولية، وهيمنت على الشرق الأوسط، وتفردت بالموقف الدولي. ولذلك تحرص أميركا على دعم تفوق إسرائيل عسكريًّا واقتصاديًّا، من أجل السيطرة على المنطقة، وتمكين إسرائيل من القيام بمهمتها الوظيفية من جهة أخرى، وفي هذا الصدد يقول هرتزل عن الدور الوظيفي لدولة إسرائيل في زمن تحكم الأوروبيين بالموقف الدولي: "دولة يهودية في فلسطين باعتبارها موقعًا أوروبيًّا، وجزءًا من جدار الدفاع ضد آسيا، وناقلًا للثقافة الأوروبية إلى الشرق؛ دولة تخدم المصالح الأوروبية ويحميها الأوروبيون". وهذا ما تبنته أميركا منذ وعد بلفور وورثته عن بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكما هو معلوم فإن أمن أنظمة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج بالذات (مصدر الطاقة المهم) على المستوى الاستراتيجي بعيد المدى هو أحد أهم أعمدة الأمن القومي الأميركي وزعامة أميركا السياسية وتفوقها الاقتصادي في العالم. ولهذا تمثل إسرائيل منصة الدفاع عن المصالح والقيم الغربية في المنطقة، ويعتبر الاعتداء عليها وتهديد وجودها هو اعتداء على الولايات المتحدة والدول الغربية أنفسهم. وهذا ما يفسر التواطؤ الغربي الفاضح على جرائم إسرائيل، ويفسر قول قادة إسرائيل وقول نتنياهو في لقائه الصحفي مع ماكرون، بأنهم يخوضون حربًا للدفاع عن قيم العالم الحر وحضارته. ومن ثم فلا غرابة من إرسال حاملات الطائرات الأميركية والبوارج البريطانية والأسلحة الألمانية إلى المنطقة، وأن ينطلق موكب حجيج الزعماء الغربيين إلى إسرائيل كلما تعرضت لأذى، نحو زيارة كلٍّ من بايدن وإدارته، والمستشار الألماني، ورئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الفرنسي، ورئيسة وزراء إيطاليا، ورئيسة المفوضية الأوروبية. وأما غياب منسق السياسات الأوروبية جوزيب بوريل من الزيارات فلأنه نشر مقالًا في موقع "Project Syndicate" قال فيه: إن "التطرف يتصاعد على كلا الجانبين" في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو ما دعا وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إلى اتهامه أنه ساوى "ضحايا الإرهاب الإسرائيليين بالإرهابيين الفلسطينيين"!! فيما عقب مسؤول دبلوماسي إسرائيلي لشبكة CNN بقوله: "لا نعتقد أن هناك سببًا لزيارة رسمية من قبل بوريل لإسرائيل في الوقت الحالي". ومن المفارقة أن نجد حكامنا مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقول لمُضيفه بريت باير في قناة فوكس نيوز إنه يهوى ألعاب الفيديو لأنها تفصله عن الواقع!!
ومهما يكن من أمر فلا بد قبل الحديث عما بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين أول/أكتوبر من إلقاء الضوء على المعادلة السياسية للعملية "السلمية" قبل 7 تشرين أول/أكتوبر. والتي يمكن اختصارها بما ذكره وزير خارجية أميركا الأسبق بومبيو في كتابه "Never Give an Inch" "لا تعط بوصة" حول الاتفاقات الإبراهيمية حيث قال إنها لم تكن لتحصل لولا وجود الخطر الإيراني الذي قسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر سلام وهي الدول العربية ومعسكر الشر وهما إيران والقاعدة. وترتب على ذلك تجاوز الرؤية التقليدية لمشكلة الشرق الأوسط باعتبار أنها قضية صراع عربي إسرائيلي لتصبح صراعًا بين معسكرين، وهو ما يُمكّن من دفع قطار التطبيع قبل حل قضية فلسطين، باعتبار أننا لو سرنا على قاعدة "إذا أردت أن تنتظر الخيار الأفضل فإنه لن يأتي". وهذا لا يدل على تغيّر استراتيجي أميركي جوهري حيال حل الدولتين الملغوم، بل يعبر عن تغيير في التكتيك؛ أي تهميش المسار الفلسطيني لصالح الحل الإقليمي (صفقة ترمب). ويترتب على ذلك إطلاق يد نتنياهو لفرض وقائع تجعل من الدولة الفلسطينية المزعومة مجرد صفة للبلديات التي تديرها سلطة التنسيق الأمني في رام الله، دون الاعتراف الإسرائيلي بها.
وأما موقف نتنياهو وحكومته من العملية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة فيمكن اختصاره من خلال كلمته التي ألقاها أواخر العام الماضي، أمام الاجتماع السنوي لـ«الائتلاف اليهودي للحزب الجمهوري» في الولايات المتحدة، حيث قال: «كنت محظوظًا بشكل استثنائي للعمل مع إدارة أميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب، الذي وافق على سياستنا، وقد أدى ذلك إلى 4 اتفاقيات تطبيع" وأضاف: "هذا الأمر حصل لأنّنا تجاوزنا الفلسطينيين". ويمكن الوقوف على رؤيته السياسية أيضًا من خلال قوله أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست كما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية في 26 حزيران/يونيو: "نحن بحاجة إلى القضاء على تطلعات [الفلسطينيين] في إقامة دولة". ومن خلال تشديده في خطابه خلال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة (قبل شهر) على أنه: "يجب ألا نعطي الفلسطينيين حق النقض على معاهدات السلام الجديدة مع الدول العربية". مضيقًا: "إن جهود إسرائيل الماضية باءت بالفشل؛ لأنها استندت إلى فكرة خاطئة مفادها أنه ما لم نتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فإن أي دولة عربية أخرى لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل"، وهو ما يدل على إصراره على حل الدولة اليهودية الواحدة، وعلى تباين حقيقي بين الرؤية الأميركية وبين رؤية نتنياهو وحكومته المتطرفة التي وقعت على وثيقة تتضمن الأسسَ التي بني عليها الائتلاف الحكومي، وتنص على أن للشعب اليهودي حقًا خالصًا غير قابل للجدل على أرض إسرائيل، وأن الحكومة ستعمل على تطوير الاستيطان وتعزيز هجرة اليهود إلى إسرائيل. بينما ترى إدارة بايدن أن نجاح النهج الإبراهيمي يتطلب التحوط لرؤية نتنياهو واليمين الصهيوني الديني الذي يخطط لإلغاء قضية فلسطين تمامًا، وتهجير الفلسطينيين في الوقت المناسب. ولذلك سحبت إدارة بايدن ما وُصف بأنه (شيك على بياض) أُعطي لنتنياهو من قِبل إدارة ترمب، وسعت إلى إسقاطه ودعم منافسيه، وقامت بتثبيت حل الدولتين الملغوم في استراتيجية الأمن القومي الأميركي. والتي تهدف إلى تثبيت الوضع القائم في أراضي الضفة الغربية والقدس والمقدسات، ومنع إسرائيل من التوغل بمزيد من المستوطنات وبخاصة في عمق الضفة الغربية، ومنع إسرائيل من تنفيذ حل الدولة الواحدة، ومحاولة انتزاع اعتراف بصفة "الدولة" للسلطة الفلسطينية القائمة على الأرض إذا تغيرت الظروف الإسرائيلية الداخلية. ولهذا السبب تستغل أميركا كل ما يثير هلع الرأي العام الإسرائيلي لربط أمن الكيان بتحقيق السلام على أساس حل الدولتين آنف الذكر.
أما بخصوص عملية "طوفان الأقصى" ومجريات العدوان على غزة ومآلاتها، فرغم ثقل تداعياتها على أهلنا في غزة، ورغم ترصد الولايات المتحدة وعملائها لجني نتائجها لصالح المسار السياسي، إلا أنها حققت أهم أهدافها، إذ كسرت نظرية الجدار الحديدي ووهم الجيش الذي لا يُقهر، وقذفت الرعب في قلوب الصهاينة وأسقطت هيبة الكيان المجرم، وعرقلت مساعي التهويد المتسارع للأقصى والضفة الغربية، وعمقت الهوة بين المسلمين وحكامهم، وأحدثت هزة من النوع الذي يوقظ مشاعر الأمة ويؤججها ويوحدها ويثير التفكير فيها، كما أُبرزت العملية الفارق القيمي الشاسع بين الإسلام والمسلمين وبين العالم الرأسمالي العلماني، وأعادت الاعتبار للتوجه الإسلامي في البلاد الإسلامية، وجرف طوفانها جُدر اليأس والقنوط والنفور من الدين التي بناها التيار العلماني الليبرالي في الوعي العام الإسلامي، وغذّت جداوله الرأي العام الإسلامي.
وأما على الجانب الصهيوني، فقد نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، الاثنين 23 تشرين أول/أكتوبر، أن جيش الاحتلال أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن أهداف الحرب تتطلب عملية برية بقطاع غزة، حتى على حساب سقوط قتلى في صفوفه". وأشارت إلى أن "المستوى السياسي في دولة الاحتلال سبق ووجه الجيش بتدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحماس وخلق واقع أمني جديد في القطاع".