المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية قمة دول العشرين في إندونيسيا



Abu Taqi
15-11-2022, 02:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة سياسية
قمة دول العشرين في إندونيسيا
تصدرت التوترات الصينية الأميركية وتداعيات الحرب الأوكرانية قمة الدول العشرين في بالي بإندونيسيا يوم الثلاثاء ١٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٢، بالإضافة إلى أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار والأمن الغذائي، والمخاوف المتعلقة بالتباطؤ الاقتصادي جرَّاء قرارات الفدرالي الأميركي وسياسة كوفيد زيرو الصينية. حيث افتتح الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو القمة بقوله "كونكم مسؤولين هنا يعني أيضًا أنه يجب علينا إنهاء الحرب. إذا لم تنته الحرب، فسيكون من الصعب على العالم المضي قدمًا". فيما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام الجلسة الافتتاحية للقمة عبر الفيديو: "أنا مقتنع بأنه حان الوقت الآن الذي يجب والذي يمكن فيه وقف الحرب الروسية المدمرة"، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الانسحاب من خيرسون والمباحثات الجارية في أنقرة بين أمنيين روس وأميركيين إنما هي إرهاصات لتجميد الأزمة الأوكرانية. وفي هذا الصدد قال الرئيس الصيني: "علينا، وبحزم، معارضة تسييس مشاكل الغذاء والطاقة وتحويلها إلى أدوات وأسلحة"، وعبر عن معارضته لسياسة العقوبات الغربية. كما أعلنت الخارجية الصينية أنها تعارض إبعاد روسيا من دول العشرين الكبار ومن منصات دولية أخرى.
وتأتي هذه القمة وسط ظروف دولية محتقنة، وفي وقت يقف فيه الرئيس الصيني والرئيس الأميركي على أرضية داخلية صلبة تمكنهما من نهج التصادم والتنافس من موقع القوة. حيث جاءت القمة في أعقاب تتويج الرئيس الصيني شي جين بينغ لفترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة في مؤتمر الحزب الشيوعي، الذي مكنه من إعادة هيكلة القيادة المستقبلية للحزب، وإقرار جملة من السياسات والتنظيمات المنبثقة من رؤية "التجديد العظيم للأمة الصينية"، والتي تم إضافتها رسميًّا إلى الدستور الصيني لتضفي مكانة مرموقة وإكبارًا وولاءً للرئيس شي جين ولنهجه بخصوص استخدام القوة لإعادة تايوان.
كما جاءت القمة في ظل تعثر الحزب الجمهوري وتقدم الحزب الديمقراطي وجَنْيِه انتصارًا غير متوقع في مجلس الشيوخ.
وجاءت القمة أيضًا في ظل حالة من الضعف والتململ الأوروبي والشعور بالإجحاف الذي تواجهه الشركات الأوروبية واليابانية من جراء القوانين والقيود الأميركية الصادرة من وزارة التجارة والخزينة، والتي تُروِّج لها الولايات المتحدة كأداة لتحجيم قدرات الصين الاقتصادية والعسكرية، ومنها قانون الحد من التضخم، والذي منح الشركات الأميركية قرابة ٣٦٩ مليار دولار من التسهيلات والاستقطاعات الضريبية، وهو ما وصفه مسؤول في المفوضية الأوروبية بأنه "خطة تهدد الصناعة الأوروبية"، مضيفًا أنه "مثال ممتاز كيف ستحل الولايات المتحدة خلال الأزمة مشاكلها أولًا ولن تظهر التضامن الأطلسي". ومن ذلك أيضًا قرار أميركا بحظر تصدير آلات تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات المتقدمة، والتي لها أبعاد على الشركات الهولندية والكورية واليابانية.
ولا يخفى أن لقاء الرئيسين الصيني والأميركي لنحو ثلاث ساعات كان الحدث الأبرز والأهم في لقاءات مجموعة العشرين؛ لارتباطه بتوتر العلاقات بين البلدين عقب زيارة بيلوسي لتايوان، وسياسة الغموض الاستراتيجي الأميركية حيال القضية التايوانية، وبسبب الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين وتصنيفها بالتحدي الأكبر للولايات المتحدة، وبسبب الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية.
ولفهم معطيات التوتر بين الدولتين اللتين تمثلان القوتين الاقتصاديتين والعسكريتين الأكبر، لابد من إدراك أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أسس السياسة الخارجية الصينية من منطلق التنافس التجاري مع الولايات المتحدة. فقد صممت الصين في عهده استراتيجية "الدوران المزدوج" الاقتصادية لتقوية السوق المحلية وتقليل التبعية للدول الأخرى.
وفي خطاب ألقاه في أواخر عام 2020، تحدث الرئيس شي جين بينغ عن استخدام التقنيات الصينية لتشديد اعتماد العالم على الصين في سلاسل التوريد. وقيام الرئيس الصيني بذلك يكون قد وضع الولايات المتحدة في موقف دفاعي بشكل لم يسبقه إليه أي زعيم صيني آخر؛ إذ عمل بشكل مستمر على مدى عشر سنوات لزيادة مكانة الصين ونفوذها الدولي، ومكنها من لعب دور أكبر في الحوكمة العالمية، وحوّل بلاده لقوة عسكرية ودبلوماسية واقتصادية منافسة، وحصّن نموذجها الهجين الذي نصت الوثيقة رقم 9، والتي ورد أنها صادرة عن المكتب المركزي للحزب الشيوعي بعد تولي شي الرئاسة، على سبعة مخاطر يجب الاحتراز منها، من ضمنها "القيم العالمية"، ومفهوم "المجتمع المدني" الخارج عن سيطرة الحزب، والحرية الصحفية. وبمقتضى ذلك قلص شي جين بينغ الحريات في هونج كونج وإقليم زنشيانغ، وطبق سياسات صناعية يعتبرها الغرب "عدوانية"؛ لأنها أعطت أفضلية لأكبر الشركات الحكومية في الصين على حساب الشركات متعددة الجنسيات، كما سن قوانين تعاقب الشركات التي تعتبر معادية للصين، وهذا بالإضافة إلى مواقفه المستقلة والمعاندة للإرادة الأميركية حيال الأزمات الدولية والتي جعلت للصين بصمة لافتة في العلاقات الدولية. وهو الأمر الذي تُعدّه الولايات المتحدة تهديدًا لمصالحها ومكانتها الدولية.
ولذلك ذكرت استراتيجية الأمن القومي الأميركي أن الصين "تمتلك النية، وبشكل متزايد، القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي لصالح نظام يحرف ميدان اللعب العالمي لصالحها". بينما شدد الرئيس بايدن مرارًا على أن أميركا "في المعركة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية"، علمًا أن أميركا لا تستهدف الصين لاعتبارات قيمية بقدر ما تستهدفها لاعتبارات جيو-اقتصادية وتقنية وسياسية. وقد ظهرت رسائل التحدي من قبل الرئيسين بايدن وشي جين قبيل لقائهما واضحة من خلال ظهور الرئيس الصيني قبل أيام قليلة باللباس العسكري، وتلويحه بالحرب فيما يخص استقلال تايوان، ومن خلال إخراجه للرئيس الصيني السابق (هو جين تاو) من مؤتمر الحزب الشيوعي على الهواء مباشرة، في إشارة واضحة إلى طي زمن الانفتاح نحو الخارج والتسامح مع الأفكار والإملاءات الغربية. بينما واصلت أميركا ضغوطها المزدوجة على الصين وأوروبا، وبخاصة على ألمانيا وفرنسا من خلال الحرب الأوكرانية، ومن خلال هندسة العلاقة الأوروبية الصينية. ففي ظل التقارب الأوروبي مع الصين ومنه الشراكة بين شركتي السيارات رينو (الفرنسية) وجيلي (الصينية) بمباركة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك شراء شركة كوسكو الصينية للملاحة البحرية لحصة كبيرة من أسهم ميناء هامبورغ بألمانيا رغم التحذيرات والانتقادات الداخلية الشديدة للمستشار الألماني، حثت المفوضية الأوروبية يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر بضغط أميركي قبيل اجتماع قمة العشرين وزيارة المستشار الألماني للصين، الدولَ الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تقليل المخاطر المرتبطة بمعدات الاتصالات الصينية في شبكات الجيل الخامس 5g، ووصفت ألمانيا على وجه الخصوص كدولة تحتاج إلى تنفيذ المبادئ التوجيهية الأمنية المشتركة للكتلة. وقالت مارجريت فيستاجر، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية المسؤولة عن القضايا الرقمية، "إننا نحث الدول الأعضاء التي لم تفرض قيودًا بعد على الموردين المعرَّضين لمخاطر عالية على القيام بذلك دون تأخير، على سبيل الاستعجال" وخصت ألمانيا تحديدًا.
وكانت الولايات المتحدة قد استغلت منذ إدارة ترمب جائحة كورونا لتغيير "المزاج العالمي" ضد الصين، وتأجيج فزع الحكومات الغربية منها بالترويج للاختراقات السيبرانية وسرقة الحقوق الفكرية، ومن خلال رفع وتيرة العمليات البحرية "لحماية الحقوق المائية" في شرق وجنوب بحر الصين ومضيق تايوان وتسليط الضوء على التطوير العسكري والعلاقة الخاصة "الشراكة بلا حدود" التي تجمع الصين مع روسيا لا سيما بعد رفض شي جين بينغ لإدانة الحرب على أوكرانيا.
وأما بشأن مخرجات القمة فيرتبط بأهداف الولايات المتحدة والتنافس التجاري والتقني مع الصين، وما يتعلق به من أنظمة وتشريعات دولية، مثل حقوق الملكية والصناعات الرقمية والمواد النادرة وسلاسل التوريد العالمية، كما يتعلق بموقف الصين من سياسة الاحتواء الأميركية، ومن ضمنها محاولة تأطير الموقف الصيني حيال روسيا واستعمال الأسلحة النووية وقضية تايوان وبحر الصين الجنوبي. وبالنظر إلى طبيعة المسائل الخلافية فمن المستبعد الاتفاق حولها، والأرجح هو استمرار التوتر وقابلية تفجر الأزمات، لا سيما وأن أقوال أميركا بخصوص القضايا العالقة شيء، وما تقوم به على أرض الواقع شيء آخر، وهذا علاوة على مواصلة الصين لمشروع الحزام والطريق وما يتعلق به من سياسات الإقراض التي تعتبرها الولايات المتحدة خدعةً ووسيلة للنفوذ، وإعلان الصين رفضها لعزل روسيا ورفضها لسياسة الإملاءات والعقوبات، وإصرارها على منع استقلال تايوان ولو بالقوة، رغم تأكيد الصين عدم سعيها لتغيير النظام الدولي.
ومن المتوقع أيضًا أن تتخذ أميركا القمة منصة لتحميل روسيا مسؤولية المعاناة الاقتصادية العالمية، وإظهارها مهزومة أخلاقيًّا وسياسيًّا بعد أن صورت انسحابها من خيرسون هزيمة عسكرية، وذلك تمهيدًا لتجميد الأزمة الأوكرانية، ومواصلة سياسة تحجيم واحتواء روسيا والصين وأوروبا في آن معًا.
20/ربيع الآخر/1444هـ
15/11/2022م