Abu Taqi
09-08-2023, 03:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
اجتماع جدة بشأن الأزمة الأوكرانية
اختتم في جدة الأحد الموافق ٦ آب/أغسطس ٢٠٢٣ اجتماع بشأن الأزمة الأوكرانية حضره ممثلو عدد من الدول والمنظمات الدولية شملت أكثر من ٤٠ دولة ومنظمة؛ منها الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وذلك لدراسة خطة فولوديمير زيلينسكي للسلام والمؤلفة من عشرة نقاط.
ويكتسب الاجتماع أهمية بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها لجهة توسيع نطاق الدعم ليشمل دول "عالم الجنوب"، والذي لا يزال بعضها محايد حيال الأزمة، وبخاصة بعد قمة روسيا-أفريقيا في بطرسبرج، وانسحاب روسيا من اتفاقية نقل الحبوب من أوكرانيا.
وللوقوف على أهم أهداف هذا الاجتماع، ومن خلال ظروفه وملابساته، يتضح أن منها ما يتعلق بإعادة إنتاج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان _الحاكم الفعلي للمملكة_، وتأهيله إقليميًّا ودوليًّا وأميركيًّا، وفي هذا السياق تعدّ هذه القمة إنجازًا على صعيد إعادة إنتاجه وتأهيله بعد نبذه دوليًّا منذ سنة 2018 على خلفيّة مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء المخابرات السعودية في إسطنبول. وتأتي إعادة تأهيله وإبرازه وتلميعه داخليًا وإقليميًا ودوليًا في ظل الحديث عن صفقة قرن جديدة للتطبيع السعودي مع إسرائيل مقابل مطالب سعودية لا تخدم سوى بايدن ومشاريع أميركا في المنطقة، ولذلك يحاول بايدن إظهار محمد بن سلمان بالرجل المستقل بسماحه لابن سلمان برفض تخفيض أسعار النفط، ومد الجسور مع الصين، كما يحاول إظهاره كراعٍ للنوايا الحسنة ومحادثات السلام في عدة ملفات منها ملف النزاع السوادني، وملف العلاقة مع إيران واليمن وتركيا بالإضافة إلى الملف الأوكراني؛ لتبييض صفحته ومكافأته على إنجازاته في الحرب على الإسلام وقيمه وكسره للحظر عن نشر الليبرالية في السعودية، وكل ذلك تمهيدٌ لصفقة جديدة للتطبيع السعودي الإسرائيلي الذي جرى الحديث عنه مؤخرًا على ألسنة المطلعين مثل الصحفي الأميركي توماس فريدمان، والذي كشف عن معلومات تلقاها من بايدن حول هذا الملف قبل شهر، وذلك من أجل تهدئة التيار الليبرالي في الحزب الديمقراطي المتحفظ على العلاقة مع ابن سلمان، ومن أجل استقطاب الناخبين الإنجيليين واليهود في الانتخابات الأميركية في العام المقبل، ومن أجل زحزحة نتنياهو والتيار اليميني المتطرف عن مواقفهم المتصلبة حيال ما يسمى بحل الدولتين ولو بصيغة فارغة من "الدولتين".
ومن أهداف الاجتماع أيضًا ما يتعلق بحشد تأييد دول الجنوب للجانب الأوكراني، ونفي الرواية الروسية القائلة بأن أوكرانيا ترفض مساعي السلام وأنها مدعومة فقط من قبل الدول الغربية، ولهذا الغرض تم حشد 42 دولة شاركت في الاجتماع بما فيها الولايات المتحدة والهند وجنوب أفريقيا.
ومن الأهداف أيضًا ما يتعلق بخداع أميركا للعالم الذي بات يتململ من تداعيات الحرب وإطالة أميركا لها، حيث أن المسار العسكري المتمثل باستمرار الدعم الأميركي والغربي للقوات الأوكرانية هو المهيمن على الحلول المتعلقة بالأزمة، رغم فشل الهجوم الأوكراني المضاد. وهو ما يجعل الغرض من اجتماع جدة ومقترحات الدول الأفريقية وخطة السلام المقترحة من طرف زلينيسكي مجرد أساليب أميركية لعرقلة المبادرتين الصينية والفرنسية، وبخاصة أن اشتراط الرئيس الأوكراني "وحدة أراضي أوكرانيا" لا يقبل به بوتين. ولذلك شدد اجتماع جدة على هذا البند كأحد بنود أرضية مشروع السلام المقترح لإنهاء الحرب الأوكرانية. حيث تحدّث مصدر أوروبي لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" عن مساحة تفاهم حول النقاط الرئيسية، وبخاصة احترام "وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها"، على أن يكون هذا الأمر "في صلب أي اتفاق سلام". ولذلك حرص ابن سلمان الذي يُترجم الإرادة الأميركية في القمة على حضور الصين للاجتماع، وبخاصة بعد رفضها حضور اجتماع كوبنهاجن في آخر شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما يُعد نجاحًا أميركيًّا على صعيد تجاوز المبادرة الصينية المقترحة. فقد وصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، مشاركة الصين في القمة بشأن الأزمة الأوكرانية بـ"الاختراق الفائق".
وأما فرنسا فقد ظهر استياؤها عبر تعقيب مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس حول فرصة حل الأزمة الأوكرانية في اجتماع جدة بقوله: "هل اجتماع اليوم يخلق هذه الظروف؟ الواضح أنه لا، إنه جهد طويل الأمد".
وعلى الجانب الروسي فإن بوتين يدرك اللعبة الأميركية وأهداف القمة ولم يتوانَ عن كشفها، فقد صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن الاجتماع "انعكاس لمحاولة الغرب مواصلة الجهود الفاشلة وغير المجدية" لحشد الجنوب العالمي من أجل دعم موقف زيلينسكي، وأن بلاده ستناقش نتائج المشاورات بشأن أوكرانيا مع شركاء مجموعة بريكس. فيما وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الاجتماع بأنه "خدعة معدة لبناء تحالف معادٍ لروسيا". وهذا بالإضافة إلى أن إشراك دول وجهات متفرقة ومتعددة لا تشترك في رؤية محددة أو استراتيجية لتكوين مبادرة حل "نتاج عمل دولي جماعي يضع الصيغ والآليات المثلى لتنفيذ صيغة السلام الأوكرانية" تنتهي بانعقاد قمة سلام عالمية بحضور قادة الدول، كل ذلك لا يشير إلى جدية أميركا بحل الأزمة ووقف الحرب راهنًا، بل يشير إلى إطالة أمدها. وهو ما يؤكده تصريح المصدر الدبلوماسي الفرنسي لوكالة فرانس برس من أن "الجهود تتضافر لتهيئة الظروف لمفاوضات بناءة"، ولكن "هل اجتماع اليوم يخلق هذه الظروف؟ الواضح أنه لا، إنه جهد طويل الأمد". ويؤكده أيضًا خلو البيان الختامي للقمة من آليات عملية لإنهاء الأزمة.
ومن الجدير بالذكر أن خطة زيلينسكي للسلام تعتمد على إيجاد صيغة مفخخة لمبدأ "الضمانات الأمنية" حيث لا ترغب بمجرد ضمانات أمنية من روسيا وأميركا وبريطانيا على غرار ما جرى أثناء تنازلها عن سلاحها النووي، بل ترغب بتوسيع دائرة الضمانات مثل إقناع الدول المشاركة في اجتماع جدة بضرورة أن "تتمتع أراضيها بحصانة أمنية دولية" مقابل دورها كمركز غذائي للعالم، وليس درع حماية للدول الأوروبية فقط. وهو ما قد يعني تأجيل انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وذلك كمحطة ضرورية لقبول دول عالم الجنوب بخطة سلام تحقق الأهداف الأميركية على المدى البعيد. وهو الأمر الذي يؤكده تصريح أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني "نبدأ محادثات مع الولايات المتحدة هذا الأسبوع"، مضيفًا أن أكثر من ١٠ دول أخرى انضمت إلى إعلان مجموعة السبع، وأن أوكرانيا تتفاوض بشأن شروط الضمانات المستقبلية مع كل منها. بينما كتبت صحيفة برافدا الروسية نقلًا عن الخبير الأمني والمحلل العسكري إيغور غيراسيموف أن ما دفع مدير مكتب الرئيس الأوكراني للإدلاء بالتصريحات المتعلقة بمفاوضات كييف وواشنطن الأسبوع المقبل هو فشل الهجوم المضاد، وهو أيضًا العامل الذي يضطرهم للتفكير في المفاوضات.
22/محرم/1445هـ
9/8/2023م
متابعة سياسية
اجتماع جدة بشأن الأزمة الأوكرانية
اختتم في جدة الأحد الموافق ٦ آب/أغسطس ٢٠٢٣ اجتماع بشأن الأزمة الأوكرانية حضره ممثلو عدد من الدول والمنظمات الدولية شملت أكثر من ٤٠ دولة ومنظمة؛ منها الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وذلك لدراسة خطة فولوديمير زيلينسكي للسلام والمؤلفة من عشرة نقاط.
ويكتسب الاجتماع أهمية بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها لجهة توسيع نطاق الدعم ليشمل دول "عالم الجنوب"، والذي لا يزال بعضها محايد حيال الأزمة، وبخاصة بعد قمة روسيا-أفريقيا في بطرسبرج، وانسحاب روسيا من اتفاقية نقل الحبوب من أوكرانيا.
وللوقوف على أهم أهداف هذا الاجتماع، ومن خلال ظروفه وملابساته، يتضح أن منها ما يتعلق بإعادة إنتاج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان _الحاكم الفعلي للمملكة_، وتأهيله إقليميًّا ودوليًّا وأميركيًّا، وفي هذا السياق تعدّ هذه القمة إنجازًا على صعيد إعادة إنتاجه وتأهيله بعد نبذه دوليًّا منذ سنة 2018 على خلفيّة مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء المخابرات السعودية في إسطنبول. وتأتي إعادة تأهيله وإبرازه وتلميعه داخليًا وإقليميًا ودوليًا في ظل الحديث عن صفقة قرن جديدة للتطبيع السعودي مع إسرائيل مقابل مطالب سعودية لا تخدم سوى بايدن ومشاريع أميركا في المنطقة، ولذلك يحاول بايدن إظهار محمد بن سلمان بالرجل المستقل بسماحه لابن سلمان برفض تخفيض أسعار النفط، ومد الجسور مع الصين، كما يحاول إظهاره كراعٍ للنوايا الحسنة ومحادثات السلام في عدة ملفات منها ملف النزاع السوادني، وملف العلاقة مع إيران واليمن وتركيا بالإضافة إلى الملف الأوكراني؛ لتبييض صفحته ومكافأته على إنجازاته في الحرب على الإسلام وقيمه وكسره للحظر عن نشر الليبرالية في السعودية، وكل ذلك تمهيدٌ لصفقة جديدة للتطبيع السعودي الإسرائيلي الذي جرى الحديث عنه مؤخرًا على ألسنة المطلعين مثل الصحفي الأميركي توماس فريدمان، والذي كشف عن معلومات تلقاها من بايدن حول هذا الملف قبل شهر، وذلك من أجل تهدئة التيار الليبرالي في الحزب الديمقراطي المتحفظ على العلاقة مع ابن سلمان، ومن أجل استقطاب الناخبين الإنجيليين واليهود في الانتخابات الأميركية في العام المقبل، ومن أجل زحزحة نتنياهو والتيار اليميني المتطرف عن مواقفهم المتصلبة حيال ما يسمى بحل الدولتين ولو بصيغة فارغة من "الدولتين".
ومن أهداف الاجتماع أيضًا ما يتعلق بحشد تأييد دول الجنوب للجانب الأوكراني، ونفي الرواية الروسية القائلة بأن أوكرانيا ترفض مساعي السلام وأنها مدعومة فقط من قبل الدول الغربية، ولهذا الغرض تم حشد 42 دولة شاركت في الاجتماع بما فيها الولايات المتحدة والهند وجنوب أفريقيا.
ومن الأهداف أيضًا ما يتعلق بخداع أميركا للعالم الذي بات يتململ من تداعيات الحرب وإطالة أميركا لها، حيث أن المسار العسكري المتمثل باستمرار الدعم الأميركي والغربي للقوات الأوكرانية هو المهيمن على الحلول المتعلقة بالأزمة، رغم فشل الهجوم الأوكراني المضاد. وهو ما يجعل الغرض من اجتماع جدة ومقترحات الدول الأفريقية وخطة السلام المقترحة من طرف زلينيسكي مجرد أساليب أميركية لعرقلة المبادرتين الصينية والفرنسية، وبخاصة أن اشتراط الرئيس الأوكراني "وحدة أراضي أوكرانيا" لا يقبل به بوتين. ولذلك شدد اجتماع جدة على هذا البند كأحد بنود أرضية مشروع السلام المقترح لإنهاء الحرب الأوكرانية. حيث تحدّث مصدر أوروبي لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" عن مساحة تفاهم حول النقاط الرئيسية، وبخاصة احترام "وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها"، على أن يكون هذا الأمر "في صلب أي اتفاق سلام". ولذلك حرص ابن سلمان الذي يُترجم الإرادة الأميركية في القمة على حضور الصين للاجتماع، وبخاصة بعد رفضها حضور اجتماع كوبنهاجن في آخر شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما يُعد نجاحًا أميركيًّا على صعيد تجاوز المبادرة الصينية المقترحة. فقد وصف وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، مشاركة الصين في القمة بشأن الأزمة الأوكرانية بـ"الاختراق الفائق".
وأما فرنسا فقد ظهر استياؤها عبر تعقيب مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس حول فرصة حل الأزمة الأوكرانية في اجتماع جدة بقوله: "هل اجتماع اليوم يخلق هذه الظروف؟ الواضح أنه لا، إنه جهد طويل الأمد".
وعلى الجانب الروسي فإن بوتين يدرك اللعبة الأميركية وأهداف القمة ولم يتوانَ عن كشفها، فقد صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن الاجتماع "انعكاس لمحاولة الغرب مواصلة الجهود الفاشلة وغير المجدية" لحشد الجنوب العالمي من أجل دعم موقف زيلينسكي، وأن بلاده ستناقش نتائج المشاورات بشأن أوكرانيا مع شركاء مجموعة بريكس. فيما وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الاجتماع بأنه "خدعة معدة لبناء تحالف معادٍ لروسيا". وهذا بالإضافة إلى أن إشراك دول وجهات متفرقة ومتعددة لا تشترك في رؤية محددة أو استراتيجية لتكوين مبادرة حل "نتاج عمل دولي جماعي يضع الصيغ والآليات المثلى لتنفيذ صيغة السلام الأوكرانية" تنتهي بانعقاد قمة سلام عالمية بحضور قادة الدول، كل ذلك لا يشير إلى جدية أميركا بحل الأزمة ووقف الحرب راهنًا، بل يشير إلى إطالة أمدها. وهو ما يؤكده تصريح المصدر الدبلوماسي الفرنسي لوكالة فرانس برس من أن "الجهود تتضافر لتهيئة الظروف لمفاوضات بناءة"، ولكن "هل اجتماع اليوم يخلق هذه الظروف؟ الواضح أنه لا، إنه جهد طويل الأمد". ويؤكده أيضًا خلو البيان الختامي للقمة من آليات عملية لإنهاء الأزمة.
ومن الجدير بالذكر أن خطة زيلينسكي للسلام تعتمد على إيجاد صيغة مفخخة لمبدأ "الضمانات الأمنية" حيث لا ترغب بمجرد ضمانات أمنية من روسيا وأميركا وبريطانيا على غرار ما جرى أثناء تنازلها عن سلاحها النووي، بل ترغب بتوسيع دائرة الضمانات مثل إقناع الدول المشاركة في اجتماع جدة بضرورة أن "تتمتع أراضيها بحصانة أمنية دولية" مقابل دورها كمركز غذائي للعالم، وليس درع حماية للدول الأوروبية فقط. وهو ما قد يعني تأجيل انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وذلك كمحطة ضرورية لقبول دول عالم الجنوب بخطة سلام تحقق الأهداف الأميركية على المدى البعيد. وهو الأمر الذي يؤكده تصريح أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني "نبدأ محادثات مع الولايات المتحدة هذا الأسبوع"، مضيفًا أن أكثر من ١٠ دول أخرى انضمت إلى إعلان مجموعة السبع، وأن أوكرانيا تتفاوض بشأن شروط الضمانات المستقبلية مع كل منها. بينما كتبت صحيفة برافدا الروسية نقلًا عن الخبير الأمني والمحلل العسكري إيغور غيراسيموف أن ما دفع مدير مكتب الرئيس الأوكراني للإدلاء بالتصريحات المتعلقة بمفاوضات كييف وواشنطن الأسبوع المقبل هو فشل الهجوم المضاد، وهو أيضًا العامل الذي يضطرهم للتفكير في المفاوضات.
22/محرم/1445هـ
9/8/2023م