المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية محاولة اغتيال عمران خان



Abu Taqi
08-11-2022, 03:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
محاولة اغتيال عمران خان
نجا رئيس الوزراء السابق عمران خان من محاولة اغتيال يوم الخميس الماضي جراء إطلاق نار أصابه في ساقه وهو يستقل شاحنة أثناء تنقله بين مدينتي لاهور والعاصمة إسلام آباد. وكان خان يشارك في مدينة وزير آباد بإقليم البنجاب في المسيرة الاحتجاجية لحزبه والمستمرة منذ 7 أيام، للمطالبة بتنظيم انتخابات عامة مبكرة. وعلى إثر ذلك اتهم حزب إنصاف رئيس الحكومة شهباز شريف ووزير الداخلية رانا ثناء الله والجنرال فيصل نصير (أحد كبار مسؤولي الاستخبارات) بالوقوف وراء محاولة الاغتيال.
وفي سياق الحدث نلفت النظر إلى أن عزل عمران خان عن رئاسة الحكومة في أبريل/نيسان الماضي كان قرارًا أميركيًّا، كشف عنه تواطؤ الجيش المرتبط بشكل وثيق بالولايات المتحدة، وموقف عملاء أميركا في الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف (pml-n)، وحزب الشعب الباكستاني (ppp)، اللذيْن شكلا جبهة معارضة ضد استمرار خان في الحكومة. كما نلفت الانتباه إلى أن ما يجري في الباكستان يندرج في إطار المصلحة الأميركية بإعادة هيكلة الوضع الباكستاني الداخلي المحتقن من جراء التردي الاقتصادي وإسفاف السلطات العسكرية والسياسية والعائلات المنحدرة من البنجاب في الفساد واحتكار السلطة.
فبعد إسقاط عمران خان وحكومته عن طريق المحكمة العليا والبرلمان تآمرت لجنة الانتخابات يوم 21 تشرين أول/أكتوبر الفائت، ومنعت خان من الترشح لأي منصب سياسي مدة خمس سنوات بدعوى عدم تصريحه بتلقي هدايا أثناء تواجده في السلطة. وإزاء هذا القرار انطلق عمران خان يوم الجمعة 28 تشرين أول/أكتوبر في مسيرة من مدينة لاهور نحو العاصمة إسلام أباد في حملة لإظهار شعبيته للولايات المتحدة، إدراكًا منه بأن الأخيرة هي المتحكم بخيوط اللعبة السياسية، وأنها تفضل الحاكم الذي يحظى بشعبية في بلده. بالإضافة إلى أن خان يهدف من المسيرات الشعبية الضغط على الحكومة والجيش لإجراء انتخابات جديدة والضغط على لجنة الانتخابات (ومن يقف وراءها) للتراجع عن قرار منعه من الترشح للانتخابات القادمة.
لقد فهمت أميركا ورجالها في الباكستان رسالة عمران خان بوضوح، واستغلت تحركاته في إعادة هيكلة الوضع الداخلي، لكنه تمادى في سلوكه الداخلي والخارجي، وهو ما تَعدُّه أميركا من المحظورات التي تُنذر بتحدي إرادتها والتجرؤ عليها في الباكستان وغيرها. ولذلك قررت معاقبته بعملية اغتيال تصب الزيت على النار وتضع القيادة السياسية والعسكرية تحت ضغط الشعب لإرغامهم على تغيير سلوكهم وإعادة تشكيل وتنظيف الهياكل الداخلية، وبخاصة وأن الفساد المُفرط للحرس القديم وتحكم الجيش في الاقتصاد لم يعد يحتمله الشعب، وبات يهدد المصالح الأميركية، كما أن أميركا تسعى من وراء إعادة هيكلة الوضع الباكستاني التأثير على الصين وعلى الجوار الهندي بردع الوسط السياسي والعسكري الهندي وضبطه.
وفي سياق تحجيم حزب إنصاف دعمت أميركا عبر الحكومة الباكستانية "حركة لبيك باكستان" التي تتخذ من مدينة لاهور في البنجاب مقرًا رئيسًا لها، وتحظى بتمثيل في الحكومة، ومن ذلك دفعها للتصدي للإساءة إلى الرسول، والقيام بدور المعارضة، وجذب الناقمين على السلطة واحتوائهم، ومنافسة عمران خان وحزب إنصاف، الذي بات يمثل ثقلًا في الحياة السياسية الباكستانية يمكّنه من تجاوز السياسات الداخلية والإملاءات الخارجية.
ورغم ردود الأفعال التي صدرت من أميركا، ومن قيادة الجيش، ومن الرئيس الباكستاني عارف علي، ومن رئيس الوزراء شهباز شريف، والتي أدانت محاولة الاغتيال بشدة، لكن الحقيقة أن هناك إرادة أميركية واضحة في ضبط عمران خان وإبعاده عن المشهد السياسي مع مجموعة من قادة حزبه، وبخاصة أنه ومنذ خلعه من الحكم وهو يوجه سهامه نحو أميركا وعملائها في الدولة بتحدٍّ غير مسبوق في الحياة السياسية الباكستانية، فضلًا عن تقاربه مع الصين ومواصلة النهج الذي أسهم في تأسيس وبناء المنطقة الاقتصادية الصينية الباكستانية، وعدد من المشاريع ودمجها بمبادرة الحزام والطريق. حيث بلغت قيمة المشاريع المنفذة وتحت التنفيذ قرابة ٥٠ مليار دولار، وهو أكبر استثمار صيني في العالم الثالث، بينما بلغت القروض الصينية للباكستان في السنوات الأخيرة زهاء 11 مليار دولار، في ظل تراجع الدعم المالي الأميركي. وهذا بالإضافة إلى تقاربه مع روسيا والذي برز من خلال امتناع الباكستان عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانتها، وإعلانه استمرار شراء القمح والبترول منها، بينما خالفه قائد الجيش الباكستاني، قمر جاويد، وأكد على أن لبلاده "تاريخ وعلاقة استراتيجية ممتازة مع أميركا"، وانتقد غزو روسيا لأوكرانيا، وذلك في إشارة منه لمركزية الجيش وأهميته للمصالح الأميركية بعدما طال النقد الأميركي للباكستان حكومة وجيشًا.
وهذا كله يفسر دواعي غضب أميركا على عمران خان ودواعي خلعه وتأديبه بقسوة. إذ سبق أن صرَّح خان أن أميركا دعمت المعارضة في مسعاها للإطاحة به بسبب قيامه بزيارة موسكو، والتقائه مع فلاديمير بوتين يوم 24 شباط/فبراير 2022. وهو ما جعل قادة الجيش الباكستاني الذين اعترضوا على زيارته لموسكو يعبرون عن امتعاضهم المتكرر من اتهامات عمران خان لهم بأنهم جزء من المؤامرة الأميركية التي أطاحت به عن طريق البرلمان.
ونتيجة لمواصلة خان المشاغبة على النظام عبر المظاهرات المستمرة وإصراره على الترشح، والضغط الشعبي لثني الحكومة والجيش عن قرار إقصائه، وبعد جلبه عشرات آلاف المؤيدين له في المسيرة التي انطلقت يوم 28 تشرين أول/أكتوبر، وزجه للشعب في السياسة وهو أمر محظور أميركيا رغم إفادتها منه في إعادة تشكيل الهياكل الداخلية، بات إيذاؤه أو تصفيته جسديًا على غرار بعض أسلافه، وتطهير حزبه من الناشزين وإبعادهم عن المشهد السياسي خيارًا مُفضلًا لدى خصومه. ذلك أن الولايات المتحدة لا تسمح للبلاد الإسلامية ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل الباكستان ومصر وأندونيسيا أن يكون للشعب فيها كلمة نافذة، ولذلك توكل التحكم بنظامها إلى الجيوش وقادتها العملاء. وهو ما اعترف به الجنرال الباكستاني حميد غول المدير العام لجهاز المخابرات المشتركة بين عامي 1987 و1989. حيث أكد على أن الولايات المتحدة لديها مدخلات خطيرة على التعيينات العسكرية العليا وأكد أن واشنطن لديها شبكات واسعة النفوذ في جميع الجوانب السياسية والأكاديمية ووسائل الإعلام والنخبة الدبلوماسية في الباكستان.
ويتضح مما تقدم أن سلوك عمران خان قد تجاوز قواعد اللعبة السياسية الداخلية والخارجية؛ إذ صرَّح يوم انطلاق المسيرة الشعبية ضد ما يسميه بـ"الحكومة المستورَدة" قائلًا: "هذه الأمة مستعدة لتقديم كل التضحيات لكنها لن تقبل باللصوص. هدف المسيرة هو أن يتخذ الشعب القرارات بنفسه". وهذا علاوة على تصريحه السابق يوم 23 أيار/مايو الماضي، حيث دعا أنصاره إلى مسيرة سلمية للضغط من أجل انتخابات جديدة، ووصف المسيرة بأنها "خطوة لحماية سيادة البلاد"، وأن "التصويت الذي أطاحه كان مؤامرة نظّمتها الولايات المتحدة".
وقد جاءت محاولة اغتياله بعد اغتيال الصحفي الباكستاني أرشد شريف في 23/10 الماضي في كينيا، والذي أطلعه عمران خان على محتويات الرسالة المشهورة من سفير الباكستان في واشنطن. ومن تداعيات محاولة الاغتيال من المتوقع أن تزداد شعبية عمران خان، ويزداد الضغط على حكومة شهباز شريف ولجنة الانتخابات بخصوص منع الترشح لعمران خان، وأن يتحول خان إلى رقم صعب في المعادلة السياسية، وأن تلجأ السلطة إلى تغييرات شكلية تحت ضغط الاضطرابات المجتمعية مما قد يوفر مبررًا لتدخل الجيش واستيلائه على السلطة تحوطًا من خروج الأحداث عن السيطرة، ولا يُستبعد أن تقود الأحداثُ الباكستان إلى الفوضى والحرب الأهلية لا قدر الله، وبخاصة أن الموقع الجيوسياسي للباكستان يشكل بؤرة توتر للصين، ويُخشى أن تدفع الولايات المتحدة الباكستان للفوضى، وتُضرم النار على الحدود الباكستانية الهندية، وفي خاصرة الصين من جهة إقليم تركستان الشرقية المسلمة، وتزج المسلمين في أتون حرب ليست حربهم. وهو الأمر الذي دأبت عليه الولايات المتحدة ومارسه الغرب كله في تعاطيهم مع المسلمين بسبب غياب راعيهم ودولتهم.

13/ربيع الآخر/1444هـ
8/11/2022م