Abu Taqi
08-02-2023, 10:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
جولة وزير الخارجية الأميركي في المنطقة
في أعقاب تأزم الوضع الأمني في القدس والضفة، وسياسات التحالف اليميني المتطرف الحاكم، والذي يقوم على "الحقوق اليهودية الحصرية" في كل الأرض؛ أي إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة في المستقبل، قام ثلاثة مسؤولين في الإدارة الأميركية وهم وزير الخارجية بلينكن، ورئيس الاستخبارات بيرنز، ومستشار الأمن القومي سوليفان، بزيارة إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك لبناء إطار عمل مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، يشمل ملف إيران النووي، وتخفيف التضييق على الفلسطينيين، والإفراج عن أموال "السلطة الفلسطينية" المحتجزة، وتوسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية، بحسب ما هو معلن.
وقد جاءت هذه الزيارات وسط حراك سياسي إقليمي لافت، حيث زار مدراء المخابرات المصرية والأردنية رام الله، والتقيا بمحمود عباس، ودعت المخابرات المصرية قيادات حماس والجهاد الإسلامي بشقيها العسكري والسياسي لزيارة القاهرة، من أجل التباحث بملفات القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والأسرى، والعمل على تهدئة التوترات. فيما دعت إيران رئيسَ المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لزيارة طهران، في الوقت الذي زار فيه رئيس وكالة المخابرات المركزية تل أبيب سرًّا، والتقى برئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، كما التقى بالملك عبد الله في عمان.
وهذا بالإضافة إلى زيارة قائد القيادة المركزية الأميركي مايكل كوريلا تل أبيب، والذي تابع خطة سير المناورة المشتركة التي أجريت في إطار التنسيق بين الطرفين، والذي يهدف لاحتواء الولايات المتحدة لأي تحرك عسكري إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية أو ضد النظام الإيراني، في ظل رغبة أميركية ملحة للمحافظة على الهدوء ومنع التصعيد في هذه المنطقة من قِبَل حكومة إسرائيلية هي الأشد تطرفًا من بين الحكومات الصهيونية، وفي ظل تصعيد نتنياهو وفريقه الحكومي في الضفة، وبخاصة في جنين ونابلس والقدس، وتصعيده مع إيران في الهجوم الأخير على مواقع عسكرية إيرانية في أصفهان، مستغلًا اتهام أميركا لإيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيّرة.
كما جاءت هذه الزيارات في ظل ردود "المقاومة الفلسطينية" على العدوان الصهيوني، وتنامي الروح الجهادية لدى شباب الضفة، والتي تجلت في العمليات الفدائية وبسالة المُهاجمين واتساع الحاضنة الشعبية التي تُمد فصائل "المقاومة" بالدماء الشابة الجريئة، والتي باتت تؤرق السلطة الفلسطينية وتهدد الأمن الإسرائيلي وتبعث على التصعيد، في ظروف لا تتلاءم مع المناخ السياسي المطلوب دوليًا، وتهدد أجندة الولايات المتحدة بعيدة المدى بخصوص حلول التسوية والنهج الإبراهيمي.
وفي هذا السياق يندرج الحراك العسكري والأمني في المنطقة لتنسيق الأدوار في احتواء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، واحتواء "المقاومة" وضبط سلوكها وتفريغ محتواها، وتغيير طابعها "الجهادي الإسلامي" إلى طابع وطني يسهل تفكيكه بعد أن يكسرَ احتكار "حماس والجهاد الإسلامي" للكفاح المسلح ويُقَوِّضَه؛ وذلك من خلال تمييع العمليات الفدائية عبر مقاتلين من تنظيمات مرتبطة بحركة فتح التي وُجدت لاستقطاب الشباب المتحمس وقيادة العمل الكفاحي، وتوجيهه ليصبَّ في العملية السلمية التصفوية.
في ظل ذلك كله، أكد بلينكن أنَّه يدعم خطة أمنية لكبح منابع التوتر الأمني في الضفة، بينما شدد في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد الاجتماع المغلق مع نتنياهو يوم ظ£ظ،/ظ،/ظ¢ظ*ظ¢ظ£ على أنَّ أيَّ حلٍّ يجب أنْ "يشمل الفلسطينيين... وأنَّ أيَّ حل غير حل الدولتين أو يحول دون ذلك ضار بأمن إسرائيل وضار لهوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية"، مؤكدًا توجه الإدارة الأميركية بأن "الحل في نظرنا وفي نظر الرئيس بايدن هو الحفاظ على حل الدولتين". وهو ما يُعدُّ رسالة للدول العربية والفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية أن أميركا لم تغير موقفها من "حل الدولتين"، دون تحديد تفاصيل هذا الحل.
وجاء رد نتنياهو ملمحًا إلى إطار العمل وفق الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي وصفها بلينكن بأنها "ليست بديلًا عن حل الدولتين وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، ورغم أن نتنياهو قد اقترح حلًا شاملًا يغلق ملف "الصراع العربي الإسرائيلي"، ويعود على المنطقة بـ"الأمن والازدهار والفرص والسلام"، وأنه "سيسهم في إيجاد حل عملي مع الفلسطينيين"؛ لكنه لا يعدو عن كونه بيعًا للوهم وشراءً للوقت؛ لأن موقفه من مسألة "حل الدولتين" مبدئيٌّ كما هو معلن في كتابه (مكان تحت الشمس) وفي برنامجه الحكومي. ورغم أنه براغماتي، ويمكنه القبول بصيغة تشبه حل الدولتين مثل إدارة ذاتية لسكان الضفة مع الاحتفاظ بالسيادة على الأرض، إلا أنه مقيد بالائتلاف الحكومي الديني الرافض لكل الحلول.
فموقف نتنياهو (من خلال تصريحه) يدل على أنه يصر على (الحل الإقليمي) والنهج الإبراهيمي كأساس للحل مع الفلسطينيين. وهذا لا يضمن (حل الدولتين) من وجهة نظر أميركية وفلسطينية وعربية. حيث أعلن موقفه صراحة بأنه يؤيد إدارة الفلسطينيين لشؤونهم "بعد سلام شامل" مع الدول العربية، وأنه "لا سلام مع الفلسطينيين إلا بعد انتهاء صراعنا مع العرب"، وهو ما يتباين مع الموقف المعلن لإدارة بايدن، والتي تُحبِّذُ السير في جميع المسارات العربية الإسرائيلية وفق النهج الإبراهيمي بموازاة السير على المسار الفلسطيني.
ولا يخفى أن نتنياهو الذي تسيطر عليه هواجس المحاكمة، وحبُّ السلطة، يستثمر في انقسام الرأي العام الإسرائيلي والوسط السياسي المتنافر والمتمثل بالتيار المتشدد (سموتريتش وإيتمار بن غفير والأحزاب الدينية) والتيار البراغماتي الليبرالي الصهيوني الداعي للتهدئة، بل ويستثمر حتى في ردود المقاومة الفلسطينية ليبرهن لحلفائه أنه الأقدر على توفير الأمن للإسرائيليين. وأنه لا بد من النهج السياسي البراغماتي لتخفيف الضغط الخارجي ومواصلة تحقيق المكاسب عبر الاتفاقيات الإبراهيمية. ذلك أن نتنياهو يدرك أن المشروع السياسي لائتلافه الحكومي "سيقود إلى انفجار داخلي وخارجي" ويسبب له الضرر؛ حيث أدت الأعمال الأخيرة من قبل حكومته إلى تنسيق وتوحيد صفوف المعارضة، وهو ما يحاول مواجهته بتمرير بعض التشريعات لإصلاح النظام القضائي والسماح لسموتريتش بحسم أي مبالغ تدفعها السلطة لأسرى الشهداء كثمن للتهدئة التي تطلبها الولايات المتحدة، وتبرير أجندة احتواء المقاومة ولجم المقاومين الفلسطينيين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نتنياهو يستغل موافقة إدارة بايدن على النهج الإبراهيمي، ويحاول حصر استراتيجية الدولة به، ولكن مع تجاهله للمسار الفلسطيني المطلوب عربيًا وأميركيًّا ألَّا يقوض. وذلك أن النهج الإبراهيمي اقتضى تسخير إيران لتكون عدوًا بديلًا عن الكيان الصهيوني؛ وهو ما يُفسر تمسك نتنياهو بالتصعيد مع إيران. حيث اعترف مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في عهد ترمب في كتابه "لا تبدل رأيك مطلقًا.. القتال من أجل أميركا التي أحب" (Never Give an Inch: Fighting for the America I Love) بأن الاتفاقات الإبراهيمية لم تكن لتحصل لولا وجود "الخطر الإيراني" الذي قسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر "سلام" وهي الدول العربية، ومعسكر "الشر" وهما إيران والقاعدة، وأنه ترتب على ذلك تجاوز الرؤية التقليدية لـ"مشكلة الشرق الأوسط" والتي تَعتبر قضية فلسطين صراعًا عربيًّا إسرائيليًّا لتصبح وفق رؤية الإدارة الأميركية السابقة صراعًا بين معسكرين، أحدهما مندفعٌ نحو "السلام" والآخر "متشددٌ". وهو ما مكن إدارة ترمب من دفع قطار التطبيع قبل حل قضية فلسطين، على قاعدة "إذا أردت أن تنتظر الخيار الأفضل فإنه لن يأتي" بحسب تعبيره. لا سيما وأن الأمير محمد بن سلمان قد أعطى موافقة ضمنية للاتفاقات الإبراهيمية، حيث أشار بومبيو إلى اقترابهم من ضم السعودية لقطار التحالف والتطبيع، وذكر بأن ترمب طلب منه بأن يبلغ ابن سلمان بأنه "مدين لنا" بشأن قضية جمال خاشقجي وإفلاته منها. وقال بأن فحوى النقاش الذي دار بينه وبين ابن سلمان "يبقى سريًّا". وهو ما يؤكد إذعان ابن سلمان لمطالب أميركا كاملة، وبخاصة فيما يخص النهج الإبراهيمي.
17/رجب المحرم/1444هـ
8/2/2023م
متابعة سياسية
جولة وزير الخارجية الأميركي في المنطقة
في أعقاب تأزم الوضع الأمني في القدس والضفة، وسياسات التحالف اليميني المتطرف الحاكم، والذي يقوم على "الحقوق اليهودية الحصرية" في كل الأرض؛ أي إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة في المستقبل، قام ثلاثة مسؤولين في الإدارة الأميركية وهم وزير الخارجية بلينكن، ورئيس الاستخبارات بيرنز، ومستشار الأمن القومي سوليفان، بزيارة إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك لبناء إطار عمل مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، يشمل ملف إيران النووي، وتخفيف التضييق على الفلسطينيين، والإفراج عن أموال "السلطة الفلسطينية" المحتجزة، وتوسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية، بحسب ما هو معلن.
وقد جاءت هذه الزيارات وسط حراك سياسي إقليمي لافت، حيث زار مدراء المخابرات المصرية والأردنية رام الله، والتقيا بمحمود عباس، ودعت المخابرات المصرية قيادات حماس والجهاد الإسلامي بشقيها العسكري والسياسي لزيارة القاهرة، من أجل التباحث بملفات القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والأسرى، والعمل على تهدئة التوترات. فيما دعت إيران رئيسَ المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لزيارة طهران، في الوقت الذي زار فيه رئيس وكالة المخابرات المركزية تل أبيب سرًّا، والتقى برئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، كما التقى بالملك عبد الله في عمان.
وهذا بالإضافة إلى زيارة قائد القيادة المركزية الأميركي مايكل كوريلا تل أبيب، والذي تابع خطة سير المناورة المشتركة التي أجريت في إطار التنسيق بين الطرفين، والذي يهدف لاحتواء الولايات المتحدة لأي تحرك عسكري إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية أو ضد النظام الإيراني، في ظل رغبة أميركية ملحة للمحافظة على الهدوء ومنع التصعيد في هذه المنطقة من قِبَل حكومة إسرائيلية هي الأشد تطرفًا من بين الحكومات الصهيونية، وفي ظل تصعيد نتنياهو وفريقه الحكومي في الضفة، وبخاصة في جنين ونابلس والقدس، وتصعيده مع إيران في الهجوم الأخير على مواقع عسكرية إيرانية في أصفهان، مستغلًا اتهام أميركا لإيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيّرة.
كما جاءت هذه الزيارات في ظل ردود "المقاومة الفلسطينية" على العدوان الصهيوني، وتنامي الروح الجهادية لدى شباب الضفة، والتي تجلت في العمليات الفدائية وبسالة المُهاجمين واتساع الحاضنة الشعبية التي تُمد فصائل "المقاومة" بالدماء الشابة الجريئة، والتي باتت تؤرق السلطة الفلسطينية وتهدد الأمن الإسرائيلي وتبعث على التصعيد، في ظروف لا تتلاءم مع المناخ السياسي المطلوب دوليًا، وتهدد أجندة الولايات المتحدة بعيدة المدى بخصوص حلول التسوية والنهج الإبراهيمي.
وفي هذا السياق يندرج الحراك العسكري والأمني في المنطقة لتنسيق الأدوار في احتواء الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، واحتواء "المقاومة" وضبط سلوكها وتفريغ محتواها، وتغيير طابعها "الجهادي الإسلامي" إلى طابع وطني يسهل تفكيكه بعد أن يكسرَ احتكار "حماس والجهاد الإسلامي" للكفاح المسلح ويُقَوِّضَه؛ وذلك من خلال تمييع العمليات الفدائية عبر مقاتلين من تنظيمات مرتبطة بحركة فتح التي وُجدت لاستقطاب الشباب المتحمس وقيادة العمل الكفاحي، وتوجيهه ليصبَّ في العملية السلمية التصفوية.
في ظل ذلك كله، أكد بلينكن أنَّه يدعم خطة أمنية لكبح منابع التوتر الأمني في الضفة، بينما شدد في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد الاجتماع المغلق مع نتنياهو يوم ظ£ظ،/ظ،/ظ¢ظ*ظ¢ظ£ على أنَّ أيَّ حلٍّ يجب أنْ "يشمل الفلسطينيين... وأنَّ أيَّ حل غير حل الدولتين أو يحول دون ذلك ضار بأمن إسرائيل وضار لهوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية"، مؤكدًا توجه الإدارة الأميركية بأن "الحل في نظرنا وفي نظر الرئيس بايدن هو الحفاظ على حل الدولتين". وهو ما يُعدُّ رسالة للدول العربية والفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية أن أميركا لم تغير موقفها من "حل الدولتين"، دون تحديد تفاصيل هذا الحل.
وجاء رد نتنياهو ملمحًا إلى إطار العمل وفق الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي وصفها بلينكن بأنها "ليست بديلًا عن حل الدولتين وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، ورغم أن نتنياهو قد اقترح حلًا شاملًا يغلق ملف "الصراع العربي الإسرائيلي"، ويعود على المنطقة بـ"الأمن والازدهار والفرص والسلام"، وأنه "سيسهم في إيجاد حل عملي مع الفلسطينيين"؛ لكنه لا يعدو عن كونه بيعًا للوهم وشراءً للوقت؛ لأن موقفه من مسألة "حل الدولتين" مبدئيٌّ كما هو معلن في كتابه (مكان تحت الشمس) وفي برنامجه الحكومي. ورغم أنه براغماتي، ويمكنه القبول بصيغة تشبه حل الدولتين مثل إدارة ذاتية لسكان الضفة مع الاحتفاظ بالسيادة على الأرض، إلا أنه مقيد بالائتلاف الحكومي الديني الرافض لكل الحلول.
فموقف نتنياهو (من خلال تصريحه) يدل على أنه يصر على (الحل الإقليمي) والنهج الإبراهيمي كأساس للحل مع الفلسطينيين. وهذا لا يضمن (حل الدولتين) من وجهة نظر أميركية وفلسطينية وعربية. حيث أعلن موقفه صراحة بأنه يؤيد إدارة الفلسطينيين لشؤونهم "بعد سلام شامل" مع الدول العربية، وأنه "لا سلام مع الفلسطينيين إلا بعد انتهاء صراعنا مع العرب"، وهو ما يتباين مع الموقف المعلن لإدارة بايدن، والتي تُحبِّذُ السير في جميع المسارات العربية الإسرائيلية وفق النهج الإبراهيمي بموازاة السير على المسار الفلسطيني.
ولا يخفى أن نتنياهو الذي تسيطر عليه هواجس المحاكمة، وحبُّ السلطة، يستثمر في انقسام الرأي العام الإسرائيلي والوسط السياسي المتنافر والمتمثل بالتيار المتشدد (سموتريتش وإيتمار بن غفير والأحزاب الدينية) والتيار البراغماتي الليبرالي الصهيوني الداعي للتهدئة، بل ويستثمر حتى في ردود المقاومة الفلسطينية ليبرهن لحلفائه أنه الأقدر على توفير الأمن للإسرائيليين. وأنه لا بد من النهج السياسي البراغماتي لتخفيف الضغط الخارجي ومواصلة تحقيق المكاسب عبر الاتفاقيات الإبراهيمية. ذلك أن نتنياهو يدرك أن المشروع السياسي لائتلافه الحكومي "سيقود إلى انفجار داخلي وخارجي" ويسبب له الضرر؛ حيث أدت الأعمال الأخيرة من قبل حكومته إلى تنسيق وتوحيد صفوف المعارضة، وهو ما يحاول مواجهته بتمرير بعض التشريعات لإصلاح النظام القضائي والسماح لسموتريتش بحسم أي مبالغ تدفعها السلطة لأسرى الشهداء كثمن للتهدئة التي تطلبها الولايات المتحدة، وتبرير أجندة احتواء المقاومة ولجم المقاومين الفلسطينيين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نتنياهو يستغل موافقة إدارة بايدن على النهج الإبراهيمي، ويحاول حصر استراتيجية الدولة به، ولكن مع تجاهله للمسار الفلسطيني المطلوب عربيًا وأميركيًّا ألَّا يقوض. وذلك أن النهج الإبراهيمي اقتضى تسخير إيران لتكون عدوًا بديلًا عن الكيان الصهيوني؛ وهو ما يُفسر تمسك نتنياهو بالتصعيد مع إيران. حيث اعترف مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في عهد ترمب في كتابه "لا تبدل رأيك مطلقًا.. القتال من أجل أميركا التي أحب" (Never Give an Inch: Fighting for the America I Love) بأن الاتفاقات الإبراهيمية لم تكن لتحصل لولا وجود "الخطر الإيراني" الذي قسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر "سلام" وهي الدول العربية، ومعسكر "الشر" وهما إيران والقاعدة، وأنه ترتب على ذلك تجاوز الرؤية التقليدية لـ"مشكلة الشرق الأوسط" والتي تَعتبر قضية فلسطين صراعًا عربيًّا إسرائيليًّا لتصبح وفق رؤية الإدارة الأميركية السابقة صراعًا بين معسكرين، أحدهما مندفعٌ نحو "السلام" والآخر "متشددٌ". وهو ما مكن إدارة ترمب من دفع قطار التطبيع قبل حل قضية فلسطين، على قاعدة "إذا أردت أن تنتظر الخيار الأفضل فإنه لن يأتي" بحسب تعبيره. لا سيما وأن الأمير محمد بن سلمان قد أعطى موافقة ضمنية للاتفاقات الإبراهيمية، حيث أشار بومبيو إلى اقترابهم من ضم السعودية لقطار التحالف والتطبيع، وذكر بأن ترمب طلب منه بأن يبلغ ابن سلمان بأنه "مدين لنا" بشأن قضية جمال خاشقجي وإفلاته منها. وقال بأن فحوى النقاش الذي دار بينه وبين ابن سلمان "يبقى سريًّا". وهو ما يؤكد إذعان ابن سلمان لمطالب أميركا كاملة، وبخاصة فيما يخص النهج الإبراهيمي.
17/رجب المحرم/1444هـ
8/2/2023م