المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى



Abu Taqi
04-01-2023, 03:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى
اقتحم زعيم حركة "الصهيونية الدينية" المتطرفة ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أمس الثلاثاء، باحات المسجد الأقصى تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال، وهذه أول عملية اقتحام لبن غفير بعد توليه حقيبة الأمن القومي؛ وهو ما يجعل طابع الخطوة رسميًا ومعبرًا عن نهج الحكومة الأكثر تطرفًا من بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
وقد لاقت هذه الخطوة التي ترفضها الولايات المتحدة بسبب تعارضها مع تدويل الأماكن المقدسة، وبسبب أبعادها وتداعياتها على مشروعها في الشرق الأوسط، "شجبًا" إقليميًّا ودوليًّا، حيث أكدت واشنطن على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إن "الولايات المتحدة تؤيد بقوة الحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس، وأي عمل أحادي يقوّض الوضع الراهن غير مقبول". كما أكد السفير الأميركي بإسرائيل توم نايدس أن إدارة الرئيس جو بايدن أوضحت للحكومة الإسرائيلية بأنها تعارض أي خطوات من شأنها الإضرار بالوضع الراهن في الأماكن المقدسة؛ لذلك وفي تحذير لنتنياهو الحريص على إنجازاته مع دول التحالف والتطبيع أسندت أميركا للإمارات مطالبة مجلس الأمن بالاجتماع علنًا يوم الخميس، لمناقشة التطورات الأخيرة في القدس المحتلة.
وفي إطار الضغوط الدولية التي تحذر نتنياهو واليمين المتطرف بالعزلة، قالت القنصلية البريطانية بالقدس إن من المهم على الجميع تجنب كل الأنشطة التي تؤجج التوترات وتقوّض فرص السلام. كما نشرت السفارة الفرنسية لدى تل أبيب، تغريدة على تويتر، أكدت خلالها "تمسك فرنسا المطلق" بالحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في مدينة القدس. فيما قال الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفن كوبمانس، أمس الثلاثاء، إن الوضع الراهن في المواقع المقدسة بمدينة القدس ووصاية الأردن عليها يشكلان "ضرورة لاستمرار السلام والاستقرار الإقليمي". وأما المقصود بـ"الوضع الراهن"، فهو الوضع الذي ساد في الأماكن المقدسة أثناء الفترة العثمانية واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين والحكم الأردني وحتى ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967، والذي يقضي بأن المسجد الأقصى هو للمسلمين مع حق غير المسلمين بالسياحة فقط.
وكانت حركة حماس قد بعثت رسالة عبر الوسيط المصري والأمم المتحدة، مفادها أنها لن تقف "مكتوفة الأيدي" حال نفذ بن غفير تهديده باقتحام المسجد الأقصى. فيما قال بن غفير أثناء اقتحامه للأقصى إن حكومته لن تستسلم لتهديدات حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإن الحرم القدسي هو المكان الأهم لشعب إسرائيل. وهذا التصريح بالإضافة إلى ما أكده أثناء حملته الانتخابية بشأن مواصلة الاقتحامات، إنما يكشف عن أهداف الاقتحام، والتي تتمثل بقياس ردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية، ومواصلة خلط الأوراق وإفشال حلول التسوية و"حل الدولتين" بالصيغة الأميركية المقترحة، والتي تحد من السيادة "الإسرائيلية" على الضفة والقدس والأماكن المقدسة، والتأكيد على مُضي إسرائيل بمحاولة تغيير الوضع القائم والدفع نحو التقسيم (الزماني والمكاني للمقدسات) وفرض الأمر الواقع، وتغيير قواعد الاشتباك التي فرضتها حماس في (معركة سيف القدس)، بالإضافة إلى رغبة بن غفير في التأكيد على صدقيته أمام ناخبيه الذين وعدهم بمواصلة اقتحام الأقصى في حال أصبح وزيرًا، وإظهار قدرته على دعم وتمكين نتنياهو من مواجهة الضغوط الأميركية، بل وإظهار ثقله الشعبي وتقييد نتنياهو ذاته بأجندة اليمين الأشد تطرفًا. ولذلك من المتوقع أن يتذرع نتنياهو بالملف النووي الإيراني كأولوية سياسية ويستأنف الهجوم على المواقع العسكرية في سوريا؛ لتعزيز شعبيته الداخلية، وتعطيل التفاوض على المسار الفلسطيني وتفعيله على مسار التطبيع والحل الإقليمي، ومن المتوقع أيضًا أن يبقى الملف الداخلي على صفيح ساخن تستغله الأحزاب اليمينية المتطرفة في الاستثمار السياسي وتعزيز مواقعها وأجندتها الدينية القومية، بينما ستواصل الولايات المتحدة مساعيها في إعادة تشكيل الرأي العام الإسرائيلي لصالح أجندة "السلام"، عبر ضغوط مختلفة قد تصل إلى توريط نتنياهو بمعركة أخرى مع فصائل المقاومة ونشطائها، وترويع سكان إسرائيل وتحميلهم تبعات دعم الأحزاب الدينية المتطرفة.
وأما بشأن تقسيم الأماكن المقدسة الذي ترمي إليه اقتحامات المسجد الأقصى من قبل المتدينين اليهود، فإنه يعني تخصيص أوقات محددة لدخول المسلمين إلى المسجد الأقصى، وأوقات أخرى خاصة باليهود؛ أي اقتسام الساعات والأيام طوال العام بين المسلمين واليهود، وتخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم التي تصل إلى 100 يوم، بالإضافة إلى جميع أيام السبت طوال العام، وهذا من ناحية زمانية. أما التقسيم المكاني فيعني تخصيص مناطق وزوايا معينة من المسجد الأقصى لكلٍّ من الطرفين؛ أي تحويل أجزاء من مجمع المسجد إلى كُنُس يهودية تقام فيها الصلوات. وهذا هو الغرض الرئيس من الاقتحامات المتزايدة وإقامة الصلوات التلمودية في باحات المسجد الأقصى وبخاصة مع تنامي التيار "الديني" الصهيوني منذ ثلاثة عقود، والذي بات يُشكل رافعة للأحزاب الدينية المتطرفة التي تؤثر في توجهات الحكومات الإسرائيلية وتُعيق الأجندة الأميركية.
وتكمن أهمية تقسيم الأماكن المقدسة الذي تسعى "إسرائيل" لفرضه، وخطورته على مصير فلسطين وأهلها بانتزاع اعتراف بما يسمى بـ(حق إسرائيل) في فلسطين والقائم على مزاعم توراتية لا تصمد أمام حقائق القرآن القطعية، والمعطيات العلمية والنصوص التوراتية المُحرّفة ذاتها؛ والتي قيدت "الوعد الإلهي" لبني إسرائيل بعبادة الرب وحده (حسب كتابهم)، إذ إنه ورغم رفضنا لمزاعمهم وكتابهم المحرف إلا إنهم نقضوا العهد مع ربهم باعتراف كتابهم المحرف. وبالتالي فإن تقسيم الأماكن المقدسة لا يعني التنازل عن فلسطين ومقدساتها فحسب، بل يعني إضفاء الشرعية على مزاعمهم الكاذبة والداعية إلى حقهم في فلسطين وحقهم في بناء معبدهم على أنقاض المسجد الأقصى، وحق دولتهم السرطانية في الوجود على أرض فلسطين، وهو الأمر الذي يجب ألا يسمح المسلمون ممَثلين بكل مخلص في الجيوش وقادة الجماهير والتنظيمات السياسية بتمريره من قًبل الأنظمة الخائنة والحكام العملاء بكل حزم.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن النفاق الدولي ومواقف الشجب والاستنكار والبكاء والعويل الذي تمارسه الأنظمة العربية على اقتحام الأقصى المبارك، إنما هو استثمار رخيص من أجل امتصاص غضب المسلمين وليس دفاعًا عن المسجد الأقصى والأرض المباركة، ولا ما يدعونه بـ"الحق الفلسطيني"، وهو ليس لردع إسرائيل عن مزاولة نشاطها الإرهابي ضد فلسطين وأهلها المنكوبين بكل تأكيد؛ لأن مطالب الغرب بامتثال إسرائيل بـ "الشرعية الدولية" إنما هو تضليل؛ ولأن تلك "الشرعية الدولية" هي ذاتها التي منحت إسرائيل شرعية احتلال فلسطين من البحر إلى النهر؛ ولأن شجب الحكام العرب واستنكارهم لا يتجاوز الكلام بينما يجري التحالف والتطبيع مع الصهاينة في الواقع العملي على قدم وساق؛ إذ إن الشجب والاستنكار يمضي في إطار الاعتراف بـ"حق" إسرائيل في معظم أراضي فلسطين، وفي إطار تجريم مقاومتها، والحفاظ على تفوقها المزعوم على المسلمين وإظهارها بالدولة غير القابلة للانكسار والزوال، وكل ذلك بتواطؤ من الحكام العملاء، الذين عطلوا الجهاد بل جرّموه وحظروه، ولولا خيانتهم لما تجرأ قطعان المتطرفين الجبناء على تدنيس مقدسات المسلمين واستفزوا مشاعرهم.
11/جمادى الآخرة/1444هـ
4/1/2023م