المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية تفجير جسر القرم وتداعياته



Abu Taqi
11-10-2022, 11:23 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تفجير جسر القرم وتداعياته
في عملية لم يُخفِ بعض المسؤولين الأوكرانيين وقوفهم خلفها بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، وتغريدات المسؤولين الأوكرانيين الذين اعتبروا التفجير "هدية" في يوم ميلاد بوتين، وقع تفجير محدود للجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا في مطلع هذا الأسبوع، وهو ما شكل تحديًا واستفزازًا مقصودًا لبوتين. وقد جاء في سياق لا يخلو من التحريض الأميركي الذي يسعى لإطالة أمد الحرب إلى أقصى مدى ممكن، ويهدف إلى استفزاز بوتين، واستدراجه لاستخدام أسلحة أشد فتكًا وأبعد نطاقًا من المنطقة الشرقية والجنوبية، التي أعاد نشر جيشه فيها وضمها إلى الاتحاد الروسي؛ لفرض الأمر الواقع الذي يُرغم فيه أوكرانيا والغرب على التفاوض ووقف الحرب من موقع قوة.
غير أن الولايات المتحدة التي تسعى إلى إطالة الحرب إلى الحد الذي يمنع الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا وألمانيا من إعادة العلاقة مع روسيا كما كانت عليه، ويُقلص اعتماد أوروبا عليها بالطاقة ويعمق حاجتهم جميعًا إلى أميركا، وبخاصة بعد تفجير خطي الغاز نورد ستريم 1 و2 وإفقاد روسيا ورقة الضغط على أوروبا بالطاقة، ويبقي روسيا في عزلة لا تُسعف الصين في نزاعها مع الولايات المتحدة في المستقبل، كلُّ ذلك قد جعل الأخيرة تعاجل بوتين والأوروبيين بالهجوم الاستفزازي على الجسر الذي يُعبّر بمعية الهجمات الأوكرانية على إقليم دونباس مؤخرًا عن إصرار أميركي على التصعيد واستنزاف روسيا، والضغط على أوروبا لزيادة دعمها المالي والعسكري ومضاعفة العقوبات، والقطع مع موارد الغاز الروسي وتحمل فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا، لا سيما وأن هذا التصعيد الميداني وما سبقه من هجمات أوكرانية على مواقع الجيش الروسي والتي تسببت بإحراج بوتين وألجأته إلى التعبئة الجزئية التي عادت عليه بالتذمر والنقد الداخلي، قد وقع على بعد أيام قليلة من اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المرتقب في 17 تشرين الأول/أكتوبر لمناقشة دعم وتدريب الجيش الأوكراني، ووسط قلق أوروبي حيال أسعار الطاقة وإمداداتها في الشتاء، وعزم أميركا على فطم أوروبا عن الغاز الروسي، والذي ظهر على لسان بايدن ومسؤولي الإدارة الأميركية الحالية والسابقة. وظهر جليًا باستهداف نورد ستريم 1 و2 في الشهر الماضي.
وإزاء هذا التصعيد الأوكراني الموجَّه اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المخابرات الأوكرانية بتفجير جسر القرم، وقال في تصريحات تلفزيونية أمس الإثنين 10 تشرين الأول/أكتوبر: "من الواضح أن المخابرات الأوكرانية أمرت ونظمت ونفذت الهجوم الإرهابي الذي استهدف تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية لروسيا"، وأعلن "أن موسكو شنّت هجمات بصواريخ طويلة المدى على البنية التحتية الأوكرانية في مجالات الطاقة والاتصالات والدفاع صباح اليوم"، وأضاف أن روسيا سترد "بقسوة" على أية هجمات أخرى تشنها أوكرانيا.
وقد جاء خطابه بعد أن قصفت روسيا العاصمة الأوكرانية وعدة مدن في غرب ووسط وجنوب أوكرانيا، ومن ضمنها مدينة لفيف المحاذية للحدود البولندية والتي يعبر منها الإمداد العسكري الأطلسي إلى أوكرانيا. وهو ما ينطوي على رسالة من بوتين تحذر الغرب بعدم امتحان إرادته، ولذلك صرَّح بأنه "إذا استمرت محاولات تنفيذ أعمال إرهابية على أراضينا، فإن ردود الفعل الروسية ستكون قاسية، وسيتوافق نطاقها مع مستوى التهديدات الذي تواجه روسيا الاتحادية، وينبغي ألا يساور أحدٌ أدنى شك في ذلك".
والملاحظ أن أميركا قد نجحت بحشد الدعم السياسي لأوكرانيا، عبر التنديد الدولي، و"الحياد" الصيني"، وعبر دعوة ألمانيا لمجموعة الدول السبع لاجتماع طارئ اليوم الثلاثاء 11 تشرين الأول/أكتوبر لتقديم الدعم والتضامن مع الأوكرانيين، بعد أن نجحت بفرض أجندتها حيال الحرب الروسية الأوكرانية على القمة الأوروبية في براغ قبل أيام، وتأكيدها على استمرار حالة العداء بين الأوروبيين والروس، في ظل تنافس ماكرون وشولتز على قيادة الاتحاد الأوروبي، حيث ذهب ماكرون نحو إنشاء صندوقٍ أوروبي خاص لدعم المواجهة مع روسيا، بلغ رصيده الأولي 200 مليون يورو. فيما دفع المستشار الألماني شولتز نحو مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا، وأما رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، فقد بشّر بالتوافق على الحزمة الثامنة للعقوبات على روسيا، وباستمرار الدعم لأوكرانيا، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا.
وبالتالي فإن ما يجري على المشهد الروسي الأوكراني من تصعيد متبادل، يندرج في سياق الأهداف الأميركية آنفة الذكر، والتي قد تُلجئ بوتين إلى نقل الحرب إلى بلاروسيا بالوكالة للتخفيف من عبء الحرب وانعكاساتها عليه داخليًا، على أمل أن ينتهي مسار التصعيد الأقصى إلى مخرج يحفظ له ماء وجهه ولو بالعودة إلى المربع الأول، وهو "الأزمة المجمدة" تحوطًا من انعكاس الحرب على موقفه الداخلي وإضعافه، بسبب العجز عن حسم الحرب بالسلاح التقليدي، ولإدراكه أن أميركا قد حققت ما تريد على صعيد الأمن الأوروبي وعلاقة أوروبا بروسيا، وتيقنه بأن الأوروبيين لا إرادة لهم حيال هذه الأزمة، ولا حدود لخضوع أوكرانيا للولايات المتحدة، رغم محاولته ابتزازهم بإمدادات الطاقة وتلويحه بالسلاح النووي.
والمتوقع هو أن يستمر التصعيد المتبادل و"عض الأصابع" إلى الحد الذي لا يُحدث ضررًا بالغًا على سلطات بوتين الداخلية، وذلك أن مركز التنبه لدى بوتين هو عظمة روسيا، ووحدة ترابها، ومركزيتها في السلم والأمن الدوليين، كدأب القادة القوميين الذين يرون وجودهم في السلطة صمام أمان، لحفظ البلاد قوية مهابة الجانب.

15/ربيع الأول/1444هـ
11/10/2022م