المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية خطوط عريضة إعلان التعاون بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي



Abu Taqi
20-01-2023, 11:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
خطوط عريضة
إعلان التعاون بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي
أعلن شارلز ميشل رئيس المجلس الأوروبي وأورسولا فاندرلين رئيسة المفوضية الأوروبية وينس ستولتنبرغ السكرتير العام لحلف الناتو يوم الثلاثاء ١٠ كانون الثاني/يناير 2023 في بروكسل عن التعاون الاستراتيجي المستقبلي بين أوروبا وحلف الناتو لمعالجة تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا والدفاع عن الأمن والقيم المشتركة لمنطقة اليورو-أطلسي؛ ولتأكيد الدور المركزي للحلف والتشديد على أهمية وجود أمن أوروبي قادر ويسهم بشكل إيجابي في أمن منطقة الأطلسي والعالم.
ومن الملاحظ أن إعلان الناتو والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية قد أضاف الى تصريحاتهم السابقة في وارسو سنة ٢٠١٦ وبروكسل ٢٠١٨ فكرة التحديات والتنافس الاستراتيجي القادم من الأنظمة الاستبدادية التي تهدد المصالح والقيم الديمقراطية والتي يجب مواجهتها معًا. وهذه التصريحات جميعها متلائمة مع أهداف الولايات المتحدة الأميركية وبخاصة ما يتعلق منها ببناء تحالف ضد الصين في منطقة الإندو باسيفيك لاحتوائها ضمن النظام الدولي. كما يأتي هذا التوجه استجابة للضغوطات الكبيرة التي وضعتها أميركا على الدول الأعضاء في الحلف لزيادة إنفاقهم الدفاعي، والتي بدأها الرئيس السابق ترمب وأكدها الرئيس الحالي بايدن وأصبحت مطلبًا رئيسيًّا بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
ولا يخفى أن منظمة حلف شمال الأطلسي هي الأداة الفعالة التي تسخرها الولايات المتحدة لإبقاء هيمنتها على القارة الأوروبية لمنعها من تقرير سياساتها الأمنية والخارجية وعلاقاتها الدولية بمعزل عن إرادتها، لا سيما مع بروز النزعة الاستقلالية لفرنسا عن الولايات المتحدة في النواحي الدفاعية، والتي من شأنها أن تضعف النفوذ الأميركي في القارة الأوروبية.
فقد وجهت هذه التصريحات الجديدة ضربة لمطالبات الرئيس ماكرون بتأسيس إطار دفاع أوروبي مستقل عن حلف الناتو، والذي وصفه ماكرون بـ"الميت دماغيًا". ولا سيما أن هذا الإعلان جاء ردًّا على تقرير مراجعة الاستراتيجية الوطنية الفرنسية في شهر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، والذي صرح ماكرون حياله بأن "فرنسا تعتزم الاحتفاظ بموقفها الفريد ضمن الحلف حيث أنها تمتلك سياسة دفاع مستقلة ورادعًا نوويًّا خاصًّا". مضيفًا أن "فرنسا تعتزم تعزيز تأثيرها وتأثير الحلفاء الأوروبيين فيما يخص التغيُّرات الكبرى في موقف الحلف وكذلك الاستقرار الاستراتيجي المستقبلي في أوروبا". وملمحًا الى التوجه المستقبلي لفرنسا بقوله "إن الحلف ليس أمرًا يَفرض عليَّ الاعتماد عليه بل هو أمر أختاره وأعمل معه… يجب علينا إعادة تقرير استقلالنا الاستراتيجي في أوروبا".
وهذا التوجه الفرنسي يشمل هندسة دفاع أوروبي مستقل لا يكون الحلف عاملًا مركزيًّا أو رئيسيًّا فيه، حيث أشار ماكرون في سياق تصريحه لطمأنة أعضاء الحلف الأوروبيين المترددين في دعم رؤيته إلى وجود رادع نووي فرنسي مستقل، وذلك في محاولة لاستعادة دور فرنسا ومركزيتها في شؤون الأمن الأوروبي، وبخاصة بعد دعم أميركا الصريح لألمانيا واستهداف نفوذ فرنسا في مستعمراتها الأفريقية السابقة، مثل مالي وتشاد والموزمبيق وغرب إفريقيا وشمالها. وبعد توجيه أميركا عناية فرنسا إلى مناطق لا تملك الأخيرة فيها سوى خدمة المصالح الأميركية نحو الدور الذي قام به ماكرون بلبنان وقمة بغداد.
وأما بخصوص دور الحلف في منطقة الإندو باسيفيك، فقد اعتمد الحلف في قمة مدريد ٢٠٢٢ ضرورة "مواجهة التحديات المؤسساتية الصادرة من الصين"، رغم الامتعاض الأوروبي؛ حيث صرح جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية أن "الحلف لم يؤسس بغرض تنفيذ عمليات في المحيط الباسيفيكي … وإن كان من المحتمل النظر في المخاطر والتهديدات الجديدة ولكن في الوقت الراهن لدينا ما يكفي من التهديدات والمخاطر في المنطقة التقليدية للحلف". إلا أنه ومنذ عهد ترمب قد أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة شرعت بإجبار الأوروبيين على تنفيذ إملاءاتها حيال الناتو، وإخضاعهم لسياساتها نحو روسيا والصين عبر مطالبات ترمب برفع ميزنية الدفاع للحلف وعبر الحرب الأوكرانية بعد أن بات مبرر (الإرهاب) لتأهيل الناتو وتفعيله مستهلكًا، فبخلاف استراتيجية الحلف سنة 2010 التي جعلت محاربة ما يسمونه بـ"الإرهاب" أولوية استراتيجية، حولت استراتيجية الحلف في قمة مدريد خطر "الإرهاب" إلى مرتبة ثانوية وركزت على روسيا والصين. فقد ذكرت وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهد ترمب، أن التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين بات أكثر العوامل تهديدًا، وهذا ما عكسته أيضًا قمة حلف الناتو الإستراتيجية في حزيران/يونيو الماضي في مدريد، والتي أعلن بيانها الختامي أن دول الحلف تعهّدت بتقديم مزيد من المساعدات الدفاعية والمالية لأوكرانيا، وأنها وافقت على مفهوم إستراتيجي جديد للفترة بين عامي 2022 و2030 ودعت فنلندا والسويد رسميًّا للانضمام إليه. حيث حدّد البيان تصوره للتهديدات العالمية في المناطق الحيوية، وكيفية الردّ على تلك التهديدات، والخطط العامة للعقد المقبل. ولا شك أن تركيز استراتيجية الناتو الجديدة على روسيا يهدف أيضًا إلى ضبط سلوك تركيا وعلاقتها بروسيا وتداعيات تلك العلاقة على قضايا المنطقة ومساراتها. كما يهدف إلى احتواء روسيا وإبقائها فزاعة للدول الأوروبية، حيث يرى الحلف في مفهومه الإستراتيجي أن روسيا تشكل أكبر وأهم تهديد مباشر لأمن الحلف وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية ودول شرق وجنوب أوروبا. وقد ذكرت وثيقة الحلف في مدريد في المادة الثامنة أن الحشد العسكري لموسكو، بما في ذلك في مناطق البلطيق والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تكاملها العسكري مع بيلاروسيا، يتحدّى أمن الحلف ومصالح دوله. وهو الأمر الذي يتطلب تعزيز التحالف والردع لدى الحلفاء عبر رفع ميزانية الدفاع التي من شأنها تعمق اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة وتعود على الأخيرة بمزيد من الأرباح.
وأما بخصوص الصين، ورغم أنها خارج نطاق مهمات الناتو فقد أدرجتها وثيقة مدريد في البندين (13 و14) بنفس مستوى التهديد الروسي؛ وذلك تمهيدًا من قِبل الولايات المتحدة لسياساتها المقبلة حيال الصين ومنطقة الإندوباسيفيك، ومنعًا للتقارب الأوروبي الصيني بصورة تخفض التحديات وتُقوِّض مبررات إعادة تأهيل الناتو وتفعيله. حيث أشارت الوثيقة الى أن التهديدات لـ"مصالح الحلف وأمنه وقيمه" تنبع من "الطموحات المعلنة لجمهورية الصين الشعبية"، ومن قيام الصين باعتماد "مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة وجودها العالمي وإظهار القوة". وأضافت "إن تعميق الشراكة الإستراتيجية بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي ومحاولاتهما المتعاضدة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد يتعارضان وقيمنا ومصالحنا". ومن تلك المساعي التي تريد الولايات المتحدة من خلالها توسيع مهمات الناتو ونطاق عمله إدراجها حماية الملكية الفكرية ضمن مهام الحلف، وهو ما يتصل مباشرة بالاتهامات الموجهة للصين في هذا الخصوص.
ويتضح من ذلك كله أن إعلان حلف الناتو والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية عن التعاون الاستراتيجي المستقبلي إنما يعكس حجم الابتزاز والنفوذ الأميركي في المؤسسات الأوروبية، ويعكس أيضًا نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المتعلقة بتغيير البيئة الأمنية للقارة الأوروبية عبر الأزمة الأوكرانية، وعزمها على احتواء الدول الكبرى وتوجيه سياساتها ودرء مخاطر منافستها من قِبل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي في القرن الحالي.
27/جمادى الآخرة/1444هـ
20/1/2023م