المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواب سؤال حول الزلازل والكوارث الطبيعية



Abu Taqi
09-02-2023, 06:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال
السؤال: على إثر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، صار كثير من الناس يتحدثون أن هذه الكوارث يرسلها الله على الناس بسبب معاصيهم وكفرهم. وهناك فريق من الناس يفسرون ذلك تفسيرًا ماديًّا بحتًا، فهل للحوادث الطبيعية علاقة بمعاصي الناس؟
والجواب فيه تفصيل:
لا بد أن نعلم أن الخير والشر في دائرة القضاء والقدر؛ أي فيما يقع على الإنسان جبرًا عنه ولا يستطيع دفعه، لا يعلمه إلا الله. قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. ولا بد أن نعلم أيضًا أن الحكمة الإلهية في الحوادث الكونية وما يقتضيه نظام الوجود إنما نعلمه من النصوص الشرعية؛ ذلك أن الحكمة هي قصد الخالق ومُراده، وهي مما لا يقع تحت الحس، ولا يستقل العقل بإدراكه دون وحي. وبالتالي لا يصح وصف الحوادث الكونية مثل (مصيبة الموت والمرض) أو (الزلازل والأعاصير) بالشر أو الخير، ولا يجوز استنباط "حكمة إلهية" منها. وإنما يجوز استخلاص العبر لدفع الضرر، وتوثيق الصلة بالله.

ومن تتبع النصوص الشرعية المتعلقة بالحوادث الكونية نجد أنها (وإن كانت مما يقتضيه نظام الوجود وعالم الشهادة) تدخل في عمومها تحت أربعة أبواب:
أولًا: باب الابتلاء الإلهي لعباده حتى يُظهروا مقدار صبرهم وتَقبُّلهم لقضاء الله فيهم، فيكون الجزاء للصابرين والعذاب للناقمين. ودليل ذلك قوله تعالى: {ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
ثانيًا: باب التحذير الإلهي لعباده من البعد عن عبادته وطاعته. فالله تعالى لا يرضى لعباده الكفر والفسوق والعصيان. فتأتي هذه الحوادث تنبيهًا للناس وتحذيرًا من التمادي في مخالفة أمر الله ورسوله وتخويفًا لهم من العذاب الأكبر بالعذاب الأدنى. ودليل هذا الباب هو قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. وقوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا}.
ثالثًا: باب العقاب الإلهي، بعد ثبوت الحجة بإرسال الرسول، ودعوة الناس ومخاطبتهم بـ "خطاب النذارة": أنه لا إله إلا الله، فاعبدوه، مع بيان مصير من أطاع ومصير من استكبر، وحصول الإعراض والتكذيب فعلًا. ودليل ذلك قوله تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون}. وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله}.
ومما يجب لفت الانتباه إليه أنه قد تكون الحادثة الكونية الواحدة ابتلاءً لقوم وتحذيرًا لقوم آخرين وعذابًا لغيرهم. وهذا أمر يرجع تقديره إلى الله تعالى؛ لأنه هو الأعلم بأسرار الناس وأحوالهم الظاهرة والباطنة.
وبناءً على ما تقدم، فإن الزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا واستمر دقيقة واحدة على مساحة 200 ألف كلم مربع، وراح ضحيته آلاف الناس فضلًا عن دمار المباني والطرقات يندرج في الأبواب المذكورة، والتي دلت عليها النصوص الشرعية.
فمن كان مسلمًا صالحًا فإن ما وقع عليه يكون ابتلاءً من الله له ليزيد في حسناته إن صبر وتقبل أمر الله.
ومن كان مسلمًا غافلًا عن طاعة الله أو كان فاسقًا في عمله فإن هذه الحادثة هي تحذير من الله له بوجوب ترك المعاصي والتوبة الخالصة. ولذلك قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره للآيات الكونية بدعوة المسلمين إلى العبادة، فقال: "إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ يُخوِّفُ اللهُ بهما عبادَه ... فإذا رأيتم منها شيئًا فصلُّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم"، متفق عليه.
أما من كان كافرًا بالله ورسوله أو كان مجرمًا محاربًا لله ورسوله وليًّا للكافرين ضد المسلمين فإن الله يعاقب بعضهم في مثل هذه الحوادث لقاء شنيع كفرهم وخبيث أعمالهم، ويُرجئ عقاب بعضهم الآخر إلى يوم الدين.
أما القول بأن هذه (الكوارث الطبيعية) هي مجرد ظواهر طبيعية لا علاقة لها بالله من جهة الابتلاء أو التخويف أو العقاب، فهذا هو قول الملحدين المنكرين لوجود الله، وقول العلمانيين (الربوبيين) الذين يفصلون الدين عن الحياة ويدعون أن لا علاقة للخالق بشؤون الكون، وأنه محض عقل يتأمل في نفسه ومنزه عن شؤون الكون والإنسان والحياة وما يعتريها من نواقص وشرور لا تليق بكماله، وذلك وفق منطق أرسطو وتصوراته الربوبية المتعارضة جوهريًا مع الإسلام ومفاهيمه العقدية.
كما لا يجب أن يفوتنا أن هذه الحوادث الكونية والظواهر الطبيعية هي طائعة لله تعبده وتسبحه دون أن نفقه ذلك. وقد سخرها الله بأمره لتسهيل خلافة الانسان في الأرض، وأيضًا قد يسخرها الله في غير ذلك من الابتلاء والتخويف والعقاب لعباده. والله فعال لما يريد، ولا يٌسأل عما يفعل.

وأما الباب الرابع والمتصل بهذه الحوادث الكونية أو الطبيعية والتي يسميها بعض الناس بالكوارث الطبيعية.
فإن هذه (الكوارث) من الأدلة الحسية الشاخصة على وجود الخالق المدبر والمتصرف الوحيد في شؤون مخلوقاته الكونية والطبيعية.
ذلك أن ظواهر الطبيعة قد خلقها الله وسيرها وفق قوانين كونية وسخرها للإنسان حتى يستفيد منها في عمارة الأرض وعبادة الله، وقد يجعلها مدمرة لبعض أجزاء حياة الانسان، وذلك تنبيهًا للإنسان نفسه بأن الله هو الذي يقف وراء هذه الظواهر، وهو الذي سخرها له بإرادته وقدرته.
فالرياح مثلًا التي خلقها الله لواقح، للنبات والسحاب، وجعلها تركم وتحمل السحاب الثقال قد يحولها الله إلى أعاصير {تدمر كل شيء بأمر ربها}. والأرض التي جعلها الله ساكنة قرارًا ومهادًا وفراشًا وذلولًا حتى يسهل عيش الإنسان والحيوان عليها يمكن أن يجعلها تخسف بالناس وتتزلزل تحت إقدامهم {فإذا هي تمور}.
ومع صحة ما تم ذكره آنفًا، فان ذلك لا يعني أنه لا يجب دراسة ظواهر الكون وحوادثه مثل الزلازل والأعاصير والرياح والأمطار لاتقاء بعضها أو للاستفادة من بعضها الآخر في تحقيق العمران البشري مثل بناء مراصد للإنذار المبكر من الزلازل والأعاصير أو استخراج الطاقة من الرياح والانهار ببناء السدود والمولدات الكهربائية.
17/رجب المحرم/1444هـ
9/2/2023م