Abu Taqi
12-10-2023, 06:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق السياسي
تداعيات عملية طوفان الأقصى
في استعراض همجي للقوة صعّد العدو الصهيوني الجبان غاراته الجوية المجرمة انتقامًا من القسام وأهل غزة على إثر عملية طوفان الأقصى التاريخية. محاولًا استعادة الردع المهشم عبر تدمير البيوت وقتل الأطفال والشيوخ والنساء وعبر تشديد الحصار والإبادة الجماعية.
وكما هو معلن على لسان قادة حماس والقسام، فإن عملية طوفان الأقصى تهدف إلى وضع حد لاستفزازات قطعان المستوطنين الذي يسيطرون على الحكومة الإسرائيلية، وزجرهم عن اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، وقد نجحت كتائب القسام بإظهار هشاشة ردعهم، وفشلهم الأمني الذي ارتكزوا إليه في حملتهم الانتخابية وتعهدوا بتحقيقه.
ولا يخفى أن إخفاق اليمين الصهيوني الديني ينعكس بالتبعية على أجندتهم السياسية الجالبة لهلع السكان والمانعة من "السلام". وبالتالي لا بد لإخفاقهم هذا أن يمنع إسرائيل من الاستقلال عن الولايات المتحدة وسياساتها التي خرقها اليمين الصهيوني الديني وتمرد عليها، وينبغي أن يُلجمهم ويفهم المجتمع الإسرائيلي بأنه لا يمكن تجاوز قضية فلسطين رغم هرولة الدول العربية للتطبيع، ومن ثم يكسر أقفال المسار السياسي.
وهذا ما أشار إليه بوضوح الصحفي الإسرائيلي الشهير جدعون ليفي في صحيفة هآرتس يوم 8 تشرين أول/أكتوبر والذي شدد على معالجة أصل النزاع وهو المسار الفلسطيني. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه برغم الموقف الأميركي المساند بصورة استثنائية للكيان الصهيوني في هذه المواجهة لاعتبارات استراتيجية حيال الكيان وأمنه، ولكن في الجانب السياسي المتعلق بالحكومة الإسرائيلية ومكوناتها وأجندتها وسلوكها فإن للولايات المتحدة مقاربة مختلفة، إذ كشف تقريرٌ لصحيفة "هآرتس"، بعنوان "رئيس بلدية رام الله لن يُقرر" أن "المكون الفلسطيني" في اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية تسبّب بتوتر في الأيام الأخيرة بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة جو بايدن، بسبب الإصرار الإسرائيلي على تقليص ما يُمكن منحه للفلسطينيين كجزء من اتفاق التطبيع. وجاء في التقرير، أن كبار المسؤولين الإسرائيليين في المحادثات مع ممثلي البيت الأبيض، قللوا من أهمية الرئيس محمود عباس الذي يصفونه برئيس بلدية رام الله. غير أن الأميركيين يصرون أنه من دون خطوات مهمة لصالح السلطة الفلسطينية سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق وتمريره في مجلس الشيوخ الأميركي. ومن الضروري تقديم شيء للفلسطينيين لحفظ ماء وجه السعودية بحسب وصف وزير الخارجية الأميركي توني بلنكين.
وعلى إثر الخلاف المستمر بين نتنياهو وإدارة بايدن وجد نتنياهو في العملية التي عزمت حماس على تنفيذها، والتي تواترت الأنباء عن علمه بها مسبقًا باعتراف مكتبه، فرصة لخلط الأوراق وترحيل أزمته الداخلية إلى خطر خارجي، ومن أجل المناورة وكسب الوقت وجني التطبيع مع السعودية بلا ثمن. لكنه فوجئ هو والجيش والاستخبارات (الذين ترجح الشواهد تراخيهم حيال العملية) بحجمها ونتائجها وتداعياتها، ويمكن القول بأن نتنياهو قد خسر رهانه منذ اليوم الأول، وباتت حكومته في عين العاصفة، لكنه يحاول جاهدًا أن يُسعف موقفه بحكومة طوارئ تقسّم مسؤولية الحرب على جميع القوى السياسية وعلى المؤسسة الأمنية والعسكرية؛ لأن الموقف بات يحتم الدخول في مغامرة خَطيرة تستوجب عملية عسكرية واسعة تتطلب ثمنًا باهظًا ووقتًا أطول من المعتاد؛ ذلك أن الضرر الذي لحق بهيبة الكيان وأمنه وقوة ردعه، وقيمته الاستراتيجية التي تمنحه الدور الوظيفي والدعم الخارجي، واعتلاء مطايا الإقليم من حكام وأنظمة، يعتبر تحديًا وجوديًا للكيان برمته وليس تحديًا لمستقبله السياسي فقط. وبالتالي فإن العوامل الخارجية والداخلية والشخصية لم يَدَعو له خيارًا سوى الهروب إلى الأمام، في محاولة لسد الثغرة التي ما فتئت تهب العواصف عليه من أبوابها.
ولا يخفى أن تلقي النظام الأردني العملية بالرضى، وموقف السلطة منها يكشف عن مخاوفهما من التوجه اليميني الديني الذي يقود السياسة الإسرائيلية إلى مخاطر تستعصي على تحمل ثقلها. فعباس لم يُدن هذه العملية رغم أنه أشد أعداء المقاومة والخيار العسكري، بل قد أشار إلى قبوله بها بقوله إن من حق الشعب الفلسطيني أن يدافع عن نفسه، فيما كانت مواقفه من المعارك السابقة وتواطؤه على جرائم إسرائيل ضد أهل غزة والفلسطينيين ممهورة بالتنسيق الأمني وتعليماته المسجلة بالصوت والصورة بقتل من يطلق النار على إسرائيل، إلا أن ذلك كان في ظل انخراط الحكومة الإسرائيلية في المفاوضات التخديرية، أما وقد بات اليمين الديني المتطرف مهيمنًا على المجتمع والحكومة الإسرائيلية، وألغى القضية من معادلة التصفية تحت عنوان حل الدولتين الأميركي الخادع، فقد تبدل موقف عباس تكتيكيًا دون تخليه عن مسار التصفية بالشكل المرسوم. فالمطلوب أميركيًّا في خضم هذه العملية هو تدجين المقاومة وتحجيمها، واستغلال العملية أيضًا لتقويض أو إسقاط الحكومة الإسرائيلية التي يسيطر عليها اليمين الصهيوني الديني، والتي عبر نتنياهو عن موقفها السياسي المتعارض مع التوجه الأميركي، في خطابه أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك بقوله: "إن السلام مع الفلسطينيين يُمكن أن يتحقق كنتيجة للسلام مع السعودية الذي أصبح قريبًا"، وعرض خلال كلمته خارطة "الشرق الأوسط الجديد"، والتي تظهر فيها الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان جزءًا من "دولة إسرائيل"، ولا وجود لأي دولة أو كيان فلسطيني. ولهذا نلاحظ أيضًا أن الموقف المصري لا يستقيم مع ما دأب عليه من تأييد للتغول الصهيوني على أهل غزة، وتأييده الكامل للكيان الغاصب، فقد أعلن السيسي كذبًا "دعمه للقضية الفلسطينية"، والذي ينطوي على انحيازه للرؤية الأميركية حيال "القضية" وانحيازه للموقف الأميركي من الحكومة الإسرائيلية شديدة التطرف؛ ولذلك كشف عن إخطاره لنتنياهو بعملية القسام قبل وقوعها بثلاثة أيام؛ لإحراج نتنياهو وحكومته وتحميلهم المسؤولية أمام المجتمع الإسرائيلي وتقويض قواعد اليمين الانتخابية لصالح منافسيهم، ولا شك أن تظاهر السيسي باللين مع أهل غزة إنما يندرج في استثماره الانتخابي.
ومن جانب آخر، فإن مشاغلة حزب الله وحركة الجهاد للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية من لبنان وسوريا لتشتيت قوة الجيش الصهيوني والضغط على المجتمع الإسرائيلي، إنما يُترجم قراءة حزب الله للمعادلة السياسية التي تسكت فيها الولايات المتحدة عن النيل من حكومة نتنياهو لا عن النيل من الكيان الصهيوني ذاته. ولذلك أرسلت أميركا حاملة الطائرات (جيرالد فورد) إلى شرق المتوسط لضبط الوضع ومنعه من الانفلات أو الخروج عن السيطرة، في ظل الاستثمار السياسي وتنافس الدول الإقليمية على النفوذ والأدوار في المنطقة.
وبالتالي فعملية طوفان الأقصى تنطوي على رسالة في غاية القوة للكيان الصهيوني كله بأن هذا هو البديل عن المسار السياسي الذي تم شطبه من قِبل اليمين الصهيوني الديني المتطرف، وأن فكرة إسرائيل الكبرى ليس لها مكان في ظل المقاربات الدولية والتوازنات الإقليمية الراهنة ومن بينها وجود الفزاعة الإيرانية والمصالح التركية. ولا يُفهم من ذلك أن هناك حلولًا سياسية دولية منتظرة في صالح القضية وأهل فلسطين، وإنما المنتظر هو تجيير إنجازات المجاهدين لفتح الآفاق التي سُدت في وجه المسار السياسي، وقد ينجم عن المآلات السياسية للعملية تزويد قطار التطبيع الإبراهيمي وفق رؤية بايدن بالوقود، دون تحقيق شيء ذو معنى لأهل فلسطين سوى تحسين شروط الاحتلال ومعيشة الفلسطينيين. وأقصى مخرجاتها هو منح الفلسطينيين إدارة بلديات ومنع تمدد المستوطنات إلى عمق الضفة الغربية، وتجميد قرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة بشأن توسيعها.
أيها المسلمون..
لقد حدد العدو الصهيوني لحربه على أهلنا في غزة هدفين، هما تحرير الرهائن وتوجيه ضربة ساحقة لحماس وإيجاد واقع جديد في غزة. وقد شكل مجلسَ حرب وحكومةَ طوارئ تضم الفرقاء والمتنافسين. وهذا ليس له معنى سوى إطلاق العنان للانتقام وارتكاب مذابح لم تشهدها غزة وأهلها من قبل، وقد عبأ الرأي العام العالمي للتعاطف معه والسكوت عن مجازره بحق غزة وأهلها عبر الدعايات الكاذبة، وعبأ جبهته الداخلية لتقبل الثمن الذي ستخلفه الحرب. وما ارتكبه هذا الكيان المجرم من قتل وتدمير حتى الآن لم يروِ عطشه وشهيته للدم الذي يحث كتابه الديني على إراقته من أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ. فها هو وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت يقول لجنوده على حدود غزة: "لقد رفعت كل القيود، حماس أرادت التغيير في غزة، سيكون من حقكم أن تديروا العجلة"؛ أي أن تنتقموا لكرامتكم التي داستها نعال القسام، وها هو مسؤول أمني إسرائيلي يقول للقناة 13 الإسرائيلية: "غزة ستتحول في النهاية إلى مدينة الخيام.. لن يكون هناك مباني". وها هم رجال دينهم قد أباحوا لجنودهم قتل الأطفال واغتصاب النساء بلا حدود.
التعليق السياسي
تداعيات عملية طوفان الأقصى
في استعراض همجي للقوة صعّد العدو الصهيوني الجبان غاراته الجوية المجرمة انتقامًا من القسام وأهل غزة على إثر عملية طوفان الأقصى التاريخية. محاولًا استعادة الردع المهشم عبر تدمير البيوت وقتل الأطفال والشيوخ والنساء وعبر تشديد الحصار والإبادة الجماعية.
وكما هو معلن على لسان قادة حماس والقسام، فإن عملية طوفان الأقصى تهدف إلى وضع حد لاستفزازات قطعان المستوطنين الذي يسيطرون على الحكومة الإسرائيلية، وزجرهم عن اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، وقد نجحت كتائب القسام بإظهار هشاشة ردعهم، وفشلهم الأمني الذي ارتكزوا إليه في حملتهم الانتخابية وتعهدوا بتحقيقه.
ولا يخفى أن إخفاق اليمين الصهيوني الديني ينعكس بالتبعية على أجندتهم السياسية الجالبة لهلع السكان والمانعة من "السلام". وبالتالي لا بد لإخفاقهم هذا أن يمنع إسرائيل من الاستقلال عن الولايات المتحدة وسياساتها التي خرقها اليمين الصهيوني الديني وتمرد عليها، وينبغي أن يُلجمهم ويفهم المجتمع الإسرائيلي بأنه لا يمكن تجاوز قضية فلسطين رغم هرولة الدول العربية للتطبيع، ومن ثم يكسر أقفال المسار السياسي.
وهذا ما أشار إليه بوضوح الصحفي الإسرائيلي الشهير جدعون ليفي في صحيفة هآرتس يوم 8 تشرين أول/أكتوبر والذي شدد على معالجة أصل النزاع وهو المسار الفلسطيني. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه برغم الموقف الأميركي المساند بصورة استثنائية للكيان الصهيوني في هذه المواجهة لاعتبارات استراتيجية حيال الكيان وأمنه، ولكن في الجانب السياسي المتعلق بالحكومة الإسرائيلية ومكوناتها وأجندتها وسلوكها فإن للولايات المتحدة مقاربة مختلفة، إذ كشف تقريرٌ لصحيفة "هآرتس"، بعنوان "رئيس بلدية رام الله لن يُقرر" أن "المكون الفلسطيني" في اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية تسبّب بتوتر في الأيام الأخيرة بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة جو بايدن، بسبب الإصرار الإسرائيلي على تقليص ما يُمكن منحه للفلسطينيين كجزء من اتفاق التطبيع. وجاء في التقرير، أن كبار المسؤولين الإسرائيليين في المحادثات مع ممثلي البيت الأبيض، قللوا من أهمية الرئيس محمود عباس الذي يصفونه برئيس بلدية رام الله. غير أن الأميركيين يصرون أنه من دون خطوات مهمة لصالح السلطة الفلسطينية سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق وتمريره في مجلس الشيوخ الأميركي. ومن الضروري تقديم شيء للفلسطينيين لحفظ ماء وجه السعودية بحسب وصف وزير الخارجية الأميركي توني بلنكين.
وعلى إثر الخلاف المستمر بين نتنياهو وإدارة بايدن وجد نتنياهو في العملية التي عزمت حماس على تنفيذها، والتي تواترت الأنباء عن علمه بها مسبقًا باعتراف مكتبه، فرصة لخلط الأوراق وترحيل أزمته الداخلية إلى خطر خارجي، ومن أجل المناورة وكسب الوقت وجني التطبيع مع السعودية بلا ثمن. لكنه فوجئ هو والجيش والاستخبارات (الذين ترجح الشواهد تراخيهم حيال العملية) بحجمها ونتائجها وتداعياتها، ويمكن القول بأن نتنياهو قد خسر رهانه منذ اليوم الأول، وباتت حكومته في عين العاصفة، لكنه يحاول جاهدًا أن يُسعف موقفه بحكومة طوارئ تقسّم مسؤولية الحرب على جميع القوى السياسية وعلى المؤسسة الأمنية والعسكرية؛ لأن الموقف بات يحتم الدخول في مغامرة خَطيرة تستوجب عملية عسكرية واسعة تتطلب ثمنًا باهظًا ووقتًا أطول من المعتاد؛ ذلك أن الضرر الذي لحق بهيبة الكيان وأمنه وقوة ردعه، وقيمته الاستراتيجية التي تمنحه الدور الوظيفي والدعم الخارجي، واعتلاء مطايا الإقليم من حكام وأنظمة، يعتبر تحديًا وجوديًا للكيان برمته وليس تحديًا لمستقبله السياسي فقط. وبالتالي فإن العوامل الخارجية والداخلية والشخصية لم يَدَعو له خيارًا سوى الهروب إلى الأمام، في محاولة لسد الثغرة التي ما فتئت تهب العواصف عليه من أبوابها.
ولا يخفى أن تلقي النظام الأردني العملية بالرضى، وموقف السلطة منها يكشف عن مخاوفهما من التوجه اليميني الديني الذي يقود السياسة الإسرائيلية إلى مخاطر تستعصي على تحمل ثقلها. فعباس لم يُدن هذه العملية رغم أنه أشد أعداء المقاومة والخيار العسكري، بل قد أشار إلى قبوله بها بقوله إن من حق الشعب الفلسطيني أن يدافع عن نفسه، فيما كانت مواقفه من المعارك السابقة وتواطؤه على جرائم إسرائيل ضد أهل غزة والفلسطينيين ممهورة بالتنسيق الأمني وتعليماته المسجلة بالصوت والصورة بقتل من يطلق النار على إسرائيل، إلا أن ذلك كان في ظل انخراط الحكومة الإسرائيلية في المفاوضات التخديرية، أما وقد بات اليمين الديني المتطرف مهيمنًا على المجتمع والحكومة الإسرائيلية، وألغى القضية من معادلة التصفية تحت عنوان حل الدولتين الأميركي الخادع، فقد تبدل موقف عباس تكتيكيًا دون تخليه عن مسار التصفية بالشكل المرسوم. فالمطلوب أميركيًّا في خضم هذه العملية هو تدجين المقاومة وتحجيمها، واستغلال العملية أيضًا لتقويض أو إسقاط الحكومة الإسرائيلية التي يسيطر عليها اليمين الصهيوني الديني، والتي عبر نتنياهو عن موقفها السياسي المتعارض مع التوجه الأميركي، في خطابه أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك بقوله: "إن السلام مع الفلسطينيين يُمكن أن يتحقق كنتيجة للسلام مع السعودية الذي أصبح قريبًا"، وعرض خلال كلمته خارطة "الشرق الأوسط الجديد"، والتي تظهر فيها الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان جزءًا من "دولة إسرائيل"، ولا وجود لأي دولة أو كيان فلسطيني. ولهذا نلاحظ أيضًا أن الموقف المصري لا يستقيم مع ما دأب عليه من تأييد للتغول الصهيوني على أهل غزة، وتأييده الكامل للكيان الغاصب، فقد أعلن السيسي كذبًا "دعمه للقضية الفلسطينية"، والذي ينطوي على انحيازه للرؤية الأميركية حيال "القضية" وانحيازه للموقف الأميركي من الحكومة الإسرائيلية شديدة التطرف؛ ولذلك كشف عن إخطاره لنتنياهو بعملية القسام قبل وقوعها بثلاثة أيام؛ لإحراج نتنياهو وحكومته وتحميلهم المسؤولية أمام المجتمع الإسرائيلي وتقويض قواعد اليمين الانتخابية لصالح منافسيهم، ولا شك أن تظاهر السيسي باللين مع أهل غزة إنما يندرج في استثماره الانتخابي.
ومن جانب آخر، فإن مشاغلة حزب الله وحركة الجهاد للجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية من لبنان وسوريا لتشتيت قوة الجيش الصهيوني والضغط على المجتمع الإسرائيلي، إنما يُترجم قراءة حزب الله للمعادلة السياسية التي تسكت فيها الولايات المتحدة عن النيل من حكومة نتنياهو لا عن النيل من الكيان الصهيوني ذاته. ولذلك أرسلت أميركا حاملة الطائرات (جيرالد فورد) إلى شرق المتوسط لضبط الوضع ومنعه من الانفلات أو الخروج عن السيطرة، في ظل الاستثمار السياسي وتنافس الدول الإقليمية على النفوذ والأدوار في المنطقة.
وبالتالي فعملية طوفان الأقصى تنطوي على رسالة في غاية القوة للكيان الصهيوني كله بأن هذا هو البديل عن المسار السياسي الذي تم شطبه من قِبل اليمين الصهيوني الديني المتطرف، وأن فكرة إسرائيل الكبرى ليس لها مكان في ظل المقاربات الدولية والتوازنات الإقليمية الراهنة ومن بينها وجود الفزاعة الإيرانية والمصالح التركية. ولا يُفهم من ذلك أن هناك حلولًا سياسية دولية منتظرة في صالح القضية وأهل فلسطين، وإنما المنتظر هو تجيير إنجازات المجاهدين لفتح الآفاق التي سُدت في وجه المسار السياسي، وقد ينجم عن المآلات السياسية للعملية تزويد قطار التطبيع الإبراهيمي وفق رؤية بايدن بالوقود، دون تحقيق شيء ذو معنى لأهل فلسطين سوى تحسين شروط الاحتلال ومعيشة الفلسطينيين. وأقصى مخرجاتها هو منح الفلسطينيين إدارة بلديات ومنع تمدد المستوطنات إلى عمق الضفة الغربية، وتجميد قرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة بشأن توسيعها.
أيها المسلمون..
لقد حدد العدو الصهيوني لحربه على أهلنا في غزة هدفين، هما تحرير الرهائن وتوجيه ضربة ساحقة لحماس وإيجاد واقع جديد في غزة. وقد شكل مجلسَ حرب وحكومةَ طوارئ تضم الفرقاء والمتنافسين. وهذا ليس له معنى سوى إطلاق العنان للانتقام وارتكاب مذابح لم تشهدها غزة وأهلها من قبل، وقد عبأ الرأي العام العالمي للتعاطف معه والسكوت عن مجازره بحق غزة وأهلها عبر الدعايات الكاذبة، وعبأ جبهته الداخلية لتقبل الثمن الذي ستخلفه الحرب. وما ارتكبه هذا الكيان المجرم من قتل وتدمير حتى الآن لم يروِ عطشه وشهيته للدم الذي يحث كتابه الديني على إراقته من أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ. فها هو وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت يقول لجنوده على حدود غزة: "لقد رفعت كل القيود، حماس أرادت التغيير في غزة، سيكون من حقكم أن تديروا العجلة"؛ أي أن تنتقموا لكرامتكم التي داستها نعال القسام، وها هو مسؤول أمني إسرائيلي يقول للقناة 13 الإسرائيلية: "غزة ستتحول في النهاية إلى مدينة الخيام.. لن يكون هناك مباني". وها هم رجال دينهم قد أباحوا لجنودهم قتل الأطفال واغتصاب النساء بلا حدود.