Abu Taqi
04-02-2023, 12:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
خطوط سياسية عريضة حول طرد فرنسا من بوركينا فاسو
طالبت حكومة بوركينا فاسو القوات الفرنسية بمغادرة البلاد وأعطتها مهلة شهر واحد للانسحاب، حسبما نقلت إذاعة rtb الوطنية في بوركينافاسو يوم 22 كانون الثاني/يناير 2023 نقلًا عن وكالة الإعلام الرسمية. وقد سبق هذا القرار بيومين خروج متظاهرين يرفعون أعلامًا روسية في شوارع العاصمة واغادوغو مطالبين بطرد السفير الفرنسي وإغلاق قاعدة عسكرية فرنسية شمالي البلاد تضم نحو 400 جندي.
وجاء قرار الحكومة العسكرية لبوركينا فاسو بقيادة إبراهيم تراوري بعد خمسة أشهر من استكمال فرنسا سحب قواتها من مالي، التي أمضت فيها تسعة أعوام بذريعة مكافحة "الإرهاب" ضمن عملية "برخان". والتي بدأت في العام 2013 بقوة عسكرية قوامها 3000 جندي فرنسي مدعومين بست طائرات مقاتلة و20 طائرة مروحية تنطلق من قواعد فرنسية في تشاد ومالي والنيجر.
ومع شعور فرنسا بالخطر على مصالحها وتورطها بمعارك استنزاف على يد المقاتلين "الجهاديين" وموجات التذمر الشعبي الموجَّه، رفعت عديد قواتها لتصل إلى 5100 جندي سنة 2022. ورغم كل تعزيزاتها العسكرية التي لم تعد عليها إلا بالفشل وتجرؤ المقاتلين عليها والحرج أمام الأوروبيين، فإن تردي الأوضاع الأمنية قد صاعد الغضب والاحتجاجات الشعبية في دول الساحل، حيث قفز عدد الأشخاص الذين اُجبروا على ترك منازلهم في بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر من حوالي نصف مليون في عام 2016 إلى حوالي 3.5 مليون اليوم، مما فاقم الأمور وبخاصة بعد انقلاب مالي وانقلاب بوركينا فاسو وزاد من ارتفاع الأصوات المنادية برحيل فرنسا بوصفها قوة استعمارية.
ويتضح من ذلك أن الولايات المتحدة تعمل على اقتلاع الوجود الفرنسي المتجذر في الجيش والحكم وفي الثقافة الشعبية التي بُنيت على مقولة "فرنسا أمُّنا"، كما ويتضح أن الغرض من رفع المتظاهرين للأعلام الروسية هو إثارة قلق فرنسا من الوجود الروسي وتوتير العلاقة بين فرنسا وروسيا في ظل حاجة الولايات المتحدة لمواقف فرنسية وأوروبية مناهضة لروسيا وحربها في أوكرانيا، بالإضافة إلى تحجيم الوجود العسكري الروسي في إفريقيا والتحوط من اتساعه، والذي قابله وزير الخارجية الروسي بقوله: نحن على علم بوجود وفود أميركية وبريطانية وأوروبية تأتي إلى أفريقيا بانتظام وتُطالب دولها بعدم التعاون مع روسيا. كما أن تحوط الولايات المتحدة من توسع الوجود الروسي في أفريقيا قد كشف عنه قرار الولايات المتحدة بتجريم منظمة فاغنر الروسية مؤخرًا. فقد أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي يوم الجمعة 22 كانون الثاني/يناير أن فاغنر "منظمة إجرامية تواصل ارتكاب فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع". مشيرًا إلى أن هناك خطوات أميركية إضافية ضد فاغنر ستساعد على وقف تعامل دول أخرى مع هذه المجموعة، وستزيد من الضغط عليها. ويندرج في مساعي الولايات المتحدة لتقويض السياسات الفرنسية الانقلابات العسكرية في إفريقيا، ومنها الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو في أيلول/ سبتمبر 2022 الذي انتهى إلى إيقاف الاتفاق العسكري الذي اُبرم عام 2018 وسمح للقوات الفرنسية التواجد في البلاد.
ومن ذلك أيضًا قرار حكومة بوركينا فاسو الأخير بمغادرة القوات الفرنسية استجابة للرفض الشعبي للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، وهو ما يحتاجه قادة الانقلاب لتركيز سلطتهم. بينما يتزامن قرار الحكومة البوركينية مع تنامي التيار السياسي المناهض لفرنسا في أغلب دول غرب أفريقيا، والذي يتهم الأنظمة القائمة بالتنازل عن سيادتها لصالح فرنسا، ويتهمها بالفشل في القضاء على ما يسمونه "الإرهاب"، بل ويتهمها بالمشاركة في بقائه وانتشاره، وهو ما أعلنته السلطات المالية مؤخرًا.
وتهدف الولايات المتحدة من ذلك كله تعزيز المشاعر العدائية لفرنسا وتوسيعها لتؤثر في القارة الأفريقية، وتوفر التأييد للسلطات الجديدة التي تتظاهر بالتعبير عن إرادة الشعوب. ولعل أكثر ما يعكس توجه أميركا حيال الوجود الفرنسي في أفريقيا وسعيها إلى إشعال التنافس بين فرنسا وروسيا والصين هو ما صرح به إبراهيم تراوري، الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو أمام بعض الطلاب الجامعيين، بأن "النضال من أجل السيادة قد بدأ"، ويقصد النضال ضد فرنسا الاستعمارية. كما يعبر عن ذات التوجه ما صرح به رئيس وزراء بوركينا فاسو، أبولينير يواكيم كييليم دو تامبيلا، بعد لقائه الأسبوع الماضي بالسفير الروسي أليكسي سالتيكوف، بقوله: إن "روسيا هي خيار المنطق في هذه الدينامية". مضيفًا: "نعتقد أن شراكتنا يجب أن تتعزز". وقد سبق لهذا الأخير أن صرح في تشرين ثاني/نوفمبر 2022 قائلًا:إأن "بعض الشركاء لم يكونوا أوفياء دائمًا"، مضيفًا: "كيف نفسر أن الإرهاب يفسد بلادنا منذ العام 2015 في جو من اللامبالاة، إن لم يكن بتواطؤ من بعض من يسمون أنفسهم شركاءنا؟ ألم نكن حتى الآن ساذجين جدًا في علاقاتنا مع شركائنا؟ لا شك في ذلك".
وأما رد الفعل الفرنسي على قرار إنهاء وجود الجيش الفرنسي في أراضي بوركينا فكان معبرًا عن حالة الضعف والانكسار، حيث عقّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قرار بوركينا فاسو خلال مؤتمر صحفي في باريس، أن رسالة بوركينا فاسو "مربكة"، مضيفًا "أعتقد أننا يجب أن نكون حذرين للغاية"، مشيرًا إلى تدخل روسيا المحتمل وإمكانية وجود "تلاعب" بالمعلومات. والحقيقة أن ماكرون يدرك بأن الوجود الروسي في أفريقيا ليس مؤثرًا لكنه استغل الفرصة ليبرر موقفه الهزيل.
9/رجب المحرم/1444هـ
31/1/2023
متابعة سياسية
خطوط سياسية عريضة حول طرد فرنسا من بوركينا فاسو
طالبت حكومة بوركينا فاسو القوات الفرنسية بمغادرة البلاد وأعطتها مهلة شهر واحد للانسحاب، حسبما نقلت إذاعة rtb الوطنية في بوركينافاسو يوم 22 كانون الثاني/يناير 2023 نقلًا عن وكالة الإعلام الرسمية. وقد سبق هذا القرار بيومين خروج متظاهرين يرفعون أعلامًا روسية في شوارع العاصمة واغادوغو مطالبين بطرد السفير الفرنسي وإغلاق قاعدة عسكرية فرنسية شمالي البلاد تضم نحو 400 جندي.
وجاء قرار الحكومة العسكرية لبوركينا فاسو بقيادة إبراهيم تراوري بعد خمسة أشهر من استكمال فرنسا سحب قواتها من مالي، التي أمضت فيها تسعة أعوام بذريعة مكافحة "الإرهاب" ضمن عملية "برخان". والتي بدأت في العام 2013 بقوة عسكرية قوامها 3000 جندي فرنسي مدعومين بست طائرات مقاتلة و20 طائرة مروحية تنطلق من قواعد فرنسية في تشاد ومالي والنيجر.
ومع شعور فرنسا بالخطر على مصالحها وتورطها بمعارك استنزاف على يد المقاتلين "الجهاديين" وموجات التذمر الشعبي الموجَّه، رفعت عديد قواتها لتصل إلى 5100 جندي سنة 2022. ورغم كل تعزيزاتها العسكرية التي لم تعد عليها إلا بالفشل وتجرؤ المقاتلين عليها والحرج أمام الأوروبيين، فإن تردي الأوضاع الأمنية قد صاعد الغضب والاحتجاجات الشعبية في دول الساحل، حيث قفز عدد الأشخاص الذين اُجبروا على ترك منازلهم في بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر من حوالي نصف مليون في عام 2016 إلى حوالي 3.5 مليون اليوم، مما فاقم الأمور وبخاصة بعد انقلاب مالي وانقلاب بوركينا فاسو وزاد من ارتفاع الأصوات المنادية برحيل فرنسا بوصفها قوة استعمارية.
ويتضح من ذلك أن الولايات المتحدة تعمل على اقتلاع الوجود الفرنسي المتجذر في الجيش والحكم وفي الثقافة الشعبية التي بُنيت على مقولة "فرنسا أمُّنا"، كما ويتضح أن الغرض من رفع المتظاهرين للأعلام الروسية هو إثارة قلق فرنسا من الوجود الروسي وتوتير العلاقة بين فرنسا وروسيا في ظل حاجة الولايات المتحدة لمواقف فرنسية وأوروبية مناهضة لروسيا وحربها في أوكرانيا، بالإضافة إلى تحجيم الوجود العسكري الروسي في إفريقيا والتحوط من اتساعه، والذي قابله وزير الخارجية الروسي بقوله: نحن على علم بوجود وفود أميركية وبريطانية وأوروبية تأتي إلى أفريقيا بانتظام وتُطالب دولها بعدم التعاون مع روسيا. كما أن تحوط الولايات المتحدة من توسع الوجود الروسي في أفريقيا قد كشف عنه قرار الولايات المتحدة بتجريم منظمة فاغنر الروسية مؤخرًا. فقد أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي يوم الجمعة 22 كانون الثاني/يناير أن فاغنر "منظمة إجرامية تواصل ارتكاب فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع". مشيرًا إلى أن هناك خطوات أميركية إضافية ضد فاغنر ستساعد على وقف تعامل دول أخرى مع هذه المجموعة، وستزيد من الضغط عليها. ويندرج في مساعي الولايات المتحدة لتقويض السياسات الفرنسية الانقلابات العسكرية في إفريقيا، ومنها الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو في أيلول/ سبتمبر 2022 الذي انتهى إلى إيقاف الاتفاق العسكري الذي اُبرم عام 2018 وسمح للقوات الفرنسية التواجد في البلاد.
ومن ذلك أيضًا قرار حكومة بوركينا فاسو الأخير بمغادرة القوات الفرنسية استجابة للرفض الشعبي للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، وهو ما يحتاجه قادة الانقلاب لتركيز سلطتهم. بينما يتزامن قرار الحكومة البوركينية مع تنامي التيار السياسي المناهض لفرنسا في أغلب دول غرب أفريقيا، والذي يتهم الأنظمة القائمة بالتنازل عن سيادتها لصالح فرنسا، ويتهمها بالفشل في القضاء على ما يسمونه "الإرهاب"، بل ويتهمها بالمشاركة في بقائه وانتشاره، وهو ما أعلنته السلطات المالية مؤخرًا.
وتهدف الولايات المتحدة من ذلك كله تعزيز المشاعر العدائية لفرنسا وتوسيعها لتؤثر في القارة الأفريقية، وتوفر التأييد للسلطات الجديدة التي تتظاهر بالتعبير عن إرادة الشعوب. ولعل أكثر ما يعكس توجه أميركا حيال الوجود الفرنسي في أفريقيا وسعيها إلى إشعال التنافس بين فرنسا وروسيا والصين هو ما صرح به إبراهيم تراوري، الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو أمام بعض الطلاب الجامعيين، بأن "النضال من أجل السيادة قد بدأ"، ويقصد النضال ضد فرنسا الاستعمارية. كما يعبر عن ذات التوجه ما صرح به رئيس وزراء بوركينا فاسو، أبولينير يواكيم كييليم دو تامبيلا، بعد لقائه الأسبوع الماضي بالسفير الروسي أليكسي سالتيكوف، بقوله: إن "روسيا هي خيار المنطق في هذه الدينامية". مضيفًا: "نعتقد أن شراكتنا يجب أن تتعزز". وقد سبق لهذا الأخير أن صرح في تشرين ثاني/نوفمبر 2022 قائلًا:إأن "بعض الشركاء لم يكونوا أوفياء دائمًا"، مضيفًا: "كيف نفسر أن الإرهاب يفسد بلادنا منذ العام 2015 في جو من اللامبالاة، إن لم يكن بتواطؤ من بعض من يسمون أنفسهم شركاءنا؟ ألم نكن حتى الآن ساذجين جدًا في علاقاتنا مع شركائنا؟ لا شك في ذلك".
وأما رد الفعل الفرنسي على قرار إنهاء وجود الجيش الفرنسي في أراضي بوركينا فكان معبرًا عن حالة الضعف والانكسار، حيث عقّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قرار بوركينا فاسو خلال مؤتمر صحفي في باريس، أن رسالة بوركينا فاسو "مربكة"، مضيفًا "أعتقد أننا يجب أن نكون حذرين للغاية"، مشيرًا إلى تدخل روسيا المحتمل وإمكانية وجود "تلاعب" بالمعلومات. والحقيقة أن ماكرون يدرك بأن الوجود الروسي في أفريقيا ليس مؤثرًا لكنه استغل الفرصة ليبرر موقفه الهزيل.
9/رجب المحرم/1444هـ
31/1/2023