المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية الاحتجاجات في إيران



Abu Taqi
02-10-2022, 11:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الاحتجاجات في إيران
تدخل الاحتجاجات في إيران أسبوعها الثاني منذ مقتل الفتاة مهسا أميني (22 عامًا) التي اعتقلتها شرطة الأخلاق بسبب ارتدائها "ملابس غير لائقة". وذكرت المعارضة الإيرانية أن الشابة (التي تنحدر من كردستان إيران) تلقت ضربة على رأسها أدخلتها في غيبوبة استمرت ثلاثة أيام، توفيت على إثرها. ولم تخف أميركا دعمها الواضح لهذه المظاهرات حيث أكدت الخارجية الأميركية "دعم حق الإيرانيين في التظاهر بحرية ودون خوف". وقالت صراحة: "سنمنح خيارات أكبر للشعب الإيراني لتسهيل الوصول لمنصات التواصل". وبالفعل نشر وزير الخارجية الأميركي يوم 23 أيلول/سبتمبر تغريدة قال فيها: "لقد اتخذنا اليوم إجراءات لتعزيز حرية الإنترنت والتدفق الحر للمعلومات للشعب الإيراني، وأصدرنا رخصة عامة لتزويدهم بوصول أكبر إلى الاتصالات الرقمية لمواجهة رقابة الحكومة الإيرانية".
وفي إثر ذلك، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية "توجيهات من أجل توسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين على رغم العقوبات الأميركية على البلاد". وأعلن إيلون ماسك مؤسس شركة "سبيس إكس" تفعيل أقمار "ستار لينك" التابعة لشركته لتقديم خدمات الإنترنت في إيران، بعد أن قامت الحكومة الإيرانية بتقييدها في البلاد منعًا للمعارضة من نشر أخبار وصور ومقاطع تدين قوات الشرطة والحرس الثوري.
ومن جهته قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي: إن "بعض مواقع التواصل الاجتماعي وجّه أعمال الشغب وأشعل نار المعركة". وأوضح بأنّ "أجزاء متعددة من أعمال الشغب كانت نتيجة تدريب هذه المواقع"، مؤكداً أنّ الداخلية "وضعت قيودًا مؤقتة على مواقع التواصل للمحافظة على أمن البلد وأمن الشعب".
أما الجيش الإيراني فقد أصدر يوم الجمعة 23 أيلول/سبتمبر بيانًا جاء فيه: إن "هذه الأعمال اليائسة جزء من استراتيجية خبيثة للعدو هدفها إضعاف النظام الإسلامي" وإن الجيش سيتصدى لها.
واللافت أن الاحتجاجات والتظاهرات قد صوّرت بما يشبه "ثورة ضد الحجاب"، وضد حكومة خامنئي. فقد أظهرت أشرطة فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي نساءً في التجمعات يخلعن الحجاب ثم يقمن بإحراقه في النار.
كما أظهرت المقاطع إضرام المحتجين في طهران ومدن أخرى النيران في مراكز شرطة ومركبات تابعة لها، بل وحتى تبادل لإطلاق النار، رغم حملة الاعتقالات وحالات القتل التي تقوم بها قوات الأمن ضد المتظاهرين.
وفي المقابل حرَّك النظام الإيراني أنصاره يوم الجمعة 23 أيلول/سبتمبر في مظاهرات مضادة وداعمة لارتداء الحجاب هاتفين بأن: "الدعوة إلى إلغاء الحجاب تنفيذ لسياسة الأميركيين".
ولا يخفى أن الاحتجاجات التي تشهدها إيران هذه المرة تختلف عما شهدته في العام 2009 فيما عرف بـ"الحركة الخضراء" ذات المطالب السياسية، أو تظاهرات 2018 و2019 ذات المطالب الاقتصادية بعد ارتفاع أسعار البنزين. فهذه الاحتجاجات الأخيرة تحمل طابعًا ثقافيًا غلب عليه خلع الحجاب وإحراقه بما يُمثله من رمزية دينية بالإضافة إلى إحراق صور خامنئي وقاسم سليماني اللذيْن يُمثلان التيار "الديني" المحافظ. مما يدل على أن هناك تحريكًا أميركيًّا للقوى الإصلاحية "الحداثية" المنافسة للضغط على المحافظين، والذي قابلته السلطات الحكومية بالقمع والاعتقالات التي طالت "الإصلاحية" فائزة رفسنجاني قبل يومين بتهمة التحريض على المظاهرات. حيث جاءت هذه التظاهرات الواسعة في وقت حساس بالنسبة للنظام الإيراني الذي أضعفته العقوبات الاقتصادية الدولية المرتبطة ببرنامجه النووي، بالإضافة إلى تعثر مفاوضات العودة إلى اتفاقية فيينا لعام 2015 والمعروفة باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة"، والتي تحاول إدارة بايدن الاستثمار فيها قبل الانتخابات النصفية المقبلة.
وبناءً على هذه المعطيات فإن هذه المظاهرات التي تؤجج أميركا نارها تندرج في سياق الضغوط القصوى على نظام الملالي من أجل تقديم تنازلات في مفاوضات الملف النووي، وتحجيم إيران وأذرعها في الإقليم وبخاصة في العراق، ولجمها عن التقارب مع الصين وروسيا وكبح عنادها وتجاوزاتها في الملف العراقي مؤخرًا. وهو ما يفسر إشعال الاحتجاجات على حدود كردستان العراق لإعادة ضبط التحالفات "الكردية – الشيعية" لصالح الحكومة العراقية والتيار الصدري، وإشعالها أيضًا في بؤر التوتر المزروعة في الخاصرة الجنوبية لروسيا، والمتعلقة بالمنظومة العرقية ومنها العرق الأذري الإيراني، التي من شأنها أن تُضرم النار في الاتحاد الروسي، فضلًا عن أثر النزاع العرقي الأذري والفارسي على العلاقة التركية الإيرانية وتقاطعاتها في الملفين السوري والكردي.
ولكن لا تبدو هذه المظاهرات مقدمة لعملية إسقاط النظام الإيراني بقدر ما هي ضغوط قصوى لفرض الإرادة، وتقويض الأساس "الديني" الذي يقوم عليه النظام، ويبرر له التمدد المستمر في دول الجوار؛ وتقليصه لصالح نشر الليبرالية التي تتبناها إدارة بايدن، وتستعملها لإزالة الحواجز الدينية وتحقيق مصالحها، وهذا ما يُفسر تركيز التغطيات الإخبارية على مشاهد حرق الحجاب وصور رموز التيار المحافظ، ودعم الأوساط الفنية والصحفيين والرياضيين للاحتجاجات، مما دعا رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني لمهاجمة المشاهير قائلًا: "أولئك الذين اشتهروا بفضل دعم النظام، خلال الأيام الصعاب انضموا إلى العدو، بدلًا من الوقوف إلى جانب الشعب، وعليهم أن يعوضوا الأضرار المادية والمعنوية التي سببوها للشعب".
إن الولايات المتحدة والتي تقف وراء هذه الاحتجاجات، هي نفسها التي وقفت وراء النظام الإيراني منذ ثورة الخميني، وحتى تسليم العراق لإيران وميليشياتها، وإعطاء الضوء الأخضر لها لدعم النظام السوري وحزب الله في لبنان وحركة أنصار الله في اليمن، وحتى حماس والجهاد في فلسطين. وهي في الوقت الذي ظلت فيه داعمة لنظام الملالي، وتتبادل معه المنافع والمصالح على حساب أهل المنطقة، فإنها لم تكف عن تعظيم زخم المعارضة، لضربها بقوى النظام المحافظة، لتختار الفائز من بينهما لخدمتها في تنفيذ سياساتها في المنطقة. كان بإمكان نظام الملالي في إيران أن ينحاز لدين الأمة ومصالح الشعب ومواصلة بناء القوة العسكرية واستغلال اضطراب العلاقات بين الدول الكبرى لصالحه والانعتاق من القيود الدولية، لولا الخيانة والعلاقات الخارجية المشبوهة التي تغذيها النزعة القومية والمذهبية والمنافع الضيقة والأحقاد التاريخية على أهل المنطقة، رغم الاستعراض الذي يقوم به بين الفينة والأخرى مظهرًا عداءً كاذبًا لما يسميه الشيطان الأكبر.
ولولا أن النظام والمعارضة يسيران في خط أميركا ويُقدمان صورة مشوهة عن الإسلام، لما تجرأ الشباب الناقم على حرق الحجاب تعبيرًا عن سخطهم على دين تُرتكب باسمه أبشع الجرائم، إذ أن مسلمي إيران حالهم كحال أبناء الأمة الإسلامية المتعطشين للوحدة وعودة الإسلام النقي وتطبيقه والتخلص من العملاء وتجار الدين ودفع صيال المعتدين ووضع حد للذل والخنوع. ولا شك أن هذا مطلب هذه الأمة رغم التضليل الذي تمارسه أميركا وعملاؤها لإخفاء هذه الحقيقة والترويج لعلمانيتها وليبراليتها التي جعلت الشعوب الغربية كالبهائم في زرائب الجزارين.
6/ربيع الأول/1444هـ
2/10/2022م