Abu Taqi
09-09-2023, 12:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
قمة دول العشرين في الهند واشتداد التنافس والاستقطاب الدولي
تنعقد اليوم وغدًا قمة رؤساء دول العشرين (G20) في العاصمة الهندية دلهي، وهي الدول الأكبر محوريًّا في الاقتصاد والتجارة العالمية والتي تشكل اقتصادياتها ٨٥٪ من الناتج الاقتصادي العالمي و٧٥٪ من التجارة العالمية، ويُمثل اجتماع (G20) منتدى اقتصاديًّا وماليًّا سنويًّا يحضره رؤساء هذه الدول ويشمل جهات ومنظمات دولية. وكان وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في الدول الأعضاء في مجموعة السبع الكبار (G7) قد قرروا في قمة المجموعة عام ١٩٩٩ توسيع المجموعة وضم نظرائهم في دول مجموعة العشرين عقب أزمة النمور الآسيوية، إلا أنه تم رفع مستوى المشاركة إلى مستوى الرؤساء في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩.
لقد تمكنت القمة السنوية وما يسبقها من لقاءات تحضيرية بقيادة وزراء خارجية الدول العشرين من توسيع أجندة المنتدى لتشمل قضايا مثل: تغير المناخ، والطاقة المستدامة، والإعفاء من الديون الدولية، وفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، والتنمية المستدامة، غير أن الأزمات المالية والسياسية والخلافات الإقليمية كانت تلقي بظلالها دومًا على القمم المنعقدة مثل الأزمة الأوكرانية التي فرضت نفسها على قمة بالي ٢٠٢٢. ونظرًا للخلافات بين الهند والصين فمن المتوقع أن يتخلف الرئيس الصيني شي جين بينج عن حضور هذه القمة، وأن يوفد عضو اللجنة المركزية لي كيانج بديلًا عنه. حيث عقدت الهند اجتماع مجموعة العشرين بشأن السياحة في الجزء الخاضع لإدارتها في كشمير _المتنازع عليها بين الباكستان والهند_ بينما أزّمت الصين خلافها الحدودي مع الهند بإصدار خريطة تضم ولاية أروناتشال براديش وهضبة أكساي تشين للصين. وهذا بالإضافة إلى سحب الصين لعدد من استثماراتها من السوق الهندية مثل مصنع فوكس كون لتصنيع أشباه الموصلات بقيمة ١٩ مليار دولار، ومصنع السيارات الكهربائية بمشاركة شركة بي واي دي الصينية بقيمة مليار دولار. وبرغم أن ذلك يعكس حالة النزاع الصيني الهندي إلا أنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة وسياستها الرامية لتعميق الخلاف بين الهند والصين وتفعيل انحياز الهند للاستراتيجية الأميركية المتعلقة بمنطقة الأندوباسيفيك، وتثبيت دورها السياسي في تجمع (كواد) الرباعي، وبخاصة بعد توقيعها على اتفاقية "الشراكة لأمن المواد" والتي يؤمل منها تسريع بناء سلاسل توريد لعدد من المواد الاستراتيجية، وهي الاتفاقية التي تحمل في طياتها وعودًا بإحلال الهند كمركز لسلاسل التوريد الأكثر أمنًا، كما تهيئ لتنفيذ الرؤية الأميركية التي وضعتها إدارة ترمب لدخول السوق الهندي، وإصلاح التنظيمات الهندية التي تعطل استثمار الشركات الأميركية مثل قوانين الملكية والمشارك. وفي هذا السياق فقد يتم الإعلان عن "مشروع السكك الحديدية المشترك" في هذه القمة لربط الهند بدول الخليج وبلاد الشام وإسرائيل كمنافس لمشروع الحزام والطريق الصيني، فضلًا عن خدمته لـ"المسار الإبراهيمي". وهي الفكرة التي طُرحت في منتدى I2U2، الذي يضم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند.
وتظهر استجابة الهند للرؤية الأميركية من خلال قيامها بوضع "التنمية المستدامة" بالإضافة إلى تدابير "نشر النمو الاقتصادي بشكل أكثر توازنًا بين البلدان المتقدمة والنامية" كركيزة أساسية للقمة، كما تظهر استجابتها للرؤية الأميركية أيضًا من خلال إعادة إنتاج سياستها الخارجية "كوسيط سياسي" لمساندة دول "عالم الجنوب (Global South)"، حيث صرح وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرمانيان جايشنكار أنه لم يسبق لدولة مستضيفة لقمة العشرين أن "تتشاور على نطاق واسع مع الدول النامية" مضيفًا أن "الهند التمست آراء أكثر من ١٢٥ دولة"، ومن المتوقع إعلان القمة عن مقعد دائم للاتحاد الأفريقي، وكل ذلك يخدم تشتيت تنافس أوروبا والصين مع الولايات المتحدة وتوجيهه نحو أطراف دولية "صاعدة".
وهو ما يشير إلى توافق أميركي هندي بخصوص منافسة سياسة الصين وروسيا تجاه "عالم الجنوب (Global South)" حيث صرح جايك سوليفان أن "الصين تهدر فرصة المشاركة البناءة لحل المشاكل المتعددة الأطراف والتي تواجه دول العالم النامية" مضيفًا أنه و"بعكس محاولة الرئيس شي في إفساد لحظة نجاح رئيس الوزراء مودي، فإن الولايات المتحدة ستقدم مقترحًا قيميًّا يشمل تخفيض الديون والتقنية والمناخ وإصلاح البنوك". فالولايات المتحدة وعبر رئيس البنك الدولي أجاي بانجا عازمة على إعادة مركزية البنك الدولي في تمويل التنمية، من خلال تطبيق توصيات التقرير الذي تكفلته الهند لإصلاح البنوك متعددة الأطراف؛ لتمكينها من إقراض قرابة ٥٠٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٣٠، والذي استقبلته الصين بحذر باعتبار أنه يسحب البساط من تحتها بشأن سياسة الإقراض التي تنفذ من خلالها إلى الأسواق والتي وصفها سوليفان بـ "طريق غير شفاف وقسري"، حيث تُعد الترتيبات الأميركية الهندية تحديًّا لمبادرة الحزام والطريق الصينية ولمصارف منتدى بريكس، ومُعيقًا لهدفها بأن تصبح الممول المفضل للدول النامية.
ومن أوجه النزاع الصيني-الهندي هي محاولات الهند الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن وهو ما تعارضه الصين؛ لأنه يقلص من فعالية سياساتها تجاه الهند وقدرتها على التأثير عليها من خلال حق الفيتو في المجلس، ويقوض مركزيتها القارية بوصفها العضو الآسيوي الوحيد (الدائم) في مجلس الأمن. فلقد نقلت صحيفة لو آيكو الفرنسية (Les Echo ) في لقاء مع رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته لفرنسا في شهر حزيران/يونيو الماضي تساؤله عن "مواكبة المنظمات الدولية لمتغيرات العالم" مضيفًا "هل تشعر دول العالم بأن هذه المنظمات والمؤسسات مهمة أو ذات صلة".
متابعة سياسية
قمة دول العشرين في الهند واشتداد التنافس والاستقطاب الدولي
تنعقد اليوم وغدًا قمة رؤساء دول العشرين (G20) في العاصمة الهندية دلهي، وهي الدول الأكبر محوريًّا في الاقتصاد والتجارة العالمية والتي تشكل اقتصادياتها ٨٥٪ من الناتج الاقتصادي العالمي و٧٥٪ من التجارة العالمية، ويُمثل اجتماع (G20) منتدى اقتصاديًّا وماليًّا سنويًّا يحضره رؤساء هذه الدول ويشمل جهات ومنظمات دولية. وكان وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في الدول الأعضاء في مجموعة السبع الكبار (G7) قد قرروا في قمة المجموعة عام ١٩٩٩ توسيع المجموعة وضم نظرائهم في دول مجموعة العشرين عقب أزمة النمور الآسيوية، إلا أنه تم رفع مستوى المشاركة إلى مستوى الرؤساء في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩.
لقد تمكنت القمة السنوية وما يسبقها من لقاءات تحضيرية بقيادة وزراء خارجية الدول العشرين من توسيع أجندة المنتدى لتشمل قضايا مثل: تغير المناخ، والطاقة المستدامة، والإعفاء من الديون الدولية، وفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، والتنمية المستدامة، غير أن الأزمات المالية والسياسية والخلافات الإقليمية كانت تلقي بظلالها دومًا على القمم المنعقدة مثل الأزمة الأوكرانية التي فرضت نفسها على قمة بالي ٢٠٢٢. ونظرًا للخلافات بين الهند والصين فمن المتوقع أن يتخلف الرئيس الصيني شي جين بينج عن حضور هذه القمة، وأن يوفد عضو اللجنة المركزية لي كيانج بديلًا عنه. حيث عقدت الهند اجتماع مجموعة العشرين بشأن السياحة في الجزء الخاضع لإدارتها في كشمير _المتنازع عليها بين الباكستان والهند_ بينما أزّمت الصين خلافها الحدودي مع الهند بإصدار خريطة تضم ولاية أروناتشال براديش وهضبة أكساي تشين للصين. وهذا بالإضافة إلى سحب الصين لعدد من استثماراتها من السوق الهندية مثل مصنع فوكس كون لتصنيع أشباه الموصلات بقيمة ١٩ مليار دولار، ومصنع السيارات الكهربائية بمشاركة شركة بي واي دي الصينية بقيمة مليار دولار. وبرغم أن ذلك يعكس حالة النزاع الصيني الهندي إلا أنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة وسياستها الرامية لتعميق الخلاف بين الهند والصين وتفعيل انحياز الهند للاستراتيجية الأميركية المتعلقة بمنطقة الأندوباسيفيك، وتثبيت دورها السياسي في تجمع (كواد) الرباعي، وبخاصة بعد توقيعها على اتفاقية "الشراكة لأمن المواد" والتي يؤمل منها تسريع بناء سلاسل توريد لعدد من المواد الاستراتيجية، وهي الاتفاقية التي تحمل في طياتها وعودًا بإحلال الهند كمركز لسلاسل التوريد الأكثر أمنًا، كما تهيئ لتنفيذ الرؤية الأميركية التي وضعتها إدارة ترمب لدخول السوق الهندي، وإصلاح التنظيمات الهندية التي تعطل استثمار الشركات الأميركية مثل قوانين الملكية والمشارك. وفي هذا السياق فقد يتم الإعلان عن "مشروع السكك الحديدية المشترك" في هذه القمة لربط الهند بدول الخليج وبلاد الشام وإسرائيل كمنافس لمشروع الحزام والطريق الصيني، فضلًا عن خدمته لـ"المسار الإبراهيمي". وهي الفكرة التي طُرحت في منتدى I2U2، الذي يضم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند.
وتظهر استجابة الهند للرؤية الأميركية من خلال قيامها بوضع "التنمية المستدامة" بالإضافة إلى تدابير "نشر النمو الاقتصادي بشكل أكثر توازنًا بين البلدان المتقدمة والنامية" كركيزة أساسية للقمة، كما تظهر استجابتها للرؤية الأميركية أيضًا من خلال إعادة إنتاج سياستها الخارجية "كوسيط سياسي" لمساندة دول "عالم الجنوب (Global South)"، حيث صرح وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرمانيان جايشنكار أنه لم يسبق لدولة مستضيفة لقمة العشرين أن "تتشاور على نطاق واسع مع الدول النامية" مضيفًا أن "الهند التمست آراء أكثر من ١٢٥ دولة"، ومن المتوقع إعلان القمة عن مقعد دائم للاتحاد الأفريقي، وكل ذلك يخدم تشتيت تنافس أوروبا والصين مع الولايات المتحدة وتوجيهه نحو أطراف دولية "صاعدة".
وهو ما يشير إلى توافق أميركي هندي بخصوص منافسة سياسة الصين وروسيا تجاه "عالم الجنوب (Global South)" حيث صرح جايك سوليفان أن "الصين تهدر فرصة المشاركة البناءة لحل المشاكل المتعددة الأطراف والتي تواجه دول العالم النامية" مضيفًا أنه و"بعكس محاولة الرئيس شي في إفساد لحظة نجاح رئيس الوزراء مودي، فإن الولايات المتحدة ستقدم مقترحًا قيميًّا يشمل تخفيض الديون والتقنية والمناخ وإصلاح البنوك". فالولايات المتحدة وعبر رئيس البنك الدولي أجاي بانجا عازمة على إعادة مركزية البنك الدولي في تمويل التنمية، من خلال تطبيق توصيات التقرير الذي تكفلته الهند لإصلاح البنوك متعددة الأطراف؛ لتمكينها من إقراض قرابة ٥٠٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٣٠، والذي استقبلته الصين بحذر باعتبار أنه يسحب البساط من تحتها بشأن سياسة الإقراض التي تنفذ من خلالها إلى الأسواق والتي وصفها سوليفان بـ "طريق غير شفاف وقسري"، حيث تُعد الترتيبات الأميركية الهندية تحديًّا لمبادرة الحزام والطريق الصينية ولمصارف منتدى بريكس، ومُعيقًا لهدفها بأن تصبح الممول المفضل للدول النامية.
ومن أوجه النزاع الصيني-الهندي هي محاولات الهند الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن وهو ما تعارضه الصين؛ لأنه يقلص من فعالية سياساتها تجاه الهند وقدرتها على التأثير عليها من خلال حق الفيتو في المجلس، ويقوض مركزيتها القارية بوصفها العضو الآسيوي الوحيد (الدائم) في مجلس الأمن. فلقد نقلت صحيفة لو آيكو الفرنسية (Les Echo ) في لقاء مع رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته لفرنسا في شهر حزيران/يونيو الماضي تساؤله عن "مواكبة المنظمات الدولية لمتغيرات العالم" مضيفًا "هل تشعر دول العالم بأن هذه المنظمات والمؤسسات مهمة أو ذات صلة".