المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية فشل حكومة ليز ترس واستقالتها



Abu Taqi
24-10-2022, 12:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
فشل حكومة رئيسة الوزراء البريطانية ليز ترس واستقالتها
بعد ظ¤ظ¤ يومًا فقط من توليها رئاسة الحكومة، وفي عشية اليوم الذي تحدّت فيه خصومها وأكدت على استمرارها في الحكم، وقالت: إنها "محاربة لا مستسلمة"، قدّمت رئيسة وزراء بريطانيا ليز ترَس يوم الخميس 20 تشرين الأول أوكتوبر استقالتها، وذلك بعد أن واجهت انتقادات حادة لعدم تنحيها، وتحميلها وزير المالية كواسي كوارتينغ مسؤولية خطة الموازنة الملغاة، التي تسببت باضطراب الأسواق.
وقد شكل تحالف المعارضين لها من حزبها ضغطًا عجّل باستقالتها، وذلك على إثر فشل الموازنة المصغرة التي أعلنتها في ظ¢ظ£ أيلول/سبتمبر والتي أطلقت مشروع خفض ضريبي يعادل ظ¤ظ¥ مليار جنيه استرليني، ودعمًا لتكلفة الطاقة بتكلفة تقارب ظ§ظ* مليار جنيه، ويعتمد ذلك كليًّا على الاقتراض في ظل قلق وتبلبل الأسواق المالية بسبب ارتفاع التضخم وارتباط ارتفاع الأسعار بالاقتراض (زيادة النقد المتداول)، مما نجم عنه فوضى في سوق السندات المالية البريطانية حيث ارتفع سعر الفائدة إلى قرابة 4.7ظھ؛ أي أكثر من سعرها في اليونان، ونجم عنه انهيار لقيمة الجنيه الاسترليني ليسجل أقل قيمة منذ سنة ظ،ظ©ظ¨ظ¥ مسجلًا سعر تحويل 1.03 مقابل الدولار، وارتفاع قيمة القروض المنزلية ليبلغ 6ظھ في ظل موجة ارتفاق الأسعار. وهو ما اضطر بنك إنجلترا للتدخل لدعم سلامة واستقرار النظام المالي في بريطانيا، بعدما كادت أن تفشل مجموعة من مؤسسات التقاعد عن الوفاء بالتزاماتها. ويُعد هذا التدخل جزءًا جوهريًّا من مسؤوليات البنك القانونية تجاه الصالح العام.
وكان قد حذر منافسُ ترس في انتخابات الحزب الحاكم لمقعد رئاسة الوزراء ريشي سوناك من أبعاد وتداعيات ما أسماه "سياسة الأحلام الاقتصادية"، ولم يأبه أعضاء الحزب بتحذيراته بل وتفاخر بعضهم بمشروع الميزانية المقدم بقوله: "هكذا عدنا لسياسة اقتصادية محافظة حقيقية". ومع رد فعل الأسواق المالية على مشروع الحكومة انفجر الخلاف داخل أجنحة حزب المحافظين الحاكم وتراشقوا الاتهامات، ومنها وصف وزيرة الداخلية المستقيلة سويلا بريفرمان الضغوط التي أدت إلى تراجع ترس بـ"الانقلاب" على رئاسة الوزراء. في حين كثفت أحزاب المعارضة هجومها اللاذع على الحكومة ورئيستها، مما أدى إلى ارتباك ترس وتراجعها عن الخطة الاقتصادية المرتكزة على خفض الضرائب.
إن السياسة التي اتبعتها ترس وأدت إلى استقالتها المدويّة بصورة عاجلة هي نموذج لليبرالية الأسواق التي تعتمد على الاقتراض وضخ السيولة النقدية لتفادي اضرار رفع سعر الفائدة وانعكاسه على النمو الاقتصادي والبطالة، ظنًا منها أن اقتصاد الدولة يتحمل تلك السياسة مثلما فعل ترمب من خفض للضرائب في العام ظ¢ظ*ظ،ظ¨. مع العلم أن الاقتراض بالشكل الذي جنحت إليه ترس يهز ثقة الأسواق المالية، سيما وأنه مرتبط بدولة تمثل مركزًا للمال العالمي، وله أثار سلبية على استقرار الأسواق المالية مما يولد انعدام الثقة بسبب ما يسمى العدوى المالية (Financial Contagion) والذي يمكن أن ينعكس على السوق المالية الأميركية قبل الانتخابات النصفية، وهو ما يُفسر الانتقاد الذي وجهه بايدن لرئيسة الوزراء البريطانية يوم الأحد ظ،ظ¦ أكتوبر/تشرين أول، حيث قال: "انا لا أتفق مع سياساتها الاقتصادية والتي قد يكون لها أثر على الاقتصاد الأميركي ولكنه ليس من شأني أن أملي على شركائنا في لندن كيف يديرون شؤونهم". وقال بأن ترس "ارتكبت أخطاءً حقيقية". وهذه الرسالة التي أطلقها بايدن تنطوي على نفس الإشارات التي أطلقها حيال تصرفات جونسون وعجلت باستقالته، مما يدل على أن الولايات المتحدة وإن كانت لم تدعم شخصًا بعينه من بين الشخصيات السياسية البريطانية، لكنها لا تتردد بالتخلى عنهم وتومئ إلى إسقاطهم في حال تعثرهم، ولا تتوانى عن دعم من يتمكن من تحقيق مصالحها في أوروبا بعامة، مثل رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، وساركوزي في فرنسا. وبالتالي تتعامل مع أي سياسي يصل إلى الحكم بصرف النظر عن شخصه. ذلك أن أغلب الساسة الأوروبيين والبريطانيين على وجه الخصوص ليس لديهم خيار سوى الخضوع لأميركا ومنهم من جرى إعدادهم ضمن برنامج القيادة الأميركي (IVLP) الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، والذي خرجت عن طريقه منذ أحداث أيلول/سبتمبر 2001 أكثر من ظ¥ظ*ظ*ظ* سياسي ومؤثر سنويًّا، وكانت قد أهّلَت من خلاله ظ£ظ£ظ¨ رئيس دولة مثل مارغريت تاتشر وتوني بلير وجوردون براون، ومثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيسة الوزراء الأسترالية السابقة جوليا جيلارد، وعدة آلاف من السياسيين والمؤثرين. بالإضافة إلى علاقة أميركا ببعض الساسة البريطانيين مثل زعيم حزب العمال كير ستارمر، والذي كان عضوًا في اللجنة الثلاثية التي أنشأها روكفلر وترأسها بريجينسكي للنظر في التقارب الاقتصادي بين أميركا وحلفائها. ومثل مرشح رئاسة الوزراء ريشي سوناك الذي يؤمن بالنموذج الأميركي وكان يعمل لدى جولدمان ساكس الأميركية.
من الواضح أن الارتباك السياسي الحاصل في بريطانيا التي رفعت لواء القطيعة وتشديد العقوبات على روسيا يشكل ضغطًا على أوروبا حيال الحرب الروسية الأوكرانية، ويزيد من ثقل الحرب على ألمانيا وفرنسا اللتين انتقدتا سياسة القطيعة الكاملة والفورية مع روسيا، وهو الأمر الذي يروق لأميركا ويُرغم فرنسا وألمانيا على الانصياع لها وتحقيق مصالحها. فقد انتقد ماكرون مؤخرًا السياسة الأميركية بشأن الطاقة، حيث قال: "أسعار الطاقة في الولايات المتحدة أقل بكثير لأنهم منتجون. يبيعون الغاز 3-4 مرات أقل مما يتعين علينا دفعه. هذا ليس عدلاً!"، بينما قام المستشار الألماني شولتز بتقليص حجم البرنامج العسكري بسبب الضغط الاقتصادي. كما يحاول المستشار الألماني ونظيره الفرنسي زيارة الصين قبيل اجتماع قمة العشرين في منتصف الشهر المقبل، وهو الأمر الذي تعتبره الولايات المتحدة لعبًا بالنار، سيما بعد النبرة العالية التي أطلقها الرئيس الصيني في مؤتمر الحزب الشيوعي قبل يومين حيال استقلال تايوان، وسعيه لتعزيز القدرات العسكرية الصينية لمواجهة التحديات الخارجية (الأميركية). ولهذا تمنى ماكرون بأن تستعيد بريطانيا استقرارها الداخلي بسرعة لتحميلها جزءًا من الأعباء رغم موقفه السلبي من جونسون وليز ترس والسياسات البريطانية بوجه عام. وأما الولايات المتحدة فقد أكدت التزامها بالشراكة البريطانية الأميركية، مما يعبر عن رضاها حيال نزاع البريطانيين على السلطة؛ باعتبار أن تعميق الخلاف بين المتنافسين يزيد من اعتمادهم عليها ومواصلة السير في ركابها رغم ما تكتنفه المشاكل الداخلية البريطانية من مخاطر على اتحاد المملكة وتوالد الأزمات.
ووفقًا للنظام السياسي البريطاني فإن حزب الأغلبية (المحافظين) هو الذي سيعيد تشكيل الحكومة رغم مطالبة زعيم حزب العمال بانتخابات مبكرة، وقد برزت أسماء مرشحة لخلافة ترس، منهم وزير الخزانة الأسبق ريشي سوناك، ورئيسة مجموعة حزب المحافظين في البرلمان بيني موردنت. وإن كان من الممكن ترشح 3 مرشحين في سباق زعامة الحزب، وفق شروط التأهل التي أعلنها جراهام برايدي، رئيس "لجنة 1922" في البرلمان، نحو حصول المرشح على 100 توقيع لنواب الحزب، وحصر المرشحين بعضوين، وإخضاعهما لتصويت أعضاء الحزب البالغ عددهم قرابة ظ،ظ¦ظ* ألفًا لاختيار رئيس الحزب ورئيس الوزراء المنتخب. ولقد قام المرشحين بعقد عدة اجتماعات فيما بينهم للوصول إلى توافق على برنامج سياسي لتفادي مزيد من الانقسام الحزبي في ظل عدم الإجماع على الأسماء المرشحة لخلافة ترس، وتلافي خسارة الحزب مزيدًا من شعبيته وأصواته الانتخابية لا سيما مع تقدم حزب العمال على المحافظين في استطلاعات الرأي العام بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتدهورة.

28/ربيع الأول/1444هـ
24/10/2022م