المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية تمرد قائد فاغنر على روسيا



Abu Taqi
24-06-2023, 08:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تمرد قائد فاغنر على روسيا
لم يكن مستبعدًا ما حصل أمس من قيام مالك شركة فاغنر الخاصة بالتمرد على الجيش الروسي، وبخاصة بعد اتهامات سابقة من قبله لقيادة الجيش الروسي وبخاصة وزير الدفاع سيرجي شويغو ورئيس هيئة أركان الجيش فاليري غيراسيموف بالخيانة والبيروقراطية وتقديم تقارير كاذبة للرئيس الروسي؛ تخفي الخسائر الضخمة في صفوف الروس في الحرب الأوكرانية.
وكان مالك فاغنر قد اتهم جنودًا من وزارة الدفاع الروسية بقصف مواقع مجموعته العسكرية، وتوعد بريغوجين بالانتقام من قيادة وزارة الدفاع التي حملها مسؤولية ما طال قواته. ولم يكتف بريغوجين بذلك، بل عاود مهاجمته بعضًا من صناع القرار في الدولة الروسية، قائلًا: "إن الشر في القيادة العسكرية يجب أن يتوقف" ثم تعهد بما سماها "المسيرة من أجل العدالة". وفي خطوة عملية قام بسحب قواته المسلحة والتي يبلغ قوامها 25 ألف مسلح، من دولة أوكرانيا إلى مدينة روستوف أوندون الروسية والسيطرة عليها، متعهدًا بتدمير كل من يقف في طريقه، وظلت قواته تتحرك عبر أرتال باتجاه موسكو، إلى أن توصل الرئيس البيلاروسي إلى اتفاق مع بريغوجين لإعادة قواته إلى معسكراتها وحقن الدماء.
وقد ظهر الخلاف بين بريغوجين ووزير الدفاع شويغو للعلن في حرب باخموت الأخيرة، والتي استمرت حوالي 10 شهور، وقدمت فيها روسيا تضحيات كبيرة وبخاصة في صفوف شركة فاغنر، وصلت بحسب بريغوجين إلى حوالي 20 ألف قتيل، والتي أعلن فيها بريغوجين بنفسه الانتصار على القوات الأوكرانية، ولكنه وجه رسائل شديدة اللهجة إلى وزارة الدفاع، تشير إلى تقاعسها عن دعم الشركة بالأسلحة والذخائر اللازمة لحسم المعركة. ومنذ ذلك الوقت، والخلاف يتصاعد بين بريغوجين ووزير الدفاع الروسي وقيادة الجيش. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قد كشفت منتصف الشهر الماضي أن زعيم مجموعة فاغنر شبه العسكرية يفغيني بريغوجين كان يرغب في التفاوض مع كييف مقابل منحها معلومات تتعلق بمواقع الجيش الروسي، وبحسب الصحيفة التي عزت هذه المعلومات لوثائق سرية أميركية مسربة كشفت أن بريغوجين كان يعتزم مقايضة الجيش الأوكراني بتمكينه من السيطرة على باخموت مقابل تقديمه معلومات لأوكرانيا عن مواقع القوات الروسية. هذه التقارير نفاها بريغوجين ووصفها بـ"المضحكة"، مشيرًا إلى احتمال وقوف أفراد من النخبة الروسية وراءها. وقال "إنهم يحاولون إلقاء أكبر قدر ممكن من القذارة علي". مما دفع قيادة الجيش الروسي إزاء هذا السلوك الذي يسلكه بريغوجين إلى التعامل معه باعتباره يسعى لتحقيق طموحاته الشخصية، والتي ترى فيها تهديدًا لزعامة بوتين، وهيبة الجيش الروسي، وبخاصة بعد تحقيق الانتصار في باخموت، والذي جعل قوات فاغنر ترى بنفسها أنها وحدها من حقق هذا الانتصار. ولم يكن الأميركيون يتفرجون، بل كانوا يحاولون إيجاد شرخ بين مالك فاغنر والقيادة الروسية، إذ أدرجته أميركا في لائحة العقوبات الأميركية بأنه يمتلك "أقوى جيش في العالم"!!.
لم يكن بوتين يتصور أن كرة النار الملتهبة والمتدحرجة في أوكرانيا ستصل إلى بلاده، بل كان يأمل أن تنتهي العملية الخاصة في أوكرانيا، وتحقق أهدافها في أقصر فترة ممكنة. إلا أن الدعم الأميركي والأوروبي لكييف خيب آماله، وجعله يلوِّح بين الحين والآخر باستعمال السلاح النووي، بل قام فعلًا بنشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروسيا، في رد على داعمي كييف، وبخاصة الأميركان والبريطانيين، الذين لوَّحوا بتزويد أوكرانيا باليورانيوم المنضب.
وأمام هذه التطورات التي حدثت خلال هذين اليومين ألقى بوتين خطابًا استثنائيًّا نقله التلفزيون الرسمي قال فيه: إن "التمرد المسلح" لمجموعة فاغنر العسكرية الخاصة "خيانة"، وإن الرد على العصيان والتمرد سيكون صارمًا وقاسيًّا.
وأضاف بوتين "نواجه تمردًا مسلحًا، وهناك من تم جرُّهم بالخداع للانضمام إليه، وهذا التمرد المسلح طعنة في الظهر وسندافع عن دولتنا، ونواجه الخونة الذين يسعون إلى مصالحهم الشخصية على حساب أمن البلاد".
وكإجراء عملي قام بوتين بفرض الأحكام العرفية في روسيا وتشديد الإجراءات الأمنية، كما أوعز إلى قيادة الجيش بنشر الوحدات العسكرية الروسية من الحرس الوطني والشرطة العسكرية والجيش في العاصمة موسكو بعد إعلان تطبيق خطة "القلعة" لحماية موسكو من أي هجوم.
ورغم تغير الأوضاع باستمرار، كل لحظة أحيانًا، ومع الاتفاق الذي حققه الرئيس البيلاروسي، بالتنسيق مع بوتين، مع بريغوجين على حقن الدماء وإعادة المقاتلين إلى معسكراتهم، بعد أن اقتربت قواته من العاصمة موسكو، ومع أن تفاصيل هذا الاتفاق لم يعلن عنها بعد، فإن الأزمة التي أحدثها مالك فاغنر لا يبدو أنها ستنتهي إلى حالة وفاق، بل إن هذا التمرد سيترك جروحًا لا تندمل للدولة الروسية، ويبقي الفرصة قائمة لدخولها في حالة فوضى، إن لم تتطور الأمور إلى حرب أهلية، ربما تنتهي إلى تقسيمها، فضلًا عن احتمالية سقوط نظام بوتين، وتدمير النظام الذي بناه منذ ما يزيد عن عقدين كاملين. وسواء استطاع بوتين أن يقضي على تمرد بريغوجين، أم استطاع بريغوجين أن يقضي على نظام بوتين، فإن روسيا لا تزال تتراجع سياسيًّا، وهذا سيؤثر على سياستها الدولية، وسيؤدي إلى انكفائها على نفسها، مما يتيح لأميركا زيادة الضغوط على الصين، ومواجهة التحركات الدولية لإضعاف قبضتها على الموقف الدولي، وأدوات سيطرتها على الاقتصاد العالمي.
6/ذي الحجة/1444هـ
24/6/2023م