المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية فرنسا توغل في حربها على المسلمين وتحظر لبس العباءة على النساء المسلمات



Abu Taqi
11-09-2023, 11:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
فرنسا توغل في حربها على المسلمين وتحظر لبس العباءة على النساء المسلمات
بتاريخ 20/5/2023 صرح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أن أبرز تهديد لفرنسا وأوروبا هو "الإرهاب الإسلامي السني"، وقبل ذلك تحدث رئيسه إيمانويل ماكرون عن "الانفصالية الإسلامية" التي تهدد قيم الجمهورية والعلمانية في فرنسا. وقبل يومين أصدرت الحكومة الفرنسية قرارًا جديدًا في سياق حربها المستمرة على الإسلام والمسلمين.
فبعد أن أقدمت السلطات الفرنسية عام 2004 على منع اللباس الشرعي (الحجاب) في المدارس والكليات والثانويات العامة، وبعد أن أصدرت حظرًا على ارتداء النقاب في الأماكن العامة عام 2010. جاء المنع هذه المرة ليشمل العباءة الإسلامية. فقد أعلنت السلطات الفرنسية، يوم الأحد 27 آب/أغسطس 2023، أنها سوف تحظر ارتداء العباءات الإسلامية التي ترتديها بعض النساء المسلمات في المدارس، معتبرة أن العباءة تنتهك القوانين العلمانية الصارمة بفرنسا في مجال التعليم.
وبتاريخ 7/9/2023 صادق مجلس الدولة الفرنسي على قرار منع ارتداء العباءة في المدارس باعتبارها تندرج ضمن منطق تأكيد الانتماء الديني، في خطوة قال إنه اتخذها دفاعًا عن "المبادئ العلمانية". وجاء قرار المجلس بالرفض على إثر طلب قدمته جمعية العمل من أجل حقوق المسلمين (ADM) والذي اتهم محاميها فينسان برينغارت الحكومة الفرنسية بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية من خلال الحظر. وبموجب القرار أعادت مدارس فرنسية الإثنين ظ¦ظ§ فتاة إلى منازلهن بسبب رفضهن الالتزام بمنع العباءة في أول يوم من العام الدراسي حسب تصريح وزارة التعليم.
ولا يخفى أن استهداف المسلمين في أوروبا عمومًا وفي فرنسا على وجه خاص بات ذخيرة انتخابية لليمين القومي والقوى المحافظة، فقد أطلعت وكالة الأنباء الفرنسية على تقارير حكومية سرية حول "انتهاكات صارخة لقواعد العالمانية" نُشِرَ منها إحصائية تشير إلى أن حوادث انتهاك العالمانية في المدارس قد زاد بنسبة ظ،ظ¥ظ*ظھ، والغرض من ذلك هو إثارة حفيظة اليمين الفرنسي وحشد الدعم لقرار الوزارة. ففي تصريح متلفز للمتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران قال: "إن ارتداء العباءة هو إشارة سياسية وهجوم سياسي وشكل من أشكال التبشير"، فيما غرد زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون بأن العودة للمدارس أصبحت ضحية "للاستقطاب السياسي عبر حرب دينية جديدة سخيفة ومصطنعة تمامًا". علمًا بأن ميلانشون كان قد حذر في شهر يونيو/حزيران أن مشكلة التعليم "ليست في هذا اللباس بل في نقص المعلمين والأماكن غير الكافية".
ومن تتبع مواقف القادة الفرنسيين نجد أن استهدافهم للإسلام والمسلمين ينطوي على بغضاء وحرب معلنة على الإسلام، لا تخلو دوافعها من العنصرية والاستعلاء والتعصب الكاثوليكي، والجشع الرأسمالي، وفُحش القيم الليبرالية العلمانية، كما ويندرج استهدافهم للمسلمين في سياق الاستقطاب والتنافس السياسي الداخلي، والتزاحم على قيادة القاطرة الأوروبية والمكانة الدولية من بوابة ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا". وقد برز ذلك من تحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في شهر مايو/أيار ظ¢ظ*ظ¢ظ£ من تهديد "الانفصالية الإسلامية" لقيم الجمهورية والعالمانية الفرنسية. وهو نفس الخطاب الذي اتبعه وزير الداخلية جيرالد دارمانيان والذي حذر من تهديد "الإرهاب الإسلامي السني" على فرنسا وأوروبا لاستنفار اليمين القومي وتوجيهه وحشده ضد المسلمين. كما يبرز ذلك من خلال تحذير ماكرون خلال زيارته ثانوية مهنية في أورانج جنوبي فرنسا بتاريخ ظ¢/ظ©/ظ¢ظ*ظ¢ظ£، بقوله: إن "علينا أن نكون حازمين" واصفًا مسؤولي التعليم بأنهم "فرسان الجمهورية ولديهم الحق في الدفاع عن العالمانية". وهو الأمر الذي استغلته أميركا لتسليط الضوء على العداء الفرنسي للمسلمين، حيث انتقد أبراهام كوبر رئيس اللجنة الأميركية للحرّية الدينيّة الدوليّة للسلوك الفرنسي، معتبرًا أن هدف الإجراء الفرنسي هو "ترهيب" المسلمين في فرنسا وأن جهود تعزيز العالمانية الفرنسية "تتعدّى الحكومة على الحرّية الدينيّة"، مضيفًا أن "فرنسا تُواصل استخدام تفسير مُحدَّد للعالمانيّة من أجل استهداف المجموعات الدينيّة وترهيبها، خصوصًا المسلمين".
إن عداء العالمانيين وبخاصة الفرنسيين للإسلام ليس بالجديد، فتاريخ فرنسا الاستعماري وفلسفتها السياسية والاقتصادية تجاه الأقليات وبخاصة المسلمين تعتمد على الاستعباد و"صهر الأقليات"، وليس على ادماجهم ثقافيًا وحسب، ويظهر من قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية الصادر عام ظ¢ظ*ظ¢ظ،، والذي جرى تعريفه خلال لجان البرلمان بـ قانون "مكافحة الإسلام الانفصالي"، ويرمي لفرض الهوية الفرنسية العالمانية على الأجانب وحملهم على التخلي عن دينهم وثقافتهم، وقطع صلاتهم بحضاراتهم وقيمهم ومبادئهم واستبدال قيم الدولة العالمانية بها، وذلك حفاظًا على مركزية القيم الغربية وتفردها مقابل قيم الإسلام التي تشكل تحديَّا وتهديدًا لها. ورغم أنهم يغلفون عنصريتهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين بوحدة الهوية الفرنسية، ومزاعم "حياد العالمانية"، إلا أن ذلك لا يعني اعتبار الأجنبي فرنسيًّا من ناحية سياسية لأن "الهوية الفرنسية مركزية عرقية"، فالقانون الفرنسي الذي ينص على فرض رقابة على الجمعيات المسؤولة عن إدارة المساجد وتمويلها، ويُحيل أئمتها إلى مخبرين، ويفرض قيودًا على حرية التعليم المنزلي، ويحظر ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم، يستمد بنوده من قانون "السكان الأصليين الذي تطبقه فرنسا على شعوب البلدان التي تستغلها" ، ومن ثم يضفي طابع "الشرعية للممارسات العنصرية ضد المسلمين، ويعزز الإسلاموفوبيا" التي يتغذى عليها اليمين المتطرف.
إن مسألة حظر ارتداء العباءة على الفتيات المسلمات يندرج أيضًا في عزم الجمهورية الفرنسية على إعادة صياغة مفهوم العالمانية (Laicite) بما يحمي مصالح النخبة السياسية الحاكمة والمجتمع الفرنسي من مفهوم حرية المعتقدات الذي يتيح للمسلمين التمسك بدينهم والتحصن ضد الاندماج الثقافي، كما يندرج في سياق التسويق للقيم الغربية نحو "مساواة الرجل بالمرأة" وإدراج المفاهيم النسوية مثل مفهوم "المرأة الضحية" التي يجب على الديمقراطية إنقاذها، والذي برأي النخبة السياسية الحديثة يعني ضرورة تحرير المرأة من الإسلام وقيوده ومن تسلطه ومصادرته لحقوق المرأة بحسب زعمهم، وهو الأمر الذي يؤكده تصريح وزيرة الأسرة والطفولة وحقوق المرأة في فرنسا عام ظ¢ظ*ظ،ظ¦ لورانس روسينيول والتي كشفت عن حقدها العالماني بأن شبَّهت النساء المسلمات المرتديات للزي الشرعي بـ "العبيد الزنج الذين يفضلون الرق على الحرية"، وهي بذلك تختصر العالمانية بتعرية المرأة وسلب عفتها باسم حرية امتلاكها لجسدها.
وأما بشأن تحرير المرأة في الغرب، فالحقيقة أنَّ الدول العالمانية القائمة على النفعية ونسبية القِيَم، والنظام الرأسمالي الذي يُسلِّع كل شيء، لم تَمنح المرأة حقوقها إلا لاعتبارات نفعية متعلقة باستغلالها في العمل و"الاقتراع" الذي كان محور مطالبها منذ الثورة الفرنسية على الأقل، ولم تَستثمِر القوى الرأسمالية الغاشمة بالمرأة، وترفع التمييز ضدها في هذا الخصوص، إلا بعد أنْ أصبحت تمثل ثِقَلًا انتخابيًّا يَخدم أجندة السياسيين، تمامًا كتحسين معيشة العمال وظروفهم الصحية والتعليمية؛ للمنفعة السياسية ذاتها، ولرفع كفاءتهم الإنتاجية، وليس لِقِيمة أخلاقية أو إنسانية! بالإضافة إلى اتخاذ حقوق المرأة وسيلة لترويج الليبرالية ونشْرها وكسب التأييد لها من قطاع واسع في المجتمعات، واتخاذها ذريعة لتفكيك المفاهيم والقيم الإسلامية عند المسلمين.
إن محاربة اللباس الشرعي بما في ذلك قانون حظر "الحجاب" وعباءة المرأة المسلمة في فرنسا هو عملية دفع بالقوة الغاشمة؛ بصرامة القانون وقوة السلاح من أجل تعرية نساء المسلمين حتى يتساويْن مع نساء الغرب في النظر إليهن كسلعة مطلوبة وكموضوع جنسي للرجال في الغرب. ذلك أن الحداثة الغربية تخشى بشدة أن ترى المرأة المسلمة وهي ملتزمة بلباسها الشرعي؛ لأن في ذلك هدمًا لسردية الحداثة حول حرية المرأة وتحديًّا للنظرة الغربية للمرأة.
ذلك أن التزام المرأة المسلمة بسترها وعفتها هي دعوة صريحة لنساء الغرب بأن الإسلام قد كرَّم المرأة وصانها من الاستغلال ورفع من قدرها عندما أمرها باللباس الشرعي؛ لأن ذلك يعطيها قوة في القول والفعل ويفرض على الرجل أن يتعامل معها باحترام، مقدرًا فيها عقلها وكينونتها في الحياة العامة. ولذلك فلا غرابة أن يجعل الغرب المرأة المسلمة حجر الزاوية في مزاده لتفكيك الجاليات المسلمة في أوروبا وتفكيك المجتمعات المسلمة وإفسادها في بلاد المسلمين.
أما الإسلام فإنه لا يحمل نظرة "جندرية" للمرأة أو للعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع، إذ إن معيار التفاضل بين المرأة والرجل هو نفسه معيار التفاضل بين الناس جميعًا، قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرًا}. والقوامة التي أعطاها الله للرجل على المرأة هي حق للمرأة قبل أن تكون واجبًا على الرجل، وهي لا تحمل معنى التفوق في الجنس أو الفضل بل هي توزيع في الوظيفة بين الرجل والمرأة كما أراد الله تعالى؛ لأنه هو خالق الذكر والأنثى وهو العالم بطبيعة خلقه وصاحب الحق في تنظيم شؤونهم. ونحن بوصفنا مسلمين لا نلتفت مطلقًا لكل الحجج التي يسوقها العلمانيون لتبرير قوانينهم؛ لأن الأحكام الشرعية عند المسلمين كـ"وجوب الحجاب" تؤخذ بالطاعة والتسليم.
وفي الختام، إن من ينظر للمرأة على أنها مجرد جسد هم الذين يعتبرون إخفاء جسد المرأة إخفاء للمرأة. الفرنسيون يعرفون تمامًا أن مسألة لباس المرأة المسلمة هي مسألة هوية، ومن ثم فإن نزع الحجاب عنها إنما هو موقف عقدي سياسي ضد الإسلام والمسلمين لمحو هويتهم وإبادة ثقافتهم ولا علاقة له بعالمانية الدولة ولا بما يسمونه بـ"الإسلام السياسي"، و"الإسلاموية"؛ لأن اللباس هو علاقة بين الإنسان ونفسه وفق أحكام دينه. ومن يُسيس العباءة إنما هم السياسيون الفرنسيون لأن قرار منع (العباءة) في المدارس يندرج في المزايدات الانتخابية بين اليمين واليسار الفرنسي. وأما إذا كانوا يعتقدون بالفعل أن العباءة تقوض النظام التعليمي، وأن الدولة وعالمانيتها وأنظمتها لا يصمدون أمام العباءة وحجاب المرأة المسلمة فعليهم أن يعترفوا بهشاشة دولتهم وعلمانيتهم. وعليهم أن يكفوا وأذنابهم العلمانيين في بلاد المسلمين عن الكذب بشأن "حياد العلمانية"، فالرئيس الفرنسي ساركوزي قال للبابا بندكت السادس عشر أثناء زيارته له سنة 2007 إن اللائكية ليس لها أن تقطع فرنسا عن جذورها النصرانية! فيما نجدها تقطع الجالية الفرنسية المسلمة عن جذورها، فأين الحياد المزعوم؟!!
إن الحداثة الغربية تعيش أزمة الشرعية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وباتت تخشى من الإسلام الذي ظل صامدًا في عقيدته وأحكامه رغم غياب كيانه السياسي (الخلافة)، وبعد أن فشلت العالمانية التي تمثل وعاء الحداثة في إعادة إنتاج نفسها بين المسلمين رغم هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، باتت تدافع اليوم عن عقيدتها في عقر دار عاصمة "الأنوار"، باستبداد القانون وقوة السلاح لأنها عجزت عن إقناع المسلمين بالتخلي عن دينهم، بل وعجزت عن تحصين أبنائها في وجه أنوار الإسلام التي خطفت أبصارهم وقلوبهم.
26/صفر/1445هـ
11/9/2023م