المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية بدء التحقيق في "إمكانية محاكمة بايدن" وصراع الأجنحة السياسية على السلطة



Abu Taqi
20-09-2023, 11:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة سياسية
بدء التحقيق في "إمكانية محاكمة بايدن" وصراع الأجنحة السياسية على السلطة في أميركا

أطلق الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر، مسارًا لمساءلة الرئيس جو بايدن بهدف عزله، وذلك بعدما وجهوا إليه تهمًا بإفادة أعمال عائلته ماليًّا، وتهمًا بالمخالفات و"نشر ثقافة الفساد"، بحسب وصف رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي. وهي الخطوة التي يطالب بها ترمب وداعموه اليمينيون في الكونغرس منذ شهور. ومن جانبها قالت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان بيار: "لقد أمضوا العام كله بالتحقيق بشأن الرئيس ولم يعثروا على أي دليل، لا شيء على الإطلاق على أنه ارتكب أي سوء، وذلك لأن الرئيس لم يرتكب أي سوء". بينما وصف المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الرقابة والتحقيقات عقب إعلان بدء التحقيق بأنها "أسوأ أشكال التطرف السياسي".
لا بد أن نعلم أولًا وقبل كل شيء أن السلطة التنفيذية في الأنظمة الرأسمالية وبخاصة في الولايات المتحدة إنما هي أداة بيد الرأسماليين، وقد يتولى السلطة أصحاب الأموال أنفسهم مثل جورج بوش وديك تشيني ودونالد ترمب في أميركا، وبرلسكوني في إيطاليا. أما في بريطانيا فيظهر تأثير شركات النفط البريطانية التي وقعت عقودًا جديدة في ليبيا من خلال رعايتها لـ"إعادة افتتاح" السفارة البريطانية في طرابلس قبل 3 أشهر، حيث قالت السفيرة كارولين هيرندال للحضور: "أنا فخورة بشكل خاص بتعاون الشركات البريطانية مع الشركات الليبية ولها تأثير ملموس على التنمية الاقتصادية في ليبيا. العديد من تلك الشركات ممثلة هنا الليلة". وبالتالي فإن الدولة العميقة المتمثلة بالشركات ومجمع الصناعات العسكرية وعمالقة الإنترنت وشركات التواصل الاجتماعي هي التي تختار المرشحين للسلطات من بين الأحزاب، وهي التي تُرشح وكلاء لها في المناصب الحكومية. حيث يجري تغييرهم تبعًا لمتطلبات الواقع الداخلي والخارجي وتنافس مراكز القوى المؤثرة في الحياة السياسية للولايات المتحدة وفقًا لمعايير أيديولوجية ونفعية وطبقية. ذلك أن الصراع والتنافس السياسي حتمي بين الحزب الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، بل وفي داخل كل حزب وكل جناح من مراكز القوى مثل التنافر بين ماكونيل مع تايلور غرين، والذي وصفها بـ “السرطان” في حزبه رغم أن كليهما من جناح ترمب.
ويمكن ملاحظة الصراع والتنافس الحزبي تاريخيًا من خلال تجسس الرئيس نيكسون على الحزب الديمقراطي، ومن خلال معارضة الأحزاب والأجنحة لبعض سياسات الإدارة الأميركية الداخلية والخارجية بصرف النظر عن الحزب الحاكم، مثل اعتراض بعض الجمهوريين على كيفية تعاطي ترمب مع الرئيس التركي، ومعارضة بعض الديمقراطيين لكيفية تعاطي بايدن مع الحكومة الإسرائيلية ومحمد بن سلمان. إلا أن هذا التنافس والتصادم إنما يُمثل أحد الصعد التي انطلق منها استهداف الرئيس بايدن، فهناك انقسامات حقيقية في الدولة العميقة نفسها، فترمب يمثل أحد الأجنحة في الدولة العميقة الداعمة للحزب الجمهوري والتي ترى أن رؤيتها هي الوحيدة الناجحة لإنقاذ أميركا من فشل الليبراليين والمحافظين، فهي تقول إن الليبرالية فاسدة أخلاقيًّا وفاشلة اقتصاديًّا على المستوى الداخلي وتقول: إن الولايات المتحدة ضعيفة على المستوى الخارجي ولذلك رفعوا شعار "أميركا أولًا". بينما يُتهم المحافظون بأنهم لم ينتجوا بديلًا عن سياسة "تغيير الأنظمة" والحروب.
أما نجاح فريق ترمب فيبرز في إعلان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي يوم ٢٨ تشرين أول/أكتوبر ٢٠١٦ قبل أيام من الانتخابات الرئاسية إعادة فتح التحقيق في مسألة استخدام هيلاري كلنتون لنظام إيميل خاص خلال توليها منصب وزارة الخارجية الأميركية، وذلك في أعقاب نشر محطة إم بي سي (الموالية للجناح الليبرالي الديمقراطي) تسجيلًا لترمب مسيئًا للنساء "أكسس هوليوود" وأدائه غير المميز في المناظرات الرئاسية، والذي أثر على استطلاعات الرأي. ويُعد هذا التدخل سببًا رئيسيًّا في خسارة هيلاري كلنتون، حيث أثرت بشكل كبير على "الناخب المستقل"، والذي طالما كان يمثل الصوت المُرجح في الانتخابات الرئاسية. كما يبرز نجاح ترمب وجناحه في السيطرة على الحزب الجمهوري من خلال تفرده بالترشح عن الجمهوريين، وغياب مرشحين منافسين له على بطاقة الحزب لانتخابات 2020.
وأما في القضايا الجوهرية والتي تمس الأمن القومي، مثل الموقف من الصين وروسيا، فإنه يوجد توافق بين الحزبين والدولة العميقة حوله، وإن كان هناك تحفظات على بعض المسائل المتصلة بهما، كتحفظ الجمهوريين على حجم الدعم الأميركي لأوكرانيا، بالإضافة إلى بعض الخلافات حول كيفية إدارة العلاقات والقضايا والأزمات الدولية.
ومن المهم أيضًا إدراك أن هناك أجنحة داخل الأحزاب، فالحزب الديمقراطي منقسم بين التيار القديم الموالي للدولة العميقة والذي يُشكل توجه يسار الوسط، وبين يسار الحزب الأكثر "انفتاحًا" (Progreesives) مثل جناح النائبة كورتيز، وجايبال وخانا وهو الجناح الذي كان له تأثير كبير في إعاقة عدد من مشاريع إدارة بايدن، إلا أنه لم يكن لهم خيار سوى الاصطفاف خلف الإدارة بعد صدور قرار المحكمة الدستورية بنقض حكم الإجهاض المعروف بقانون "رو ضد ويد" والذي كان له دورٌ كبيرٌ في نجاح الحزب الديمقراطي في تحجيم مكتسبات الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية، وفي تحقيق أغلبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ من دون حاجة (الصوت المرجح) لنائبة الرئيس في المجلس المكون من ١٠٠ عضو. وأما الحزب الجمهوري فيضم عددًا من الأجنحة، أبرزها المحافظين الجدد الداعي إلى (فكرة تغيير الأنظمة) وجناح المتحررين الداعين إلى (تخفيض الضرائب وتقليص دور الحكومة الفدرالية) بالإضافة إلى جناح الترمبيين المؤيدين (Trump Loyalists) مثل النائبة مارجوري غرين، وجناح الرافضين لترمب (Never Trumpers) مثل النائب توم رايس والسيناتور ميت رومني. ولقد ظهرت قوة الجناح المؤيد لترمب بشكل ملحوظ في الدورة ١١٨ الحالية لمجلس النواب حيث تمكن تجمع الحرية (The Freedom Caucus) والذي استغل حصوله على ٤٥ مقعد من أصل ٢٢٢ مقعد جمهوريٍّ في مجلس النواب؛ أي بزيادة ١٠ مقاعد عن الديمقراطيين ٢١٢، ليضع شروطاً قاسية مطلع هذا العام لقاء تأييد ترشح مكارثي رئيسًا للمجلس، ومن تلك الشروط بدء التحقيق مع بايدن وتعديل إجراء التقدم بطلب تصويت عزل رئيس المجلس بطلب منفرد من أحد النواب، وإعادة نهج المسؤولية المالية أي برفض زيادة الإنفاق. وكانت هذه الشروط التي أملاها ترمب على مكارثي سببًا رئيسًا في تحريك قضية بايدن الذي ظل يلاحق ترمب طوال فترة حكمه.
وفي هذا السياق لا بد من ملاحظة ضعف موقف مكارثي وتغلُب جناح ترمب عليه وعلى أجندته السياسية، فمكارثي وإن كان قد حمل لواء محاكمة بايدن، إلا أن مقاربته في هذا الشأن كانت مختلفة، وكان يتجنب الدخول في معركة لعزل بايدن استجابة لرغبة ترمب؛ لأنه يدرك تبعات فشل إثبات اتهام بايدن على شعبية الحزب الجمهوري، وبخاصة وأن سلوك ترمب بعد الانتخابات وخطابه في 6 كانون الثاني/يناير وأحداث الكابيتول لا يمكن الدفاع عنه، لكنه أضطر للتفاوض في شهر يونيو/حزيران ٢٠٢٣ مع النائبة الموالية لترمب لورين بوبرت؛ لتحويل طلبها إلى اللجان المختصة لمحاكمة بايدن بقضية إدارة الحدود الأميركية مع المكسيك (الهجرة)، دون الرجوع لقيادة الحزب. فجناح ترمب يسعى إلى إعادة توجيه السيطرة على أجندة قوى الحزب الجمهوري (رئيس المجلس ونوابه والقيادات الحزبية) لصالحه. ولذا فإن مكارثي يواجه معضلة سياسية قد تحدد بقاءه في منصبه وقدرته على حشد التأييد الكافي من أعضاء الحزب الجمهوري لقرار مشروع ميزانية الدولة، وبخاصة بعد سحب التصويت على قرار ميزانية الدفاع لتعذر حصوله على أصوات كافية لإقراره، وهو الأمر الذي استغله ترمب لفرض شروطه ومنها محاكمة بايدن من أجل التأثير السلبي على سوقه الانتخابي، ولذلك هدّدت النائبة مارغوري غرين ونواب جمهوريون آخرون بعدم المصادقة على قوانين الإنفاق، إذا لم يطلق مكارثي إجراءات عزل بايدن. ذلك أن مكارثي مطالب بإقرار مشروع ميزانية قبل انتهاء السنة المالية للحكومة الاميركية بنهاية شهر سبتمبر/أيلول الحالي، سيما وأنه لم يتمكن من تقديم أي مشروع قانوني يلقى قبولًا وتأييدًا كافيًا من قِبل داعميه حتى الآن، في ظل تصارع تيارات وأجنحة الجمهوريين بين من يطالب ببتر الميزانية وإعادتها لما قبل كوفيد وبين من يرغب في الاستفادة من بعض برامج الإنفاق التي نجح بايدن والديمقراطيون في تشريعها لفوائدها على ولاياتهم وعلى الناخبين. حيث صرح النائب مات جيتز من تجمع الحرية أنه لن يقبل بالإعلان عن تحري بايدن وعائلته كبديل لباقي بنود الاتفاق الذي حصل مكارثي بموجبه على الأصوات الكافية ليحوز على منصب رئيس مجلس النواب مطلع العام بعد ١٣ مرحلة تصويت. ومن جانبه يراهن بايدن والحزب الديمقراطي على مسار طويل لتحقيق مجلس النواب ولا سيما وأن مكارثي لم يطلب تصويتًا على بدء المحاكمة، بل طلب من رؤساء اللجان، وجميعهم من مؤيدي ترمب، بدء "تحقيق في إمكانية محاكمة بايدن". ويراهن أيضًا على عدم تمكن الجمهوريين من جمع أي دليل لإدانته، وهو ما قد يرتد سلبًا على الحزب الجمهوري وجناح ترمب في صناديق الاقتراع.
وعلى هذا الصعيد فإن قضية "عزل بايدن" ذات أبعاد انتخابية بكل تأكيد. فالجمهوريون يعلمون أن عزل بايدن ليس ممكنًا ولكن يريدون التأثير السلبي عليه وعلى الديمقراطيين في سوق الانتخابات بإثارة زوبعة سياسية تلقي بشبهة الفساد عليه، حيث جرى التحقيق في التهم الموجهة لبايدن من قبل الجمهوريين مدة 9 شهور ولم يتمكنوا من إدانته. ومن هذا المنطلق يمكن أن يؤدي التحقيق إلى تصويت على مساءلة الرئيس في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون. ولكن عزله من منصبه يحتاج إلى أصوات ثُلثي مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وهو أمر متعذر.
وأما ما يخص الرئيس السابق ترمب، فطالما لا توجد أي موانع دستورية تحول دون ترشحه لمنصب رئاسة البيت الأبيض، فبإمكانه الحصول على بطاقة الترشح للرئاسة وبخاصة وأن استطلاعات الرأي الأولية بعد توجيه التهم الأربع إليه فدراليًّا ومن قبل ولاية نيويورك وولاية جورجيا تؤكد أنه لا يزال يحظى بتأييد قاعدة انتخابية وازنة تمكنه من الفوز ببطاقة الترشح أمام منافسيه من الحزب الجمهوري. فهو وإن كان قد فقد مساندة قناة فوكس نيوز بعد تنحي بعض من مقدمي البرامج الأكثر ولاءً له، ولكن لا يزال جمع من القنوات الإعلامية وقنوات التواصل الاجتماعي ذات التوجه اليميني والانجيلي ومنها قناته الخاصة (Truth Social) يؤيده ويدعمه.
وعلى صعيد مختلف، فإن هناك نقاشًا مشتعلًا في الولايات المتحدة بخصوص الفئة العمرية للقيادة السياسية بشكل عام وسن المرشحين الأكثر حظوظًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يبلغ بايدن ٨١ عامًا؛ أي ما يعادل ضعف السن المتوسط للشعب الأميركي، ويُعد بايدن الرئيس الأكبر سنًا في تاريخ الولايات المتحدة، حيث بين استطلاع للرأي أن ٧٥٪ من الناخبين يرون أن بايدن كبير في السن لمنصب الرئيس. كما أن هناك من يحتج بأن النخبة السياسية والتشريعية لا تُمثل الشعب الأميركي في الناحية العمرية، حيث أن معدل سن أعضاء الكونجرس تزيد بعشرين عامًا عن معدل سن الشعب الأميركي. ويؤكد ذلك استطلاعات رأي متعددة تطالب بزيادة تمثيل الفئات العمرية ووضع حد عمري للمناصب السياسية. وقد لوحظ تبني الحزب الديمقراطي نهجًا متساوقًا مع هذه القضية، ولا يُستبعد أن يتماهى الحزب الديمقراطي مع الذوق العام ويعدل عن ترشيح بايدن لفترة رئاسية ثانية. وبخاصة وأن الأجندة الأيديولوجية الليبرالية التي تقودها الولايات المتحدة في العالم والتي تتميز بإقصاء ما سواها، تستهدف عنصر الشباب، ومن أهم عناصر نجاحها ضخ الدماء الجديدة في الحياة السياسية.
5/ربيع الأول/1445هـ
20/9/2023م