Abu Taqi
21-08-2023, 11:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
قمة بريكس والتحديات التي تواجهها
في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وقرار الهند بمنع تصدير الأرز لحماية سوقها المحلي بعد قرار روسيا عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا، واحتمال تغيب بوتين عن القمة لمخاوف أمنية منها مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، تنعقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا يومي ٢٢-٢٤ آب/أغسطس الجاري قمة بريكس (BRICS) والتي تضم كلًا من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا وبحضور ممثلين عن ٤٠ دولة.
وتبحث هذه القمة عددًا من الملفات وعلى رأسها ملف طلب ٢٣ دولة الانضمام إلى المجموعة، وملف إيجاد عملة خاصة بهذا التجمع الاقتصادي، وهما ملفان تم تجاهلهما في القمم السابقة، ولكن المتغيرات العالمية بعد الحرب الأوكرانية فرضت البحث عن حلول لمسألة سيطرة الولايات المتحدة على منظومة مدفوعات التجارة العالمية والتي يهيمن الدولار عليها، وبالتالي فرضت هذه المتغيرات ملف العملة الموحدة على جدول أعمال القمة، وبات هذا الملف تحديدًا موضع اهتمام المراقبين.
وكما هو معلوم فإن أول قمة لهذه المجموعة الاقتصادية عقدت في مدينة ييكاترينبرغ الروسية في ١٦ حزيران/يونيو عام ٢٠٠٩، إثر مفاوضات دامت ٣ سنوات، وجمعت روسيا والصين والبرازيل ثم إضافة جنوب أفريقيا في ٢١ كانون أول/ديسمبر عام ٢٠١٠. ولقد وصف الرئيس الصيني آنذاك هو جينتاو دول "بريكس" بأنها "المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وكان من الأهداف التأسيسية للمنظمة تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول الأعضاء وإخبار دول مجموعة الـسبع الكبار (G7) أن الدول الأعضاء لديهم خيارات وأن ليس كل الطرق تؤدي إلى واشنطن.
وبمراجعة بيان قمة المجموعة في نيودلهي عام ٢٠١٢ يظهر بوضوح سعي المنظمة إلى إحداث إصلاح في النظام المالي العالمي بالدعوة إلى تقليص هيمنة الدولار وإيجاد "هيكل مالي دولي أكثر تمثيلًا"، إلا أن ذلك لم يترجم فعليًّا لكون العلاقة الثنائية الأكثر أهمية لكل عضوٍ في المجموعة هي علاقته التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث لا تزيد التجارة البينية للمجموعة عن ٤٢٢ مليار دولار أي ما يعادل قرابة ٤٠٪ من قيمة التجارة البينية بين دول بريكس والاتحاد الأوروبي.
غير أن تحولًا كبيرًا قد وقع في مسار المجموعة بعد وصول الرئيس شي جين بينغ وتياره إلى الحكم في الصين عام ٢٠١٣، والذي أنتج مفاعيلَ واستقطابًا غير مألوف أو مقبول أميركيًا في العلاقات الدولية. وكان للعقوبات التي شرع الغرب جماعيًّا بفرضها على روسيا بعد احتلالها جزيرة القرم في العام ٢٠١٤، وما تبع ذلك من تضييق على الاقتصاد الروسي، أثرٌ على التحول في مسار بريكس أيضًا، وهو ما شجع الدول الأعضاء للبحث عن تعاون مؤسسي وأرضية مشتركة.
ولكن تلك المساعي لا تزال تواجه معوقات في ظل التباين في الطموح والمصالح القومية لكل منهم، إذ تعارض الصين مثلًا أي توسيع في العضوية الدائمة لمجلس الأمن؛ من أجل أن تبقى الدولة الآسيوية الوحيدة التي لها مقعد دائم، ومن أجل محاصرة دور الهند إقليميًّا، وهو الأمر الذي تغذيه الولايات المتحدة عبر سماحها بالاستثمارات الصينية في الباكستان، وزرع بؤر التنافس بين الصين والهند في أفغانستان وبنغلادش وسيرلانكا، وكان من نتاج هذا التحول إنهاء عدد من الملفات الاقتصادية والمالية ومنها تأسيس بنك التنمية الجديد (New Development Bank)والذي يقوم بعمل مواز للبنك الدولي عبر دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول بريكس وغيرها من الدول النامية منذ العام ٢٠١٤. وتأسيس بنك برأس مال أولي قدره ١٠٠ مليار دولار اُطلق عليه اسم تنظيم احتياطي طوارئ بريكس (BRICS Contingent Reserve Arrangement) ليكون معادلًا لصندوق النقد الدولي، وتأسيس "بورصة الطاقة الدولية" في شنغهاي في عام ٢٠١٨ لمداولة عقود شحنات النفط من روسيا وفنزويلا وإيران باليوان حصريًّا. وكانت هذه البورصة تتويجًا لما بدأته الصين من شراء النفط من إيران باليوان منذ عام ٢٠١٢. إلا أن بقاء العملة الصينية من دون تدويل، وافتقارها لعنصر "الخيار الموثوق" اضطرها لإنشاء آلية دعم الذهب لكل عقود النفط عبر بوابة شنغهاي المالية لتنشئ الثقة اللازمة. كما أدت العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تعد أحد أهم مصادر التمويل، إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة لبنك التنمية الجديد. وهذه المعوقات التي تعترض مساعي مجموعة بريكس ومسارها في التأثير على النظام الدولي تكشف عن صراع إرادات بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى.
وفي نفس سياق التحول الذي طرأ على أعمال مجموعة بريكس لتنفيذ إصلاحات في النظام المالي العالمي، يندرج سعي المجموعة لإيجاد عملة موحدة بين أعضائها لتكون بديلًا منافسًا للدولار، والذي تجسد بتصريح الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا خلال زيارته للصين في (نيسان/إبريل ٢٠٢٣) حيث قال: "لماذا لا يمكننا التجارة بعملاتنا الوطنية"؟ وتساءل "من الذي قرر بأن الدولار هو العملة بعد اختفاء نظام الذهب؟".
وإذا أضيف إلى ذلك دعوة روسيا والصين لتوسيع البريكس بإضافة السعودية وإيران ومصر للمنظمة، ودعوة الرئيسين الصيني والروسي إلى التحرر من قيود استخدام الدولار، وتفعيل عمليات التبادل التجاري بين البلدين باستخدام العملات الوطنية (اتفاق الصين والبرازيل)، وسماح الصين لروسيا باستخدام اليوان؛ لتجنب العقوبات المالية الغربية بعد غزوها لأوكرانيا، وتقليص روسيا احتياطياتها من الدولار بنسبة ٢٦٪ في عام ٢٠١٨ واستثمارها في الذهب، فإن ذلك كله يعدُّ تحديًّا حقيقيًا وصريحًا للدولار، وهي محاولة جادة لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي؛ ذلك أنها مقترنة بخطوات حقيقية لتقليص اعتماد هذه الدول على الدولار. إذ تُعدّ سياسة الصين الرامية لمنافسة الدولار هي الأكثر عدوانية وصراحة وانسجامًا مع توجهاتها وسياستها الخارجية المرتكزة على التجارة، وهي الأكثر تحديًّا لمركزية الولايات المتحدة في الموقف الدولي، فيما لو نجحت باختراق النظام المالي العالمي. وهذا ما حذر منه وزير الخارجية الأميركي الأسبق بومبيو في خطابه في بروكسل في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨ قائلًا إن "أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستواجه الصين مطالبة إياها الالتزام والتقيد بأنظمة وقوانين الموقف الدولي"، ووجه لومه لدول المنطقة قائلًا إن سياسة أميركا المتشددة تجاه الصين تكمن في أن "العالم كان متساهلًا في ردوده على الصين عندما بدأت في التصرف بأسلوب لم تعتده سابقًا".
إلا أن إيجاد عملة مشتركة بين دول تجمع بريكس لا يتطلب رغبة فقط في التخلص من الدولار، بل يتطلب أيضًا تحديد سياسة العملة الموحدة وآلية تحديد سعرها؛ أي ضرورة الاتفاق على مرجع أو اتفاق يحدد سعر الصرف (الذهب أو الدولار او اليورو أو سلة عملات)، وكذلك تحديد آلية الحوكمة القانونية والتجارية والمرجعية الائتمانية (Fiduciary Authority) التي تحدد سعر الفائدة في النظام الرأسمالي، وهو الأمر الذي يعيق من احتمال إيجاد وتنفيذ رؤية موحدة لنظام مالي دولي منافس للدولار في المدى المنظور. ولا بد من لفت النظر هنا إلى أن ثمة فرقًا بين تدويل عملة محلية لتنافس الدولار وبين إيجاد عملة عالمية دولية كاليورو. فالصين مثلًا لا تسعى إلى تدويل عملتها خوفًا من فقدان سيطرتها المالية والاقتصادية، حيث أن التدويل يتطلب نقض سياسات ضبط التدفق النقدي وتحديد سعر الفائدة وسعر الصرف وتحويلها لآلية السوق، مما يبقي عملتها محصورةً في التعاملات الثنائية ومع دول العالم الثالث. وعليه فإن من المستبعد تدويل العملة الصينية.
وأما إيجاد عملة عالمية على أساس الذهب فإنه يفرض على المصارف المركزية للدول الأعضاء أن تتخلى عن بعض صلاحياتها لفائدة جهة نقدية فوق الدول نفسها (هيئة نقدية عليا) تتسلم الصلاحيات النقدية مثل البنك الفدرالي أو المصرف المركزي الأوروبي، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات مستمرة حول مدى قدرة بريكس على توحيد مواقفها بشأن هذه الملفات لتباين أولوياتها الوطنية، وارتباطها بمنظومة القواعد والقوانين والأعراف الدولية التي أسستها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ذلك البنية التحتية لتحويل الأموال عبر الحدود مثل نظام "سويفت" أو نظام شيبس (CHIPS) أو نظام فيدواير (Fedwire) والتي تُنفّذ العقوبات الغربية من خلالها.
وأما استناد العملة الجديدة إلى الذهب أو معادن ثمينة ذات استخدام صناعي مثل البلاديوم، فإن ذلك سيؤدي لتقليص عمليات التبادل البيني في حالة عدم توفر غطاء الذهب، كما سيحرم الحكومات من آلية ضخ السيولة في الأسواق لإنعاش الاقتصاد كما هو متعارف عليه في النظام الرأسمالي.
>>
متابعة سياسية
قمة بريكس والتحديات التي تواجهها
في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وقرار الهند بمنع تصدير الأرز لحماية سوقها المحلي بعد قرار روسيا عدم تجديد اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا، واحتمال تغيب بوتين عن القمة لمخاوف أمنية منها مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، تنعقد في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا يومي ٢٢-٢٤ آب/أغسطس الجاري قمة بريكس (BRICS) والتي تضم كلًا من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا وبحضور ممثلين عن ٤٠ دولة.
وتبحث هذه القمة عددًا من الملفات وعلى رأسها ملف طلب ٢٣ دولة الانضمام إلى المجموعة، وملف إيجاد عملة خاصة بهذا التجمع الاقتصادي، وهما ملفان تم تجاهلهما في القمم السابقة، ولكن المتغيرات العالمية بعد الحرب الأوكرانية فرضت البحث عن حلول لمسألة سيطرة الولايات المتحدة على منظومة مدفوعات التجارة العالمية والتي يهيمن الدولار عليها، وبالتالي فرضت هذه المتغيرات ملف العملة الموحدة على جدول أعمال القمة، وبات هذا الملف تحديدًا موضع اهتمام المراقبين.
وكما هو معلوم فإن أول قمة لهذه المجموعة الاقتصادية عقدت في مدينة ييكاترينبرغ الروسية في ١٦ حزيران/يونيو عام ٢٠٠٩، إثر مفاوضات دامت ٣ سنوات، وجمعت روسيا والصين والبرازيل ثم إضافة جنوب أفريقيا في ٢١ كانون أول/ديسمبر عام ٢٠١٠. ولقد وصف الرئيس الصيني آنذاك هو جينتاو دول "بريكس" بأنها "المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وكان من الأهداف التأسيسية للمنظمة تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول الأعضاء وإخبار دول مجموعة الـسبع الكبار (G7) أن الدول الأعضاء لديهم خيارات وأن ليس كل الطرق تؤدي إلى واشنطن.
وبمراجعة بيان قمة المجموعة في نيودلهي عام ٢٠١٢ يظهر بوضوح سعي المنظمة إلى إحداث إصلاح في النظام المالي العالمي بالدعوة إلى تقليص هيمنة الدولار وإيجاد "هيكل مالي دولي أكثر تمثيلًا"، إلا أن ذلك لم يترجم فعليًّا لكون العلاقة الثنائية الأكثر أهمية لكل عضوٍ في المجموعة هي علاقته التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث لا تزيد التجارة البينية للمجموعة عن ٤٢٢ مليار دولار أي ما يعادل قرابة ٤٠٪ من قيمة التجارة البينية بين دول بريكس والاتحاد الأوروبي.
غير أن تحولًا كبيرًا قد وقع في مسار المجموعة بعد وصول الرئيس شي جين بينغ وتياره إلى الحكم في الصين عام ٢٠١٣، والذي أنتج مفاعيلَ واستقطابًا غير مألوف أو مقبول أميركيًا في العلاقات الدولية. وكان للعقوبات التي شرع الغرب جماعيًّا بفرضها على روسيا بعد احتلالها جزيرة القرم في العام ٢٠١٤، وما تبع ذلك من تضييق على الاقتصاد الروسي، أثرٌ على التحول في مسار بريكس أيضًا، وهو ما شجع الدول الأعضاء للبحث عن تعاون مؤسسي وأرضية مشتركة.
ولكن تلك المساعي لا تزال تواجه معوقات في ظل التباين في الطموح والمصالح القومية لكل منهم، إذ تعارض الصين مثلًا أي توسيع في العضوية الدائمة لمجلس الأمن؛ من أجل أن تبقى الدولة الآسيوية الوحيدة التي لها مقعد دائم، ومن أجل محاصرة دور الهند إقليميًّا، وهو الأمر الذي تغذيه الولايات المتحدة عبر سماحها بالاستثمارات الصينية في الباكستان، وزرع بؤر التنافس بين الصين والهند في أفغانستان وبنغلادش وسيرلانكا، وكان من نتاج هذا التحول إنهاء عدد من الملفات الاقتصادية والمالية ومنها تأسيس بنك التنمية الجديد (New Development Bank)والذي يقوم بعمل مواز للبنك الدولي عبر دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول بريكس وغيرها من الدول النامية منذ العام ٢٠١٤. وتأسيس بنك برأس مال أولي قدره ١٠٠ مليار دولار اُطلق عليه اسم تنظيم احتياطي طوارئ بريكس (BRICS Contingent Reserve Arrangement) ليكون معادلًا لصندوق النقد الدولي، وتأسيس "بورصة الطاقة الدولية" في شنغهاي في عام ٢٠١٨ لمداولة عقود شحنات النفط من روسيا وفنزويلا وإيران باليوان حصريًّا. وكانت هذه البورصة تتويجًا لما بدأته الصين من شراء النفط من إيران باليوان منذ عام ٢٠١٢. إلا أن بقاء العملة الصينية من دون تدويل، وافتقارها لعنصر "الخيار الموثوق" اضطرها لإنشاء آلية دعم الذهب لكل عقود النفط عبر بوابة شنغهاي المالية لتنشئ الثقة اللازمة. كما أدت العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تعد أحد أهم مصادر التمويل، إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة لبنك التنمية الجديد. وهذه المعوقات التي تعترض مساعي مجموعة بريكس ومسارها في التأثير على النظام الدولي تكشف عن صراع إرادات بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى.
وفي نفس سياق التحول الذي طرأ على أعمال مجموعة بريكس لتنفيذ إصلاحات في النظام المالي العالمي، يندرج سعي المجموعة لإيجاد عملة موحدة بين أعضائها لتكون بديلًا منافسًا للدولار، والذي تجسد بتصريح الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا خلال زيارته للصين في (نيسان/إبريل ٢٠٢٣) حيث قال: "لماذا لا يمكننا التجارة بعملاتنا الوطنية"؟ وتساءل "من الذي قرر بأن الدولار هو العملة بعد اختفاء نظام الذهب؟".
وإذا أضيف إلى ذلك دعوة روسيا والصين لتوسيع البريكس بإضافة السعودية وإيران ومصر للمنظمة، ودعوة الرئيسين الصيني والروسي إلى التحرر من قيود استخدام الدولار، وتفعيل عمليات التبادل التجاري بين البلدين باستخدام العملات الوطنية (اتفاق الصين والبرازيل)، وسماح الصين لروسيا باستخدام اليوان؛ لتجنب العقوبات المالية الغربية بعد غزوها لأوكرانيا، وتقليص روسيا احتياطياتها من الدولار بنسبة ٢٦٪ في عام ٢٠١٨ واستثمارها في الذهب، فإن ذلك كله يعدُّ تحديًّا حقيقيًا وصريحًا للدولار، وهي محاولة جادة لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي؛ ذلك أنها مقترنة بخطوات حقيقية لتقليص اعتماد هذه الدول على الدولار. إذ تُعدّ سياسة الصين الرامية لمنافسة الدولار هي الأكثر عدوانية وصراحة وانسجامًا مع توجهاتها وسياستها الخارجية المرتكزة على التجارة، وهي الأكثر تحديًّا لمركزية الولايات المتحدة في الموقف الدولي، فيما لو نجحت باختراق النظام المالي العالمي. وهذا ما حذر منه وزير الخارجية الأميركي الأسبق بومبيو في خطابه في بروكسل في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨ قائلًا إن "أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستواجه الصين مطالبة إياها الالتزام والتقيد بأنظمة وقوانين الموقف الدولي"، ووجه لومه لدول المنطقة قائلًا إن سياسة أميركا المتشددة تجاه الصين تكمن في أن "العالم كان متساهلًا في ردوده على الصين عندما بدأت في التصرف بأسلوب لم تعتده سابقًا".
إلا أن إيجاد عملة مشتركة بين دول تجمع بريكس لا يتطلب رغبة فقط في التخلص من الدولار، بل يتطلب أيضًا تحديد سياسة العملة الموحدة وآلية تحديد سعرها؛ أي ضرورة الاتفاق على مرجع أو اتفاق يحدد سعر الصرف (الذهب أو الدولار او اليورو أو سلة عملات)، وكذلك تحديد آلية الحوكمة القانونية والتجارية والمرجعية الائتمانية (Fiduciary Authority) التي تحدد سعر الفائدة في النظام الرأسمالي، وهو الأمر الذي يعيق من احتمال إيجاد وتنفيذ رؤية موحدة لنظام مالي دولي منافس للدولار في المدى المنظور. ولا بد من لفت النظر هنا إلى أن ثمة فرقًا بين تدويل عملة محلية لتنافس الدولار وبين إيجاد عملة عالمية دولية كاليورو. فالصين مثلًا لا تسعى إلى تدويل عملتها خوفًا من فقدان سيطرتها المالية والاقتصادية، حيث أن التدويل يتطلب نقض سياسات ضبط التدفق النقدي وتحديد سعر الفائدة وسعر الصرف وتحويلها لآلية السوق، مما يبقي عملتها محصورةً في التعاملات الثنائية ومع دول العالم الثالث. وعليه فإن من المستبعد تدويل العملة الصينية.
وأما إيجاد عملة عالمية على أساس الذهب فإنه يفرض على المصارف المركزية للدول الأعضاء أن تتخلى عن بعض صلاحياتها لفائدة جهة نقدية فوق الدول نفسها (هيئة نقدية عليا) تتسلم الصلاحيات النقدية مثل البنك الفدرالي أو المصرف المركزي الأوروبي، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات مستمرة حول مدى قدرة بريكس على توحيد مواقفها بشأن هذه الملفات لتباين أولوياتها الوطنية، وارتباطها بمنظومة القواعد والقوانين والأعراف الدولية التي أسستها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ذلك البنية التحتية لتحويل الأموال عبر الحدود مثل نظام "سويفت" أو نظام شيبس (CHIPS) أو نظام فيدواير (Fedwire) والتي تُنفّذ العقوبات الغربية من خلالها.
وأما استناد العملة الجديدة إلى الذهب أو معادن ثمينة ذات استخدام صناعي مثل البلاديوم، فإن ذلك سيؤدي لتقليص عمليات التبادل البيني في حالة عدم توفر غطاء الذهب، كما سيحرم الحكومات من آلية ضخ السيولة في الأسواق لإنعاش الاقتصاد كما هو متعارف عليه في النظام الرأسمالي.
>>