المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية قراءة في الانتخابات التركية



Abu Taqi
14-05-2023, 11:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
قراءة في الانتخابات التركية
بدأ الناخبون في تركيا اليوم ظ،ظ¤ أيار/مايو ظ¢ظ*ظ¢ظ£ بالإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية وبرلمانية هي الأشد ضراوة بين الفرقاء السياسيين لأهميتها الداخلية والخارجية، حيث تراهن القوى الغربية على المعارضة التركية في الحد من مسار الاستقلال السياسي والنمو الاقتصادي والتطور الصناعي الذي انتهجه الرئيس أردوغان. بينما تراهن المعارضة التركية والدولة العميقة في قطاع المال والأعمال والأحزاب العلمانية على الدعم الخارجي والتحالف الداخلي بينها لإعادة تركيا إلى العلمانية الشاملة والنظام البرلماني ودورها الوظيفي، بعد تخلي الولايات المتحدة عن الأنموذج التركي ذي المسحة الإسلامية في الحكم. حيث جعلت القوى الغربية والمعارضة التركية المتمثلة بالتجمع المعروف بـ "طاولة الستة" من الانتخابات قضيتها الكبرى وسخرت لأجل ذلك إعلامها الموجه.
فمنذ اللحظة الأولى للزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مطلع شهر شباط/ فبراير الماضي، والذي راح ضحيته عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، شن الإعلام الدولي وقوى المعارضة حملة شيطنة وتشويه للرئيس التركي، حيث كتب جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، أن على "الغرب أن يتخذ إجراءات جريئة للمساعدة في ضمان حصول المعارضة المحلية على فرصة عادلة في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
ومع اقتراب موعد الانتخابات ازداد الإعلام الغربي حدة تجاه الرئيس التركي، ومن ذلك ما أشارت إليه مجلة الإكونومست بقولها إن "هزيمة أردوغان ستثبت للديمقراطيين في كل مكان أنه يمكن الإطاحة بالزعيم القوي". بينما وصفت "لو اكسبريس الفرنسية" تركيا بأنها "ليست دولة ديمقراطية ولا تتحلى بانتخابات حرة أو عادلة"، وقالت إن الانتخابات "نقطة تحول لتركيا" محذرة من "احتمال رفض أردوغان التنازل عن الحكم في حال خسارته". في حين نشرت "لو بوان الفرنسية" على صفحتها الرئيسية صورة لأردوغان ووصفته بـ "بوتين الآخر". ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة قد امتنعت عن منح أردوغان منصة او ذريعة ضد المعارضة بعد أن نعتها بالضعف والاستكانة والرغبة بتسليم البلاد للمستعمر الإمبريالي.
وقد ارتكزت هذه الهجمة الإعلامية الموجهة على ما يثير سخط الشعب، وسلطت الأضواء على ما وصفته فشلًا ذريعًا لأردوغان في محاربة الفساد، وفي الرقابة على أعمال الإنشاءات، وتطبيق نظم وقوانين البناء، وقلة الاستعداد وضعف عمليات الاستجابة لحالة الطوارئ، وذلك في محاولة من خصوم أردوغان لاستغلال آثار الزلزال المدمر ومعاناة الشعب وربطه به شخصيًّا؛ وهز الثقة الشعبية في قيادته وشعاراته "الوطنية" التي جعلها ركائز سياساته منذ محاولة الانقلاب ضده، ومن ثم تشكيك الشعب بمشاريعه، وانتحال صفة النزاهة و"الوطنية" التي يفتقرون إليها لدفع تهمة التآمر والخيانة وتسليم البلاد للمستعمر والإمبريالية عن أنفسهم.
كما واستغلت المعارضة آثار الزلزال لتقويض محاولات أردوغان في إنعاش الاقتصاد عبر ضخه السيولة المالية ورفع الأجور والتقاعد المبكر لملايين الشعب التركي، ودفعه لعجلة الإنتاج والصادرات رغم هبوط سعر صرف الليرة التركية؛ إذ غرّد أردوغان في هذا السياق أنه "بعد نصف قرن، سجلنا استقلالنا الاقتصادي من خلال سداد ديوننا بالكامل والبالغة ظ¢ظ£.ظ¥ مليار دولار لصندوق النقد الدولي"، وقال: "لقد عززنا خزينتنا من خلال زيادة احتياطيات النقد الأجنبي لمصرفنا المركزي من ظ¢ظ§ مليار دولار إلى أكثر من ظ،ظ£ظ* مليار دولار اعتبارًا من اليوم". وبالتالي فإن المعارضة قد استغلت الزلزال وآثاره لاستهداف الركائز الأساسية في حملة أردوغان الانتخابية والمتعلقة بالاقتصاد ومعاناة الشعب، بعد أن غاب ملف الأكراد وحملة أردوغان العسكرية المتوقعة في الشمال السوري عن سوق المزايدات الانتخابية بفعل الزلزال، ونجاح أردوغان في تقويض مساعي المعارضة في استغلال ورقة اللاجئين السوريين عبر انخراطه في عملية المصالحة السورية التركية والتي تقودها روسيا وإيران.
ولقد واجه أردوغان هذه الحملة في أول الأمر عبر خطاب سياسي مفاده استحالة الاستعداد لمثل هذا الحدث لكونه "أسوأ كارثة في تاريخ تركيا"، إلا أنه سرعان ما تنبه لمحاولات الإعلام المعارض ربط شركات التطوير العقاري المسؤولة عن المباني المنهارة والأكثر تضررًا بحزبه وبالمقربين منه، فاضطر للإعلان عبر نائبه فؤاد أقطاي أن الدولة قد حددت ظ،ظ£ظ، شخصًا مسؤولًا عن ذلك، وتم بالفعل القبض على ظ،ظ،ظ¤ منهم بتهمة "إعطاء وأخذ الرشوة للتحايل على معايير البناء وزيادة الأرباح". ولتكذيب المعارضة وإبراء حكومته من المسؤولية نشرت قناة trt التركية تحقيقًا يشير إلى أن ظ،ظ£ظ£ ألف منزل جرى بناؤها من قبل شركة توكي (toki) والمدعومة حكوميًّا لم تتعرض للانهيار أو الضرر، وتبع ذلك تصريح أردوغان أن ظ©ظ¨ظھ من المباني المنهارة أنشئت قبل زلزال مرمرة عام ظ،ظ©ظ©ظ©؛ أي قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم.
وكان كلتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري قد حسم بطاقة الترشح نيابة عمَّا أصبح يعرف بـ "طاولة السبعة" أو "طاولة ظ¦+ظ،"، حيث قام حزب الشعوب، والذي يقضي رئيسه صلاح الدين ديمرطاش عقوبة بالسجن، برمي ثقله خلف كلتشدار أوغلو.
هذا وقد ارتكزت حملة أردوغان الانتخابية على إبراز أهم منجزاته في مجال الطاقة (تشغيل أول حقل للغاز في البحر الأسود والإعلان عن مزيد من الاكتشافات، وفي مجال الطاقة النووية بتسلم الوقود النووي من روسيا لتشغيل محطة الطاقة النووية)، وفي مجال الصناعات العسكرية (إطلاق أول حاملة بحرية للمسيرات وتصنيع الطائرات (الشبح والمسيَّرة) والمروحيات والغواصات المسيَّرة). كما واصل إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار، ومنها مساندة طلب اليونان للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن واستضافته لمؤتمر الدول التركية والرباعية السورية والاستمرار في مفاوضات اتفاق سلام محتمل مع أرمينيا برعاية أميركية، والاتفاق على توسيع حمولة خط باكو-تبليسي-جيهان للطاقة (ظ،ظ¢ظ¥ ألف برميل نفط من كازاخستان)، والإعلان عن زيادة ظ¤ظ¥ظھ للأجور، وذلك في محاولة منه لجذب الناخب التركي.
ومن جانب آخر ندد وزير الخارجية التركي بتصريحات كلتشدار التي وعد فيها بزيادة التقرب من الغرب والناتو والابتعاد عن روسيا، بينما برر موقف الحكومة من التقارب مع روسيا وضبط العلاقة مع الغرب بقوله: "لقد تقدموا إلينا بعروض لها صلة بسيادتنا ... أين استقلالنا وأين سيادتنا؟!"، ويقصد بذلك أن المعارضة مستعدة للتنازل عن استقلال تركيا وسيادتها. فيما وصف رئيس حزب الحركة القومية دولت باهجلي ائتلاف المعارضة بأنه "مشكلة أمن وطني"، مضيفًا أن كلتشدار "هو مقاول منظمة الإرهاب" لعلاقته بحزب الشعوب الديمقراطي.
وأما المعارضة فقد سعت لتقسيم الصوت المحافظ عبر استغلال رئيس الوزراء السابق في حكومة أردوغان أحمد داؤود أوغلو، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق علي بابجان، إلا أن ذلك لم يوقف تساؤلات الدبلوماسيين والمستثمرين حيال استمرار خلافات الائتلاف المكون من سبعة أحزاب، والتي طفت خلافاتها عبر اعتراض وانسحاب ثم عودة ميرال أكشينار رئيسة حزب الجيد، واتضح أنه لا يجمعها إلا الرغبة في إقصاء أردوغان وحزبه، في ظل الشك بإمكانية تنفيذ البرنامج السياسي المعلن للائتلاف والمكون من ظ¢ظ£ظ¤ صفحة، والذي تم إعداده بصيغة مذكرة تفاهم سياسي تقوم على تفكيك النظام الرئاسي، وإعادة النظام البرلماني.
وأما من حيث استطلاعات الرأي فلقد أكثرت المعارضة من نشر استطلاعات تشير إلى حدة التنافس بين أردوغان وكلتشدار أوغلو، وتقارب النسب بينهما للتشكيك في إمكانية فوز أردوغان، والتحوط للنتائج الرسمية التي قد تمنح أردوغان فوزًا في الجولة الأولى. إلا أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الانتخابات ستمنح حق التصويت لقرابة خمسة ملايين ناخب جديد من الفئة العمرية ظ،ظ¨-ظ¢ظ¤ سنة الذين تحاول المعارضة وكذلك الائتلاف الحاكم من استمالته كلٌ لصالحه. ولذلك ليس من المتوقع أن يحوز أي طرف على فوز مباشر (ظ¥ظ*ظھ) من الأصوات في الدور الأول؛ وهو ما قد يتيح فرصة لأردوغان لمعالجة السلبيات واستغلال خلافات المعارضة وانشقاقاتها، ومن ثم فوزه في الانتخابات في الدور الثاني؛ ذلك أن أحزاب تحالف الطاولة السداسية يستندون إلى خلفيات أيديولوجية وقومية متباينة، وهو الأمر الذي لا يضمن توجهات ناخبيها، لا سيما وأن بعض ناخبي حزب الجيد القوميين غير المنسجمين مع توجهات وعلاقات كلتشدار أوغلو مع الأكراد، قد يفضلون خيارات أخرى كأوغان أو إنجه. ولذلك ضغط إعلام المعارضة على إنجه للانسحاب حتى لا تتشتت أصوات المعارضة.
وأما من المنظور الجيو-استراتيجي، فإن أميركا قد استغلت الوضع وأرسلت حاملة الطائرات النووية جورج بوش إلى شرق المتوسط إبان الزلزال، وهو ما أثار حفيظة الحكومة التركية، ودعاها إلى التعليق على هذه الخطوة عبر وزير خارجيتها مولود شاووش أوغلو بقولها: "نحن نقرر من يمكنه الوصول إلى مياهنا. لا توجد مثل هذه الحاجة". والظاهر إن إرسال أميركا لحاملة الطائرات النووية إنما يهدف إلى استغلال حالة الضعف التي ضربت تركيا إثر الزلزال المدمر؛ لتحذير أردوغان من مغبة التصعيد مع اليونان، ولتعزيز موقف المعارضة، ولطمأنة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وحمايتها من التهديد التركي والابتزاز الروسي والسوري، وسط مساعي روسية إيرانية لعقد مصالحة سورية تركية تدعم موقف أردوغان في مواجهة ورقة اللاجئين السوريين التي تستثمر بها المعارضة في الانتخابات، ويهدف أيضًا إلى الضغط على أردوغان بضرورة "المصادقة على طلب عضوية السويد وفنلندا" لحلف الناتو، بالإضافة إلى ما ينطوي عليه حضور (حاملة طائرات نووية) بالقرب من معبر البحر الأسود من رسالة لروسيا في خضم التعبئة العسكرية المتبادلة بين الطرفين على الجبهة الأوكرانية بصورة تصعيدية تهدف إلى استفزاز بوتين ودفعه للتصعيد أو إرغامه على اللجوء إلى المفاوضات وهو في موقف ميداني حرج.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أنه وبرغم الأزمات الاقتصادية التي عانت منها تركيا وبخاصة في الحرب على الليرة التركية وارتفاع نسب التضخم، فإن تركيا بدأت بالتحول لمحور سلاسل التوريد الاستراتيجية للصناعات والطاقة باعتبارها "ممرًا للدول التركية" وشمال أفريقيا وشرق المتوسط. حيث يتوفر لدى تركيا عدة عوامل نجاح مهمة وملائمة منها الموقع الجيو-استراتيجي والبيئة الاستثمارية والبنية التحتية (شبكات النقل) والقوى العاملة. ومما يؤكد ذلك ما ذكرته وكالة "فيتش (fitch)" الدولية للتصنيف الائتماني، في آخر تحليل لها من أن تركيا هي الدولة التي ستستفيد أكثر من غيرها من تحوّلات سلاسل التوريد، ويؤكده أيضًا قرار رئيسة الوزراء الإيطالية الأخير بالانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ورغم استفادة تركيا من تحولات سلاسل التوريد هذه، إلا أن ذلك يخدم أميركا في فك ارتباط أوروبا بالطاقة الروسية أو اعتمادها على الاقتصاد الصيني.
24/شوال/1444هـ
14/5/2023م