Abu Taqi
09-06-2023, 04:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
كتاب مفتوح إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
السيد الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد استرعاكم الله جزءًا مهمًّا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت إسلام بول (استنبول) وهي أبرز مدن البلد الذي يقع تحت سلطتك الآن عاصمة آخر خلافة للمسلمين، ولو لم تتفق كل دول الكفر يقودهم حقدهم وأطماعهم على المسلمين وبلادهم على هدم الخلافة الإسلامية العثمانية التي قادت الأمة الإسلامية لقرون عديدة، لما كان حال المسلمين بمثل كل هذا السوء من فقدان لعزتهم وكرامتهم ووحدتهم ومكانة أمتهم بين أمم الأرض فضلًا عن نهب مقدرات بلادهم.
ولا نريد أن نذكركم بعظمة أجدادنا منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى الخلافة الإسلامية العثمانية، حيث كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم لمعظم تلك القرون التي امتدت إليها حياتها، وكانت الدولة الأولى في العالم اليوم بل والمتفردة في القرار الدولي الآن (الولايات المتحدة الأميركية) تدفع لها الجزية.
لم يكن أجدادنا مستعمرين، بل كانوا فاتحين يحملون نور الإسلام لشعوب الأرض، حيث انصهرت تلك الشعوب في أمة الإسلام، ومنها الشعب التركي، الذي أمد الأمة الإسلامية بقادة عظام، من مثل الغازي أرطغرل وابنه عثمان ومحمد الفاتح وسليمان القانوني والسلطان عبد الحميد الثاني وغيرهم كثيرون، والذين كان عملهم ومركز التنبه لديهم تطبيق شرع الله وحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالجهاد وحماية ثغور المسلمين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم، فترسخ على إثره مهابة الدولة الإسلامية في نفوس أعدائها، ولم يتجاسروا على إذلال المسلمين والتغول على بلادهم وامتهان كرامتهم وتدنيس مقدساتهم وغزوهم وسلب أراضيهم إلا بعد سقوط دولتهم وإلغاء خلافتهم على يد مصطفى كمال أتاتورك. ولم يكن ذلك ليكون لولا تسلل حب الدنيا إلى النفوس، واستيطانه فيها، فأخذ الضعف يدب في المسلمين إلى أن تسلل إلى دينهم وعقيدتهم، مما جعلهم يفتتنون بالحضارة الغربية ومنتجاتها الفكرية والسياسية.
سيادة الرئيس..
لقد لاحظنا خلال فترة حكمكم أعمالًا مقصودة تخدم الأمة في مجالات عديدة منها التقدم في الميدان الصناعي، ومنها الحفاظ على وحدة البلاد من مشاريع التقسيم، ومنها تذكير أبناء الأمة بماضيهم المجيد المرتبط بالإسلام، سواءٌ أكان ذلك بتصريحات مقصودة أم عبر الدراما الهادفة التي أثارت انتباه أبناء الأمة من الشعب التركي وغيرهم من المسلمين إلى جذورهم الإسلامية، وبشكل يبعث الفخر بأمجادهم وبدينهم العظيم، وبما قدمه أجدادهم من تضحيات جسام لأجل الإسلام، وهي خطوة موفقة في تنمية الحس والمشاعر الإسلامية وتحتاج إلى خطوة أخرى في غاية الأهمية، وهي الوعي على الفكر الإسلامي المبلور النقي الصافي من غير دمج أو تأويل خاطىء أو خلط بأية مبادئ وضعية من رأسمالية أو اشتراكية تلوّثه وتبعده عن حقيقته.
والوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني جلاء ما علق به من غشاوات مزجت بينه وبين نقيضه كالعلمانية الرأسمالية بخاصة، إضافة إلى تنقية بعض جوانب العقيدة وفروعها من مثل القدر والقضاء والقدر والرزق والأجل والهدى والضلال والتوكل على الله، حيث ساهم الفهم المغلوط لأفكار العقيدة هذه في انحطاط الأمة وقعودها وتنكبها في مسيرتها النهضوية، رغم إقرارنا بسلامة العقائد الأساسية للأمة.
كما أن الوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني الوعي على معالجات الإسلام لمشاكل الحياة المختلفة، ونخص بالذكر هنا ما عمل الغرب الكافر وأدواته على طمسه وإخفائه من تنظيم الإسلام للحكم والاقتصاد، اللذيْن كانا موضع تركيز دول الكفر الاستعمارية من أجل إنهاء علاقتهما بالفكر الإسلامي؛ ليتمكنوا من تقزيم الإسلام وإظهاره دينًا روحيًّا لا علاقة له بالدولة وشؤون الحياة.
وإن من شأن وعي المسلمين على الفكر الإسلامي النقي بعقائده ومعالجاته وربطهما معًا ربطًا محكمًا، يُظهر انبثاق المعالجات عن العقيدة، أن يعالج حقًا ليس فقط مشاكلهم، بل ومشاكل العالم أجمع.
كما أن إدراك واقع العقيدة الإسلامية أنها عقيدة سياسية _أي تهتم برعاية شؤون الإنسان الدنيوية_ فضلَا عن كونها عقيدة روحية، أن يجعل المسلمين يندفعون لممارسة حياتهم المادية بدافع روحي جبار، وينطلقون لتحقيق غاياتهم بمنتهى الإخلاص والتضحية، وبخاصة وهم يدركون أنهم يحملون رسالة الإسلام العظيم لإنقاذ البشرية من ظلام الكفر الذي أحاط بالعالم كله، فعندما كانت الدولة الإسلامية تستند إلى القوة الروحية وإرادة الأمة والإعداد المادي تزعمت العالم، وعندما انحسرت القوة الروحية والحافز العقدي واستقلال الإرادة تراجعت برغم امتلاكها أسباب القوة والتفوق.
إن إدراك الأمة لقوة عقيدتها وعظمتها وكونها أساسًا لدستور دولتها وقوانينها مع وجود المشاعر والأحاسيس الإسلامية الصافية النقية، هو الضامن لنهضة صحيحة وعزيمة لا تلين في استرداد كرامتها المهدورة وثروتها المنهوبة ومجدها التليد، وهو المفصل الحقيقي الذي يجري من خلاله التغيير لواقع الأمة، وإن من نتائج ذلك الإدراك هدم العقائد والأفكار التي تشوش فهم الأمة لإسلامها، ونعني بذلك بخاصة عقيدة فصل الدين عن الحياة، واستبدال أفكار العقيدة الاسلامية وأفكار الاسلام وأحكامه المتعلقة بأنظمة الحكم والاقتصاد والاجتماع وغيرها من الأحكام بها.
ولما كنا قد اطلعنا على ما تفضلتم بذكره بتاريخ 20|10|2018 وعلى صفحتكم الرسمية باللغة العربية على الفيس بوك من (أن بوادر التغيير العالمي والإقليمي أصبحت جلية بحيث لا يمكن تجاهلها حتى من قبل الآذان الصماء والضمائر القاسية). فإن ذلك قد أوجد لدينا من الدوافع ما يكفي لدعوتكم إلى التغيير على أساس الإسلام، وسوف نعرض دوافعنا فيما يلي:
أولًا: الدافع العقدي
فإنكم أيها الرئيس تعتنقون الإسلام؛ والإسلام يحتم على معتنقيه أن يضبطوا كل أفعالهم ومنها السياسة بالعقيدة الإسلامية، فالحاكم المسلم لا تنفصل عقيدته عن سياسته، ولا يجوز له تسلم الحكم على غير الإسلام، بل يجب عليه رعاية شؤون الناس بالإسلام، وهذا ما فعله سيدنا وسيدكم وقدوتنا وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم عندما عرضت قريشُ الحكم عليه لقاء تخليه عن دعوته، ونزلت في تلك الحادثة سورة الكافرون لتقرر الولاء والبراء والمفاصلة بين الكفر والإسلام، وتحظر التنازل عن سيادة شرع الله في الحياة والدولة والمجتمع. وما دمتم قد أصبحتم في السلطة فإن الواجب الشرعي يُلزمكم العملَ على تحويل أنظمة الدولة وفق شريعة الله، لا سيما وأنكم تملكون حزبًا قوامه 11 مليون عضو وقاعدة شعبية واسعة، وفوق ذلك تملكون ظهيرًا جماهيريًّا وتأييدًا في كل بلاد المسلمين.
إن معيار المسلم الذي عظَّم في قلبه قيمة الألوهية على ما سواها هو قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة 24) وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور 51-52) فالذي يحدد صحة منهج المسلم هو التزامه التام بأوامر الله ونواهيه في كل جوانب الحياة.
أيها الرئيس: لقد وجدناكم تقدمون أنفسكم للأمة الإسلامية باعتبار أنكم أنموذج الحاكم المسلم، وأن تجربتكم هي المنهج الرباني في الحكم، في الوقت الذي تظهر تصريحاتكم الاعتقاد بأن الدين للأفراد وليس للدولة والنظام، وتفصلون بين الدين والسياسة والله عز وجل يقول: {ألا له الخلق والأمر} ويقول: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ويقول : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} سورة النساء 59، ويقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} سورة النور 69، ويقول: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} سورة الجاثية 19، ويقول: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} سورة المائدة 44 . وبالتالي فإن فصلكم للدين عن الدولة مخالف لعقيدة المسلمين؛ لأن اتصال الدين بالحياة والدولة والمجتمع ثابت بالدليل القطعي.
وقد وجدنا من يبرر لكم الحكم بغير ما أنزل الله بحجة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام وتشريعاته؛ أملًا منه أن يرى الإسلام مطبقًا في بلدكم، لكنكم لا تزالون منذ استلمتم الحكم منذ أكثر من عشرين سنة إلى الآن تطبقون الدستور التركي العلماني مع تأكيدكم الدائم من خلال تصريحاتكم على الإبقاء على النظام العلماني بل ودعوتكم لغيركم باستنساخه، ولم نجد للسعي في تطبيق الإسلام حيزًا في أدائكم حسب ما يأمله منكم ظهيركم في بلاد المسلمين، حتى ولو كان على سبيل التدرج، رغم أننا لا نقر التدرج في تطبيق أحكام الشرع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عنه حين قال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} سورة المائدة 50|49 . والدين قد اكتمل بنص القرآن حيث قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، ولا مسوغ للمسلمين في الاستنكاف عن اتباع الشرع كاملًا وتطبيقه لأننا نؤمن به كله، ونهانا الله أن نتبع بعضه ونترك بعضه الآخر: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، لا سيما وأن "التنزيل" المتدرج لا يبرر "التطبيق" المتدرّج مطلقًا.
أما العمل على تهيئة الأمة للوعي على الفكر الإسلامي وعيًا صحيحًا تنبذ معه كل الأفكار الدخيلة وتدرك إدراكًا تامًّا أن الإسلام وأحكامه لا تنفصل عن عقيدته، وأنها تنظم حياة المجتمع المسلم وليس الفرد المسلم فحسب، فهو حق ومطابق لسيرة رسولنا الكريم الذي لم يقم دولة الإسلام في المدينة المنورة إلا بعد أن أعلمه مصعب بن عمير رضي الله عنه أنه لم يبق بيت من بيوت المدينة إلا وقد دخله ذكر الإسلام أو ذكر محمد، وذهب معظم زعماء المدينة وقادتها بعد ذلك ليبايعوا رسولنا الكريم بيعة العقبة الثانية، مؤكدين له استعدادهم لحمايته وحماية دعوته، وأنهم سيضحون من أجل الإسلام بأعز ما يملكون، فهاجر رسولنا الكريم بعد ذلك، وأقام أول دولة إسلامية بعد أن هيأ المدينة وأوجد رأيًا عامًّا للإسلام جعل وجود رسولنا الكريم ودعوته مطلبًا عامًا.
ولأن مجرد وجود الأحاسيس والمشاعر الإسلامية عند الناس لا يكفي دون وجود الوعي الحقيقي على الفكر الإسلامي، وإدراكه إدراكًا صحيحًا يوجد القناعة والوعي العام عليه، ويغدوا معه تطبيق الإسلام مطلبًا عامًا، فإن مثل ذلك الإدراك وحصوله عند الأمة في ظل سلطة ترعاه بجدية وإخلاص، مع تسخير طاقات الدولة من إعلام ومحاضرات وندوات، يؤول إلى انقلاب مجتمعي يحاصر معسكر العلمانيين والدولة العميقة، ويحصن السلطة وقيادتها، ويؤسس لدولة إسلامية قوية في مدة لا تطول، بل لا تحتاج جيلًا أو أجيالًا.
إن الطريق الجاد لتحقيق ذلك هو طرح أفكار الإسلام على الأمة كلها لتناقشها وتتفاعل معها، وليس من خلال تربية جيل على حفظ القرآن وأداء شعائر الإسلام، مع العيش في ظلال الكفر وشريعته؛ لأن الجيل الذي تنشد تهيئته لن يتخذ الإسلام خيارًا وحيدًا بل سينشأ وعيه على مناهج الكفر وتشريعاته، واحتضان الأمة لأي فكر لتنهض على أساسه لا يحصل إلا بجعل السيادة والمرجعية العليا له وحده، عبر طرحه على الأمة كلها كي تتفاعل معه ويطغى على ما سواه، ويصبح مطلبًا لها وليس مطلبًا لجزء منها تحيط به كل أجواء الفساد الناتجة عن مناهج الكفر وتشريعاته.
متابعة سياسية
كتاب مفتوح إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
السيد الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد استرعاكم الله جزءًا مهمًّا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت إسلام بول (استنبول) وهي أبرز مدن البلد الذي يقع تحت سلطتك الآن عاصمة آخر خلافة للمسلمين، ولو لم تتفق كل دول الكفر يقودهم حقدهم وأطماعهم على المسلمين وبلادهم على هدم الخلافة الإسلامية العثمانية التي قادت الأمة الإسلامية لقرون عديدة، لما كان حال المسلمين بمثل كل هذا السوء من فقدان لعزتهم وكرامتهم ووحدتهم ومكانة أمتهم بين أمم الأرض فضلًا عن نهب مقدرات بلادهم.
ولا نريد أن نذكركم بعظمة أجدادنا منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى الخلافة الإسلامية العثمانية، حيث كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم لمعظم تلك القرون التي امتدت إليها حياتها، وكانت الدولة الأولى في العالم اليوم بل والمتفردة في القرار الدولي الآن (الولايات المتحدة الأميركية) تدفع لها الجزية.
لم يكن أجدادنا مستعمرين، بل كانوا فاتحين يحملون نور الإسلام لشعوب الأرض، حيث انصهرت تلك الشعوب في أمة الإسلام، ومنها الشعب التركي، الذي أمد الأمة الإسلامية بقادة عظام، من مثل الغازي أرطغرل وابنه عثمان ومحمد الفاتح وسليمان القانوني والسلطان عبد الحميد الثاني وغيرهم كثيرون، والذين كان عملهم ومركز التنبه لديهم تطبيق شرع الله وحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالجهاد وحماية ثغور المسلمين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم، فترسخ على إثره مهابة الدولة الإسلامية في نفوس أعدائها، ولم يتجاسروا على إذلال المسلمين والتغول على بلادهم وامتهان كرامتهم وتدنيس مقدساتهم وغزوهم وسلب أراضيهم إلا بعد سقوط دولتهم وإلغاء خلافتهم على يد مصطفى كمال أتاتورك. ولم يكن ذلك ليكون لولا تسلل حب الدنيا إلى النفوس، واستيطانه فيها، فأخذ الضعف يدب في المسلمين إلى أن تسلل إلى دينهم وعقيدتهم، مما جعلهم يفتتنون بالحضارة الغربية ومنتجاتها الفكرية والسياسية.
سيادة الرئيس..
لقد لاحظنا خلال فترة حكمكم أعمالًا مقصودة تخدم الأمة في مجالات عديدة منها التقدم في الميدان الصناعي، ومنها الحفاظ على وحدة البلاد من مشاريع التقسيم، ومنها تذكير أبناء الأمة بماضيهم المجيد المرتبط بالإسلام، سواءٌ أكان ذلك بتصريحات مقصودة أم عبر الدراما الهادفة التي أثارت انتباه أبناء الأمة من الشعب التركي وغيرهم من المسلمين إلى جذورهم الإسلامية، وبشكل يبعث الفخر بأمجادهم وبدينهم العظيم، وبما قدمه أجدادهم من تضحيات جسام لأجل الإسلام، وهي خطوة موفقة في تنمية الحس والمشاعر الإسلامية وتحتاج إلى خطوة أخرى في غاية الأهمية، وهي الوعي على الفكر الإسلامي المبلور النقي الصافي من غير دمج أو تأويل خاطىء أو خلط بأية مبادئ وضعية من رأسمالية أو اشتراكية تلوّثه وتبعده عن حقيقته.
والوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني جلاء ما علق به من غشاوات مزجت بينه وبين نقيضه كالعلمانية الرأسمالية بخاصة، إضافة إلى تنقية بعض جوانب العقيدة وفروعها من مثل القدر والقضاء والقدر والرزق والأجل والهدى والضلال والتوكل على الله، حيث ساهم الفهم المغلوط لأفكار العقيدة هذه في انحطاط الأمة وقعودها وتنكبها في مسيرتها النهضوية، رغم إقرارنا بسلامة العقائد الأساسية للأمة.
كما أن الوعي على الفكر الإسلامي النقي يعني الوعي على معالجات الإسلام لمشاكل الحياة المختلفة، ونخص بالذكر هنا ما عمل الغرب الكافر وأدواته على طمسه وإخفائه من تنظيم الإسلام للحكم والاقتصاد، اللذيْن كانا موضع تركيز دول الكفر الاستعمارية من أجل إنهاء علاقتهما بالفكر الإسلامي؛ ليتمكنوا من تقزيم الإسلام وإظهاره دينًا روحيًّا لا علاقة له بالدولة وشؤون الحياة.
وإن من شأن وعي المسلمين على الفكر الإسلامي النقي بعقائده ومعالجاته وربطهما معًا ربطًا محكمًا، يُظهر انبثاق المعالجات عن العقيدة، أن يعالج حقًا ليس فقط مشاكلهم، بل ومشاكل العالم أجمع.
كما أن إدراك واقع العقيدة الإسلامية أنها عقيدة سياسية _أي تهتم برعاية شؤون الإنسان الدنيوية_ فضلَا عن كونها عقيدة روحية، أن يجعل المسلمين يندفعون لممارسة حياتهم المادية بدافع روحي جبار، وينطلقون لتحقيق غاياتهم بمنتهى الإخلاص والتضحية، وبخاصة وهم يدركون أنهم يحملون رسالة الإسلام العظيم لإنقاذ البشرية من ظلام الكفر الذي أحاط بالعالم كله، فعندما كانت الدولة الإسلامية تستند إلى القوة الروحية وإرادة الأمة والإعداد المادي تزعمت العالم، وعندما انحسرت القوة الروحية والحافز العقدي واستقلال الإرادة تراجعت برغم امتلاكها أسباب القوة والتفوق.
إن إدراك الأمة لقوة عقيدتها وعظمتها وكونها أساسًا لدستور دولتها وقوانينها مع وجود المشاعر والأحاسيس الإسلامية الصافية النقية، هو الضامن لنهضة صحيحة وعزيمة لا تلين في استرداد كرامتها المهدورة وثروتها المنهوبة ومجدها التليد، وهو المفصل الحقيقي الذي يجري من خلاله التغيير لواقع الأمة، وإن من نتائج ذلك الإدراك هدم العقائد والأفكار التي تشوش فهم الأمة لإسلامها، ونعني بذلك بخاصة عقيدة فصل الدين عن الحياة، واستبدال أفكار العقيدة الاسلامية وأفكار الاسلام وأحكامه المتعلقة بأنظمة الحكم والاقتصاد والاجتماع وغيرها من الأحكام بها.
ولما كنا قد اطلعنا على ما تفضلتم بذكره بتاريخ 20|10|2018 وعلى صفحتكم الرسمية باللغة العربية على الفيس بوك من (أن بوادر التغيير العالمي والإقليمي أصبحت جلية بحيث لا يمكن تجاهلها حتى من قبل الآذان الصماء والضمائر القاسية). فإن ذلك قد أوجد لدينا من الدوافع ما يكفي لدعوتكم إلى التغيير على أساس الإسلام، وسوف نعرض دوافعنا فيما يلي:
أولًا: الدافع العقدي
فإنكم أيها الرئيس تعتنقون الإسلام؛ والإسلام يحتم على معتنقيه أن يضبطوا كل أفعالهم ومنها السياسة بالعقيدة الإسلامية، فالحاكم المسلم لا تنفصل عقيدته عن سياسته، ولا يجوز له تسلم الحكم على غير الإسلام، بل يجب عليه رعاية شؤون الناس بالإسلام، وهذا ما فعله سيدنا وسيدكم وقدوتنا وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم عندما عرضت قريشُ الحكم عليه لقاء تخليه عن دعوته، ونزلت في تلك الحادثة سورة الكافرون لتقرر الولاء والبراء والمفاصلة بين الكفر والإسلام، وتحظر التنازل عن سيادة شرع الله في الحياة والدولة والمجتمع. وما دمتم قد أصبحتم في السلطة فإن الواجب الشرعي يُلزمكم العملَ على تحويل أنظمة الدولة وفق شريعة الله، لا سيما وأنكم تملكون حزبًا قوامه 11 مليون عضو وقاعدة شعبية واسعة، وفوق ذلك تملكون ظهيرًا جماهيريًّا وتأييدًا في كل بلاد المسلمين.
إن معيار المسلم الذي عظَّم في قلبه قيمة الألوهية على ما سواها هو قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة 24) وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور 51-52) فالذي يحدد صحة منهج المسلم هو التزامه التام بأوامر الله ونواهيه في كل جوانب الحياة.
أيها الرئيس: لقد وجدناكم تقدمون أنفسكم للأمة الإسلامية باعتبار أنكم أنموذج الحاكم المسلم، وأن تجربتكم هي المنهج الرباني في الحكم، في الوقت الذي تظهر تصريحاتكم الاعتقاد بأن الدين للأفراد وليس للدولة والنظام، وتفصلون بين الدين والسياسة والله عز وجل يقول: {ألا له الخلق والأمر} ويقول: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ويقول : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} سورة النساء 59، ويقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} سورة النور 69، ويقول: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} سورة الجاثية 19، ويقول: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} سورة المائدة 44 . وبالتالي فإن فصلكم للدين عن الدولة مخالف لعقيدة المسلمين؛ لأن اتصال الدين بالحياة والدولة والمجتمع ثابت بالدليل القطعي.
وقد وجدنا من يبرر لكم الحكم بغير ما أنزل الله بحجة التدرج في تطبيق أحكام الإسلام وتشريعاته؛ أملًا منه أن يرى الإسلام مطبقًا في بلدكم، لكنكم لا تزالون منذ استلمتم الحكم منذ أكثر من عشرين سنة إلى الآن تطبقون الدستور التركي العلماني مع تأكيدكم الدائم من خلال تصريحاتكم على الإبقاء على النظام العلماني بل ودعوتكم لغيركم باستنساخه، ولم نجد للسعي في تطبيق الإسلام حيزًا في أدائكم حسب ما يأمله منكم ظهيركم في بلاد المسلمين، حتى ولو كان على سبيل التدرج، رغم أننا لا نقر التدرج في تطبيق أحكام الشرع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عنه حين قال: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} سورة المائدة 50|49 . والدين قد اكتمل بنص القرآن حيث قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، ولا مسوغ للمسلمين في الاستنكاف عن اتباع الشرع كاملًا وتطبيقه لأننا نؤمن به كله، ونهانا الله أن نتبع بعضه ونترك بعضه الآخر: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، لا سيما وأن "التنزيل" المتدرج لا يبرر "التطبيق" المتدرّج مطلقًا.
أما العمل على تهيئة الأمة للوعي على الفكر الإسلامي وعيًا صحيحًا تنبذ معه كل الأفكار الدخيلة وتدرك إدراكًا تامًّا أن الإسلام وأحكامه لا تنفصل عن عقيدته، وأنها تنظم حياة المجتمع المسلم وليس الفرد المسلم فحسب، فهو حق ومطابق لسيرة رسولنا الكريم الذي لم يقم دولة الإسلام في المدينة المنورة إلا بعد أن أعلمه مصعب بن عمير رضي الله عنه أنه لم يبق بيت من بيوت المدينة إلا وقد دخله ذكر الإسلام أو ذكر محمد، وذهب معظم زعماء المدينة وقادتها بعد ذلك ليبايعوا رسولنا الكريم بيعة العقبة الثانية، مؤكدين له استعدادهم لحمايته وحماية دعوته، وأنهم سيضحون من أجل الإسلام بأعز ما يملكون، فهاجر رسولنا الكريم بعد ذلك، وأقام أول دولة إسلامية بعد أن هيأ المدينة وأوجد رأيًا عامًّا للإسلام جعل وجود رسولنا الكريم ودعوته مطلبًا عامًا.
ولأن مجرد وجود الأحاسيس والمشاعر الإسلامية عند الناس لا يكفي دون وجود الوعي الحقيقي على الفكر الإسلامي، وإدراكه إدراكًا صحيحًا يوجد القناعة والوعي العام عليه، ويغدوا معه تطبيق الإسلام مطلبًا عامًا، فإن مثل ذلك الإدراك وحصوله عند الأمة في ظل سلطة ترعاه بجدية وإخلاص، مع تسخير طاقات الدولة من إعلام ومحاضرات وندوات، يؤول إلى انقلاب مجتمعي يحاصر معسكر العلمانيين والدولة العميقة، ويحصن السلطة وقيادتها، ويؤسس لدولة إسلامية قوية في مدة لا تطول، بل لا تحتاج جيلًا أو أجيالًا.
إن الطريق الجاد لتحقيق ذلك هو طرح أفكار الإسلام على الأمة كلها لتناقشها وتتفاعل معها، وليس من خلال تربية جيل على حفظ القرآن وأداء شعائر الإسلام، مع العيش في ظلال الكفر وشريعته؛ لأن الجيل الذي تنشد تهيئته لن يتخذ الإسلام خيارًا وحيدًا بل سينشأ وعيه على مناهج الكفر وتشريعاته، واحتضان الأمة لأي فكر لتنهض على أساسه لا يحصل إلا بجعل السيادة والمرجعية العليا له وحده، عبر طرحه على الأمة كلها كي تتفاعل معه ويطغى على ما سواه، ويصبح مطلبًا لها وليس مطلبًا لجزء منها تحيط به كل أجواء الفساد الناتجة عن مناهج الكفر وتشريعاته.