Abu Taqi
05-05-2023, 06:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
النزاع السياسي في الباكستان
بعد مُضي قرابة عام على تصويت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن حكومة عمران خان، وما تبع ذلك من إقالة حكومته وتكوين حكومة جديدة بقيادة شهباز شريف، وبمشاركة حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية الباكستانية، وإصدار لجنة الانتخابات قرارًا باستبعاد عمران خان من أي منصب عام لمدة خمس سنوات ومحاولة اغتياله، لا يزال الوضع السياسي والاقتصادي والأمني يزداد تأزمًا، وبخاصة مع استئناف "تحريك طالبان الباكستان" لعملها في المناطق الشمالية، واستمرار تأليب عمران خان للشارع، وانفجار التضخم وانعكاسه على الوضع المعيشي للشعب بارتفاع الأسعار بنسبة ٣٥٪، والعجز المالي للبلاد، وبخاصة بعدما أرجأ صندوق النقد الدولي خطة إنقاذ بقيمة ٦ مليارات دولار للباكستان، متعذرًا بـ "فشل إسلام آباد في الوفاء بشروط اتفاق تم التوصل إليه عام ٢٠١٩"، ورفض السعودية منح أية مساعدات مالية إضافية دون تطبيق "الإصلاحات الاقتصادية".
وبينما تلقي حكومة شهباز شريف باللائمة على فشل حكومة عمران خان، يتهم عمران خان لجنة الانتخابات بالتواطؤ مع سلطة فاسدة، مضيفًا "سأقاتلهم ما دمت حيًّا"، وهو ما دعا الحكومة لمنع مؤسسات الإعلام من بث خطابات عمران خان ومسؤولين في حزب إنصاف بدعوى "التحريض"، ومنع التظاهرات في لاهور لمدة أسبوع.
وفي ظل اشتعال الوضع السياسي والأمني منذ منتصف شهر شباط/فبراير الماضي يلاحظ تغييرٌ في الخطاب السياسي لعمران خان، نحو قوله "الأمر قد مضى وأريد بناء علاقة مبنية على الكرامة والاحترام"، تبع ذلك لقاء نائب رئيس حزب إنصاف فؤاد شودري بعدد من كبار الدبلوماسيين المسؤولين عن المنطقة والباكستان في الخارجية الأميركية، ومنهم إليزابيث هورست وكيلة مساعد نائب وزير الخارجية لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا، والسفير الأميركي للباكستان دونالد بلوم وعضو وكالة التنمية الأميركية، حيث صرَّح شودري عقب اللقاء لقد "ناقشنا تفاقم الوضع الإنساني في الباكستان وأوضحت للمسؤولين الاميركيين قلق حركة إنصاف من جرَّاء سوء استخدام الحكومة لقوانين مكافحة الإرهاب والتجديف ضد المعارضة"، واصفًا اللقاء بأنه "يعبر عن توجه مشترك لعلاقة مبنية على الاحترام والمساواة". وكذلك قيام عدد من أعضاء اللجان التشريعية في ولاية كاليفورنيا بزيارة عمران خان في (2 آذار/مارس) والذي أكد فيه بأنه "يؤمن بالحلول السلمية للنزاعات من خلال الحوار".
ويتضح من ذلك أن ثمة تفاهمات حصلت بين عمران خان وأميركا بعد أن أطاحت به قبل عام، وأن هناك ضغوطًا أميركية على الحكومة الباكستانية الراهنة لمنع احتكار السلطة وتهديد الدولة بالانهيار، ولإعادة التوازن بين القوى السياسية وإعادة التوازن بين الأخيرة والجيش من أجل المحافظة على التوازن الاستراتيجي في المنطقة، والذي يشمل (الهند والصين والباكستان)، وهذا ما يُستشف من تصريحات المبعوث الخاص السابق لأفغانستان زلماي خليل زاد، والذي يُعد من أهم خبراء الإدارة الأميركية بالمنطقة، وذلك عبر سلسة تغريدات حذر فيها من شروع حكومة شهباز شريف من تمرير قرار برلماني يطالب المحكمة الدستورية بـ"منع مشاركة عمران خان في الانتخابات"، والذي من شأنه أن "يحول عمران خان لعدو الدولة الأول". مضيفًا أن مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الثلاثية "السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه الباكستان".
وفي خطوة غير مسبوقة دعا زلماي خليل زاد "المحكمة الدستورية" إلى "تجاهل مطالب الحكومة" في حال مررت التشريع البرلماني ومنعت عمران خان من المشاركة الانتخابية، محذرًا المحكمة من تداعيات "استخدامها كلعبة لتقويض المصالح الوطنية"، مطالبًا بـ"ضرورة إجراء انتخابات لتجنب الانهيار الوطني" في شهر حزيران/يونيو المقبل. وهو ما يشير إلى قلق الإدارة الأميركية من الأحداث، ومن فشل الائتلاف الحاكم في إدارة شؤون البلاد وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وخروج الخلافات عن السيطرة؛ وهو الأمر الذي استغله عمران خان للكشف عن برنامج إصلاح اقتصادي من عشرة نقاط، متهمًا الحكومة الحالية بعدم قدرتها على تخليص البلاد من الأزمة الاقتصادية، رابطًا الانفراج الاقتصادي ببرنامجه السياسي الرامي للإصلاح السياسي، حيث قال: "نحن بحاجة إلى عملية جراحية لتصحيح نظام الحكم في هذا البلد، بحيث يعتبر ضمان سيادة القانون أمرًا لا بد منه". وهو ما ينسجم مع التوجه الأميركي في إعادة التوازن بين القوى السياسية وضبط سلوك الجيش. وفي هذا الصدد قال عمران خان: "إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة، يتعين على الباكستان إعادة الهيكلة بالكامل، ويجب أن يتغير نظام الحكم لدينا بالكامل. يجب أن يتغير الخلل الحالي في التوازن المدني والعسكري إذا كنت تريد أن تخرج الباكستان من هذه الفوضى".
إلا أنه من استقراء تصريحات عمران خان خلال محاولات اعتقاله يتضح أنه تم إفهامه من قبل الخارجية الأميركية بأن المخرج من الأزمة قد يتطلب بقاءه خارج الانتخابات كحل وسط يقبله الجميع، وهو ما يؤكده تصريحه لوكالة رويترز (١٨ آذار/مارس) بأنه "أسس لجنة لإدارة الحزب"، وأنه في حالة "سجنه لن يتمكن من التواجد في الحملة الانتخابية".
بالإضافة إلى لقاء كبار الدبلوماسيين الأميركيين مع نائب رئيس الحركة وليس مع عمران خان، حيث عرض نائبه الرؤية الاقتصادية للحركة، فيما عقب المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية بشأن برنامج حركة إنصاف للإصلاحات ومكافحة الفساد بقوله إن أميركا تريد "التأكد من أن الموارد التي تمتلكها الباكستان، والموارد التي تساهم بها الولايات المتحدة والدول الأخرى والمؤسسات المالية الدولية - تتم إدارتها بشكل مسؤول كجزء من إدارة مسؤولة ومتجاوبة".
وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقانونية التي طالبت بها أميركا عبر الإدارات الأخيرة إنما تصب في خدمة الشركات الأميركية عبر إطار اتفاق التجارة والاستثمار (tifa)، والذي تفرض أميركا من خلاله إصلاحات تمكنها من النفاذ والتحكم والهيمنة، وبخاصة أن تلك المطالب هي جزء من الرؤية التي تتبناها أميركا للباكستان، والتي ضغطت من أجل تنفيذها من خلال حجب التمويل السعودي والإماراتي، ومن خلال صندوق النقد الدولي.
وأما من حيث المنظومة العسكرية الباكستانية، فلقد استمرت زيارات القادة العسكريين الباكستانيين لواشنطن دون انقطاع، كما قررت الإدارة الأميركية الإفراج عن معونة عسكرية بقيمة ٤٥٠ مليون دولار لتطوير مقاتلات إف-١٦ لسلاح الجو الباكستاني والتي أوقفتها إدارة ترمب في السابق؛ وذلك من أجل الحفاظ على تبعية الجيش الباكستاني للولايات المتحدة ودوره الوظيفي داخليًا وإقليميًا.
15/شوال/1444هـ
5/5/2023م
متابعة سياسية
النزاع السياسي في الباكستان
بعد مُضي قرابة عام على تصويت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن حكومة عمران خان، وما تبع ذلك من إقالة حكومته وتكوين حكومة جديدة بقيادة شهباز شريف، وبمشاركة حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية الباكستانية، وإصدار لجنة الانتخابات قرارًا باستبعاد عمران خان من أي منصب عام لمدة خمس سنوات ومحاولة اغتياله، لا يزال الوضع السياسي والاقتصادي والأمني يزداد تأزمًا، وبخاصة مع استئناف "تحريك طالبان الباكستان" لعملها في المناطق الشمالية، واستمرار تأليب عمران خان للشارع، وانفجار التضخم وانعكاسه على الوضع المعيشي للشعب بارتفاع الأسعار بنسبة ٣٥٪، والعجز المالي للبلاد، وبخاصة بعدما أرجأ صندوق النقد الدولي خطة إنقاذ بقيمة ٦ مليارات دولار للباكستان، متعذرًا بـ "فشل إسلام آباد في الوفاء بشروط اتفاق تم التوصل إليه عام ٢٠١٩"، ورفض السعودية منح أية مساعدات مالية إضافية دون تطبيق "الإصلاحات الاقتصادية".
وبينما تلقي حكومة شهباز شريف باللائمة على فشل حكومة عمران خان، يتهم عمران خان لجنة الانتخابات بالتواطؤ مع سلطة فاسدة، مضيفًا "سأقاتلهم ما دمت حيًّا"، وهو ما دعا الحكومة لمنع مؤسسات الإعلام من بث خطابات عمران خان ومسؤولين في حزب إنصاف بدعوى "التحريض"، ومنع التظاهرات في لاهور لمدة أسبوع.
وفي ظل اشتعال الوضع السياسي والأمني منذ منتصف شهر شباط/فبراير الماضي يلاحظ تغييرٌ في الخطاب السياسي لعمران خان، نحو قوله "الأمر قد مضى وأريد بناء علاقة مبنية على الكرامة والاحترام"، تبع ذلك لقاء نائب رئيس حزب إنصاف فؤاد شودري بعدد من كبار الدبلوماسيين المسؤولين عن المنطقة والباكستان في الخارجية الأميركية، ومنهم إليزابيث هورست وكيلة مساعد نائب وزير الخارجية لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا، والسفير الأميركي للباكستان دونالد بلوم وعضو وكالة التنمية الأميركية، حيث صرَّح شودري عقب اللقاء لقد "ناقشنا تفاقم الوضع الإنساني في الباكستان وأوضحت للمسؤولين الاميركيين قلق حركة إنصاف من جرَّاء سوء استخدام الحكومة لقوانين مكافحة الإرهاب والتجديف ضد المعارضة"، واصفًا اللقاء بأنه "يعبر عن توجه مشترك لعلاقة مبنية على الاحترام والمساواة". وكذلك قيام عدد من أعضاء اللجان التشريعية في ولاية كاليفورنيا بزيارة عمران خان في (2 آذار/مارس) والذي أكد فيه بأنه "يؤمن بالحلول السلمية للنزاعات من خلال الحوار".
ويتضح من ذلك أن ثمة تفاهمات حصلت بين عمران خان وأميركا بعد أن أطاحت به قبل عام، وأن هناك ضغوطًا أميركية على الحكومة الباكستانية الراهنة لمنع احتكار السلطة وتهديد الدولة بالانهيار، ولإعادة التوازن بين القوى السياسية وإعادة التوازن بين الأخيرة والجيش من أجل المحافظة على التوازن الاستراتيجي في المنطقة، والذي يشمل (الهند والصين والباكستان)، وهذا ما يُستشف من تصريحات المبعوث الخاص السابق لأفغانستان زلماي خليل زاد، والذي يُعد من أهم خبراء الإدارة الأميركية بالمنطقة، وذلك عبر سلسة تغريدات حذر فيها من شروع حكومة شهباز شريف من تمرير قرار برلماني يطالب المحكمة الدستورية بـ"منع مشاركة عمران خان في الانتخابات"، والذي من شأنه أن "يحول عمران خان لعدو الدولة الأول". مضيفًا أن مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الثلاثية "السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه الباكستان".
وفي خطوة غير مسبوقة دعا زلماي خليل زاد "المحكمة الدستورية" إلى "تجاهل مطالب الحكومة" في حال مررت التشريع البرلماني ومنعت عمران خان من المشاركة الانتخابية، محذرًا المحكمة من تداعيات "استخدامها كلعبة لتقويض المصالح الوطنية"، مطالبًا بـ"ضرورة إجراء انتخابات لتجنب الانهيار الوطني" في شهر حزيران/يونيو المقبل. وهو ما يشير إلى قلق الإدارة الأميركية من الأحداث، ومن فشل الائتلاف الحاكم في إدارة شؤون البلاد وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وخروج الخلافات عن السيطرة؛ وهو الأمر الذي استغله عمران خان للكشف عن برنامج إصلاح اقتصادي من عشرة نقاط، متهمًا الحكومة الحالية بعدم قدرتها على تخليص البلاد من الأزمة الاقتصادية، رابطًا الانفراج الاقتصادي ببرنامجه السياسي الرامي للإصلاح السياسي، حيث قال: "نحن بحاجة إلى عملية جراحية لتصحيح نظام الحكم في هذا البلد، بحيث يعتبر ضمان سيادة القانون أمرًا لا بد منه". وهو ما ينسجم مع التوجه الأميركي في إعادة التوازن بين القوى السياسية وضبط سلوك الجيش. وفي هذا الصدد قال عمران خان: "إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة، يتعين على الباكستان إعادة الهيكلة بالكامل، ويجب أن يتغير نظام الحكم لدينا بالكامل. يجب أن يتغير الخلل الحالي في التوازن المدني والعسكري إذا كنت تريد أن تخرج الباكستان من هذه الفوضى".
إلا أنه من استقراء تصريحات عمران خان خلال محاولات اعتقاله يتضح أنه تم إفهامه من قبل الخارجية الأميركية بأن المخرج من الأزمة قد يتطلب بقاءه خارج الانتخابات كحل وسط يقبله الجميع، وهو ما يؤكده تصريحه لوكالة رويترز (١٨ آذار/مارس) بأنه "أسس لجنة لإدارة الحزب"، وأنه في حالة "سجنه لن يتمكن من التواجد في الحملة الانتخابية".
بالإضافة إلى لقاء كبار الدبلوماسيين الأميركيين مع نائب رئيس الحركة وليس مع عمران خان، حيث عرض نائبه الرؤية الاقتصادية للحركة، فيما عقب المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية بشأن برنامج حركة إنصاف للإصلاحات ومكافحة الفساد بقوله إن أميركا تريد "التأكد من أن الموارد التي تمتلكها الباكستان، والموارد التي تساهم بها الولايات المتحدة والدول الأخرى والمؤسسات المالية الدولية - تتم إدارتها بشكل مسؤول كجزء من إدارة مسؤولة ومتجاوبة".
وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقانونية التي طالبت بها أميركا عبر الإدارات الأخيرة إنما تصب في خدمة الشركات الأميركية عبر إطار اتفاق التجارة والاستثمار (tifa)، والذي تفرض أميركا من خلاله إصلاحات تمكنها من النفاذ والتحكم والهيمنة، وبخاصة أن تلك المطالب هي جزء من الرؤية التي تتبناها أميركا للباكستان، والتي ضغطت من أجل تنفيذها من خلال حجب التمويل السعودي والإماراتي، ومن خلال صندوق النقد الدولي.
وأما من حيث المنظومة العسكرية الباكستانية، فلقد استمرت زيارات القادة العسكريين الباكستانيين لواشنطن دون انقطاع، كما قررت الإدارة الأميركية الإفراج عن معونة عسكرية بقيمة ٤٥٠ مليون دولار لتطوير مقاتلات إف-١٦ لسلاح الجو الباكستاني والتي أوقفتها إدارة ترمب في السابق؛ وذلك من أجل الحفاظ على تبعية الجيش الباكستاني للولايات المتحدة ودوره الوظيفي داخليًا وإقليميًا.
15/شوال/1444هـ
5/5/2023م