المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية الإضرابات في الأردن



Abu Taqi
16-12-2022, 10:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة سياسية
الإضرابات في الأردن

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قررت لجنة تسعير المشتقات النفطية في الأردن، رفع سعر لتر الديزل 35 فلسًا؛ ليصل إلى 895 فلسًا، في ثالث أو رابع رفع لأسعار المحروقات أعلن عنه من قبل وزير الداخلية، والذي قال: (إن هناك على الأقل 4 رفعات على أسعار الوقود خلال الأشهر المقبلة، وإن الحكومة لن تستطيع الاستمرار بسياسة تثبيت أسعار المحروقات وإن قدرة المواطن على تحمل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية حاليا أكثر من قدرته على تحمل عدم رفعها مستقبلًا). ورغم القبضة الأمنية الصارمة وكتم الأنفاس، خرجت مجاميع غفيرة من الناس بمظاهرات احتجاجية على رفع أسعار المحروقات، والتي انعكس ارتفاعها على كافة السلع والخدمات كقطاع النقل الذي بدأ حركة الاحتجاج منذ 10 أيام بإضراب أصحاب الشاحنات وأصحاب المركبات العمومية، واتسع بعدها لمظاهرات شعبية في عدة مدن أردنية وبخاصة في مدينة معان.
لقد دأبت الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ عقود على التحايل على الشعب عبر وعود كاذبة بتحسين مستوى معيشته وإنهاء معاناته وأوضاعه الصعبة، بل ويَعدون أهل الأردن بالقضاء على الفقر والبطالة والفساد والاحتكار والترهل والمحسوبية، ويربطون بين الضرائب التي يفرضونها والأموال التي يجبونها بغير وجه حق بهذه الوعود ولكن دون جدوى. وتمر الأيام والأشهر والسنوات، وتزداد المعاناة وتتعمق، ويستشري الفساد ويتمدد، حتى بتنا نسمع عن رواتب فاحشة تصرف لمن يُسموْن بأبناء الذوات، بينما يعطى العامل في الحكومة الحد الأدنى من الأجور، والتي لا تزوج شابًا، ولا تفتح بيتًا، ولا تسد رمقًا ولا تُسعف مريضًا. وبات إهدار المال العام في شراء السيارات الفارهة والتوظيف الترفيهي والابتزاز اللاأخلاقي الرخيص والمحسوبية والحاشية من خدم وحشم حديث الناس في مجالسهم، بينما وصل حال بعض الأسر إلى البحث عن لقمة عيشهم في حاويات القمامة!
لقد انكشف المستور، وانفضح المخبور، ولم يعد ينطلي على الناس ألاعيب هذه الحكومات المارقة التي استعبدت الشعب وعاثت في البلاد فسادًا وملأتها ظلمًا وجورًا بشكل ممنهج لتفكيك المجتمع وتعميق الفردية وتسهيل السيطرة على الشعب. وقد آن الآوان ليدرك الناس أن رعاية الشؤون لا يؤتمن عليها لص، ولا تسند لمجرم خسيس، بل تسند إلى أهلها، من الأطهار القادرين على قيادة السفينة إلى بر الأمان، الذين يحكمون بشريعة ربهم، ولا يخافون إلا الله. ولا يجعلون للكفار عليهم سبيلًا، سواء أكانت رأس الكفر أميركا، أم ربيبتها إسرائيل، أم أدوات النظام الدولي في السيطرة على الأمم والشعوب؛ صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن المسؤول عن هذا التردي الذي وصل إليه الاقتصاد في الأردن، ليس الناس، الذين نهبت الحكومات جيوبهم لتسديد فواتير ترف المسؤولين وبذخهم. فأهل الأردن وعلى مدار عقود، يدفعون من جيوبهم، أعلى الضرائب، وأعلى الأسعار على السلع والخدمات التي من واجب الدولة تأمينها بما لا يرهق كاهل الشعب.
فالمسؤول عن هذا التردي هي الدولة التي لوّح رئيس وزرائها بالقوة والبلطجة وتبجح بالقول: إنه "لا يملك ترف دعم المحروقات"، رغم أن الخبراء كشفوا عبر وسائل الإعلام أن المشتقات النفطية لا تحظى بأي دعم، بل تتعدى عائداتها الأربع مليارات دينار أردني سنويًّا، ولا تدخل في خزينة الدولة ولا أحد يعرف مصيرها بحسب قولهم. فمن الذي بدَّد ثروات البلد، وباع مؤسسات الدولة ومصادر دخلها وأغرقها بالديون ورهن مصيرها بيد أعدائها عن سبق إصرار وترصد، ودمر الاقتصاد بوصفات صندوق النقد الدولي، التي ما أتت على بلد إلا جعلته كالرميم؟!
لقد ابتلي أهل الأردن بوسط سياسي جشع وخائن، لا وظيفة له سوى الإثراء على حساب الشعب لقاء تنفيذ إملاءات الخارج، والتي مآلها تركيع الشعب للأجندة الليبرالية القذرة والحلول الاستسلامية بشأن قضية فلسطين. ولا يخفى أن الحكومة تنفذ هذه الإملاءات الخبيثة، والتي ظهرت في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وفي التحالفات الإقليمية والمشاريع الاقتصادية مع الكيان الصهيوني وفي تغيير المناهج الدراسية ولبرلتها، وإقامة الحفلات الماجنة، وكل ذلك تحت حماية القواعد الأميركية المنتشرة في طول البلاد وعرضها والتي بلغ قوامها ما يربو على 25 ألف جندي أميركي بحسب التسريبات.
إن مصيبة أهل الأردن الأكبر تكمن فيمن يسمون بالمعارضة التي لا تقدم سوى وصلات الردح والدعوة إلى الفزعات والمسيرات المحدودة التي لا تُنتج إلا تُفريغ احتقان الشعب وزيادة يأسه وبؤسه. وهذا علاوة على أن الفلسفة التي تقوم عليها المعارضة هي من نفس قماشة الدولة ونظامها العلماني العفن، وهي بهذه الصفات إنما تُثبّت النظام ولا تخلعه؛ فلا رهان عليها ولا يرتجى منها خيرًا.
وأما الخلاص المؤكد فإنما يكمن في الشعب، وعلى الشعب أن يقلع شوكه بيده بدءًا بمن فرضوا وصايتهم عليه من الشيوخ والوجهاء والأحزاب الذين اتخذوا الشعب مطية لمصالحهم الضيقة. وإذا كان ولا بد من هبة شعبية فيجب أن تقوم على أساس الشرع وإلا فهي كفاح رخيص، ولا بد أن تكون زلزالًا يُطيح بقوى الظلم والفساد، ويؤسس لاستقلال القرار ويرد للأمة سلطانها لتُنيب عنها من يرعى شؤونها بكتاب ربها وسنة نبيه. فليس ثمة ما يُخرج أهل الأردن من الدائرة المفرغة ولعبة النظام في تبديل الوجوه وتفريغ الاحتقان، ومن لعبة المعارضة في المزايدة على الحكومة والجعجعة بلا طحين، سوى التغيير على أساس الإسلام، والتغيير هو واجب الشعب كله، لا يستثنى منه العاملون في الدولة بكافة مؤسساتها.
ولا بد أن يدرك أهل الأردن أن الحلول السياسية التي تتبعها الدولة في الأزمات نحو التضحية بالحكومة أو التراجع عن قرار رفع الأسعار أخطر على مصالح الشعب من الحلول الأمنية؛ ذلك أن الحلول الأمنية تزيد الاحتقان بخلاف الحلول السياسية التي تُنوّم الشعب وتضعف مناعته ضد فساد الحكم وعصابته. كما أن فساد النظام لا يكمن بالمجرمين والفاسدين بمن فيهم مجلس النواب المتواطئ مع الحكومة وحسب، بل يكمن بالمنظومة السياسية التي سوغت ظلم العباد وبيع البلاد وتمليك مقدراتها للأجنبي ورهن مصير الشعب بيده.
وعليه، فإن على أهل الأردن في هذه النازلة أن يرفضوا تخفيض أسعار المحروقات، أو تغيير الوزارة فقط؛ لأن هذه الإجراءات المتوقعة ليست إلا شكليات وتخدير والتفاف على المشكلة واختزال لها. والواجب هو أن يصنع الناس قيادتهم، ويتوجهوا إلى الخيّرين فيهم، ويُمْلون عليهم مطالبهم، ويوفرون لهم الحماية ويردعون الدولة عن البطش بهم. ولا سبيل لرفع الظلم ولجم الفساد إلا بإيجاد الوسط السياسي النظيف من أبناء الشعب الأنقياء، واستبدال الشريعة بالقوانين الوضيعة التي أهلكت الحرث والنسل ومكّنت للفاسدين والظالمين والجواسيس ولم تحقق إلا مصالح الغرب وأذنابه العملاء.
وليعلموا أن الاصطدام بقوى الأمن، أو استعمال السلاح، ضد هذه القوى، هو ما يريده أعداء هذه الأمة لضرب بعضها ببعض. وأهل الأردن أكثر وعيًّا على هذه الأساليب الخبيثة، فأي دم يراق هو دم مسلم معصوم، لا يجوز لمسلم سفكه. وليحذر المعتصمون والمضربون من أن يستدرجوا إلى مثل هذه الأعمال، أو أن يندس من بينهم من يوجه سلاحًا لمسلم أو يقتل شرطيًّا؛ ويعطي المبرر للانزلاق بالبلد وأهله إلى فتنة لا يعلم نتائجها إلا الله.
وعلى المسؤولين عن هذا الخراب والدمار إن كانوا يريدون النجاة من عذاب الله ومن نقمة الشعب، أن يحذروا أولًا وقبل كل شيء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم من وَلِيَ من أمرِ أمتي شيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفَق بهم فارفُقْ به". وإن كان فيهم بقية من خير أو حياء فعليهم أن ينحازوا لدينهم وأهلهم لا إلى مناصبهم وامتيازاتهم وسلامتهم، فالرزق والأجل بيد الله. وإن لم يفعلوا فليتخلوا عن مهامهم ومناصبهم، وينسحبوا من المشهد بدل أن يكونوا سوطًا بيد الجلاد يبيعون دينهم بدنيا غيرهم. وعليهم قبل ذلك وإبراءً للذمة مع الله والشعب أن يتيحوا المجال للمحتجين الشرفاء بأن يقولوا كلمتهم ويصححوا الأوضاع بدل أن يكونوا أدواتٍ للبغي وأعوانًا للظالمين والفاسدين وعائقًا في طريق العاملين للتغيير أو سيفًا على رقابهم.
وعلى الأجهزة الأمنية أن يتقوا الله بهذا البلد وأبنائه، وأن يفكوا الأغلال عن الشعب المقهور، ويخلّوا بينه وبين الانعتاق والنهوض ومحاسبة الفاسدين والظالمين، وأن يُشاركوا في إعادة السلطان للأمة؛ لكي تختار من يقودها ويحكمها بشريعة ربها، وأن يكونوا حراسًا للعقيدة وقضايا الناس وأمنهم ومصالحهم بدل أن يبطشوا بهم ويروّعوهم، وهذه هي "العقيدة الأمنية" التي تبرؤهم يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وإن رجاء أهل الأردن برجالهم الشرفاء في كل موقع حكومي مؤثر وفي كل موقع شعبي وازنٍ أن يتخذوا موقفًا حازمًا ينقذ هذا البلد وأهله من الفاسدين وأرباب السوابق السياسية الإجرامية ومن سطوة الطاغوت الرأسمالي المتجبّر. وليعلموا أنه بإعلائهم الولاء للنفس والمال والسلطان على الولاء لملك الملوك إنما يكونون قد {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىظ° وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ غڑ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}.
ï´؟قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىظ° يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ غ— وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَï´¾
22/جمادى الأولى/1444هـ
16/12/2022م