Abu Taqi
16-12-2022, 10:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
زيارة الرئيس الصيني للسعودية ولقاؤه بقادة دول الخليج والدول العربية
وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة السعودية، الرياض، يوم الأربعاء 7 كانون أول/ديسمبر في زيارة تستمر ثلاثة أيام. ورغم تسريب صحيفة الجارديان اللندنية في آب/أغسطس الماضي عزم الرئيس الصيني على زيارة السعودية في لجة التوتر مع الولايات المتحدة وأزمة تايوان التي استغلها الرئيسين الصيني والأميركي في تعزيز أوضاعهما الداخلية، إلا أنها أُجِّلَت لحين تثبيت الرئيس الصيني نهجه في مؤتمر الحزب الشيوعي، واجتياز الرئيس بايدن للانتخابات النصفية، وجاءت بعد قمة الدول العشرين، وفي ظل تأكيد الدولتين على مواقفهما التنافسية. كما جاءت الزيارة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الصينية التي حاولت أميركا تضخيمها وتوفير الحماية لها، والتي عالجها الزعيم الصيني بعدوله عن مواجهتها بالقبضة الأمنية، ونجح في امتصاصها عبر تخفيف القيود المتعلقة بسياسة "كوفيد-زيرو".
وجاءت الزيارة أيضًا في ظل تفعيل قرار الاتحاد الأوروبي حظر التعامل مع النفط الروسي بما يشمل منع الشركات الأوروبية من شراء ونقل وتمويل وتأمين شحنات النفط الروسي عالميًّا، وهو ما يعني حصارًا نفطيًّا على روسيا، وتقليص اعتماد الصين عليها في مجال الطاقة؛ حيث إن الشركات الأوروبية تسيطر على ٨٥٪ من سوق النقل البحري والتمويل والتأمين. وهو ما يزيد من حاجة أوروبا والصين للطاقة الخليجية، لا سيما وسط معاناة الأوروبيين من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن والطاقة، وفي هذا السياق تعمل الولايات المتحدة على لفت أنظار الشعب الألماني خصوصًا عن إسقاطات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد الألماني من خلال محاولة الانقلاب المزعومة لحركة الرايخ.
وأما بشأن الصين فتندرج زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية واجتماعه بزعماء دول مجلس التعاون الخليجي بمباركة أميركية في إطار تأمين الموارد النفطية؛ أي في إطار اقتصادي وحسب. وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الصيني إبراز زيارته للمنطقة ضمن مساعيه لبناء علاقات دولية تمنح الصين مكانة ندية للولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه الخارجية الصينية بوصفها زيارة الرئيس الصيني للسعودية بأنها "أكبر نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي" منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلا أن أميركا قد استغلت زيارته لإظهار الصين خطرًا وشيكًا على الغرب ومصالحه بغية اقتياد أوروبا نحو سياساتها الدولية حيال الصين وروسيا، وفي هذا السياق صرَّح جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين "ندرك أن الصين تحاول بسط نفوذها حول العالم". وهذا بالإضافة إلى تصريح بايدن أثناء اجتماعه بقادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق، وقوله لن نترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران؛ ولذلك جرى الترويج لهذه الزيارة على نطاق واسع، ومُنح الرئيس الصيني منصة مشابهة لتلك التي منحتها السعودية ودول الخليج والدول العربية لبايدن في زيارته للسعودية والخليج في صيف هذا العام.
ومن جهة أخرى تحاول أميركا خداع أهل المنطقة وكثير من الدول بإظهار ابن سلمان مستقلًا، وإيهام الشعب أنه مهم للعديد من القوى العالمية، من خلال رفضه تخفيض أسعار النفط قبل شهرين، ومن خلال إعلانه أن القمة السعودية الصينية تؤسس "لمرحلة تاريخية جديدة في التعاون الخليجي الصيني"؛ وذلك لتمكينه من اتخاذ مزيد من الإجراءات الليبرالية، وكسر المحرمات والانضمام إلى قطيع التحالف والتطبيع مع الكيان الصهيوني. ومما لا شك فيه أن أميركا قد أوعزت لابن سلمان لاستقبال الرئيس الصيني وإبرام الصفقات البترولية معه، وذلك بهدف تقليص اعتماد الصين على روسيا وتعميق التنافس الروسي السعودي والإيراني في أسواق الطاقة الآسيوية، حيث إن السعودية تواجه منافسة شديدة لمكانتها كأكبر مُصدِّر نفط للصين (1.8 م برميل يوميًّا) مقارنة بروسيا (1.7م برميل يوميًّا) وهو ما يعادل ١٥٪ من مجموع صادرات السعودية النفطية للعالم، وبخاصة عقب غزو روسيا لأوكرانيا وبيعها النفط بأسعار مخفضة للصين. وهذا بالإضافة إلى أن إشعال التنافس السعودي الإيراني على سوق الصين من شأنه إبقاء إيران، التي حاولت التخلي عن الدولار في مبيعات النفط قبل سنوات، تحت سيطرة "سياسة البترودولار". ولا شك أن هذه السياسة تفرض على اقتصادات الدول الارتكاز على الطاقة وتحول دون انعتاقها، بل وتحول دون تحرر العالم من ربقة النظام المالي العالمي المرتبط بالدولار.
وأما ما يخص التعامل باليوان الصيني فإنه لا يهدد "سياسة البترودولار" على مدى العقد القادم على الأقل؛ حيث أن حجم التعاملات اليومية بالدولار في التجارة العالمية يفوق ١٠٠ ضعف قيمة الصادرات السعودية للصين، كما أن الحديث عن التعامل السعودي الصيني باليوان يخدم مساعي أميركا نحو تطبيق ذات السياسة التي نفذها ريجان في ثمانينات القرن الماضي على الين الياباني، والتي فرضت على بنك اليابان والحكومة آنذاك تطبيق قوانين ومعايير التعامل المالي الدولي وسياسات السوق لتعيين أسعار الصرف؛ وهو ما يؤدي لا محالة لارتفاع سعر صرف اليوان ويؤثر على الصادرات الصينية في ظل التوجه الأميركي لتقليص الاعتماد العالمي على سلاسل التوريد الصينية. ذلك أن الشركات الأميركية قد انتفعت من الصادرات الصينية في المرحلة السابقة، غير أن سياسات الصين التي بدأت تعطي الأولوية لشركاتها على حساب الشركات الأجنبية بالإضافة إلى ولوج الصين إلى الصناعات الرقمية والتكنولوجيا والاتصالات باتت تهدد منافع الشركات الأميركية، وبالتالي فإن حماية الحكومة الصينية لشركاتها، ووقوف الرئيس الصيني والحزب الشيوعي عائقًا أمام الجشع الأميركي، ومنع أميركا من الاستيلاء على شركاتها الكبرى مثلما استولت على الشركات الفرنسية المنافسة أو حطمتها كشركة (Alstom) المنافسة لشركة جنرال موتورز، كل ذلك كان السبب الرئيس في النزاع الأميركي الصيني، بالإضافة إلى أن الصين تمتلك قدرات تجعل منها تحديًّا هو الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة كما ذكر رئيس هيئة الأركان الأميركي، وكما ذكر أمين عام حلف شمال الأطلسي بقوله: يجب أن تكون أعيننا واضحة بشأن التحديات الخطيرة التي تمثلها الصين. وكون الصين تمثل تحديًّا للولايات المتحدة فإنه لا يعني منافستها لأميركا على الموقف الدولي، وإنما يعني قدرتها على التأثير على سياسات الولايات المتحدة من خلال جذب الدول بالإغراءات المالية والقروض والتكنولوجيا، ومن خلال الاستثمارات في البنى التحتية والمشاريع، وليس من خلال المبادئ التي يفتقر إليها النظام الصيني. ويعني أيضًا عزم الصين على التعامل بحزم فيما يتعلق بمصالحها الجيو-اقتصادية، وهو ما جاء في بيان الصين في الرد على تصريح أمين عام حلف الناتو حيث قال: "عندما يتعلق الأمر بالأفعال التي تقوض مصالح الصين، فسنقوم بردود حازمة وقوية".
وأما على صعيد مزاحمة الصين للولايات المتحدة على الموقف الدولي ورؤيتها لعالم متعدد الأقطاب فهي مجرد رغائب ومطالب وليست خططًا واستراتيجياتٍ، فقد صرَّح وانغ يانغ، نائب رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) وأحد أرفع المسؤولين السياسيين الصينيين في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي الأميركي الصيني المشترك في شيكاغو نهاية العام 2016 أن من تقود العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، وأن الصين لديها فهم واضح لذلك، وأنه ليس لديها أي أفكار أو قدرات لتحدي الدور القيادي للولايات المتحدة.
وأما أهداف الرئيس الصيني من الزيارة فإنه يدرك مخاطر الاعتماد على بوتين وروسيا كمصدر رئيس للطاقة، ولذلك سعى مبكرًا للتوقيع على اتفاق مع إيران من شأنه أن يمنح الصين استثمارات في مجالات النفط والغاز الإيرانيين، إلا أن العقوبات الأميركية على إيران عطلته في مهده، ووجهت خيار الصين نحو السعودية ودول الخليج الخاضعة للاحتلال الأميركي ونفوذه. وعليه فإنه من خلال هذه الزيارة تكون أميركا قد صاغت علاقة الصين بدول المنطقة في إطار سياسة "احتواء الصين"، وإخضاعها بالقوتين الصلبة عبر الاستفزازات والأحلاف (كواد وأوكوس) والناعمة عبر المصالح الاقتصادية، وفي إطار تحرير الصين عبر السعودية من ورقة ضغط الطاقة التي توفر لبوتين التأثير على الصين، وفي إطار تصوير الصين كخطر على المصالح الأوروبية لتأكيد أهمية حلف شمال الأطلسي في مواجهة التحديات الدولية وزيادة مبيعات الأسلحة لأعضائه وإرغام أوروبا على تحمل كلفة حماية المنطقة.
وبناءً على ما تقدم فإن كافة التحليلات السياسية التي ذهبت إلى أن ثمة انسحاب لأميركا وفراغ في المنطقة، وأن الصين تتمدد في شقوق العلاقة الأميركية السعودية وتحاول ملء الفراغ، وأن ثمة اختلالًا في ميزان القوى الدولية وانبعاثًا لنظام عالمي جديد، إنما هو وهم وتنجيم وقراءة رغائبية. والحقيقة أن أميركا لا تزال تتسنم موقع الدولة الأولى في العالم رغم ما يعتري سياساتها من نجاح وفشل في "إدارة الأزمات"، وأن دول الخليج قاطبة وبخاصة المملكة السعودية غارقة في أوحال العمالة والتبعية للولايات المتحدة، ولا يمكن أن ينعتق أهل المنطقة إلا بالعمل المتواصل والدؤوب لاستعادة سلطانهم وإقامة دولتهم على أنقاض عروش العملاء وحراس المصالح الغربية.
17/جمادى الأولى/1444هـ
11/12/2022م
متابعة سياسية
زيارة الرئيس الصيني للسعودية ولقاؤه بقادة دول الخليج والدول العربية
وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة السعودية، الرياض، يوم الأربعاء 7 كانون أول/ديسمبر في زيارة تستمر ثلاثة أيام. ورغم تسريب صحيفة الجارديان اللندنية في آب/أغسطس الماضي عزم الرئيس الصيني على زيارة السعودية في لجة التوتر مع الولايات المتحدة وأزمة تايوان التي استغلها الرئيسين الصيني والأميركي في تعزيز أوضاعهما الداخلية، إلا أنها أُجِّلَت لحين تثبيت الرئيس الصيني نهجه في مؤتمر الحزب الشيوعي، واجتياز الرئيس بايدن للانتخابات النصفية، وجاءت بعد قمة الدول العشرين، وفي ظل تأكيد الدولتين على مواقفهما التنافسية. كما جاءت الزيارة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الصينية التي حاولت أميركا تضخيمها وتوفير الحماية لها، والتي عالجها الزعيم الصيني بعدوله عن مواجهتها بالقبضة الأمنية، ونجح في امتصاصها عبر تخفيف القيود المتعلقة بسياسة "كوفيد-زيرو".
وجاءت الزيارة أيضًا في ظل تفعيل قرار الاتحاد الأوروبي حظر التعامل مع النفط الروسي بما يشمل منع الشركات الأوروبية من شراء ونقل وتمويل وتأمين شحنات النفط الروسي عالميًّا، وهو ما يعني حصارًا نفطيًّا على روسيا، وتقليص اعتماد الصين عليها في مجال الطاقة؛ حيث إن الشركات الأوروبية تسيطر على ٨٥٪ من سوق النقل البحري والتمويل والتأمين. وهو ما يزيد من حاجة أوروبا والصين للطاقة الخليجية، لا سيما وسط معاناة الأوروبيين من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن والطاقة، وفي هذا السياق تعمل الولايات المتحدة على لفت أنظار الشعب الألماني خصوصًا عن إسقاطات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد الألماني من خلال محاولة الانقلاب المزعومة لحركة الرايخ.
وأما بشأن الصين فتندرج زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية واجتماعه بزعماء دول مجلس التعاون الخليجي بمباركة أميركية في إطار تأمين الموارد النفطية؛ أي في إطار اقتصادي وحسب. وفي الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الصيني إبراز زيارته للمنطقة ضمن مساعيه لبناء علاقات دولية تمنح الصين مكانة ندية للولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه الخارجية الصينية بوصفها زيارة الرئيس الصيني للسعودية بأنها "أكبر نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي" منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلا أن أميركا قد استغلت زيارته لإظهار الصين خطرًا وشيكًا على الغرب ومصالحه بغية اقتياد أوروبا نحو سياساتها الدولية حيال الصين وروسيا، وفي هذا السياق صرَّح جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين "ندرك أن الصين تحاول بسط نفوذها حول العالم". وهذا بالإضافة إلى تصريح بايدن أثناء اجتماعه بقادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق، وقوله لن نترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران؛ ولذلك جرى الترويج لهذه الزيارة على نطاق واسع، ومُنح الرئيس الصيني منصة مشابهة لتلك التي منحتها السعودية ودول الخليج والدول العربية لبايدن في زيارته للسعودية والخليج في صيف هذا العام.
ومن جهة أخرى تحاول أميركا خداع أهل المنطقة وكثير من الدول بإظهار ابن سلمان مستقلًا، وإيهام الشعب أنه مهم للعديد من القوى العالمية، من خلال رفضه تخفيض أسعار النفط قبل شهرين، ومن خلال إعلانه أن القمة السعودية الصينية تؤسس "لمرحلة تاريخية جديدة في التعاون الخليجي الصيني"؛ وذلك لتمكينه من اتخاذ مزيد من الإجراءات الليبرالية، وكسر المحرمات والانضمام إلى قطيع التحالف والتطبيع مع الكيان الصهيوني. ومما لا شك فيه أن أميركا قد أوعزت لابن سلمان لاستقبال الرئيس الصيني وإبرام الصفقات البترولية معه، وذلك بهدف تقليص اعتماد الصين على روسيا وتعميق التنافس الروسي السعودي والإيراني في أسواق الطاقة الآسيوية، حيث إن السعودية تواجه منافسة شديدة لمكانتها كأكبر مُصدِّر نفط للصين (1.8 م برميل يوميًّا) مقارنة بروسيا (1.7م برميل يوميًّا) وهو ما يعادل ١٥٪ من مجموع صادرات السعودية النفطية للعالم، وبخاصة عقب غزو روسيا لأوكرانيا وبيعها النفط بأسعار مخفضة للصين. وهذا بالإضافة إلى أن إشعال التنافس السعودي الإيراني على سوق الصين من شأنه إبقاء إيران، التي حاولت التخلي عن الدولار في مبيعات النفط قبل سنوات، تحت سيطرة "سياسة البترودولار". ولا شك أن هذه السياسة تفرض على اقتصادات الدول الارتكاز على الطاقة وتحول دون انعتاقها، بل وتحول دون تحرر العالم من ربقة النظام المالي العالمي المرتبط بالدولار.
وأما ما يخص التعامل باليوان الصيني فإنه لا يهدد "سياسة البترودولار" على مدى العقد القادم على الأقل؛ حيث أن حجم التعاملات اليومية بالدولار في التجارة العالمية يفوق ١٠٠ ضعف قيمة الصادرات السعودية للصين، كما أن الحديث عن التعامل السعودي الصيني باليوان يخدم مساعي أميركا نحو تطبيق ذات السياسة التي نفذها ريجان في ثمانينات القرن الماضي على الين الياباني، والتي فرضت على بنك اليابان والحكومة آنذاك تطبيق قوانين ومعايير التعامل المالي الدولي وسياسات السوق لتعيين أسعار الصرف؛ وهو ما يؤدي لا محالة لارتفاع سعر صرف اليوان ويؤثر على الصادرات الصينية في ظل التوجه الأميركي لتقليص الاعتماد العالمي على سلاسل التوريد الصينية. ذلك أن الشركات الأميركية قد انتفعت من الصادرات الصينية في المرحلة السابقة، غير أن سياسات الصين التي بدأت تعطي الأولوية لشركاتها على حساب الشركات الأجنبية بالإضافة إلى ولوج الصين إلى الصناعات الرقمية والتكنولوجيا والاتصالات باتت تهدد منافع الشركات الأميركية، وبالتالي فإن حماية الحكومة الصينية لشركاتها، ووقوف الرئيس الصيني والحزب الشيوعي عائقًا أمام الجشع الأميركي، ومنع أميركا من الاستيلاء على شركاتها الكبرى مثلما استولت على الشركات الفرنسية المنافسة أو حطمتها كشركة (Alstom) المنافسة لشركة جنرال موتورز، كل ذلك كان السبب الرئيس في النزاع الأميركي الصيني، بالإضافة إلى أن الصين تمتلك قدرات تجعل منها تحديًّا هو الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة كما ذكر رئيس هيئة الأركان الأميركي، وكما ذكر أمين عام حلف شمال الأطلسي بقوله: يجب أن تكون أعيننا واضحة بشأن التحديات الخطيرة التي تمثلها الصين. وكون الصين تمثل تحديًّا للولايات المتحدة فإنه لا يعني منافستها لأميركا على الموقف الدولي، وإنما يعني قدرتها على التأثير على سياسات الولايات المتحدة من خلال جذب الدول بالإغراءات المالية والقروض والتكنولوجيا، ومن خلال الاستثمارات في البنى التحتية والمشاريع، وليس من خلال المبادئ التي يفتقر إليها النظام الصيني. ويعني أيضًا عزم الصين على التعامل بحزم فيما يتعلق بمصالحها الجيو-اقتصادية، وهو ما جاء في بيان الصين في الرد على تصريح أمين عام حلف الناتو حيث قال: "عندما يتعلق الأمر بالأفعال التي تقوض مصالح الصين، فسنقوم بردود حازمة وقوية".
وأما على صعيد مزاحمة الصين للولايات المتحدة على الموقف الدولي ورؤيتها لعالم متعدد الأقطاب فهي مجرد رغائب ومطالب وليست خططًا واستراتيجياتٍ، فقد صرَّح وانغ يانغ، نائب رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) وأحد أرفع المسؤولين السياسيين الصينيين في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي الأميركي الصيني المشترك في شيكاغو نهاية العام 2016 أن من تقود العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، وأن الصين لديها فهم واضح لذلك، وأنه ليس لديها أي أفكار أو قدرات لتحدي الدور القيادي للولايات المتحدة.
وأما أهداف الرئيس الصيني من الزيارة فإنه يدرك مخاطر الاعتماد على بوتين وروسيا كمصدر رئيس للطاقة، ولذلك سعى مبكرًا للتوقيع على اتفاق مع إيران من شأنه أن يمنح الصين استثمارات في مجالات النفط والغاز الإيرانيين، إلا أن العقوبات الأميركية على إيران عطلته في مهده، ووجهت خيار الصين نحو السعودية ودول الخليج الخاضعة للاحتلال الأميركي ونفوذه. وعليه فإنه من خلال هذه الزيارة تكون أميركا قد صاغت علاقة الصين بدول المنطقة في إطار سياسة "احتواء الصين"، وإخضاعها بالقوتين الصلبة عبر الاستفزازات والأحلاف (كواد وأوكوس) والناعمة عبر المصالح الاقتصادية، وفي إطار تحرير الصين عبر السعودية من ورقة ضغط الطاقة التي توفر لبوتين التأثير على الصين، وفي إطار تصوير الصين كخطر على المصالح الأوروبية لتأكيد أهمية حلف شمال الأطلسي في مواجهة التحديات الدولية وزيادة مبيعات الأسلحة لأعضائه وإرغام أوروبا على تحمل كلفة حماية المنطقة.
وبناءً على ما تقدم فإن كافة التحليلات السياسية التي ذهبت إلى أن ثمة انسحاب لأميركا وفراغ في المنطقة، وأن الصين تتمدد في شقوق العلاقة الأميركية السعودية وتحاول ملء الفراغ، وأن ثمة اختلالًا في ميزان القوى الدولية وانبعاثًا لنظام عالمي جديد، إنما هو وهم وتنجيم وقراءة رغائبية. والحقيقة أن أميركا لا تزال تتسنم موقع الدولة الأولى في العالم رغم ما يعتري سياساتها من نجاح وفشل في "إدارة الأزمات"، وأن دول الخليج قاطبة وبخاصة المملكة السعودية غارقة في أوحال العمالة والتبعية للولايات المتحدة، ولا يمكن أن ينعتق أهل المنطقة إلا بالعمل المتواصل والدؤوب لاستعادة سلطانهم وإقامة دولتهم على أنقاض عروش العملاء وحراس المصالح الغربية.
17/جمادى الأولى/1444هـ
11/12/2022م