المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة فكرية وسياسية وقفة مع بهجة المسلمين بفوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية



Abu Taqi
17-06-2023, 04:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة فكرية وسياسية
وقفة مع بهجة المسلمين بفوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية

بعد غمرة الفرح بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجولة الثانية من الانتخابات فإنه يجب علينا بصفتنا مسلمين أن نقف على الحقائق التالية:
أولًا: إن الديمقراطية رغم تقديمها على أنها حكم الشعب للشعب؛ أي أنها الترجمة العملية لإرادة الشعب، فإنها تقيد إرادة الخالق بإرادة العبد لناحية المنطلقات الفلسفية والمرجعية العليا في التشريع وسلطة التشريع. ولذلك فإن الديمقراطية ليست من الإسلام في شيء؛ لأنها تقوم على مركزية الإنسان بمنطق الحق الطبيعي، وهذا يعني أن الشرع ليس هو المصدر الوحيد لحل مشاكل الناس في الدولة والمجتمع، بل ويجب أن يُستبعد الشرع تمامًا عن تدبير شؤون الإنسان والكون والحياة بمقتضى الحرية التي تمنع أي عامل خارجي كـ"الوحي" من التأثير في اختيار الإنسان.
ثانيًا: يجب أن نفرق بين الديمقراطية كطريقة ومعالجة منبثقة من فلسفة وتصور وافد عن الحكم؛ أي منبثقة عن نظرة غير إسلامية إلى العلاقات والحياة والدولة والمجتمع، وبين الانتخابات التي هي أسلوب وآلية بشرية يُقرها الشرع لتمكين الناس من اختيار قادتهم وحكامهم.
على أن الانتخابات من حيث أنها أسلوب لجميع الناس على مر العصور بغض النظر عن معتقداتهم ونظام حياتهم، فإن العمل بها مباح؛ لأن الأصل في الأساليب الإباحة، ولخلوها من الموانع الشرعية، وأما الديمقراطية التي يجري اختزالها بصندوق الاقتراع إنما هي طريقة في الحكم تقوم على مركزية الإنسان؛ إذ إنها تُطلق على "حكم الشعب"، وتنطوي على مرجعية الشعب في تقرير المصالح والحكم على الأفعال والأشياء بالحسن والقبح، وتتمثل مرجعيتها بـ"الإرادة العامة"، ولا يُراد بها حق الشعب في اختيار الحكام فحسب. وهذا لناحية الفلسفة التي تقوم عليها الديمقراطية بصورة مختصرة، أما الناحية التشريعية فيها؛ أي كونها معالجة لجانب عملي من جوانب الحكم، فلا يجوز أخذها؛ لأن مرجعية المسلمين في الأحكام والمعالجات هي الوحي حصرًا {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون}.
ثالثًا: إن الكافر المستعمر، المتمثل في الدول الكبرى بخاصة، لن يسمح بأن تتخذ اللعبة الديمقراطية جسرًا لتطبيق الإسلام أو التقدم نحوه، وقد شاهدنا ذلك عيانًا في انتخابات الجزائر سنة 1991 وفي الانتخابات المصرية التي أفرزت فوز الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي. ذلك أنه قد جرى هندسة اللعبة الديمقراطية على أساس العلمانية الرأسمالية التي تجعل من الحكام ممثلين لأصحاب رؤوس الأموال والنافذين، وعلى نحو تبدو فيه السلطة للشعب. ولذلك جرى تحصين الأنظمة الديمقراطية وخلع القداسة عليها وحراستها من خلال الدساتير والقوانين والإعلام والتعليم؛ ولذلك أيضًا لا تكاد تغيب ألفاظ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وربط النمو الاقتصادي بها عن ألسنة الساسة وسدنة المعابد الرأسمالية حتى في الأنظمة الشمولية.
رابعًا: إن كون تركيا قد أصبحت دولة مستقلة لا يعني أنها أصبحت دولة إسلامية أو نظامًا شرعيًّا، بل لا تزال دولة علمانية رأسمالية. فرغم أنها قد خرجت منذ سنوات من نظام الوصاية وأصبحت دولة مستقلة في تحديد سياساتها الداخلية والخارجية وفق مقاربات نفعية، إلا أنها لم تخطُ نحو تطبيق الإسلام داخليًا وخارجيًا خطوة واحدة. وهذا يؤكد أن القائمين على الحكم فيها لا يضعون مسألة تطبيق الإسلام ضمن أولوياتهم. وقد يقول قائل إن تركيا في ظل حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية قد خففت القيود المضروبة على المسلمين بخصوص إظهار بعض شعائر الإسلام، مما كان ممنوعًا، وهذا جيد على مستوى السير في الاستقلال السياسي ورفض إملاءات الخارج، وهو مقصد دعوي مطلوب على مستوى فتح باب المجتمع أمام أفكار الإسلام وأحكامه، غير أن ذلك لا يُعدّ تطبيقًا للإسلام أو توجُّهًا نحو الإسلام، بل ولا يُعد منهجًا إسلاميًا؛ لأن الإسلام ليس مجرد شعائر وعبادات، ولأن طريقة إيجاد شعائر الإسلام في المجتمع إنما تفرض فرضًا بسلطة الدولة، ولا تأتي بالسماح بأدائها وفقط؛ إذ إن السماح بأدائها والاكتفاء بها إنما يعني الاستثمار بمشاعر المسلمين التواقة لممارسة شعائرهم لأغراض دعائية، ويعني ترسيخ فصل الدين عن السياسة وحصره بالعبادات، وبخاصة أن تمرير حزب العدالة والتنمية التركي للتشريعات المتعلقة بشعائر المسلمين إنما جرى وفق (حرية العقيدة)؛ أي بمنطق علماني ليبرالي، وليس باعتباره "تدرّجًا" نحو الإسلام، أو باعتبار تلك التشريعات أحكامًا شرعية واجبة التنفيذ. وهذا علاوة على أن تخفيف القيود الدينية عن المسلمين في شعائرهم يندرج في خانة تفريغ احتقانهم وتنفيس غضبهم، وبخاصة عندما تُستغل عواطف المسلمين وتُسخر في مشروع شرق أوسطي يراد له أن يكون أنموذجًا "إسلاميًّا" مزورًا يخدع المسلمين ويخدرهم، حتى لو كانت نوايا القادة حسنة ودعاة الإسلام مخلصون. فمن أخلص نيته لله ولم يكن عمله موافقًا لشرع الله، فعمله لا يكون مقبولًا عند الله. وكما يقولون "الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة".
خامسًا: إن القول بأن حكام تركيا مسلمون لا يعني كذلك أن تركيا دولة إسلامية. فتعريف الإنسان بأنه مسلم يختلف عن تعريف الدولة بأنها دولة إسلامية؛ والسبب في ذلك هو اختلاف واقع الفرد عن واقع الدولة باعتبارها شخصية معنوية. ومن ثم فالأحكام الشرعية المتعلقة بالفرد تختلف كلية في مناطها عن الأحكام الشرعية المتعلقة بالدولة. وقد يقول قائل إن الدولة باعتبارها شخصية معنوية لا يصح وصفها بـ"الإسلامية"، والجواب على ذلك أن الصفة الإسلامية إنما هي للنظام الذي تطبقه الدولة وليس للكيان التنفيذي ذاته.
سادسًا: وبعد إدراك جملة الحقائق السابقة، وبدافع النصيحة لمن وُلّي أمر المسلمين في تركيا، فإننا نحثهم على أن لا يتوقفوا عند بناء قوة الدولة في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والاستقلال السياسي، بل عليهم أن يخرجوا من عباءة القومية وأوحال العلمانية الرأسمالية، وأن يستثمروا في استقلال الإرادة السياسية والعلاقات الدولية المشروعة، وأن يستغلوا الأزمات والتنافس الدولي ويباشروا العمل لاستئناف الحياة الإسلامية دون إبطاء. فلناحية ما تسير فيه تركيا من سياسات وخطط تعزز استقلالها السياسي وما يتعلق بتوفير مقومات الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء والدواء والسلاح فلن نتعرض له رغم تحفظنا عليه من جهة الطريقة البراغماتية في المواقف السياسية للقيادة التركية، ومن جهة النظام الاقتصادي والمالي والسياسة الاقتصادية الرأسمالية التي ينتهجها النظام في سيره. وعليهم أن يبادروا بتغيير برامج التعليم في كل المستويات لتحقيق الغاية من التعليم وهي بناء الشخصية الإسلامية وتجفيف منابع العلمانية.
فغاية التعليم هو إيجاد جيل عقائدي مبدع في الفقه والفكر والسياسة والعلوم بشتى مجالاتها، واعٍ بقضايا الأمة المصيرية ومدركٍ للمؤامرات الدولية ضد الإسلام والمسلمين.
وعليهم أن يسخروا وسائل الإعلام الحكومي والخاص لنشر الوعي الفكري والسياسي بالإسلام واستعمالها كأدوات لإيجاد رأي عام إسلامي مبني على وعي عام بالعقيدة الإسلامية والأخوة الإسلامية والدولة الإسلامية والجهاد؛ أي عليهم أن يحاربوا الهوية العلمانية للدولة لصالح الهوية الإسلامية الأصيلة عوض أن يؤكدوا على علمانية الدولة في خطاباتهم، سواء أكانت علمانية "محايدة" تزعم الوقوف على مسافة واحدة من كافة الأديان، وتساوي الإسلام بغيره من العقائد الباطلة، أم كانت علمانية صلبة شمولية تقمع الدين والمتدينين كالأتاتوركية التي لا تزال تُمجد في التعليم والإعلام الرسمي.
وهذه الأوضاع وإن كانت موروثة من الحكومات السابقة فلا يجوز البقاء عليها والتذرع بوراثتها لتجنب استئناف الحياة الإسلامية بل يجب تصحيح تلك الأوضاع دون إبطاء؛ ذلك أن الذي تمكن من مقاومة الضغوط الدولية في المسألة الكردية وعطلها، وفرض إرادته في وجه فرنسا واليونان في نزاع شرق المتوسط، وجعل تركيا رقمًا صعبًا في معادلة الثورة السورية، وتدخل في النزاع الأذري الأرمني وحسمه عسكريًا لصالح أذربيجان، وحسم النزاع مع خليفة حفتر لصالح حكومة السرّاج، ونجح داخليًّا في حشد الأصوات البرلمانية والشعبية لتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، وتمكن من لجم الجيش والقضاء وحرس العلمانية القديم في الأجهزة الأمنية وبعض القوى السياسية (مثل حركة فتح الله غولان وحزب الشعوب)، ولم يكترث بالاعتراضات الخارجية والداخلية، من قام بكل ذلك يمكنه تغيير النظام وتحويله إلى نظام إسلامي بلا وجل من الداخل أو حرب التدخل الخارجي؛ فأردوغان يملك سندًا شعبيًّا حقيقيًّا أسعفه في محاولة الانقلاب، وأبقاه في الحكم في الانتخابات الأخيرة، وتركيا تملك ترسانة عسكرية جعلت حلف الناتو يعتمد على القوة الجوية التركية لتأمين قمته في وارسو سنة 2016.
كما ويجب على حكام تركيا أن يعملوا على تكثير سواد المسلمين على الأراضي التركية عبر تشجيع الهجرة إليها وتجنيس المقيمين فيها من أبناء سوريا والعراق وأفغانستان واليمن واتخاذهم خزانًا بشريًّا في مواجهة المنافسة الانتخابية من طرف العلمانيين والأقليات المعادية للإسلام كالأرمن والعلويين والعلمانيين. ولا بد من معالجة تراجع عدد السكان من خلال المفاهيم العقدية المتعلقة بالرزق والموارد، ومعالجة المفاهيم الدخيلة المتعلقة بالنظرة إلى المرأة على أنها للمتعة فقط، وإزالة القوانين الغربية التي تزعم تمكين المرأة بينما تهدف إلى تحريرها من قيود الزواج وتنفير الرجال منه وتخفيض النسل في بلاد المسلمين. ولا شك أن زيادة السكان في البلد ينعكس إيجابيًا على زيادة الثروة والإنتاج علاوة على أنه من متطلبات السياسة العسكرية والمجهود الحربي.
يتبع >>

Abu Taqi
17-06-2023, 04:42 PM
وعلى الأجهزة المختصة في تركيا مواصلة فضح العملاء والجواسيس والفاسدين الذين يمثلون حصان طروادة في المجتمع التركي، ويسعون إلى تقسيم تركيا وإضعافها وإعادتها إلى مربع التبعية والدور الوظيفي، ولا بد من تطهير المجتمع ومؤسسات الدولة من الفاسدين والعملاء مثل الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي تمثل أوكارًا للجواسيس وتجار الثقافة الغربية المتخفية بغطاء الحرية وحقوق الإنسان نحو أفكار المثلية والنسوية والليبرالية، ولا بد من سن القوانين الرادعة لكل من تسول له نفسه بالتآمر والخيانة. وبهذا الشكل يتم التخلص منهم وإضعاف قواعدهم الحزبية والانتخابية؛ في مقابل العمل على إيجاد وسط سياسي إسلامي ومناخ اقتصادي يكون حاضنة للأمة والدولة. وهو ما يوجب إعداد الداعين للإسلام ونشر الوعي على أفكاره وأحكامه والتحذير من أفكار الكفر العلمانية ومعالجاتها المنحرفة في كل منبر. وعلى القادة الأتراك أن يحرصوا على معالجة الناحية القومية بين الترك والكرد والعرب على أساس الأخوة الإسلامية، والتذكير بدور كل فئة منهم في نهضة المسلمين وانتصاراتهم. ولا بد من إحياء تاريخ دولة الخلافة وأمجادها وتعميق الحنين إليها في نفوس المسلمين عبر إبراز صورة العدل والقوة التي حظيت بها زمن الوحدة الإسلامية سياسيًّا وجغرافيًّا ومجتمعيًّا. ولا بد من التصدي بكل قوة للحركات التي ترفع لواء الشوفينية التركية مثل حزب أوميت أوزداغ (حزب الظفر)، الذي يريد طرد العرب، ومثل حزب العمال الشيوعي الذي يقوم بتضليل الكرد والتحدث باسمهم، وهو مجرد خادم لمخططات أميركا رغم أنه يرفع لواء ماركس ولينين.
وفي الختام: فإن على المسلمين الذين أبهجهم فوز أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية، وإن كانت تلك البهجة تعكس حبهم للإسلام ولمن يرفع شعاره، أن يتوخوا الحذر في تأييدهم له لئلا يتسلل تأييدهم ومحبتهم لحاكم مسلم مستقل عامل لبلده إلى تأييد منهجه العقدي المنحرف ونهجه السياسي البراغماتي. وعليهم أن يضبطوا مواقفهم بمعايير الشرع، بحيث لا يفرحوا إلا بظهور الإسلام وعلوه وحده، ولا يرفعوا الولاء إلا لله عز وجل، ويقدموه على كل ولاء قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ غ– وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ غ— وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} وقال سبحانه:{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىظ° يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ غ— وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.

28/ذي القعدة/1444هـ
17/6/2023م