المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية دردشة حول ليبيا والتطبيع مع إسرائيل وحول أحداث دير الزور



Abu Taqi
07-09-2023, 05:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
دردشات سياسية
أولًا: لقاء وزير الخارجية الإسرائيل إيلي كوهين مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش
التقى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين سرًّا مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في روما الشهر الماضي، وهو أول لقاء من نوعه بين البلدين. وبعد الكشف عنه من قِبل وزير الخارجية الإسرائيلي، ثارت عاصفة من الغضب والاحتجاجات في ليبيا، وهو ما أضطر رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة إلى إقالة وزيرة خارجيته (التي فرَّت إلى لندن)، رغم مشاركته لها في تلك الخيانة، بل ومشاركة أغلب القوى السياسية في التواصل مع الصهاينة، ومن ضمنهم خليفة حفتر وولده، وشركاء عقيلة صالح، وسيف القذافي، بالإضافة إلى تواطؤ الوسط السياسي بسكوته عن بعض المتصلين بإسرائيل وانتقاده للبعض الآخر في إطار التنافس الداخلي.
ومن جانبها وجهت الإدارة الأميركية رسائل احتجاج شديدة اللهجة إلى إسرائيل، بعد تسريب الاجتماع. إذ قال ثلاثة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين لموقع Axios الأميركي إن إدارة بايدن كانت تعمل على إقناع ليبيا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لمدة عامين.
وبحسب التقارير، فقد تمت مناقشة احتمال التطبيع في اجتماع بين دبيبة ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، الذي زار ليبيا في كانون الثاني/بناير 2023. وقال أحد المسؤولين لموقع Axios إنه الآن مع تداعيات الاجتماع في ليبيا، تضررت تلك الجهود، والجهود المبذولة لحمل الدول العربية الأخرى على التطبيع مع إسرائيل.
وأما نتنياهو فقد كان يأمل تحقيق اختراق على صعيد التطبيع مع الدول العربية، واستعادة شعبيته عبر فتح قناة للتطبيع مع ليبيا كمسار موازٍ لمسار التطبيع مع السعودية، والذي قد لا يتحقق في ظل المطالب الأميركية بضرورة تقديم إسرائيل "تنازلات" بشأن القضية الفلسطينية ليتذرع بها النظام السعودي ويتفادى حرج الانخراط في المسار الإبراهيمي. وفي هذا الخصوص قال أربعة مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين لموقع Axios إن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الخارجية توني بلينكن أثارا مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر الحاجة إلى تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين كجزء من أية صفقة سعودية. وقال مسؤولان أميركيان إن بلينكن أخبر ديرمر أن الحكومة الإسرائيلية "تخطئ في قراءة الوضع" إذا كانت تعتقد أنها لن تضطر إلى تقديم مثل هذه التنازلات. وقال المسؤولون إن بلينكن قال أيضًا إن السعودية ستحتاج إلى أن تثبت للعالم العربي والإسلامي أنها حصلت على إنجازات مهمة من إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين مقابل اتفاق التطبيع. علمًا بأن المسار الإبراهيمي الذي تتجه السعودية للانغماس فيه هو انقلاب على مبادرتها في بيروت، وهذا علاوة على أن التنازلات التي يتحدثون عنها تتركز حول تجميد جميع عمليات بناء المستوطنات في الضفة الغربية في المناطق المخصصة لـ"السلطة الفلسطينية"، وهي لا تزيد عن كونها تسهيلات أمنية واقتصادية متبادلة للحفاظ على التهدئة والحد من تطرف الرأي العام الإسرائيلي، وتجميد ضم الضفة الغربية أو المنطقة (ج) من طرف الحكومة الإسرائيلية، والإفادة من ذلك لطي صفحة "رفض التطبيع" المزعوم من قِبل الجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي، وخداع الفلسطينيين بعنوان حل الدولتين الذي لن يتعدى إدارة مدنية للسلطة الفلسطينية على السكان مع بقاء السيادة على الأرض لإسرائيل، وهو ما أكده نتنياهو صراحة أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست كما ورد في وسائل الإعلام الإسرائيلية في 26 حزيران/يونيو حيث قال: "نحن بحاجة إلى القضاء على تطلعات [الفلسطينيين] في إقامة دولة".
وفي سياق مساعي نتنياهو لتوسيع اختراقاته للبلاد العربية، كان يطمع بالتطبيع مع ليبيا لاعتبارات لها أبعاد سياسية واقتصادية، يلتقي فيها مع إيطاليا واليونان بشأن ملف الغاز والهجرة والأمن الأوروبي، ومحاصرة العلاقة التركية الليبية، ولكن وكما يبدو أن خصومه في الداخل والولايات المتحدة قد سربوا لقاء المنقوش مع إيلي كوهين إلى بعض الصحف، مما اضطر وزير الخارجية الإسرائيلي للكشف عن اللقاء قبل أن تنشره الصحافة. وهدف الولايات المتحدة من كشف اللقاء وتسريبه هو إلقاء اللوم على نتنياهو وحكومته وإحراجه لصالح معارضيه، فقد وجهت أميركا انتقادات شديدة لحكومته معتبرة تصرف الحكومة قد أضرَّ بفرص التطبيع مع ليبيا والدول العربية الأخرى. فيما تعرض وزير الخارجية الإسرائيلي لانتقادات لاذعة من كبار مسؤولي الموساد الإسرائيلي. ونتيجة للانتقادات الداخلية والأميركية، اضطر نتنياهو إلى التملص من مسؤولية ما جرى ملقيًا باللوم على وزير الخارجية، ففي حديثه للتلفزيون الوطني ΑΝΤ1 التابع للإدارة القبرصية اليونانية قبل زيارته المقررة، قال نتنياهو إن نشر الاجتماع "ليس مفيدًا" واستثناءً لقاعدة الاتصالات السرية. وقال إن حكومته ستضمن عدم تكرار ذلك. وقال: "لقد كان هناك، فقط، عدد لا يحصى من الاتصالات السرية التي أجريت بين إسرائيل والقادة العرب، والقادة المسلمين… لكننا كنا حريصين للغاية على عدم الكشف عن هذا [في وقت مبكر]".
أما في الجانب الليبي، فقد استغلت المعارضة الليبية الفضيحة للهجوم على حكومة الدبيبة التي كانت تحاول استجلاب التأييد الدولي لها من بوابة التطبيع مع إسرائيل، ولا سيما بعد أن دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة. ولذلك كان التطبيع مع الكيان الصهيوني هو ملاذ الدبيبة لتحصين حكومته من ركلة تقذفها في سلة المهملات التي ألقي فيها علي زيدان وفايز السراج وقطيع العملاء. فالارتماء في أحضان الصهاينة والتمترس بهم ضد غائلة المقاربات السياسية الدولية والمنافسة الداخلية، هو دأب الحكام الذين لا سند لهم من شعوبهم، ولا رصيد لهم في سجل الشرف والإخلاص والتضحيات في سبيل دينهم وأمتهم، الذين لا وظيفة لهم سوى تنفيذ المخططات الغربية، ومحاربة الإسلام وأهل المنطقة وقيمها ومصالحها.

Abu Taqi
07-09-2023, 05:21 PM
ثانيًا: انتفاض عشائر دير الزور في وجه قسد
اندلع يوم الأحد 27 آب/أغسطس قتال بين قوات سوريا الديمقراطية وبين عشائر عربية في منطقة دير الزور (على إثر) اعتقال قسد لأحمد الخبيل الملقب بأبي خولة، والذي كان يرأس مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية.
ومن تتبع رد الفعل الأميركي على ما يجري يتبين أن الولايات المتحدة قد سكتت عن انتفاضة العشائر لتفريغ نقمتهم، وتوجيه رسالة لقسد أن يلتزموا حدود اتفاقهم مع أميركا مع تأكيدها على استمرار دعمها لهم، ويتضح الموقف الأميركي في هذا الشأن من تصريح السفارة الأميركية في دمشق في منشور على منصة "إكس"، إن الولايات المتحدة "تشعر بالقلق العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة" في دير الزور، وتدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد. وهو ما يعني أن أميركا تريد أن تعيد هيكلة المجلس العسكري لدير الزور وامتصاص غضب العشائر وتنفيس احتقانهم، واستعمالهم كحائط صد ضد تمدد إيران والنظام السوري إلى شرق الفرات الذي يحتوي على الطاقة وسلة الغذاء السوري، واستعمال قسد كطوق حماية وخط دفاع أول عن قواعدها العسكرية المنتشرة في المناطق التي تسيطر عليها قسد. ومن ثم تريد الولايات المتحدة أن تمنع النظام السوري من روافد القوة من أجل إخضاعه لمسارها السياسي، وإضعاف الموقف الروسي، وعرقلة التقارب التركي مع بشار المجرم، بالإضافة إلى لجم المليشيات التابعة لإيران في تلك المنطقة بما فيها الشريط الحدودي بين سوريا والعراق، والتي تشهد بين الحين والآخر توترات وقصفًا، آخره الضربات التي نفذها الأميركيون ردًا على قصف تعرضت له إحدى قواعدهم في محافظة الحسكة وأودى بحياة متعاقد أميركي.
ولا يخفى أن أميركا هي التي سمحت بتوسع قسد على حساب العشائر العربية، ومنعت العشائر والنظام السوري من الاستئثار بثروات المنطقة؛ واستأثرت هي بهذه الثروات، التي تلقي لقسد بعض فتاتها، لضمان ولائهم وبقائهم في خدمتها، واعدة إياهم بدعم مشروعهم الانفصالي. بالإضافة إلى تأمين النظام السوري بالطاقة عبر قسد بالقدر الذي يبقيه صامدًا ريثما تنضج مرحلة الانتقال السياسي. ولا يخفى أيضًا أن تصرفات قسد القمعية، ومحاولتها محو ثقافة أهل المنطقة لصالح الليبرالية قد شكلت عامل استفزاز للعشائر العربية وسببًا في اندلاع الاشتباك.
ولكن بعد أن تمكنت قسد من استعادة السيطرة على المنطقة، وتيئيس العشائر (المعترضة) من الانعتاق، فمن المتوقع أن تفضي المفاوضات التي تحاول أميركا تنظيمها بين العشائر العربية وقسد في قاعدة العمر وعبر مساعي التواصل مع الهفل في ذيبان، إلى تحقيق بعض المطالب المعنوية للعشائر العربية وتدجين المتمردين منها، مع حرص أميركا على إعادة الهيبة لقسد وضبط سلوكها ونزعتها الانتقامية، عبر إقصاء شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل.
وأما الهدف الأخطر من كل ذلك فهو تأجيج الانقسام المجتمعي، وتثبيت التقسيم الفدرالي جغرافيًّا في تلك المناطق، عبر دفع العشائر العربية باستعمال الخطاب القومي والمناطقي، باعتبار أن مناطق دير الزور وريفها هي مناطق عربية خالصة، ولا بد من إدارتها بأنفسهم وإخراج الأكراد والمليشيات الإيرانية منها.
وما يجري في دير الزور والحدود السورية العراقية، واحتجاجات السويداء والساحل، هو جزء من الصورة الكلية لإدارة المشهد في منطقة تتشابك فيها العلاقات والمصالح، وبخاصة بين القوى الكبرى الدولية، والدول الإقليمية الكبرى، على نحو يخدم تسوية العلاقة الإسرائيلية مع الدول العربية والذي يتطلب نظامًا فدراليًّا سوريًّا ضعيفًا يقبل بمعاهدة سلام مع الكيان الصهيوني.
ومن أهداف أميركا أيضًا نزع فتيل التوتر بين الأكراد والعشائر العربية ومنع انزلاق المنطقة الشرقية إلى الاضطراب خشية استغلاله من طرف النظام السوري وروسيا وإيران وتركيا، وبالتالي فهي حريصة على تأمين استقرار المنطقة وتحصينها ضد الاختراق، وضمان استمرار مشروعها للجيب الكردي في الشمال وإظهار قسد قوة شرعية في المشهد السياسي. ولذلك حرصت في بيانها على تأكيد دعمها وتشاركها مع قسد بحجة مكافحة تنظيم الدولة، كما حرصت على إدارة النزاع بين قسد والعشائر لاحتواء خلافهما وتداعياته على استقرار المنطقة وأمنها، ولذلك تدخلت المروحيات الأميركية لوقف اقتحام قسد لبلدة ذيبان لاعتقال أو قتل الشيخ الهفل خشية تفاقم النزاع، ومن أجل إقناع العشائر بحياديتها، ومن ثم فرض إملاءاتها على العشائر، ولذلك تضمن خطاب الهفل لأميركا ضمان العشائر لأمن المنطقة، حيث طالب في التسجيل الذي أُذيع مساء الأربعاء، التحالف الدولي بقيادة أميركا بـ"تشكيل مجلس قيادة عسكرية من أعيان عشائر دير الزور من الثقات والعسكر ذوي الخبرات من أبناء العشائر العربية"، موضحًا أنه "على اتصال مع العشائر كافة لتهدئة الأوضاع، بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة، وذلك في حال الموافقة وتأمين المطالب المشروعة، وتقديم ضمانات مؤكدة من التحالف الدولي".
فيما استغل النظام السوري والإيرانيون وقسد النزاعَ، للحد من الاحتجاجات الممتدة من السويداء إلى درعا وريف دمشق، والساحل السوري، حيث بدأت قبل أيام قليلة من تحرك قسد الأخير احتجاجات شعبية في دير الزور والرقة، ووصلت إلى القامشلي، التي توقفت نهائيًّا بعد إعلان قسد عمليتها الأخيرة في شرق الفرات عمومًا، وفي دير الزور خصوصًا. وهي الاحتجاجات التي يجري توسيعها وتسخيرها في الضغط على النظام السوري وإبقائه في حالة ضعف، ودفعه للاستجابة إلى مقتضيات الانتقال السياسي المقترحة من الدول العربية والتي رفضها وزير الخارجية السوري، مطالبًا الدول العربية بدعم سوريا بدل دعمهم للإملاءات الأميركية.
وفي هذا السياق فإن النظام السوري يستفيد من عسكرة النزاع بين قسد والعشائر العربية ويستمد منها بقاؤه. فيما تستفيد الولايات المتحدة من النزاع لإعادة هندسة المشهد السياسي والعملياتي في منطقة دير الزور والشمال السوري والحدود السورية العراقية بما يحقق عزل المناطق عن بعضها ويؤسس لنظام فدرالي على أقل تقدير.
21/صفر/1445هـ
7/9/2023م