Abu Taqi
22-10-2023, 11:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق السياسي
مجرى الأحداث في غزة
ليس غريبًا أن تتجاوز جرائم يهود ورعونتهم، كل ما يتخيله العقل من همجية ووحشية وافتراس. وليس غريبًا أن يساند الغربُ قتلةُ الأنبياءِ بحملة عسكرية وإعلامية بربرية شرسة، تُبرئ يهود وتجرد أهل غزة من إنسانيتهم لتبرير قتلهم وذبح نسائهم وأطفالهم، بغطاء وانحياز سافر من قِبل الأنظمة العربية التي يتواضع ابن العلقمي أمام خيانتها، وفي ظل حالة تقف فيها الأمة الإسلامية موقف العاجز والمتفرج وجهد المُقِل، بدلًا من أن تُخرج علماءها ووجهاءها وقواها وكل مؤثر فيها من مضاجعهم، وتُرغمَهم على محاسبة الحكام والجيوش وتُظهر المقت والتحقير لهم وتقذفهم بالنعال لقاء تواطؤهم على المحرقة وخذلانهم لأهل غزة.
لقد ركز بايدن في كلمته أثناء زيارته لإسرائيل قبل أيام على رفع معنويات الكيان الصهيوني وسكانه على وجه الخصوص، بعد أن انهارت تمامًا على يد كتائب القسام ورجالها الأبطال. وركز أيضًا على تحذير أهل المنطقة الذين توحدت كلمتهم في مواجهة بني صهيون، من المساس بإسرائيل باعتبار أنها تمثل الغرب المستعمر، وأن المساس بها مساس بالغرب نفسه. كما تنطوي كلمته على عزم الولايات المتحدة على اقتياد الفلسطينيين إلى التنازل عن فلسطين تحت عنوان حل الدولتين المُضلل والذي شدد عليه أثناء حديثه. وتنطوي كلمته كذلك على رسالة لنتنياهو واليمين الديني الصهيوني على ضرورة الاستجابة لمتطلبات "السلام" والتطبيع. وهذا ما دعا بعض الصحف الإسرائيلية إلى تفسير الدعم والإشراف الأميركي المباشر على العمليات العسكرية، وحضور وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية بلنكين والرئيس بايدن شخصيًا في مجلس الحرب، بأنه من أجل ضمان المصالح الأميركية؛ أي لضبط مسار إسرائيل على إيقاع المشروع الأميركي في المنطقة، والذي يُديم سبات المسلمين للمدى البعيد عبر الاستسلام المتنكر بهيئة سلام وتطبيع، كما حرص بايدن في زيارته على تأييد الانتقام الصهيوني الوحشي من أهل غزة لتفريغ مفهوم المقاومة من مفاعيله في الوعي والواقع، وترميم صورة الردع، واستعادة القيمة الاستراتيجية للكيان في المنطقة.
فالولايات المتحدة وإن كانت حريصة كل الحرص على الكيان باعتبار أن الاعتداء عليه هو اعتداءٌ عليها، وأن الدفاعَ عنه هو دفاعٌ عن نفسها ومعسكرها الغربي، ومن ثم الدفاع عن مركزيتها في الموقف الدولي. لكنها وجدت أن عملية طوفان الأقصى قد أعادت المعادلة الصفرية الوجودية الضاغطة على إسرائيل وأمنها، فاستغلتها من أجل تحجيم قوة المقاومة بالقدر الذي يشل قدرتها على التهديد الوجودي للكيان على أقل تقدير. كما استغلت العملية لتعريض نتنياهو وفريقه الصهيوني الديني للسخط الداخلي وإسقاطه أو انتزاع تنازلات منه لصالح المسار الإبراهيمي وفق رؤية بايدن وإدارته. فهي تستغل والحالة هذه وجود ما يسمى بمحور المقاومة لاحتواء الكيان الصهيوني وتوجيه إرادته.
ونظرًا لعدم امتلاك المقاومة سوى أدوات ردع غير متكافئة مع الكيان الصهيوني، فقد كانت تُستغل عملياتُها لتشكيل ضغطٍ لصالح الحلول السياسية المطروحة، ومن ذلك استغلال عملياتها في التأثير على شعبية القوى السياسية الإسرائيلية، وتَرويض الكيان الصهيوني وجلبه إلى طاولة المفاوضات التي يقودها عملاء في الجانب العربي والفلسطيني ولا تقودها لا حماس ولا المقاومة. ولذلك نقول بأنَّ الولايات المتحدة وعملاءها رغم دعمهم للكيان المحتل وعدائهم للمقاومة، لكنهم يستثمرون في نتائج تضحيات المقاومة الفلسطينية الشريفة ويُجيرونها في العملية "السلمية" عبر السلطة الفلسطينية العميلة، لصالح الحلول التصفوية الخيانية. ولا شك أن القبول بكيان فلسطيني على حدود 1967 يستلزم الاعتراف بحق إسرائيل في باقي فلسطين، وهذه تصفية للقضية وفق الرؤية الأميركية التي ما تزال تفاصيلها ملتبسة ومتقلبة بصورة حارَ معها عملاء أميركا أنفُسُهم. والأخطر من ذلك هو ربط الحكام بمن فيهم أردوغان أمن الكيان الصهيوني المجرم بإقامة "دولة" فلسطينية على حدود سنة 1967؛ أي أن مهمة هذه الدولة الفلسطينية المسخ هي حماية هذا الكيان اللقيط، والتصدي للمقاومة، وهو ما يُفهم بوضوح من تصريحات الزعماء العرب، ومن لسان الخائن عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه الصحفي مع المستشار الألماني.
ورغم الوضوح الشديد لهذا الواقع الذي لا يجوز التغافل أو القفز عنه تحت وطأة المشاعر، فإننا لا نقلل من أهمية المقاومة في دفع صيال العدو الغاشم، بل ونؤيد بسالة المجاهدين ونطالب بالحرب الشاملة والجهاد الذي هو السبيل الوحيد لسحق الكيان المجرم واجتثاثه وتحرير فلسطين؛ لأن الحق لا يُستجدى بل ينتزع بالقوة. ومن ثم لا بد من الوقوف في صف المقاومة في جهادها الذي يقذف الرعب في كيان يهود، ولا بد من حمل الحكام على توفير وسائل الصمود لأهل فلسطين والمجاهدين بدل تجريمهم ووصفهم بـ"الإرهابيين" مثلما وصفهم المجرم عبد الفتاح السيسي. ولا يأتي ذلك عبر الدعاء على أهميته، أو عبر البكاء والعزاء والفزعة الانفعالية، بل يأتي بقطع الإسناد الخارجي عن الكيان المجرم وسائر الأنظمة الوظيفية التي تحول دون توفير عناصر النصر والتحرير، من خلال تهديد المصالح الغربية وهزِّ الأنظمة الوظيفية التي تمثل نفوذهم، ومن خلال وقف اندفاعها لتطبيعٍ يمنح الكيان المحتل الغطاء والشرعية، ومن خلال العمل المخلص والجاد على إسقاط الأنظمة المتواطئة مع العدو وإقامة الدولة الإسلامية التي تُرغم الغرب على التخلي عن قاعدتهم العسكرية الاستعمارية الصهيونية، تمهيدًا لإزالتها مرةً واحدة وإلى الأبد.
إن عملية السلام قد صممت في الأصل لتثبيت الكيان المحتل، ودفن فكرة التحرير والجهاد وإزالتها من معادلة صراع الأمة معه. وقد آن الأوان لتصويب الوضع من خلال تلبس الأمة بأكملها وعبر رجالها المؤثرين وقواها ووجهائها في كل الأوساط بالأعمال الضاغطة لكبح اندفاع الحكام وهرولتهم نحو التطبيع، وشطب مسار "السلام" برمته، وإعادة صفة العدو لكيان يهود ومن والاهم، واستدعاء الجهاد كواجب شرعي وخيار وحيد لتثبيت الدولة والدفاع عنها وتحرير فلسطين، وجعله عقيدة عسكرية لأبناء الأمة وجيوشها حتى لا يشعر كيانهم الإرهابي بالأمن، وأن تُجرّم الحكام المطبعين ومن يساندهم أو يسكت عنهم بتهمة الخيانة العظمى؛ لأن سكوت المسلمين عن حكامهم هو الذي شجعهم على التواطؤ والتفريط بفلسطين والتحالف مع العدو، وهو الذي طمأن الكيان المجرم وسكانه المستعمرين، ووفر لهم المناخ الملائم للعربدة وتدنيس المقدسات، والاستفراد بأهل فلسطين شبه العزل وإذلالهم، وارتكاب أبشع المجازر بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم. فيجب أن ترفض الأمة بأعلى صوت وعلى الدوام ما دون الجهاد طريقًا لدفع الصيال وتحرير الأرض والمقدسات، وأن تضغط على الحكام للتمرد على الغرب والنظام الدولي وقراراته المُجحفة.
إن الحكام يحاولون أن يَظهروا في هذه الحرب بمظهر المنحازين إلى أهل غزة، من خلال رفضهم للتهجير. ولكن الله فضح ادعاءاتهم كما فضح مواقفهم المخزية وبخاصة عبد الفتاح السيسي الذي ظهر حقده على المقاومة وأهل غزة في فلتات لسانه أثناء مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني. إذ لو كان صادقًا في حرصه على أهل غزة وعروبة أرضها لما اقترح بمنتهى الخيانة تهجيرهم إلى النقب حتى تقضي إسرائيل على المقاومة، لكنه استغل محاولة نتنياهو تهجير أهل غزة إلى سيناء وفرضه كأمر واقع؛ ليصرف أنظار المسلمين بعامة وأهل مصر بخاصة عن خذلانه وعدم نصرته لغزة التي يمنع تهريب السلاح والغذاء إليها، فضلًا عن تحويل قضية تدميرها وتشريد أهلها من قضية عدوان غاشم يستوجب نصرتها ورفع الكرب عنها إلى قضية إنسانية حتى يتنصل من واجب الدفاع عنها. ورغم اعتباره لقضيتها قضية إنسانية لكنه لم يجرؤ على إيصال المعونات لأهلها المنكوبين خضوعًا منه لكيان يهود وأسياده في البيت الأبيض. والحقيقة أن التهجير خطة إسرائيلية، وجدت إسرائيل في الظرف الإقليمي الناتج عن عملية طوفان الأقصى فرصة ذهبية لتنفيذها، تحت ذريعة معاقبة حماس على ما قامت به، كما وجد نتنياهو في ظل الرغبة الداخلية العارمة للانتقام، وفي تقاسم منافسيه مسؤولية الحرب معه، فرصة للتخلص من المقاومة في غزة للأبد. غير أن مساعيه لا تزال تصطدم بصمود أهل غزة من جهة، وتصطدم بالرؤية الأميركية لحل الدولتين المعلن وبمواقف كل من مصر والأردن اللتين تتوجسان خيفة من مشروع التهجير وتداعياته الأمنية عليهما؛ ولذلك تمترس الملك عبدالله وعبد الفتاح السيسي في اجتماع القاهرة بحل الدولتين وشددا عليه، وهو ما يعكس الموقف الأميركي المزدوج، الداعم لأمن إسرائيل من جهة والضاغط على نتنياهو بعدم المضي قدمًا بشأن التهجير وتوسيع رقعة الحرب من جهة أخرى. ولذا فليس من المتوقع أن تؤول العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين والمنازل بقصفٍ مركز، وبخاصة في المنطقة الشمالية من القطاع وفي المناطق المكتظة بالسكان كحي الشجاعية، إلى تهجير أهل غزة إلى سيناء، وإنما ستُفضي إلى تشريدهم إلى جنوب القطاع، وتمهد الطريق لعملية برية بهدف القضاء على المقاومة، وتحطيم قدرتها القتالية (وهو أمر بالغ الصعوبة)، وتقويض سلطة حماس في غزة لصالح سلطة التنسيق الأمني برعاية أممية.
التعليق السياسي
مجرى الأحداث في غزة
ليس غريبًا أن تتجاوز جرائم يهود ورعونتهم، كل ما يتخيله العقل من همجية ووحشية وافتراس. وليس غريبًا أن يساند الغربُ قتلةُ الأنبياءِ بحملة عسكرية وإعلامية بربرية شرسة، تُبرئ يهود وتجرد أهل غزة من إنسانيتهم لتبرير قتلهم وذبح نسائهم وأطفالهم، بغطاء وانحياز سافر من قِبل الأنظمة العربية التي يتواضع ابن العلقمي أمام خيانتها، وفي ظل حالة تقف فيها الأمة الإسلامية موقف العاجز والمتفرج وجهد المُقِل، بدلًا من أن تُخرج علماءها ووجهاءها وقواها وكل مؤثر فيها من مضاجعهم، وتُرغمَهم على محاسبة الحكام والجيوش وتُظهر المقت والتحقير لهم وتقذفهم بالنعال لقاء تواطؤهم على المحرقة وخذلانهم لأهل غزة.
لقد ركز بايدن في كلمته أثناء زيارته لإسرائيل قبل أيام على رفع معنويات الكيان الصهيوني وسكانه على وجه الخصوص، بعد أن انهارت تمامًا على يد كتائب القسام ورجالها الأبطال. وركز أيضًا على تحذير أهل المنطقة الذين توحدت كلمتهم في مواجهة بني صهيون، من المساس بإسرائيل باعتبار أنها تمثل الغرب المستعمر، وأن المساس بها مساس بالغرب نفسه. كما تنطوي كلمته على عزم الولايات المتحدة على اقتياد الفلسطينيين إلى التنازل عن فلسطين تحت عنوان حل الدولتين المُضلل والذي شدد عليه أثناء حديثه. وتنطوي كلمته كذلك على رسالة لنتنياهو واليمين الديني الصهيوني على ضرورة الاستجابة لمتطلبات "السلام" والتطبيع. وهذا ما دعا بعض الصحف الإسرائيلية إلى تفسير الدعم والإشراف الأميركي المباشر على العمليات العسكرية، وحضور وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية بلنكين والرئيس بايدن شخصيًا في مجلس الحرب، بأنه من أجل ضمان المصالح الأميركية؛ أي لضبط مسار إسرائيل على إيقاع المشروع الأميركي في المنطقة، والذي يُديم سبات المسلمين للمدى البعيد عبر الاستسلام المتنكر بهيئة سلام وتطبيع، كما حرص بايدن في زيارته على تأييد الانتقام الصهيوني الوحشي من أهل غزة لتفريغ مفهوم المقاومة من مفاعيله في الوعي والواقع، وترميم صورة الردع، واستعادة القيمة الاستراتيجية للكيان في المنطقة.
فالولايات المتحدة وإن كانت حريصة كل الحرص على الكيان باعتبار أن الاعتداء عليه هو اعتداءٌ عليها، وأن الدفاعَ عنه هو دفاعٌ عن نفسها ومعسكرها الغربي، ومن ثم الدفاع عن مركزيتها في الموقف الدولي. لكنها وجدت أن عملية طوفان الأقصى قد أعادت المعادلة الصفرية الوجودية الضاغطة على إسرائيل وأمنها، فاستغلتها من أجل تحجيم قوة المقاومة بالقدر الذي يشل قدرتها على التهديد الوجودي للكيان على أقل تقدير. كما استغلت العملية لتعريض نتنياهو وفريقه الصهيوني الديني للسخط الداخلي وإسقاطه أو انتزاع تنازلات منه لصالح المسار الإبراهيمي وفق رؤية بايدن وإدارته. فهي تستغل والحالة هذه وجود ما يسمى بمحور المقاومة لاحتواء الكيان الصهيوني وتوجيه إرادته.
ونظرًا لعدم امتلاك المقاومة سوى أدوات ردع غير متكافئة مع الكيان الصهيوني، فقد كانت تُستغل عملياتُها لتشكيل ضغطٍ لصالح الحلول السياسية المطروحة، ومن ذلك استغلال عملياتها في التأثير على شعبية القوى السياسية الإسرائيلية، وتَرويض الكيان الصهيوني وجلبه إلى طاولة المفاوضات التي يقودها عملاء في الجانب العربي والفلسطيني ولا تقودها لا حماس ولا المقاومة. ولذلك نقول بأنَّ الولايات المتحدة وعملاءها رغم دعمهم للكيان المحتل وعدائهم للمقاومة، لكنهم يستثمرون في نتائج تضحيات المقاومة الفلسطينية الشريفة ويُجيرونها في العملية "السلمية" عبر السلطة الفلسطينية العميلة، لصالح الحلول التصفوية الخيانية. ولا شك أن القبول بكيان فلسطيني على حدود 1967 يستلزم الاعتراف بحق إسرائيل في باقي فلسطين، وهذه تصفية للقضية وفق الرؤية الأميركية التي ما تزال تفاصيلها ملتبسة ومتقلبة بصورة حارَ معها عملاء أميركا أنفُسُهم. والأخطر من ذلك هو ربط الحكام بمن فيهم أردوغان أمن الكيان الصهيوني المجرم بإقامة "دولة" فلسطينية على حدود سنة 1967؛ أي أن مهمة هذه الدولة الفلسطينية المسخ هي حماية هذا الكيان اللقيط، والتصدي للمقاومة، وهو ما يُفهم بوضوح من تصريحات الزعماء العرب، ومن لسان الخائن عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه الصحفي مع المستشار الألماني.
ورغم الوضوح الشديد لهذا الواقع الذي لا يجوز التغافل أو القفز عنه تحت وطأة المشاعر، فإننا لا نقلل من أهمية المقاومة في دفع صيال العدو الغاشم، بل ونؤيد بسالة المجاهدين ونطالب بالحرب الشاملة والجهاد الذي هو السبيل الوحيد لسحق الكيان المجرم واجتثاثه وتحرير فلسطين؛ لأن الحق لا يُستجدى بل ينتزع بالقوة. ومن ثم لا بد من الوقوف في صف المقاومة في جهادها الذي يقذف الرعب في كيان يهود، ولا بد من حمل الحكام على توفير وسائل الصمود لأهل فلسطين والمجاهدين بدل تجريمهم ووصفهم بـ"الإرهابيين" مثلما وصفهم المجرم عبد الفتاح السيسي. ولا يأتي ذلك عبر الدعاء على أهميته، أو عبر البكاء والعزاء والفزعة الانفعالية، بل يأتي بقطع الإسناد الخارجي عن الكيان المجرم وسائر الأنظمة الوظيفية التي تحول دون توفير عناصر النصر والتحرير، من خلال تهديد المصالح الغربية وهزِّ الأنظمة الوظيفية التي تمثل نفوذهم، ومن خلال وقف اندفاعها لتطبيعٍ يمنح الكيان المحتل الغطاء والشرعية، ومن خلال العمل المخلص والجاد على إسقاط الأنظمة المتواطئة مع العدو وإقامة الدولة الإسلامية التي تُرغم الغرب على التخلي عن قاعدتهم العسكرية الاستعمارية الصهيونية، تمهيدًا لإزالتها مرةً واحدة وإلى الأبد.
إن عملية السلام قد صممت في الأصل لتثبيت الكيان المحتل، ودفن فكرة التحرير والجهاد وإزالتها من معادلة صراع الأمة معه. وقد آن الأوان لتصويب الوضع من خلال تلبس الأمة بأكملها وعبر رجالها المؤثرين وقواها ووجهائها في كل الأوساط بالأعمال الضاغطة لكبح اندفاع الحكام وهرولتهم نحو التطبيع، وشطب مسار "السلام" برمته، وإعادة صفة العدو لكيان يهود ومن والاهم، واستدعاء الجهاد كواجب شرعي وخيار وحيد لتثبيت الدولة والدفاع عنها وتحرير فلسطين، وجعله عقيدة عسكرية لأبناء الأمة وجيوشها حتى لا يشعر كيانهم الإرهابي بالأمن، وأن تُجرّم الحكام المطبعين ومن يساندهم أو يسكت عنهم بتهمة الخيانة العظمى؛ لأن سكوت المسلمين عن حكامهم هو الذي شجعهم على التواطؤ والتفريط بفلسطين والتحالف مع العدو، وهو الذي طمأن الكيان المجرم وسكانه المستعمرين، ووفر لهم المناخ الملائم للعربدة وتدنيس المقدسات، والاستفراد بأهل فلسطين شبه العزل وإذلالهم، وارتكاب أبشع المجازر بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم. فيجب أن ترفض الأمة بأعلى صوت وعلى الدوام ما دون الجهاد طريقًا لدفع الصيال وتحرير الأرض والمقدسات، وأن تضغط على الحكام للتمرد على الغرب والنظام الدولي وقراراته المُجحفة.
إن الحكام يحاولون أن يَظهروا في هذه الحرب بمظهر المنحازين إلى أهل غزة، من خلال رفضهم للتهجير. ولكن الله فضح ادعاءاتهم كما فضح مواقفهم المخزية وبخاصة عبد الفتاح السيسي الذي ظهر حقده على المقاومة وأهل غزة في فلتات لسانه أثناء مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني. إذ لو كان صادقًا في حرصه على أهل غزة وعروبة أرضها لما اقترح بمنتهى الخيانة تهجيرهم إلى النقب حتى تقضي إسرائيل على المقاومة، لكنه استغل محاولة نتنياهو تهجير أهل غزة إلى سيناء وفرضه كأمر واقع؛ ليصرف أنظار المسلمين بعامة وأهل مصر بخاصة عن خذلانه وعدم نصرته لغزة التي يمنع تهريب السلاح والغذاء إليها، فضلًا عن تحويل قضية تدميرها وتشريد أهلها من قضية عدوان غاشم يستوجب نصرتها ورفع الكرب عنها إلى قضية إنسانية حتى يتنصل من واجب الدفاع عنها. ورغم اعتباره لقضيتها قضية إنسانية لكنه لم يجرؤ على إيصال المعونات لأهلها المنكوبين خضوعًا منه لكيان يهود وأسياده في البيت الأبيض. والحقيقة أن التهجير خطة إسرائيلية، وجدت إسرائيل في الظرف الإقليمي الناتج عن عملية طوفان الأقصى فرصة ذهبية لتنفيذها، تحت ذريعة معاقبة حماس على ما قامت به، كما وجد نتنياهو في ظل الرغبة الداخلية العارمة للانتقام، وفي تقاسم منافسيه مسؤولية الحرب معه، فرصة للتخلص من المقاومة في غزة للأبد. غير أن مساعيه لا تزال تصطدم بصمود أهل غزة من جهة، وتصطدم بالرؤية الأميركية لحل الدولتين المعلن وبمواقف كل من مصر والأردن اللتين تتوجسان خيفة من مشروع التهجير وتداعياته الأمنية عليهما؛ ولذلك تمترس الملك عبدالله وعبد الفتاح السيسي في اجتماع القاهرة بحل الدولتين وشددا عليه، وهو ما يعكس الموقف الأميركي المزدوج، الداعم لأمن إسرائيل من جهة والضاغط على نتنياهو بعدم المضي قدمًا بشأن التهجير وتوسيع رقعة الحرب من جهة أخرى. ولذا فليس من المتوقع أن تؤول العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين والمنازل بقصفٍ مركز، وبخاصة في المنطقة الشمالية من القطاع وفي المناطق المكتظة بالسكان كحي الشجاعية، إلى تهجير أهل غزة إلى سيناء، وإنما ستُفضي إلى تشريدهم إلى جنوب القطاع، وتمهد الطريق لعملية برية بهدف القضاء على المقاومة، وتحطيم قدرتها القتالية (وهو أمر بالغ الصعوبة)، وتقويض سلطة حماس في غزة لصالح سلطة التنسيق الأمني برعاية أممية.