Abu Taqi
03-12-2022, 11:55 AM
بسم الله الرحمن ارحيم
متابعة سياسية
العملية التركية في شمال سوريا
على إثر التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في منتصف الشهر الماضي، والذي أودى بحياة 6 أشخاص وعشرات الجرحى، شنت تركيا عملية عسكرية جوية على مناطق الأكراد في شمال سوريا والعراق. وفي حديث له عن قيام تركيا بعملية عسكرية برية قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء 29 تشرين ثاني/نوفمبر: إن العملية العسكرية "يمكن أن تكون غدًا أو الأسبوع المقبل، أو في أي لحظة، ويمكن أن تنفّذ بأشكال مختلفة، وستستمر العمليات في المستقبل كما كانت في السابق، والعمليات التركية من شأنها المحافظة على وحدة الأراضي السورية". وأضاف "على المستوى الدولي؛ يقول الأميركيون إنهم غير مرتاحين، والروس كذلك أيضًا ...إلا إن هذا لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على خطواتنا التي ننوي اتخاذها، وعبّرنا لهم عن هذا بوضوح". وقال إن بلاده طالبت مرارًا بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية (القوة الأساسية في قسد) عن الحدود السورية - التركية مسافة 30 كيلو مترًا.
ومع تصاعد الحديث عن العملية البرية تحركت روسيا وأميركا وقدمتا عروضًا كبديل عنها، حيث اشترطت تركيا انسحاب ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت بواقع 30 كيلومترًا عن الحدود التركية، وقالت إنها أعطت مهلة زمنية للقبول بشروطها وإلا فسيكون البديل عملية برية.
ومن تتبع المواقف الروسية والأميركية يتبين أن لأميركا علاقة بتفجير اسطنبول، وهو ما ألمح إليه وزير الداخلية التركي برفضه قبول العزاء من السفارة الأميركية. ويهدف التفجير إلى توتير العلاقة الروسية التركية والتأثير على شعبية أردوغان الذي كشفت استطلاعات الرأي العام في الشهور الأخيرة ارتفاع شعبيته لتصل بحسب شركة جينار خلال الاستطلاع الأخير إلى 49%.
أما على صعيد استهداف العلاقة الروسية التركية وإضعاف الموقف الروسي في سوريا، فيبرز في محاولة روسيا إقناع وحدات الحماية الكردية بالانسحاب، واستغلالها للتصعيد التركي لتحقيق تقارب بين النظام التركي وبشار الأسد، ونشر الفرقة السورية الخامسة التابعة لها في مناطق (قسد) من أجل الحفاظ على نفوذها في الشمال السوري، وهو ما عرقلته (قسد) برفضها الانسحاب، والذي برز في تصريح نوروز أحمد، القائد العام لوحدات حماية المرأة التابعة لميليشيا (قسد)، حيث قالت إن قيادة (قسد) اجتمعت مع مندوبي القيادة الروسية في سوريا، وإن الروس قدموا عرضًا كان من الواضح أنه يهدف إلى "تقوية الحكومة السورية". بينما ذكرت تقارير تركية أن قائد القوات الروسية كان واضحًا مع قائد (قسد) مظلوم عبدي وأخبره أن تركيا مصرّة على القيام بعملية برية شمال سوريا، وأن موسكو غير قادرة على وقف هذه العملية من دون منح تركيا ضمانات أمنية حقيقية، إلا أن مظلوم عبدي قائد (قسد) قد عبر عن الموقف الأميركي برفض الانسحاب وعرض على الروس بدلًا من انسحاب قسد من مواقعها زيادة عدد القوات الروسية وقوات النظام ونقاطها على طول الشريط الحدودي مع تركيا، والحفاظ على وجود المؤسسات المدنية والأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية (الكردية)؛ أي أن أميركا تريد بقاء (قسد) في المنطقة، وهو ما ترفضه تركيا التي تُصر على عودة مؤسسات النظام السوري بديلًا عن "قوات سوريا الديمقراطية"، بما فيها القوات الأمنية وحرس الحدود، وبالتالي فإن من شأن الموقف المتصلب لـ(قسد) أن يستفز تركيا ويدفعها إلى القيام بهجوم بري متجاوزة روسيا التي تبدو الحلقة الأضعف في المعادلة من جراء توجيه مواردها للحرب على الجبهة الأوكرانية.
وأما الولايات المتحدة وفي ظل تعقيدات المشهد وتداخلاته، والتقاء مصالحها مع روسيا بمنع تركيا من السيطرة الميدانية على الشريط الحدودي التركي مع سوريا، وإبقائهما قسد شوكة في خاصرة تركيا، ورغم الموقف الأميركي المعلن والمطالب تركيا بإلغاء العملية العسكرية المحتملة شمال سوريا، فإنه من المحتمل أن تغض الطرف عن عملية برية محدودة كما حصل في عملية "نبع السلام"، في تشرين أول/أكتوبر 2019 من أجل أن تخلط أوراق اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، باعتبار أن روسيا هي الطرف الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في أعقاب عملية "نبع السلام"، وباعتبار أن الاتفاق قد نص على الاحتفاظ بالوضع القائم.
ومع أن تركيا لا تزال تؤكد عزمها على بناء حزام أمني على طول حدودها مع سوريا لكنها تطلق تصريحات فضفاضة بشأن العملية البرية وتوقيتها؛ ذلك أن أردوغان يعلم أن اجتياح مناطق قسد مكلف جدًا على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة أكثر من كلفته على العلاقة مع روسيا، وبخاصة وأنه مقبل على انتخابات رئاسية في الشهور القليلة القادمة، فبالقدر الذي يأمل أن يحقق فيه ضربة خاطفة ونتائج سريعة تعزز رصيده الشعبي وتردع قسد عن المغامرة بأعمالها التخريبية قبل الانتخابات، فإن تجاربه السابقة في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام التي امتدت لشهور قد تنعكس سلبًا عليه، لا سيما وأن مظلوم عبدي قائد (قسد) قد حذر بأنه في حال نفذت تركيا تهديداتها؛ "فإننا سنكون مضطرين إلى توسيع دائرة الحرب" لتشمل كامل الحدود السورية، مضيفًا: "بالنسبة إلينا، ستكون معركة وجود".
ولذلك فإن مقاربات أردوغان معقدة جدًا وقد يلجأ إلى البحث عن تسويات ينتزع فيها ما أمكنه من العروض الروسية والأميركية لتفادي التورط في حرب استنزاف تمتد إلى فترة الانتخابات وتحمل تهديدات أمنية من شأنها أن تترك بصمتها على الاقتصاد التركي وتستغلها المعارضة للتأثير على مزاج الناخبين. وليس مستبعدًا أن تحرك تركيا فصائل من (الجيش الوطني السوري) المدعوم من قبلها لمهاجمة مواقع قسد بالاتفاق مع روسيا التي يعنيها فوز أردوغان في الانتخابات المقبلة، وهو ما يضع العملية البرية المحتملة والمحدودة في خانة الدعاية الانتخابية والاستهلاك الإعلامي.
9/جمادى الأولى/1444هـ
3/12/2022م
متابعة سياسية
العملية التركية في شمال سوريا
على إثر التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في منتصف الشهر الماضي، والذي أودى بحياة 6 أشخاص وعشرات الجرحى، شنت تركيا عملية عسكرية جوية على مناطق الأكراد في شمال سوريا والعراق. وفي حديث له عن قيام تركيا بعملية عسكرية برية قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء 29 تشرين ثاني/نوفمبر: إن العملية العسكرية "يمكن أن تكون غدًا أو الأسبوع المقبل، أو في أي لحظة، ويمكن أن تنفّذ بأشكال مختلفة، وستستمر العمليات في المستقبل كما كانت في السابق، والعمليات التركية من شأنها المحافظة على وحدة الأراضي السورية". وأضاف "على المستوى الدولي؛ يقول الأميركيون إنهم غير مرتاحين، والروس كذلك أيضًا ...إلا إن هذا لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على خطواتنا التي ننوي اتخاذها، وعبّرنا لهم عن هذا بوضوح". وقال إن بلاده طالبت مرارًا بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية (القوة الأساسية في قسد) عن الحدود السورية - التركية مسافة 30 كيلو مترًا.
ومع تصاعد الحديث عن العملية البرية تحركت روسيا وأميركا وقدمتا عروضًا كبديل عنها، حيث اشترطت تركيا انسحاب ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من منبج وعين العرب (كوباني) وتل رفعت بواقع 30 كيلومترًا عن الحدود التركية، وقالت إنها أعطت مهلة زمنية للقبول بشروطها وإلا فسيكون البديل عملية برية.
ومن تتبع المواقف الروسية والأميركية يتبين أن لأميركا علاقة بتفجير اسطنبول، وهو ما ألمح إليه وزير الداخلية التركي برفضه قبول العزاء من السفارة الأميركية. ويهدف التفجير إلى توتير العلاقة الروسية التركية والتأثير على شعبية أردوغان الذي كشفت استطلاعات الرأي العام في الشهور الأخيرة ارتفاع شعبيته لتصل بحسب شركة جينار خلال الاستطلاع الأخير إلى 49%.
أما على صعيد استهداف العلاقة الروسية التركية وإضعاف الموقف الروسي في سوريا، فيبرز في محاولة روسيا إقناع وحدات الحماية الكردية بالانسحاب، واستغلالها للتصعيد التركي لتحقيق تقارب بين النظام التركي وبشار الأسد، ونشر الفرقة السورية الخامسة التابعة لها في مناطق (قسد) من أجل الحفاظ على نفوذها في الشمال السوري، وهو ما عرقلته (قسد) برفضها الانسحاب، والذي برز في تصريح نوروز أحمد، القائد العام لوحدات حماية المرأة التابعة لميليشيا (قسد)، حيث قالت إن قيادة (قسد) اجتمعت مع مندوبي القيادة الروسية في سوريا، وإن الروس قدموا عرضًا كان من الواضح أنه يهدف إلى "تقوية الحكومة السورية". بينما ذكرت تقارير تركية أن قائد القوات الروسية كان واضحًا مع قائد (قسد) مظلوم عبدي وأخبره أن تركيا مصرّة على القيام بعملية برية شمال سوريا، وأن موسكو غير قادرة على وقف هذه العملية من دون منح تركيا ضمانات أمنية حقيقية، إلا أن مظلوم عبدي قائد (قسد) قد عبر عن الموقف الأميركي برفض الانسحاب وعرض على الروس بدلًا من انسحاب قسد من مواقعها زيادة عدد القوات الروسية وقوات النظام ونقاطها على طول الشريط الحدودي مع تركيا، والحفاظ على وجود المؤسسات المدنية والأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية (الكردية)؛ أي أن أميركا تريد بقاء (قسد) في المنطقة، وهو ما ترفضه تركيا التي تُصر على عودة مؤسسات النظام السوري بديلًا عن "قوات سوريا الديمقراطية"، بما فيها القوات الأمنية وحرس الحدود، وبالتالي فإن من شأن الموقف المتصلب لـ(قسد) أن يستفز تركيا ويدفعها إلى القيام بهجوم بري متجاوزة روسيا التي تبدو الحلقة الأضعف في المعادلة من جراء توجيه مواردها للحرب على الجبهة الأوكرانية.
وأما الولايات المتحدة وفي ظل تعقيدات المشهد وتداخلاته، والتقاء مصالحها مع روسيا بمنع تركيا من السيطرة الميدانية على الشريط الحدودي التركي مع سوريا، وإبقائهما قسد شوكة في خاصرة تركيا، ورغم الموقف الأميركي المعلن والمطالب تركيا بإلغاء العملية العسكرية المحتملة شمال سوريا، فإنه من المحتمل أن تغض الطرف عن عملية برية محدودة كما حصل في عملية "نبع السلام"، في تشرين أول/أكتوبر 2019 من أجل أن تخلط أوراق اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، باعتبار أن روسيا هي الطرف الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في أعقاب عملية "نبع السلام"، وباعتبار أن الاتفاق قد نص على الاحتفاظ بالوضع القائم.
ومع أن تركيا لا تزال تؤكد عزمها على بناء حزام أمني على طول حدودها مع سوريا لكنها تطلق تصريحات فضفاضة بشأن العملية البرية وتوقيتها؛ ذلك أن أردوغان يعلم أن اجتياح مناطق قسد مكلف جدًا على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة أكثر من كلفته على العلاقة مع روسيا، وبخاصة وأنه مقبل على انتخابات رئاسية في الشهور القليلة القادمة، فبالقدر الذي يأمل أن يحقق فيه ضربة خاطفة ونتائج سريعة تعزز رصيده الشعبي وتردع قسد عن المغامرة بأعمالها التخريبية قبل الانتخابات، فإن تجاربه السابقة في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام التي امتدت لشهور قد تنعكس سلبًا عليه، لا سيما وأن مظلوم عبدي قائد (قسد) قد حذر بأنه في حال نفذت تركيا تهديداتها؛ "فإننا سنكون مضطرين إلى توسيع دائرة الحرب" لتشمل كامل الحدود السورية، مضيفًا: "بالنسبة إلينا، ستكون معركة وجود".
ولذلك فإن مقاربات أردوغان معقدة جدًا وقد يلجأ إلى البحث عن تسويات ينتزع فيها ما أمكنه من العروض الروسية والأميركية لتفادي التورط في حرب استنزاف تمتد إلى فترة الانتخابات وتحمل تهديدات أمنية من شأنها أن تترك بصمتها على الاقتصاد التركي وتستغلها المعارضة للتأثير على مزاج الناخبين. وليس مستبعدًا أن تحرك تركيا فصائل من (الجيش الوطني السوري) المدعوم من قبلها لمهاجمة مواقع قسد بالاتفاق مع روسيا التي يعنيها فوز أردوغان في الانتخابات المقبلة، وهو ما يضع العملية البرية المحتملة والمحدودة في خانة الدعاية الانتخابية والاستهلاك الإعلامي.
9/جمادى الأولى/1444هـ
3/12/2022م