Abu Taqi
22-12-2022, 12:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الحكم بسجن أكرم إمام أوغلو
رئيس بلدية اسطنبول والصراع على السلطة في تركيا
أصدرت محكمة باسطنبول يوم الأربعاء 14 كانون الأول/ديسمبر الجاري حكمًا بحبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عامين وسبعة أشهر وخمسة عشر يومًا، بعد إدانته بإهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات سنة 2019 حينما وصفهم بـ"الأغبياء". ولم تكن المحاكمة لتحظى بهذه الأهمية لولا دخولها في سياق السباق الرئاسي والصراع على السلطة في تركيا، وأهمية وصول المعارضة إلى الحكم وتداعياته على الملفات الداخلية كمسألة التعديلات الدستورية ونظام الحكم الرئاسي وإعادة النفوذ الغربي، والملفات الإقليمية كالمسألة السورية والأكراد وعدول الولايات المتحدة عن التجربة "الأردوغانية" ذات المسحة الإسلامية لصالح النهج الليبرالي في المنطقة. وعلى إثر قرار المحكمة، انهالت الاتهامات على الحكومة والرئيس أردوغان ووزير الداخلية سليمان صويلو من قبل المعارضة بدعوى أن الأمر قد دُبر بليل، واصفة قرار المحكمة بـ"المتحيز" و"الظالم" و"المسيس"، لا سيما وأن قرار المحكمة من شأنه أن يقصي أكرم إمام من الانتخابات الرئاسية بعد 6 شهور، إذا أقرت محكمة الاستئناف الحكم. في حين جيّر أنصار حزب العدالة والتنمية القضية لمصلحتهم معتبرين أن ثمة من هندس المحاكمة لرفع أسهم إمام أوغلو ومنحه "مظلومية" تساعده على الترشح والفوز بالانتخابات المقبلة، وذلك كرد من حزب العدالة والتنمية لتقويض محاولة المعارضة الإفادة من القضية لرفع شعبية أكرم إمام والتغطية على فشله في إدارة شؤون بلدية إسطنبول.
ومن الواضح أن كلا الطرفين يستثمران في القضية كل لصالحه، لا سيما وأن المعارضة تحاول أن تحوّل الأزمة إلى فرصة لإعادة إنتاج أكرم إمام أوغلو بعد إخفاقاته الإدارية. حيث يعتبر أكرم إمام مرشح أميركا للرئاسة التركية، وهو ما كشف عنه النائب في الكونجرس الأميركي بيل كيتنج بقوله إن العلاقات مع رئيس البلدية إكرام إمام أوغلو هو كرت يجب أن نستغله لسحب تركيا من مصالحهم الخاصة ومصالحهم السيادية. ورغم أن قرار المحكمة قد استغل لتوفير الدعم لعمدة إسطنبول من قِبل المعارضة إلا أن ما تُرجحه القرائن أن حزب العدالة والتنمية، والذي تمرّس في إدارة الصراع مع المعارضة، قد تدخل في القضية وتوقيتها قبيل الانتخابات الرئاسية؛ لإزاحة المنافس الأقوى من طريق أردوغان، مستغلًا انحسار وتقلص نفوذ المعارضة في السلطة بعد التحول إلى النظام الرئاسي الذي مكّن أردوغان من السيطرة على الجيش والقضاء، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016 والتي طهّر أردوغان على إثرها سلك الدولة من أغلب جواسيس المعارضة وعملاء الخارج.
ويظهر تدخل حكومة أردوغان في سير القضية أيضًا من خلال تأخير البت بالقضية منذ سنة 2019 إلى اليوم؛ إذ لو كان للمعارضة تأثيرٌ في تأخير الحكم من أجل إعادة إنتاج أكرم إمام قبيل الانتخابات لأجهضه أردوغان القابض على السلطة الأمنية والقضائية في مهده، ولقدم أكرم إمام للمحاكمة في حينه وفوت عليه فرصة الولوج إلى الحكم من بوابة "المظلومية".
كما ويظهر تدبير حكومة أردوغان للمحاكمة من خلال ردود الفعل الدولية المستنكرة لقرار المحكمة ومن خلال ردود المعارضة التي استثمرت القضية وتحوطت لإنفاذ قرار الإقصاء بحشد أنصارها أمام بلدية إسطنبول، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو وميرا أكشنار زعيمة حزب "الجيد". وهذا بالإضافة إلى أن الحكم قد صدر وسط تباين آراء المعارضة حول مرشحهم في مواجهة أردوغان، وهو ما يعني تعميق قرار المحكمة الخلاف بينهم رغم بروز اسم أكرم إمام أوغلو المدعوم من طرف الأحزاب الكردية التي رجّحت كفة المعارضة في إسطنبول وأنقرة على مرشحي حزب العدالة والتنمية سنة 2019.
ومع أن أكرم إمام أوغلو أكثر شعبية من زعيم حزبه (حزب الشعب الجمهوري) كمال كلتشدار أوغلو إلا أن الأخير قد أبدى رغبته بالترشح للانتخابات، ولم يعقب على حكم المحكمة بما يعبر عن دعمه لترشح أكرم إمام بل اكتفى بمهاجمة أردوغان بقوله: "أريد ان يعرف الجميع جيدًا أن الانقلابيين، في هذا البلد هو القصر الآن. والخطر هو القصر أيضًا. هذه هي الطريقة التي سيتم التعامل بها معهم". فيما قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري إنهم لم يحسموا شخصية المرشح في المقام الأول، وهو ما ينطوي على رغبة في ترشح رئيس الحزب الذي طلب منه جفري فليك السفير الأميركي في أنقرة عدم الترشح وأخبره (بحسب صحيفة تركيا هابر في ٩ حزيران/يونيو) أنه "كعلوي سيكون من الصعب عليك النجاح في الانتخابات الرئاسية، وعليك تأمين الطريق لترشح أكرم إمام أوغلو".
وبالتالي إذا نجح أردوغان بإقصاء أكرم إمام ليس من طريقه فحسب، بل ومن طريق منافسه كلتشدار أوغلو فإن من شأنه أن يبعثر أوراق أميركا والمعارضة التي يتحفظ بعضها على كلتشدار أوغلو، ومن شأنه أيضًا أن يُعمق الخلاف في صفوفها ويصب في مصلحة أردوغان، ومن ثم يتفادى أردوغان مواجهة خصمٍ قويٍّ وتهديدٍ كبيرٍ كأكرم إمام في الانتخابات الرئاسية. وكل ذلك يعتبر قرائن على تدبير أردوغان لمحاكمة أكرم إمام أوغلو في هذا التوقيت بالذات.
وفي خضم ذلك علق أكرم إمام على الحكم قائلًا: إن "نضالنا سيبدأ الآن، فلا يمكن لحفنة من الناس أن تسلب سلطة منحها الشعب"، وهو ما يعني إصراره على الترشح، وإرساله رسالة لأميركا وللمعارضة بعدم التراجع أو إسقاطه كخيار انتخابي أو التخلي عنه؛ إذ إن الحكم الصادر بحقه ليس قطعيًا؛ وله حق الاعتراض والاستئناف على القرار وفق القانون؛ ذلك أن أحزاب المعارضة لا تزال في طور التشاور والنزاع أحيانًا بشأن مرشحها الرئاسي في انتخابات حزيران/يونيو المقبل. بينما حاول كمال كلتشدار أوغلو كسب تأييد أميركا لترشحه من خلال تعيين الخبير الأميركي جيريمي ريفكين، الذي عمل مستشارًا لأنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البرتغالي خوسيه سقراط، ورئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانشا مستشارًا اقتصاديًّا له بعد زيارته للولايات المتحدة مؤخرًا؛ أي أنه منح أميركا الإشراف المباشر على أجندتها في تركيا لقاء قبولها به من بين مرشحي المعارضة المستمرين في التفاوض.
وما يمكن قراءته في هذا النزاع أن الحكم الذي صدر في حق أكرم إمام أوغلو المنافس القوي لأردوغان، والذي تم التخطيط له بصورة تُلجئ المعارضة للهروب إلى الأمام، وتجعل أكرم إمام أوغلو خيارًا ليس وحيدًا لخوض الانتخابات وهو ما يصبو إليه أردوغان إنما هو محاولة من قِبل الأخير لإقصاء أكرم إمام أوغلو الأكثر أهلية للانتخابات الرئاسية من بين مرشحي المعارضة، وإلجاء خصومه لخوض الانتخابات بعدد من المرشحين وبعثرة أصوات قواعدهم الانتخابية، أو يُلجئهم إلى التوافق على مرشح أضعف شعبية من أكرم إمام أوغلو، وبخاصة وأن فشل هذا الأخير في إدارة شؤون بلدية اسطنبول يُعدّ من دواعي العدول عن ترشيحه في ظل عدم إجماع المعارضة على مرشح بعينه حتى اللحظة.
هذا وقد جاء القرار أيضًا في مناخ إقليمي مناسب لأردوغان ومن ذلك سعيه لتهدئة العلاقات مع الإمارات الداعمة لخصومه، ومع السعودية ومصر وسوريا وإسرائيل، وجاء في ظل أجواء دولية محتقنة ومحتاجة لدور أردوغان وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية التي تمثل بمعية التحدي الصيني أولوية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وهو ما يوفر لأردوغان فرصة توجيه الانتخابات المقبلة لصالحه، علمًا بأن ذلك كله لن يمنع أميركا من مواصلة الضغط على أردوغان ومحاولة إسقاطه وإعادة تركيا إلى مدارها ودورها الوظيفي بوسائل مختلفة.
وكل ما تقدم يُفسر الصراع على السلطة وحمّى الانتخابات المقبلة التي تحظى بأهمية بالغة في الداخل التركي والعلاقات الخارجية، وبخاصة وأن إسقاط أردوغان واستعادة تركيا إلى التبعية الأميركية هو هدف طالما سعت الولايات المتحدة لتحقيقه عبر إضعاف حزبه وكسر احتكاره للخطاب المحافظ عن طريق عبدالله غول وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان، وعبر أدواتها في المعارضة التركية التي اتهمها وزير الداخلية سليمان صويلو مؤخرًا بالعميلة للخارج، سيما وأن قادتها قد التقوا بالسفير الأميركي جفري فليك للتنسيق بشأن مواجهة أردوغان في الانتخابات.
كما سعت الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف أيضًا عبر وسائل الضغط الاقتصادي والانقلاب الفاشل، وعبر تفجيرات إسطنبول الأخيرة على يد حزب العمال الكردستاني لنشر الخوف بين الأتراك وإظهار الحكومة عاجزة عن حماية الشعب. مع محاولة أميركا جذب أردوغان واحتواءه عن طريق الأنظمة العميلة في السعودية والإمارات ومصر، ومن خلال الإغراءات الاقتصادية في ليبيا وغاز شرق المتوسط، وغض الطرف عن التجارة التركية مع روسيا رغم العقوبات.
28/جمادى الأولى/1444هـ
22/12/2022م
متابعة سياسية
الحكم بسجن أكرم إمام أوغلو
رئيس بلدية اسطنبول والصراع على السلطة في تركيا
أصدرت محكمة باسطنبول يوم الأربعاء 14 كانون الأول/ديسمبر الجاري حكمًا بحبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عامين وسبعة أشهر وخمسة عشر يومًا، بعد إدانته بإهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات سنة 2019 حينما وصفهم بـ"الأغبياء". ولم تكن المحاكمة لتحظى بهذه الأهمية لولا دخولها في سياق السباق الرئاسي والصراع على السلطة في تركيا، وأهمية وصول المعارضة إلى الحكم وتداعياته على الملفات الداخلية كمسألة التعديلات الدستورية ونظام الحكم الرئاسي وإعادة النفوذ الغربي، والملفات الإقليمية كالمسألة السورية والأكراد وعدول الولايات المتحدة عن التجربة "الأردوغانية" ذات المسحة الإسلامية لصالح النهج الليبرالي في المنطقة. وعلى إثر قرار المحكمة، انهالت الاتهامات على الحكومة والرئيس أردوغان ووزير الداخلية سليمان صويلو من قبل المعارضة بدعوى أن الأمر قد دُبر بليل، واصفة قرار المحكمة بـ"المتحيز" و"الظالم" و"المسيس"، لا سيما وأن قرار المحكمة من شأنه أن يقصي أكرم إمام من الانتخابات الرئاسية بعد 6 شهور، إذا أقرت محكمة الاستئناف الحكم. في حين جيّر أنصار حزب العدالة والتنمية القضية لمصلحتهم معتبرين أن ثمة من هندس المحاكمة لرفع أسهم إمام أوغلو ومنحه "مظلومية" تساعده على الترشح والفوز بالانتخابات المقبلة، وذلك كرد من حزب العدالة والتنمية لتقويض محاولة المعارضة الإفادة من القضية لرفع شعبية أكرم إمام والتغطية على فشله في إدارة شؤون بلدية إسطنبول.
ومن الواضح أن كلا الطرفين يستثمران في القضية كل لصالحه، لا سيما وأن المعارضة تحاول أن تحوّل الأزمة إلى فرصة لإعادة إنتاج أكرم إمام أوغلو بعد إخفاقاته الإدارية. حيث يعتبر أكرم إمام مرشح أميركا للرئاسة التركية، وهو ما كشف عنه النائب في الكونجرس الأميركي بيل كيتنج بقوله إن العلاقات مع رئيس البلدية إكرام إمام أوغلو هو كرت يجب أن نستغله لسحب تركيا من مصالحهم الخاصة ومصالحهم السيادية. ورغم أن قرار المحكمة قد استغل لتوفير الدعم لعمدة إسطنبول من قِبل المعارضة إلا أن ما تُرجحه القرائن أن حزب العدالة والتنمية، والذي تمرّس في إدارة الصراع مع المعارضة، قد تدخل في القضية وتوقيتها قبيل الانتخابات الرئاسية؛ لإزاحة المنافس الأقوى من طريق أردوغان، مستغلًا انحسار وتقلص نفوذ المعارضة في السلطة بعد التحول إلى النظام الرئاسي الذي مكّن أردوغان من السيطرة على الجيش والقضاء، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016 والتي طهّر أردوغان على إثرها سلك الدولة من أغلب جواسيس المعارضة وعملاء الخارج.
ويظهر تدخل حكومة أردوغان في سير القضية أيضًا من خلال تأخير البت بالقضية منذ سنة 2019 إلى اليوم؛ إذ لو كان للمعارضة تأثيرٌ في تأخير الحكم من أجل إعادة إنتاج أكرم إمام قبيل الانتخابات لأجهضه أردوغان القابض على السلطة الأمنية والقضائية في مهده، ولقدم أكرم إمام للمحاكمة في حينه وفوت عليه فرصة الولوج إلى الحكم من بوابة "المظلومية".
كما ويظهر تدبير حكومة أردوغان للمحاكمة من خلال ردود الفعل الدولية المستنكرة لقرار المحكمة ومن خلال ردود المعارضة التي استثمرت القضية وتحوطت لإنفاذ قرار الإقصاء بحشد أنصارها أمام بلدية إسطنبول، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو وميرا أكشنار زعيمة حزب "الجيد". وهذا بالإضافة إلى أن الحكم قد صدر وسط تباين آراء المعارضة حول مرشحهم في مواجهة أردوغان، وهو ما يعني تعميق قرار المحكمة الخلاف بينهم رغم بروز اسم أكرم إمام أوغلو المدعوم من طرف الأحزاب الكردية التي رجّحت كفة المعارضة في إسطنبول وأنقرة على مرشحي حزب العدالة والتنمية سنة 2019.
ومع أن أكرم إمام أوغلو أكثر شعبية من زعيم حزبه (حزب الشعب الجمهوري) كمال كلتشدار أوغلو إلا أن الأخير قد أبدى رغبته بالترشح للانتخابات، ولم يعقب على حكم المحكمة بما يعبر عن دعمه لترشح أكرم إمام بل اكتفى بمهاجمة أردوغان بقوله: "أريد ان يعرف الجميع جيدًا أن الانقلابيين، في هذا البلد هو القصر الآن. والخطر هو القصر أيضًا. هذه هي الطريقة التي سيتم التعامل بها معهم". فيما قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري إنهم لم يحسموا شخصية المرشح في المقام الأول، وهو ما ينطوي على رغبة في ترشح رئيس الحزب الذي طلب منه جفري فليك السفير الأميركي في أنقرة عدم الترشح وأخبره (بحسب صحيفة تركيا هابر في ٩ حزيران/يونيو) أنه "كعلوي سيكون من الصعب عليك النجاح في الانتخابات الرئاسية، وعليك تأمين الطريق لترشح أكرم إمام أوغلو".
وبالتالي إذا نجح أردوغان بإقصاء أكرم إمام ليس من طريقه فحسب، بل ومن طريق منافسه كلتشدار أوغلو فإن من شأنه أن يبعثر أوراق أميركا والمعارضة التي يتحفظ بعضها على كلتشدار أوغلو، ومن شأنه أيضًا أن يُعمق الخلاف في صفوفها ويصب في مصلحة أردوغان، ومن ثم يتفادى أردوغان مواجهة خصمٍ قويٍّ وتهديدٍ كبيرٍ كأكرم إمام في الانتخابات الرئاسية. وكل ذلك يعتبر قرائن على تدبير أردوغان لمحاكمة أكرم إمام أوغلو في هذا التوقيت بالذات.
وفي خضم ذلك علق أكرم إمام على الحكم قائلًا: إن "نضالنا سيبدأ الآن، فلا يمكن لحفنة من الناس أن تسلب سلطة منحها الشعب"، وهو ما يعني إصراره على الترشح، وإرساله رسالة لأميركا وللمعارضة بعدم التراجع أو إسقاطه كخيار انتخابي أو التخلي عنه؛ إذ إن الحكم الصادر بحقه ليس قطعيًا؛ وله حق الاعتراض والاستئناف على القرار وفق القانون؛ ذلك أن أحزاب المعارضة لا تزال في طور التشاور والنزاع أحيانًا بشأن مرشحها الرئاسي في انتخابات حزيران/يونيو المقبل. بينما حاول كمال كلتشدار أوغلو كسب تأييد أميركا لترشحه من خلال تعيين الخبير الأميركي جيريمي ريفكين، الذي عمل مستشارًا لأنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البرتغالي خوسيه سقراط، ورئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانشا مستشارًا اقتصاديًّا له بعد زيارته للولايات المتحدة مؤخرًا؛ أي أنه منح أميركا الإشراف المباشر على أجندتها في تركيا لقاء قبولها به من بين مرشحي المعارضة المستمرين في التفاوض.
وما يمكن قراءته في هذا النزاع أن الحكم الذي صدر في حق أكرم إمام أوغلو المنافس القوي لأردوغان، والذي تم التخطيط له بصورة تُلجئ المعارضة للهروب إلى الأمام، وتجعل أكرم إمام أوغلو خيارًا ليس وحيدًا لخوض الانتخابات وهو ما يصبو إليه أردوغان إنما هو محاولة من قِبل الأخير لإقصاء أكرم إمام أوغلو الأكثر أهلية للانتخابات الرئاسية من بين مرشحي المعارضة، وإلجاء خصومه لخوض الانتخابات بعدد من المرشحين وبعثرة أصوات قواعدهم الانتخابية، أو يُلجئهم إلى التوافق على مرشح أضعف شعبية من أكرم إمام أوغلو، وبخاصة وأن فشل هذا الأخير في إدارة شؤون بلدية اسطنبول يُعدّ من دواعي العدول عن ترشيحه في ظل عدم إجماع المعارضة على مرشح بعينه حتى اللحظة.
هذا وقد جاء القرار أيضًا في مناخ إقليمي مناسب لأردوغان ومن ذلك سعيه لتهدئة العلاقات مع الإمارات الداعمة لخصومه، ومع السعودية ومصر وسوريا وإسرائيل، وجاء في ظل أجواء دولية محتقنة ومحتاجة لدور أردوغان وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية التي تمثل بمعية التحدي الصيني أولوية في السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وهو ما يوفر لأردوغان فرصة توجيه الانتخابات المقبلة لصالحه، علمًا بأن ذلك كله لن يمنع أميركا من مواصلة الضغط على أردوغان ومحاولة إسقاطه وإعادة تركيا إلى مدارها ودورها الوظيفي بوسائل مختلفة.
وكل ما تقدم يُفسر الصراع على السلطة وحمّى الانتخابات المقبلة التي تحظى بأهمية بالغة في الداخل التركي والعلاقات الخارجية، وبخاصة وأن إسقاط أردوغان واستعادة تركيا إلى التبعية الأميركية هو هدف طالما سعت الولايات المتحدة لتحقيقه عبر إضعاف حزبه وكسر احتكاره للخطاب المحافظ عن طريق عبدالله غول وأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان، وعبر أدواتها في المعارضة التركية التي اتهمها وزير الداخلية سليمان صويلو مؤخرًا بالعميلة للخارج، سيما وأن قادتها قد التقوا بالسفير الأميركي جفري فليك للتنسيق بشأن مواجهة أردوغان في الانتخابات.
كما سعت الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف أيضًا عبر وسائل الضغط الاقتصادي والانقلاب الفاشل، وعبر تفجيرات إسطنبول الأخيرة على يد حزب العمال الكردستاني لنشر الخوف بين الأتراك وإظهار الحكومة عاجزة عن حماية الشعب. مع محاولة أميركا جذب أردوغان واحتواءه عن طريق الأنظمة العميلة في السعودية والإمارات ومصر، ومن خلال الإغراءات الاقتصادية في ليبيا وغاز شرق المتوسط، وغض الطرف عن التجارة التركية مع روسيا رغم العقوبات.
28/جمادى الأولى/1444هـ
22/12/2022م