Abu Taqi
04-06-2023, 10:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
التعاون الروسي الصيني واستغلال أميركا للأزمات الدولية
جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لموسكو يوم الإثنين ٢٠ آذار/مارس في أعقاب رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني، وإصدار المحكمة الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة الترحيل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا؛ لتُعمّق التعاون بين موسكو وبكين في مواجهة الضغوط الأميركية. حيث أفاد المتحدث الرسمي الروسي أن الزعيمين سيلتقيان في "اجتماع مغلق وخاص لبحث المواضيع الأكثر حساسية".
ومن تتبع السياسة الأميركية منذ الحرب الأوكرانية نجد أنها ليست مقتصرة على الأمن الأوروبي والمجال الحيوي الروسي فحسب، بل أصبحت محفزًا للاستقطاب الدولي، وعاملًا إضافيًا لتوتير أمن واستقرار منطقة الأندوباسيفيك بشكل خاص. وقد برز ذلك واضحًا في قمة الدول السبع (G7) في اليابان، وفي إنفاقها العسكري، والمناورات العسكرية الصينية حول تايوان في الشهر الماضي، وفي اختبار الأسلحة المتطورة، والضغوط الأميركية على روسيا، واستفزازها بالهجمات على موسكو وبلوغرود مؤخرًا، وضغوطها على أوروبا بزيادة تسليح أوكرانيا وإطالة أمد الحرب.
كما برزت في التحولات الجوهرية في خارطة الطاقة العالمية وأمنها، والتي انعكست في تخفيض أوروبا اعتمادها في الطاقة على روسيا، وتعزيز الصين اعتمادها على الطرق البرية مع روسيا تفاديًا للحصار البحري، ومحاولة الولايات المتحدة إغراء الصين للاعتماد على منطقة الخليج من خلال التقارب السعودي الصيني. حيث لم تُخفِ أميركا في استراتيجيتها للأمن القومي (١٠/٢٠٢٢) والمبنية على مرور العالم بــ "نقطة انحراف مهمة" تنتهي بها حقبة "ما بعد الحرب الباردة"، وبخاصة ما بعد سقوط جدار برلين والحرب على الإسلام، بأن العالم يسوده "منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي" من قبل "الأوتوقراطيين".
ولم يعد خافيًا أيضًا أن أميركا تسعى للحفاظ على النظام الدولي القائم على مبدئها وسيادتها على العالم، والتحوط من محاولات إضعافه؛ لصالح نظام دولي يقوم على تعدد مراكز القوى. وهذا بحد ذاته يشير إلى عزمها على "صياغة المستقبل القادم" واحتكاره، من خلال سياسة الاحتواء والابتزاز، مرتكزة على مبدأ "القيادة من الخلف" تحت مظلة الأحلاف وحروب الوكالة. وهو ما يفسر تركيزها على "الديمقراطية الليبرالية"، واستهداف القوى المنافسة (أوروبا وروسيا والصين) والعمل على معالجة (التحديات الإسلامية) بالقوة الناعمة (فرض الحداثة في وعي أهل المنطقة وإعادة تشكيلها)، واستنزاف القوى الكبرى عبر الحرب الأوكرانية، وبؤر التوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخفض التوتر في الشرق الأوسط. تمامًا مثلما اتخذت من حرب الخليج الأولى سنة ١٩٩٠، وحادثة ١١ أيلول/سبتمبر نقطة ارتكاز لفرض إرادتها وتفردها في الموقف الدولي وترسيخ هيمنتها على العالم.
ولا تخفى أيضًا مخاوفُ الصين الظاهرة في خطابات قادتها، والتي تتلخص في أن "سطوة الولايات المتحدة خطر على العالم"، ومحاولاتها تسويق رؤية عالمية مبنية على "المصالح المشتركة للإنسانية"، وتأكيدها على أنها "لا ترغب في زعزعة استقرار أي طرف أو ترغب بالهيمنة". ويتضح ذلك من التصريح المشترك للرئيسين بوتين وجين بينغ عقب اجتماعهما في الرابع من شهر شباط/فبراير من العام الماضي ٢٠٢٢ في بيجين، والذي أثار تشنج الغرب بقولهما "يتبع البعض نهج الأحادية لمعالجة القضايا الدولية واللجوء إلى القوة"، مستنكرين قيام أولئك بـ"التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، والتعدي على المصالح المشروعة وإثارة "التناقضات والخلافات والمواجهة" ويقصدون بذلك أميركا.
وفي تحدٍ مباشر للنظام الدولي الذي هندسته الولايات المتحدة، وفي محاولة للانتقال من الدفاع عن مجالهما الحيوي، والتفلت من العقوبات والاحتواء، اتفقت الصين وروسيا على ضرورة إعادة انتاج الموقف الدولي من خلال سعيهما "لتحقيق نظام دولي متعدد الأطراف غير زائف... ويروج لعلاقات دولية أكثر ديمقراطية"، وهو ما يتيح لهما المشاركة في القرارات الدولية أو الحد من تأثيرها عليهما، مع اعترافهما بمركزية أميركا في الموقف الدولي. وإدراكًا من الزعيمين أنهما يواجهان معضلة قيمية في تسويق هذه الرؤية لنظام عالمي جديد، وفي رسالة للاتحاد الأوروبي وأعضائه وحلفاء أميركا، أكدا عزمهما على ضرورة "حماية المنظومة الدولية المقودة من قبل الأمم المتحدة والنظام الدولي المبني على أساس القانون الدولي".
ومن مظاهر التحدي الصيني والروسي لأميركا قول الرئيس الصيني في ختام زيارته لروسيا "التغيير القادم لم يحدث منذ ١٠٠ عام ونحن نقود هذا التغيير معًا".
ولقد قاد الرئيس الصيني عدة محاولات لاستغلال شقوق العلاقات الدولية الناجمة عن الأزمات التي أحدثتها إدارتا ترمب وبايدن، وذلك للتأثير على العلاقات الدولية لصالح الصين، نحو التمدد في دول آسيا الوسطى، وعرضه تطوير قدراتها الدفاعية، ودعوة قادتها إلى الصين مؤخرًا بعد أن كان ذلك مرفوضًا من قِبل الروس. ونحو استمالته للاتحاد الأوروبي أو حتى تحييده، مستغلًا اختلاف الرؤية الأوروبية والأميركية بخصوص العلاقة مع روسيا والصين.
إلا أن الدول الأوروبية بل والآسيوية مثل كوريا الجنوبية يريدون التعامل مع الصين رغبة منهم في النمو الاقتصادي مثل "تجارة أشباه الموصلات"، التي حظرت الصين استيرادها من الولايات المتحدة، بينما لا يجدون مناصًا من الإذعان لأميركا في أغلب الأحيان؛ لكونه "لا غنى عنها لأي توازن إقليمي"، وهو ما أكده جوزيف بوريل (١١/١٠/٢٢) بقوله إن أوروبا ستعاني من "فصل مصادر ازدهارنا" ويقصد بها روسيا والصين، "عن مصادر أمننا" ويقصد به الولايات المتحدة المتعهدة بالأمن الأوروبي.
إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتز، حاول الموازنة في علاقاته مع الصين والولايات المتحدة، فلم يقطع مع الصين تمامًا أو يلبي رغبتها كما تريد خشية غضب الولايات المتحدة، لكنه انتقد سياسة الفصل (Decoupling) ووصفها بأنها خاطئة. وأما الرئيس ماكرون، ومن أجل التملص من السير وراء الولايات المتحدة في مواجهة الصين، فقد دعا لإيجاد نظام دولي موحَّد وقال: "لا نؤمن بالهيمنة، لا نؤمن بالمواجهة، بل نؤمن بالاستقرار".
ورغم التوجه الأوروبي بشأن العلاقة مع الصين والذي يمكن قراءته ظاهريًّا بأنه خروج عن النهج الأميركي المتشدد والداعي إلى عزل الصين (فيما يخص التقنيات المتقدمة وأشباه الموصلات والمعالجات الحاسوبية المتقدمة بداعي ارتباطها بتحديث المنظومة العسكرية الصينية وتفعيل قدراتها التنافسية)، إلا أنه لا يشكل تحولًا جوهريًّا في العلاقة الأوروبية الأميركية أو العلاقة مع الصين، ولم يُمكَّن الرئيس الصيني في ذات الوقت من جعل العلاقة الصينية الأوروبية ركيزة أساسية ومثالًا واضحًا لرؤيته المتمثلة بعالم متعدد الأقطاب ومحصّن ضد الهيمنة الأميركية. ويتضح ذلك من تصريح المعلقين السياسيين الصينيين بعد القمة الأوروبية الصينية مطلع عام ٢٠٢٢، وقولهم إن على "الاتحاد الأوروبي رفض عقلية الحرب الباردة حتى يتمكنوا من جني استقلال استراتيجي". وهو الأمر الذي واجهته الولايات المتحدة عبر الأزمة الأوكرانية لإعادة تشكيل العلاقات الدولية واحتوائها وتوجيهها وترسيخ مركزيتها في الموقف الدولي، من خلال الأحلاف القائمة على القيم والمصالح الغربية، التي أكد عليها بايدن في قمة الدول السبع في اليابان قبل أيام، وركز فيها على دفع عجلة الطاقة النظيفة إلى أقصى سرعة من أجل التخلي عن الاعتماد على روسيا في تزويد الطاقة.
كما واجهت أميركا التقارب الصيني مع روسيا وأوروبا من خلال العقوبات وشيطنة بوتين، وتسليط الضوء على مخاطر سيطرة الصين على سلاسل التوريد، وتغولها على دول الإقليم، وتداعيات قروضها على الدول المدينة، وانتهاكاتها لحقوق الملكية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تحفيز الشكوك وتبديد الثقة بمواقفها السياسية "اللاأخلاقية". ولقد أشار السفير الصيني الجديد لدى الاتحاد الأوروبي فو كونج إلى استغلال أميركا للأزمة الأوكرانية لتفكيك العلاقة الأوروبية مع الصين بقوله: إن "الأزمة الأوكرانية أصبحت مشكلة لعلاقاتنا الثنائية مع الاتحاد الأوروبي"، وأنها وضعت الصين في "موقف صعب للغاية"، مضيفًا أن "الولايات المتحدة تستفيد من هذه الأزمة".
وفي خطاب وزير الخارجية الصيني وانج يي عن أولويات الصين الدبلوماسية لعام ٢٠٢٣ تحدث عن إعادة العلاقة المشحونة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا لمسارها. وهو ما يشير إلى محاولة الصين الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع كافة الأطراف، مع ثباتها على موقفها من الأزمة الأوكرانية، ورفضها إدانة الغزو الروسي أو المشاركة في العقوبات الاقتصادية، وامتناعها عن التصويت في مجلس الأمن والجمعية العمومية. ويتضح ذلك في تصريح بوتين بعد لقائه بالرئيس الصيني في شهر أيلول/سبتمبر أن الأخير أبدى "تساؤلات وقلقًا" من المسألة الأوكرانية، ويؤكده أيضًا تصريح جوزيف بوريل للبرلمان الأوروبي بأن الصين قد "حددت خطوطًا حمراءَ واضحة، وتشعر بقلق متزايد بشأن العواقب العالمية".
متابعة سياسية
التعاون الروسي الصيني واستغلال أميركا للأزمات الدولية
جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لموسكو يوم الإثنين ٢٠ آذار/مارس في أعقاب رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني، وإصدار المحكمة الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة الترحيل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا؛ لتُعمّق التعاون بين موسكو وبكين في مواجهة الضغوط الأميركية. حيث أفاد المتحدث الرسمي الروسي أن الزعيمين سيلتقيان في "اجتماع مغلق وخاص لبحث المواضيع الأكثر حساسية".
ومن تتبع السياسة الأميركية منذ الحرب الأوكرانية نجد أنها ليست مقتصرة على الأمن الأوروبي والمجال الحيوي الروسي فحسب، بل أصبحت محفزًا للاستقطاب الدولي، وعاملًا إضافيًا لتوتير أمن واستقرار منطقة الأندوباسيفيك بشكل خاص. وقد برز ذلك واضحًا في قمة الدول السبع (G7) في اليابان، وفي إنفاقها العسكري، والمناورات العسكرية الصينية حول تايوان في الشهر الماضي، وفي اختبار الأسلحة المتطورة، والضغوط الأميركية على روسيا، واستفزازها بالهجمات على موسكو وبلوغرود مؤخرًا، وضغوطها على أوروبا بزيادة تسليح أوكرانيا وإطالة أمد الحرب.
كما برزت في التحولات الجوهرية في خارطة الطاقة العالمية وأمنها، والتي انعكست في تخفيض أوروبا اعتمادها في الطاقة على روسيا، وتعزيز الصين اعتمادها على الطرق البرية مع روسيا تفاديًا للحصار البحري، ومحاولة الولايات المتحدة إغراء الصين للاعتماد على منطقة الخليج من خلال التقارب السعودي الصيني. حيث لم تُخفِ أميركا في استراتيجيتها للأمن القومي (١٠/٢٠٢٢) والمبنية على مرور العالم بــ "نقطة انحراف مهمة" تنتهي بها حقبة "ما بعد الحرب الباردة"، وبخاصة ما بعد سقوط جدار برلين والحرب على الإسلام، بأن العالم يسوده "منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي" من قبل "الأوتوقراطيين".
ولم يعد خافيًا أيضًا أن أميركا تسعى للحفاظ على النظام الدولي القائم على مبدئها وسيادتها على العالم، والتحوط من محاولات إضعافه؛ لصالح نظام دولي يقوم على تعدد مراكز القوى. وهذا بحد ذاته يشير إلى عزمها على "صياغة المستقبل القادم" واحتكاره، من خلال سياسة الاحتواء والابتزاز، مرتكزة على مبدأ "القيادة من الخلف" تحت مظلة الأحلاف وحروب الوكالة. وهو ما يفسر تركيزها على "الديمقراطية الليبرالية"، واستهداف القوى المنافسة (أوروبا وروسيا والصين) والعمل على معالجة (التحديات الإسلامية) بالقوة الناعمة (فرض الحداثة في وعي أهل المنطقة وإعادة تشكيلها)، واستنزاف القوى الكبرى عبر الحرب الأوكرانية، وبؤر التوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخفض التوتر في الشرق الأوسط. تمامًا مثلما اتخذت من حرب الخليج الأولى سنة ١٩٩٠، وحادثة ١١ أيلول/سبتمبر نقطة ارتكاز لفرض إرادتها وتفردها في الموقف الدولي وترسيخ هيمنتها على العالم.
ولا تخفى أيضًا مخاوفُ الصين الظاهرة في خطابات قادتها، والتي تتلخص في أن "سطوة الولايات المتحدة خطر على العالم"، ومحاولاتها تسويق رؤية عالمية مبنية على "المصالح المشتركة للإنسانية"، وتأكيدها على أنها "لا ترغب في زعزعة استقرار أي طرف أو ترغب بالهيمنة". ويتضح ذلك من التصريح المشترك للرئيسين بوتين وجين بينغ عقب اجتماعهما في الرابع من شهر شباط/فبراير من العام الماضي ٢٠٢٢ في بيجين، والذي أثار تشنج الغرب بقولهما "يتبع البعض نهج الأحادية لمعالجة القضايا الدولية واللجوء إلى القوة"، مستنكرين قيام أولئك بـ"التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، والتعدي على المصالح المشروعة وإثارة "التناقضات والخلافات والمواجهة" ويقصدون بذلك أميركا.
وفي تحدٍ مباشر للنظام الدولي الذي هندسته الولايات المتحدة، وفي محاولة للانتقال من الدفاع عن مجالهما الحيوي، والتفلت من العقوبات والاحتواء، اتفقت الصين وروسيا على ضرورة إعادة انتاج الموقف الدولي من خلال سعيهما "لتحقيق نظام دولي متعدد الأطراف غير زائف... ويروج لعلاقات دولية أكثر ديمقراطية"، وهو ما يتيح لهما المشاركة في القرارات الدولية أو الحد من تأثيرها عليهما، مع اعترافهما بمركزية أميركا في الموقف الدولي. وإدراكًا من الزعيمين أنهما يواجهان معضلة قيمية في تسويق هذه الرؤية لنظام عالمي جديد، وفي رسالة للاتحاد الأوروبي وأعضائه وحلفاء أميركا، أكدا عزمهما على ضرورة "حماية المنظومة الدولية المقودة من قبل الأمم المتحدة والنظام الدولي المبني على أساس القانون الدولي".
ومن مظاهر التحدي الصيني والروسي لأميركا قول الرئيس الصيني في ختام زيارته لروسيا "التغيير القادم لم يحدث منذ ١٠٠ عام ونحن نقود هذا التغيير معًا".
ولقد قاد الرئيس الصيني عدة محاولات لاستغلال شقوق العلاقات الدولية الناجمة عن الأزمات التي أحدثتها إدارتا ترمب وبايدن، وذلك للتأثير على العلاقات الدولية لصالح الصين، نحو التمدد في دول آسيا الوسطى، وعرضه تطوير قدراتها الدفاعية، ودعوة قادتها إلى الصين مؤخرًا بعد أن كان ذلك مرفوضًا من قِبل الروس. ونحو استمالته للاتحاد الأوروبي أو حتى تحييده، مستغلًا اختلاف الرؤية الأوروبية والأميركية بخصوص العلاقة مع روسيا والصين.
إلا أن الدول الأوروبية بل والآسيوية مثل كوريا الجنوبية يريدون التعامل مع الصين رغبة منهم في النمو الاقتصادي مثل "تجارة أشباه الموصلات"، التي حظرت الصين استيرادها من الولايات المتحدة، بينما لا يجدون مناصًا من الإذعان لأميركا في أغلب الأحيان؛ لكونه "لا غنى عنها لأي توازن إقليمي"، وهو ما أكده جوزيف بوريل (١١/١٠/٢٢) بقوله إن أوروبا ستعاني من "فصل مصادر ازدهارنا" ويقصد بها روسيا والصين، "عن مصادر أمننا" ويقصد به الولايات المتحدة المتعهدة بالأمن الأوروبي.
إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتز، حاول الموازنة في علاقاته مع الصين والولايات المتحدة، فلم يقطع مع الصين تمامًا أو يلبي رغبتها كما تريد خشية غضب الولايات المتحدة، لكنه انتقد سياسة الفصل (Decoupling) ووصفها بأنها خاطئة. وأما الرئيس ماكرون، ومن أجل التملص من السير وراء الولايات المتحدة في مواجهة الصين، فقد دعا لإيجاد نظام دولي موحَّد وقال: "لا نؤمن بالهيمنة، لا نؤمن بالمواجهة، بل نؤمن بالاستقرار".
ورغم التوجه الأوروبي بشأن العلاقة مع الصين والذي يمكن قراءته ظاهريًّا بأنه خروج عن النهج الأميركي المتشدد والداعي إلى عزل الصين (فيما يخص التقنيات المتقدمة وأشباه الموصلات والمعالجات الحاسوبية المتقدمة بداعي ارتباطها بتحديث المنظومة العسكرية الصينية وتفعيل قدراتها التنافسية)، إلا أنه لا يشكل تحولًا جوهريًّا في العلاقة الأوروبية الأميركية أو العلاقة مع الصين، ولم يُمكَّن الرئيس الصيني في ذات الوقت من جعل العلاقة الصينية الأوروبية ركيزة أساسية ومثالًا واضحًا لرؤيته المتمثلة بعالم متعدد الأقطاب ومحصّن ضد الهيمنة الأميركية. ويتضح ذلك من تصريح المعلقين السياسيين الصينيين بعد القمة الأوروبية الصينية مطلع عام ٢٠٢٢، وقولهم إن على "الاتحاد الأوروبي رفض عقلية الحرب الباردة حتى يتمكنوا من جني استقلال استراتيجي". وهو الأمر الذي واجهته الولايات المتحدة عبر الأزمة الأوكرانية لإعادة تشكيل العلاقات الدولية واحتوائها وتوجيهها وترسيخ مركزيتها في الموقف الدولي، من خلال الأحلاف القائمة على القيم والمصالح الغربية، التي أكد عليها بايدن في قمة الدول السبع في اليابان قبل أيام، وركز فيها على دفع عجلة الطاقة النظيفة إلى أقصى سرعة من أجل التخلي عن الاعتماد على روسيا في تزويد الطاقة.
كما واجهت أميركا التقارب الصيني مع روسيا وأوروبا من خلال العقوبات وشيطنة بوتين، وتسليط الضوء على مخاطر سيطرة الصين على سلاسل التوريد، وتغولها على دول الإقليم، وتداعيات قروضها على الدول المدينة، وانتهاكاتها لحقوق الملكية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تحفيز الشكوك وتبديد الثقة بمواقفها السياسية "اللاأخلاقية". ولقد أشار السفير الصيني الجديد لدى الاتحاد الأوروبي فو كونج إلى استغلال أميركا للأزمة الأوكرانية لتفكيك العلاقة الأوروبية مع الصين بقوله: إن "الأزمة الأوكرانية أصبحت مشكلة لعلاقاتنا الثنائية مع الاتحاد الأوروبي"، وأنها وضعت الصين في "موقف صعب للغاية"، مضيفًا أن "الولايات المتحدة تستفيد من هذه الأزمة".
وفي خطاب وزير الخارجية الصيني وانج يي عن أولويات الصين الدبلوماسية لعام ٢٠٢٣ تحدث عن إعادة العلاقة المشحونة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا لمسارها. وهو ما يشير إلى محاولة الصين الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع كافة الأطراف، مع ثباتها على موقفها من الأزمة الأوكرانية، ورفضها إدانة الغزو الروسي أو المشاركة في العقوبات الاقتصادية، وامتناعها عن التصويت في مجلس الأمن والجمعية العمومية. ويتضح ذلك في تصريح بوتين بعد لقائه بالرئيس الصيني في شهر أيلول/سبتمبر أن الأخير أبدى "تساؤلات وقلقًا" من المسألة الأوكرانية، ويؤكده أيضًا تصريح جوزيف بوريل للبرلمان الأوروبي بأن الصين قد "حددت خطوطًا حمراءَ واضحة، وتشعر بقلق متزايد بشأن العواقب العالمية".