المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية التحركات الأميركية في الشرق الأوسط



Abu Taqi
30-08-2023, 02:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
التحركات الأميركية في الشرق الأوسط
وتكثيف تمركزها في شرق سوريا وحدود العراق
شكلت التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة وبخاصة على الحدود العراقية السورية ملمَحًا بارزًا في الآونة الأخيرة وأصبحت حديث الساعة، حيث عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في قواعدها في شرق سوريا، مُغلفة هذه التحركات بـ"الغموض الاستراتيجي"، ومحاربة "الإرهاب"، ومحاصرة تنظيم الدولة في المنطقة الحدودية الرخوة بين العراق وسوريا. إذ تواردت الأنباء عن تحركات أميركية مكثفة منذ أشهر، وازدادت وتيرتها في الأسابيع الأخيرة، حيث نقلت أعدادًا كبيرة من جنودها، إلى المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا فضلًا عن تحريكها لبعض القطع البحرية والقاذفات الاستراتيجية إلى المنطقة.
أما الأهداف من هذه التحركات والتعزيزات، فإنه وإن كانت ضمن سياسة الغموض الاستراتيجي، ويجري التمويه عليها بتوظيف الاحتجاجات في الجنوب السوري، لتظهر وكأنها استعدادات لإسقاط النظام، فيمكن رصدها من الظروف المحيطة بها. فلا يخفى أن أميركا تستثمر في الحرب الروسية الأوكرانية لإعادة ترتيب العالم بما يخدم استمرار تفردها في الموقف الدولي، ومن ذلك سعيها إلى تفكيك القوى والتكتلات الصاعدة. وفي هذا السياق فإن الوجود الأميركي في شرق سوريا وتعزيزه يخدم مراقبة وتجميد فاعلية الوجود الروسي في سوريا، وينذر كل من إيران وتركيا بشأن الرهان على روسيا في الملف السوري. ولذلك فإن من المرجح أن التعزيزات الأميركية في شرق سوريا بالقرب من القوى الإقليمية تهدف إلى إعاقة التقارب بينها، ودرء مخاطر تفاهماتها على وجود أميركا ومصالحها في المنطقة الممتدة من الخليج إلى البحر الأبيض والأسود.
ومن أهداف التحركات الأميركية أيضًا لجم فصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران عن المشاغبة واستهداف القوات الأميركية في سوريا كما حصل في استهدافهم لقاعدة التنف على الحدود السورية العراقية، وردعهم عن ضرب استقرار الوضع في العراق، ولا سيما بعد أن سمحت الولايات المتحدة باستئثار "إطار التنسيق" الموالي لإيران بالمناصب الحكومية وعلى رأسهم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي لعب دورًا محوريًا في تسمية السوداني رئيسًا للوزراء وفي تشكيل الحكومة، وذلك بغية زرع التنافس والنزاع بين فصائل الحشد الشعبي وتفكيكه واحتوائه ودمجه في تشكيلات النظام، وعزل القادة والفصائل المتمردة مثل فصيل النجباء وزعيمه أكرم الكعبي الذي هاجم السفيرة الأميركية في مهرجان "يوم القدس" في نيسان/إبريل الماضي، واعتبر القوات الأميركية هدفًا لفصيله، وهو ما حدا بأميركا إلى تهديده بالاغتيال، لإسكاته وردع باقي الفصائل.
ولا شك أن تسليم السلطة في العراق للفصائل الموالية لإيران يصب في طمأنة النظام الإيراني على مصالحه في العراق، وتشجيعه على العودة إلى مربعه الوظيفي الذي انحرف عنه تمهيدًا لدمج إيران في مسار تهدئة الوضع في المنطقة برمتها، ولذلك طالب المرشد الإيراني علي خامنئي فصائل الحشد الشعبي أثناء اجتماعات المؤتمر الذي نظمته لجنة تنسيق المقاومة الإسلامية المسلحة في طهران في منتصف هذا العام بدعم الاستقرار في العراق والالتزام بقرارات إطار التنسيق.
ومن الأهداف الأميركية أيضًا تحقيق إنجاز فيما يتعلق بمسار التطبيع الإسرائيلي مع السعودية قبل الانتخابات الأميركية المقبلة، والتي ستأخذ العلاقة الأميركية السعودية، والتهديدات الإيرانية التي تستوجب قوة ردع عسكرية حيزًا لا بأس به فيها.
كما من الممكن أن توظف الإدارة الأميركية تحركاتها العسكرية في الشرق الأوسط في سياق طمأنة "إسرائيل" بشأن صرامة التعامل مع إيران التي يُراد لها أن تبقى فزاعة لدول الخليج وإسرائيل. ومن جانب آخر فإن تعزيز القوات الأميركية على الحدود السورية العراقية يسد ذرائع نتنياهو ويمنعه من تصدير أزمته الداخلية بعمل عسكري ضد إيران، ولذلك أرسلت إيران تحذيراتها لإسرائيل مؤخرًا عبر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والذي استغل الرد على تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي لإعادة تعزيز شعبية حزبه في الداخل اللبناني، بعد أن فقد جزءًا من رصيده جرَّاء تدخله في سوريا وقضية تفجير مرفأ بيروت، وبسبب تداعيات الوضع الاقتصادي اللبناني المرتبط بالأزمة السياسية الداخلية.
وأما تصوير التحركات العسكرية الأميركية بأنها استعدادات لإسقاط النظام السوري فهو مجرد تمويه على الأهداف الحقيقية، ذلك أن عملية إعادة تأهيل النظام السوري والتي انعكست في حضور المجرم بشار الأسد للقمة العربية في السعودية، وفي تقاطر الوفود العربية على دمشق، وفي إدخال سوريا طرفًا في مشروع الطاقة من مصر إلى لبنان، كل ذلك ينفي توجه الولايات المتحدة لإسقاط النظام السوري في الوقت الراهن، بل إن هناك محاولات لإخراجه من قبضة الوصاية الروسية والإيرانية مع إبقائه في حالة ضعف. ذلك أن أميركا تستفيد من نظام سوري ضعيف يتخبط في أزماته الاقتصادية من أجل تكثيف وجودها العسكري في المناطق الشرقية وتقوية الفصائل الكردية في الشمال. بينما لا فائدة حقيقية ترجى من إسقاط نظام قد يفضي إسقاطه إلى أزمة خطيرة من شأنها أن تصرف الأنظار عن الحرب الروسية الأوكرانية، أو تؤدي إلى احتكاك أميركي بالوجود الروسي في سوريا وتبعثر أوراق الملف السوري المتشابك وتتيح لدول الإقليم المتربصة (إيران وتركيا وإسرائيل) اغتنام الفرصة وقلب الموازين لمصالحهم القومية. لذلك فإن مسألة إسقاط النظام السوري أمر مستبعد في الوقت الراهن.
وأما محرك الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا في الجنوب السوري وانتقلت إلى الشمال، فهو التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة، وبخاصة بعد انشغال الحليف الروسي في الحرب الأوكرانية، وتضاؤل الإمداد الإيراني، وغياب المساعدات العربية، وعدم قدرة النظام على تلبية الحاجات الأساسية للشعب.
وعليه فإن التحركات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تندرج في إطار فرض التهدئة في المنطقة بمقتضى أولوياتها الدولية وليس من أجل التأزيم أو لإسقاط النظام السوري.
14/صفر/1445هـ
30/8/2023م