المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية كتاب مفتوح إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان



Abu Taqi
09-06-2023, 04:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
كتاب مفتوح إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
السيد الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد استرعاكم الله جزءًا مهمًّا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت إسلام بول (استنبول) وهي أبرز مدن البلد الذي يقع تحت سلطتك الآن عاصمة آخر خلافة للمسلمين، ولو لم تتفق كل دول الكفر يقودهم حقدهم وأطماعهم على المسلمين وبلادهم على هدم الخلافة الإسلامية العثمانية التي قادت الأمة الإسلامية لقرون عديدة، لما كان حال المسلمين بمثل كل هذا السوء من فقدان لعزتهم وكرامتهم ووحدتهم ومكانة أمتهم بين أمم الأرض فضلًا عن نهب مقدرات بلادهم.
ولا نريد أن نذكركم بعظمة أجدادنا منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى الخلافة الإسلامية العثمانية، حيث كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم لمعظم تلك القرون التي امتدت إليها حياتها، وكانت الدولة الأولى في العالم اليوم بل والمتفردة في القرار الدولي الآن (الولايات المتحدة الأميركية) تدفع لها الجزية.
لم يكن أجدادنا مستعمرين، بل كانوا فاتحين يحملون نور الإسلام لشعوب الأرض، حيث انصهرت تلك الشعوب في أمة الإسلام، ومنها الشعب التركي، الذي أمد الأمة الإسلامية بقادة عظام، من مثل الغازي أرطغرل وابنه عثمان ومحمد الفاتح وسليمان القانوني والسلطان عبد الحميد الثاني وغيرهم كثيرون، والذين كان عملهم ومركز التنبه لديهم تطبيق شرع الله وحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالجهاد وحماية ثغور المسلمين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم، فترسخ على إثره مهابة الدولة الإسلامية في نفوس أعدائها، ولم يتجاسروا على إذلال المسلمين والتغول على بلادهم وامتهان كرامتهم وتدنيس مقدساتهم وغزوهم وسلب أراضيهم إلا بعد سقوط دولتهم وإلغاء خلافتهم على يد مصطفى كمال أتاتورك. ولم يكن ذلك ليكون لولا تسلل حب الدنيا إلى النفوس، واستيطانه فيها، فأخذ الضعف يدب في المسلمين إلى أن تسلل إلى دينهم وعقيدتهم، مما جعلهم يفتتنون بالحضارة الغربية ومنتجاتها الفكرية والسياسية.

سيادة الرئيس..
لقد لاحظنا خلال فترة حكمكم أعمالًا مقصودة تخدم الأمة في مجالات عديدة منها التقدم في الميدان الصناعي، ومنها الحفاظ على وحدة البلاد من مشاريع التقسيم، ومنها تذكير أبناء الأمة بماضيهم المجيد المرتبط بالإسلام، سواءٌ أكان ذلك بتصريحات مقصودة أم عبر الدراما الهادفة التي أثارت انتباه أبناء الأمة من الشعب التركي وغيرهم من المسلمين إلى جذورهم الإسلامية، وبشكل يبعث الفخر بأمجادهم وبدينهم العظيم، وبما قدمه أجدادهم من تضحيات جسام لأجل الإسلام، وهي خطوة موفقة في تنمية الحس والمشاعر الإسلامية وتحتاج إلى خطوة أخرى في غاية الأهمية، وهي الوعي على الفكر الإسلامي المبلور النقي الصافي من غير دمج أو تأويل خاطىء أو خلط بأية مبادئ وضعية من رأسمالية أو اشتراكية تلوّثه وتبعده عن حقيقته.
والوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني جلاء ما علق به من غشاوات مزجت بينه وبين نقيضه كالعلمانية الرأسمالية بخاصة، إضافة إلى تنقية بعض جوانب العقيدة وفروعها من مثل القدر والقضاء والقدر والرزق والأجل والهدى والضلال والتوكل على الله، حيث ساهم الفهم المغلوط لأفكار العقيدة هذه في انحطاط الأمة وقعودها وتنكبها في مسيرتها النهضوية، رغم إقرارنا بسلامة العقائد الأساسية للأمة.
كما أن الوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني الوعي على معالجات الإسلام لمشاكل الحياة المختلفة، ونخص بالذكر هنا ما عمل الغرب الكافر وأدواته على طمسه وإخفائه من تنظيم الإسلام للحكم والاقتصاد، اللذيْن كانا موضع تركيز دول الكفر الاستعمارية من أجل إنهاء علاقتهما بالفكر الإسلامي؛ ليتمكنوا من تقزيم الإسلام وإظهاره دينًا روحيًّا لا علاقة له بالدولة وشؤون الحياة.
وإن من شأن وعي المسلمين على الفكر الإسلامي النقي بعقائده ومعالجاته وربطهما معًا ربطًا محكمًا، يُظهر انبثاق المعالجات عن العقيدة، أن يعالج حقًا ليس فقط مشاكلهم، بل ومشاكل العالم أجمع.
كما أن إدراك واقع العقيدة الإسلامية أنها عقيدة سياسية _أي تهتم برعاية شؤون الإنسان الدنيوية_ فضلَا عن كونها عقيدة روحية، أن يجعل المسلمين يندفعون لممارسة حياتهم المادية بدافع روحي جبار، وينطلقون لتحقيق غاياتهم بمنتهى الإخلاص والتضحية، وبخاصة وهم يدركون أنهم يحملون رسالة الإسلام العظيم لإنقاذ البشرية من ظلام الكفر الذي أحاط بالعالم كله، فعندما كانت الدولة الإسلامية تستند إلى القوة الروحية وإرادة الأمة والإعداد المادي تزعمت العالم، وعندما انحسرت القوة الروحية والحافز العقدي واستقلال الإرادة تراجعت برغم امتلاكها أسباب القوة والتفوق.
إن إدراك الأمة لقوة عقيدتها وعظمتها وكونها أساسًا لدستور دولتها وقوانينها مع وجود المشاعر والأحاسيس الإسلامية الصافية النقية، هو الضامن لنهضة صحيحة وعزيمة لا تلين في استرداد كرامتها المهدورة وثروتها المنهوبة ومجدها التليد، وهو المفصل الحقيقي الذي يجري من خلاله التغيير لواقع الأمة، وإن من نتائج ذلك الإدراك هدم العقائد والأفكار التي تشوش فهم الأمة لإسلامها، ونعني بذلك بخاصة عقيدة فصل الدين عن الحياة، واستبدال أفكار العقيدة الاسلامية وأفكار الاسلام وأحكامه المتعلقة بأنظمة الحكم والاقتصاد والاجتماع وغيرها من الأحكام بها.
ولما كنا قد اطلعنا على ما تفضلتم بذكره بتاريخ 20|10|2018 وعلى صفحتكم الرسمية باللغة العربية على الفيس بوك من (أن بوادر التغيير العالمي والإقليمي أصبحت جلية بحيث لا يمكن تجاهلها حتى من قبل الآذان الصماء والضمائر القاسية). فإن ذلك قد أوجد لدينا من الدوافع ما يكفي لدعوتكم إلى التغيير على أساس الإسلام، وسوف نعرض دوافعنا فيما يلي:

أولًا: الدافع العقدي
فإنكم أيها الرئيس تعتنقون الإسلام؛ والإسلام يحتم على معتنقيه أن يضبطوا كل أفعالهم ومنها السياسة بالعقيدة الإسلامية، فالحاكم المسلم لا تنفصل عقيدته عن سياسته، ولا يجوز له تسلم الحكم على غير الإسلام، بل يجب عليه رعاية شؤون الناس بالإسلام، وهذا ما فعله سيدنا وسيدكم وقدوتنا وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم عندما عرضت قريشُ الحكم عليه لقاء تخليه عن دعوته، ونزلت في تلك الحادثة سورة الكافرون لتقرر الولاء والبراء والمفاصلة بين الكفر والإسلام، وتحظر التنازل عن سيادة شرع الله في الحياة والدولة والمجتمع. وما دمتم قد أصبحتم في السلطة فإن الواجب الشرعي يُلزمكم العملَ على تحويل أنظمة الدولة وفق شريعة الله، لا سيما وأنكم تملكون حزبًا قوامه 11 مليون عضو وقاعدة شعبية واسعة، وفوق ذلك تملكون ظهيرًا جماهيريًّا وتأييدًا في كل بلاد المسلمين.
إن معيار المسلم الذي عظَّم في قلبه قيمة الألوهية على ما سواها هو قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة 24) وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور 51-52) فالذي يحدد صحة منهج المسلم هو التزامه التام بأوامر الله ونواهيه في كل جوانب الحياة.
أيها الرئيس: لقد وجدناكم تقدمون أنفسكم للأمة الإسلامية باعتبار أنكم أنموذج الحاكم المسلم، وأن تجربتكم هي المنهج الرباني في الحكم، في الوقت الذي تظهر تصريحاتكم الاعتقاد بأن الدين للأفراد وليس للدولة والنظام، وتفصلون بين الدين والسياسة والله عز وجل يقول: {ألا له الخلق والأمر} ويقول: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ويقول : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} سورة النساء 59، ويقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} سورة النور 69، ويقول: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} سورة الجاثية 19، ويقول: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} سورة المائدة 44 . وبالتالي فإن فصلكم للدين عن الدولة مخالف لعقيدة المسلمين؛ لأن اتصال الدين بالحياة والدولة والمجتمع ثابت بالدليل القطعي.
وقد وجدنا من يبرر لكم الحكم بغير ما أنزل الله بحجة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام وتشريعاته؛ أملًا منه أن يرى الإسلام مطبقًا في بلدكم، لكنكم لا تزالون منذ استلمتم الحكم منذ أكثر من عشرين سنة إلى الآن تطبقون الدستور التركي العلماني مع تأكيدكم الدائم من خلال تصريحاتكم على الإبقاء على النظام العلماني بل ودعوتكم لغيركم باستنساخه، ولم نجد للسعي في تطبيق الإسلام حيزًا في أدائكم حسب ما يأمله منكم ظهيركم في بلاد المسلمين، حتى ولو كان على سبيل التدرج، رغم أننا لا نقر التدرج في تطبيق أحكام الشرع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عنه حين قال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} سورة المائدة 50|49 . والدين قد اكتمل بنص القرآن حيث قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، ولا مسوغ للمسلمين في الاستنكاف عن اتباع الشرع كاملًا وتطبيقه لأننا نؤمن به كله، ونهانا الله أن نتبع بعضه ونترك بعضه الآخر: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، لا سيما وأن "التنزيل" المتدرج لا يبرر "التطبيق" المتدرّج مطلقًا.
أما العمل على تهيئة الأمة للوعي على الفكر الإسلامي وعيًا صحيحًا تنبذ معه كل الأفكار الدخيلة وتدرك إدراكًا تامًّا أن الإسلام وأحكامه لا تنفصل عن عقيدته، وأنها تنظم حياة المجتمع المسلم وليس الفرد المسلم فحسب، فهو حق ومطابق لسيرة رسولنا الكريم الذي لم يقم دولة الإسلام في المدينة المنورة إلا بعد أن أعلمه مصعب بن عمير رضي الله عنه أنه لم يبق بيت من بيوت المدينة إلا وقد دخله ذكر الإسلام أو ذكر محمد، وذهب معظم زعماء المدينة وقادتها بعد ذلك ليبايعوا رسولنا الكريم بيعة العقبة الثانية، مؤكدين له استعدادهم لحمايته وحماية دعوته، وأنهم سيضحون من أجل الإسلام بأعز ما يملكون، فهاجر رسولنا الكريم بعد ذلك، وأقام أول دولة إسلامية بعد أن هيأ المدينة وأوجد رأيًا عامًّا للإسلام جعل وجود رسولنا الكريم ودعوته مطلبًا عامًا.
ولأن مجرد وجود الأحاسيس والمشاعر الإسلامية عند الناس لا يكفي دون وجود الوعي الحقيقي على الفكر الإسلامي، وإدراكه إدراكًا صحيحًا يوجد القناعة والوعي العام عليه، ويغدوا معه تطبيق الإسلام مطلبًا عامًا، فإن مثل ذلك الإدراك وحصوله عند الأمة في ظل سلطة ترعاه بجدية وإخلاص، مع تسخير طاقات الدولة من إعلام ومحاضرات وندوات، يؤول إلى انقلاب مجتمعي يحاصر معسكر العلمانيين والدولة العميقة، ويحصن السلطة وقيادتها، ويؤسس لدولة إسلامية قوية في مدة لا تطول، بل لا تحتاج جيلًا أو أجيالًا.
إن الطريق الجاد لتحقيق ذلك هو طرح أفكار الإسلام على الأمة كلها لتناقشها وتتفاعل معها، وليس من خلال تربية جيل على حفظ القرآن وأداء شعائر الإسلام، مع العيش في ظلال الكفر وشريعته؛ لأن الجيل الذي تنشد تهيئته لن يتخذ الإسلام خيارًا وحيدًا بل سينشأ وعيه على مناهج الكفر وتشريعاته، واحتضان الأمة لأي فكر لتنهض على أساسه لا يحصل إلا بجعل السيادة والمرجعية العليا له وحده، عبر طرحه على الأمة كلها كي تتفاعل معه ويطغى على ما سواه، ويصبح مطلبًا لها وليس مطلبًا لجزء منها تحيط به كل أجواء الفساد الناتجة عن مناهج الكفر وتشريعاته.

Abu Taqi
09-06-2023, 04:12 PM
ثانيًا: الدافع السياسي
حيث لم يعد خافيًا علينا اختلافكم مع الولايات المتحدة، وبخاصة في موقفكم من "الكيان الكردي" الذي تريد أميركا إنشاءه، والتي سبق أن دفعتكم لقيادة مشروعها لتغيير المنطقة وإعادة صياغتها من جديد (مشروع الشرق الأوسط العظيم)، وهو المشروع الذي يهدف في حقيقته لتدمير المنطقة وتمزيقها لحساب القرن الأميركي الراهن. ولقد لاحظ حزبنا سيركم نحو استقلال القرار السياسي وكان ذلك مبعثًا لارتياحنا، والذي استحثنا لتقديم طلبنا لمقابلتكم والحوار في قضايا المسلمين وترتيب بيتهم الداخلي وأهمها قضية الفصل بين دينهم وحياتهم، وعلاقاتكم الدولية منها والإقليمية والمحلية.

سيادة الرئيس..
إن أميركا ليست قدرًا مُصلتًا على رقاب المسلمين، وإن دول العالم لم تُذعن لأميركا إلا لأنها حازت إلى جانب القوة العسكرية والاقتصادية، أدوات السيطرة على الدول، حيث صارت بعد الحرب العالمية الثانية الدولة الأولى في العالم بلا منازع، وأوجدت من الأحلاف والمؤسسات الدولية ما جعلها أهم أدوات سيطرتها واستعمارها، مما مكنها أن تفرض هيمنتها على بلاد المسلمين، وإن استراتيجية العمل المنتجة هي التي تهدف إلى قيادة العالم الإسلامي نحو التحرر والنهوض وبخاصة العالم العربي منه؛ لأن هزيمة أميركا ماديًّا لا تتحقق إلا بالضربة الاقتصادية، وهذه لن تتحقق بالخطابات الإعلامية بل حينما يمتلك المسلمون استقلالهم وسيادتهم على ثرواتهم وطرق الملاحة البرية والبحرية والجوية، وحينما يخرجون من عباءة النظام الدولي؛ وذلك أنه لم يكن لأميركا أن تهيمن على منطقتنا لولا هؤلاء الحكام العملاء، الذين سخروا قوى الأمة وثرواتها لخدمة مخططاتها وحراسة مصالحها، ولولا سيطرتها على نفط المسلمين وطرق إمداداته، وتحكمها بالنظام الدولي الذي يقوم على تفردها فيه، والذي يشكل عائقًا أمام التحرر والنهوض. وغني عن القول إن الأمة الإسلامية هي وحدها من يعتنق الإسلام مبدأ للحياة، عقيدة ونظامًا، وهو البديل الحضاري الذي يكفل التحرر من وحوش الرأسمالية ويضمن السعادة للعالم أجمع.

سيادة الرئيس..
تعلمون سيادتكم أن الرأي العام في العالم الإسلامي ومنه البلاد العربية على وجه الخصوص مساند لكم، وقد برز ذلك واضحًا في كل محنة أصابتكم، وفي كل موقف عبرتم فيه عن مشاعر الأمة وتطلعاتها، رغم أنكم تتصرفون بمنطق الحرية والديمقراطية التي تقيد إرادة الخالق بإرادة العبد، لا بمنطق الواجب الشرعي، فكيف بكم لو كان منطقكم ينطلق من عقيدة الأمة ومفاهيمها وشريعتها؟!. وقد أظهرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة (14/5/2023) ازدياد تعلق أبناء المسلمين في الدول العربية بكم وتأييدهم لمنهجكم، لا لشيء إلا لأنكم تقدمون أنفسكم قيادة "إسلامية". وهو ما يضيف عليكم مسؤولية كبرى أمام خالقكم، حيث أوجب عليكم الانحياز إلى دينكم وإلى أمتكم التي ناصرتكم ونابذت خصومكم العلمانيين، فإن لم تعاجلوا بذلك فإن فوزكم في الرئاسة والبرلمان من دون التلبس بتغيير النظام واستئناف الحياة الإسلامية سيزيد من تضليل المسلمين وابتعادهم عن نهج نبيهم، وسوف يصبح حكمكم مخدرًا ومُقعدًا للمسلمين عن واجب إقامة دولتهم، بل وسوف يُمعن وجودكم في الحكم في تزييف وعيهم ومقاومة النموذج الإسلامي الصحيح فتبوؤون بإثمهم، قال تعالى: ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ . ذلك أن العلمانية الناعمة التي تنتهجونها إنما تباعد بين المسلمين وعقيدتهم وشريعتهم ولا تختلف عن العلمانية الصلبة في الجوهر؛ لأنهما تقومان على الإيمان بفصل الدين عن الحياة، وإن اختلفتا في التعاطي مع الدين قمعًا وإقصاءً أو لينًا ومحاباة وتسخيرًا، والواجب هو أن تنبذوها جملة وتجتثوها من الحياة والدولة والمجتمع، لا أن تتبنوها وتزينوها في عيون المسلمين، قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.

أيها الرئيس..
برغم أننا حزب سياسي مبدؤه الإسلام يسعى للحكم لكن الحكم ليس غايتنا وإنما هو طريقة لتحقيق الغاية وهي استئناف الحياة الإسلامية وحمل الرسالة إلى العالم بالجهاد، ولذلك قضيتنا هي وصول الإسلام إلى الحكم، بغض النظر عمن يتولاه شريطة أن يطبق فينا الإسلام. وبرغم أننا نتبنى من أفكار الاسلام وأحكامه ما يتعلق بأنظمة الحياة بحسب اجتهادنا لكننا نبايع بلا تردد من يتولى شؤون المسلمين ممن يخالفنا الرأي شريطة أن يكون رأيه مستنبطًا من كتاب الله وسنة نبيه وما أرشدا إليه باجتهاد صحيح.

أيها الرئيس..
يقول صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم. وإننا من هذا المنطلق نطلب اللقاء بكم ومحاورتكم حول قضايا الأمة وأهمها المحاور التالية:
المحور الأول: الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه الدولة في الإسلام.
المحور الثاني: بحث الوسائل والأساليب العملية لنشر الوعي العام على الإسلام؛ عقيدة ونظامَ حياة.
المحور الثالث: واقع المسلمين وتفرق شملهم وكيفية العمل على توحيد بلادهم وتأسيس قوة كبرى بهم.
المحور الرابع: العلاقات الدولية وأهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو وروسيا والطريق الموصل لتخليص الأمة من قبضة أميركا والدول الكبرى.
المحور الخامس: العلاقات الإقليمية والمحلية وكيفية معالجتها وبخاصة كيفية التعامل مع عملاء أميركا في المنطقة.

أيها الرئيس..
إن حزب التحرير الذي يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية ينهج نهج الرسول الكريم، ويحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، وحشد الرأي العام المنبثق عن وعي عام على الإسلام، وخلق المناخ المناسب كي يتمكن من قيادة الأمة الإسلامية نحو النهوض وتطبيق الشريعة، ليس في تركيا وحدها بل وفي الأقطار الإسلامية التي ينشط فيها، يؤكد لكم أنه سيكون إلى جانبكم بكل طاقاته من أجل استئناف حياة الأمة على أساس الإسلام وتوحيد بلادها تحت راية لا إله إلا الله إن وجدت الإرادة الصادقة لديكم.
ونعلمكم أن الحزب سبق أن أعد دستورًا للدولة الإسلامية ووضع مقدمة له تظهر بالأدلة الشرعية شكل الدولة في الإسلام وأنظمتها وأجهزتها وصلاحياتها من ناحية شرعية، وتشرح شرحًا مفصلًا بالأدلة الشرعية الراجحة العلاقة بين الحاكم والرعية وكذلك العلاقة مع غيرهم من الأمم الأخرى.
وإننا نأمل من السيد الرئيس أن يُجيبنا إلى طلبنا بمقابلة وفدنا، خدمة لديننا الحنيف ولعل الله تعالى أن يكتب لهذه الأمة الخروج من محنتها، فترضي ربها بحمل رسالته لإنقاذ نفسها ومشاركة البشرية الهدى وإخراجها من ظلام الكفر، وتعود لها عزتها ومكانتها بين أمم الأرض، وتفوز أنت أيها الرئيس قبل أن تلقى الله تعالى برضى ربك، ويصدق فيك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " خِيارُ أئمَّتِكُمُ الَّذينَ تحبُّونَهُم ويحبُّونَكُم وتُصلُّونَ علَيهِم ويصلُّونَ علَيكُم".
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}

19/ذي القعدة/1444هـ حزب التحرير
8/6/2023م