المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية مستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية



Abu Taqi
13-11-2022, 02:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
مستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية
أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني/نوفمبر بانسحاب القوات الروسية من الضفة اليمنى (الغربية) لنهر دنيبرو في خيرسون. وقال شويغو عبر التلفاز "نفّذوا انسحاب الجنود"، وجاء ذلك وسط تراجع القوات الروسية في الفترة الأخيرة ووسط مخاوف على حياة الجنود الروس وقلة الدعم والإمداد، وارتفاع الأصوات الناقدة لمسار العمليات العسكرية، وعزوف الشباب الروس عن المشاركة في الحرب.
كما جاءت عملية الانسحاب الروسي في ظل مباحثات سرية بين الولايات المتحدة وروسيا أجراها مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جيك سوليفان مع عدد من مستشاري السياسة الخارجية والأمن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأزمة كشفت عنها صحيفة "واشنطن بوست" قبل أيام. وجاء أيضًا قُبيل اجتماع قمة دول الـ 20 في إندونيسيا حيث يستعد قادة العالم لمواجهة مع فلاديمير بوتين بشأن الأزمة الأوكرانية، وعقب تذمر بعض الدول الأوروبية من مشكلة الطاقة وارتفاع أسعارها ومخاطر نقصها مع حلول فصل الشتاء، وانتقادات فرنسا وألمانيا لسياسات الولايات المتحدة التي تراعي مصالحها على حساب المصالح الأوروبية، وبخاصة بعد سن الولايات المتحدة قانون مكافحة التضخم.
وقد جاءت تلك الأحداث في ظل الانتخابات النصفية الأميركية وانتقادات الحزب الجمهوري لحجم المساعدات الضخم الذي تقدمه الإدارة الحالية لكييف، بينما لا تزال الدول الأوروبية تتباطأ بإيصال باقي مبلغ الـ 8 مليارات يورو التي التزمت بتقديمها لأوكرانيا، حيث لم يصل الأوكرانيين منها سوى 3 مليار يورو.
ومن خلال هذه المستجدات يُستشف بأن ثمة مقاربات لمسار الحرب الروسية-الأوكرانية تفيد برغبة متوارية في ثنايا التصعيد والتكتيكات الميدانية، بتجميد الأزمة وليس إنهاؤها. ويتضح ذلك أكثر في لغة الخطاب الروسي والأميركي، حيث طالب جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي أوكرانيا بـالانفتاح على الحوار السياسي مع روسيا مجددًا. وهو ما تم الإعلان عنه عقب الكشف عن المباحثات السرية بين أميركا وروسيا، وعقب زيارة سوليفان نفسه لكييف في 4 تشرين ثاني/نوفمبر 2022، واجتماعاته التي عقدها مع الرئيس زلينسكي وتناولت هذا الأمر تحديدًا. وأما الخارجية الروسية فقد ألمحت إلى قبول التفاوض مع أوكرانيا مرة أخرى، وبخاصة بعد ظهور إشارات من طرف أميركا برغبتها في إنهاء الحرب، ويبدو أن انسحاب روسيا من الضفة اليمنى لنهر دينيبرو من مدينة خيرسون، انسحابٌ تكتيكيٌّ محمّلٌ بالرسائل السياسية والعسكرية والتي على رأسها رغبة روسيا في إنهاء الحرب، والوصول إلى وضع أفضل بالتفاوض، يضمن بقاء أوكرانيا دولة محايدة. والذي يعني من ناحية جيوسياسية عدول روسيا عن احتلال المنطقة الواصلة بين القرم وإقليم الدونباس، مع حرص بوتين على الاحتفاظ بإقليم الدونباس وتفجير الجسر الذي يربط شرقي النهر بغربه لمنع نقل المؤن الأوكرانية من ضفافه الغربية إلى الوحدات التي تقود أعمال القتال على مشارف منطقة الدونباس.
ويستشف التوجه نحو تجميد الصراع أيضًا من شروط الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، الذي أسقط شرط "عدم التفاوض مع بوتين" في خطابه يوم 10 تشرين الثاني/نوفمبر استجابة لطلب بايدن.
غير أن شرط استعادة "وحدة أراضي أوكرانيا"، يعُدّ لغمًا في المفاوضات، وهو ما ألمحت إليه الباحثة ماري دومولان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بقولها إنها تجهل "في أي وقت يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي"، وما إذا كانت استعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لا تزال مطروحة. وبالتالي فإن هكذا شرط من شأنه أن يجعل الأزمة قابلة للانفجار بعد كسب الوقت واستجماع القوة من كلا الطرفين، وبعد تجاوز المحاذير المحيطة بالأزمة، لا سيما تململ الأوروبيين وتراجع حماسهم في دعم أوكرانيا، بالإضافة إلى أزمة الطاقة والتضخم الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي مع دخول فصل الشتاء.
إن عودة الحديث عن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، من خلال تجميد الصراع تمليه المعطيات آنفة الذكر، وبخاصة وأن بوتين يرغب في توقف الحرب، وعدم تمكين أوكرانيا من مواصلة هجومها واسترداد مزيد من الأراضي نتيجة استمرار دعم الولايات المتحدة والدول الغربية لأوكرانيا بالمال والسلاح؛ لما في ذلك من إثارة للتذمر في الداخل الروسي واقترابه من الدوائر المقربة من بوتين، مثل الرئيس الشيشاني قاديروف الذي اضطر تحت الضغط الشعبي للاعتراض على قرار التعبئة الجزئية، وانتقاده لمسار العمليات الحربية، واعتراف القادة العسكريين الروس بصعوبة الوضع في خيرسون دون أية قيمة استراتيجية كبرى، ومن شأن ذلك كله أن يُضعف موقف بوتين وشعبيته. وهو ما استغله القادة الأوكرانيون والغربيون وأمين عام حلف الناتو ووصفوا انسحاب القوات الروسية من خيرسون انتصارًا لأوكرانيا.
ولا يخفى أن بوتين في ضوء المعطيات المحيطة لا يمانع في تجميد الصراع لفترة الشتاء على الأقل، وشراء الوقت للحشد وتعويض النقص في الرجال والأسلحة والعتاد تحوطًا للتحديات الطارئة. كما يراهن على أن الشتاء يمكن أن يحمل أوروبا تحت ضغط النقمة الشعبية على الحفاظ على التهدئة ومنع انفجار الأزمة مجددًا، على أمل أن تخفف أميركا الضغط على أوروبا حفاظًا على التحالف واستمرار الانقياد لها، وذلك لإدراك بوتين أن تمرد أوروبا على الولايات المتحدة مستعصٍ؛ وهو الأمر الذي يُلح على بوتين بقبول التهدئة أو تجميد الصراع، وتفادي زيادة أعداد القتلى الروس، واندلاع الاحتجاجات في الشوارع الروسية على إثرها وإثر الانتكاسات الميدانية وتدهور الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية.
وأما الجانب الأميركي فيرى أن ما تحقق من نتائج يوفر فرصة لتثبيت تلك النتائج والبناء عليها والاستثمار في تجميد الأزمة، وتفجيرها عند الحاجة. فقد دعا رئيس هيئة الأركان الأميركي مايك ميلي لضرورة وقف الاستنزاف البشري واغتنام الفرصة قبل الشتاء لوضع اتفاق سلام قائلًا "لقد حان الوقت الآن لاغتنام فرصة السلام قبل حلول فصل الشتاء". مبينًا في لقاء صحفي في واشنطن أن روسيا واوكرانيا خسرتا مائة ألف قتيل عسكري لكل طرف وتكبدت أوكرانيا ٤٠ ألف قتيل مدني أيضًا.
ومن النتائج التي حققتها الولايات المتحدة في الأزمة، وقف اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة، وإيجاد بيئة أمنية جديدة تبرر انقياد أوروبا لأميركا عبر حلف شمال الأطلسي وعبر حاجة الأوروبيين للطاقة، كما وأرغمت الدول الأوروبية على رفع ميزانياتهم الدفاعية، وتحويل السويد وفنلندا عن الحياد ودفعهما إلى الانضمام للحلف، وتفعيل نشاط الناتو على حدود روسيا الشمالية الغربية لردعها، وجعل اليد العليا في بحر البلطيق لحلف الناتو والولايات المتحدة. كما أنعشت الولايات المتحدة عبر الأزمة الأوكرانية الصناعات العسكرية الأميركية من خلال صفقات السلاح مع دول أوروبا الغربية، وأسواق دول وسط وشرق أوروبا، بعدما أفرغت مخزونهم من الأسلحة السوفييتية لأوكرانيا. وهذا بالإضافة إلى زيادة صادراتها من النفط والغاز المسال وبأسعار مرتفعة، وحرمانها لروسيا من سلاح الطاقة الضاغط على الأوروبيين. حيث بلغ صافي الدخل الإجمالي لشركات النفط والغاز المدرجة في البورصة العاملة في الولايات المتحدة إلى 200.24 مليار دولار للربعين الثاني والثالث من العام؛ أي منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وعليه فإن تجميد الأزمة بعد تحقق هذه النتائج يصب في مصلحة الولايات المتحدة ويجنب إدارة بايدن ضغط الجمهوريين بعد الانتخابات النصفية، حيث أكد لندسي غراهام (جمهوري) خلال حدثٍ في جامعة ييل حضره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي افتراضيًّا استمرار الولايات المتحدة في تزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية إذا سيطر الجمهوريون على السلطة، معقبًا: "ولكن بمزيدٍ من الشروط". ومن مصلحة الولايات المتحدة أيضًا عدم إلجاء بوتين إلى خيارات مدمرة بفعل اليأس وخشيته على سمعته ومستقبله السياسي في حال أدرك أنه مقبل على الخسارة، وهو الأمر الذي قد يضع إدارة بايدن أمام خيارات صعبة، تضطره للرد والانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع روسيا والصين، وتضعف قبضة الولايات المتحدة على الموقف الدولي وبخاصة بعد تململ فرنسا وألمانيا، وظهور عناد روسي وإرادة قوية من طرف الرئيس الصيني بمواجهة التحديات الأميركية.
18/ربيع الآخر/1444هـ
13/11/2022م