المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية استئناف العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري



Abu Taqi
27-09-2022, 02:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
استئناف العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري
في خطوة أثارت انتقاد أشد المؤيدين لها أعلنت حركة «حماس» يوم الخميس 15 أيلول/سبتمبر مضيها في «بناء وتطوير علاقات راسخة» مع النظام السوري المجرم، بعد نحو 11 عامًا من "القطيعة". وأعربت الحركة في بيان ينطوي على تملّق واعتذار للسفاح بشار عن "تقديرها للجمهورية العربية السورية قيادةً وشعبًا؛ لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة"، مضيفة أنها قررت رسميًّا استئناف العلاقات مع دمشق.
وجاء بيان "حماس" عقب زيارة قام بها رئيس الحركة إسماعيل هنية، إلى موسكو على رأس وفد شمل نائبه وعضوين من القيادة الأولى في الحركة، بدعوى "تطوير العلاقة مع روسيا"، وإحداث التوازن الإيجابي للدور الروسي لصالح القضية الفلسطينية.
وفي الحقيقة لم تكن عودة العلاقات بين "حماس" والنظام السوري مفاجئة بالنظر إلى الاصطفافات الجارية في المنطقة ومنها توجه القيادة التركية للمصالحة والتقارب مع سوريا واستئناف العلاقة الطبيعية مع "إسرائيل"، وبالنظر إلى المساعي الجارية لإعادة تأهيل النظام السوري عبر الأردن ومصر تمهيدًا لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وبالنظر أيضًا إلى الرعاية القطرية التي تمثل القناة الأميركية للحركة من أجل دمجها في الحل الإقليمي، وهذا بالإضافة إلى علاقة الأخيرة مع إيران وحزب الله الذي كشف أمينه العام حسن نصرالله سنة 2020 عن وساطة جارية لإعادة العلاقة بين حماس والنظام السوري وبشّر بقرب استئنافها. غير أن الجديد في الأمر هو التقاء المصالح الأميركية الروسية حيال هذه المصالحة وعودة العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري. فلا يخفى أن القرارات الكبرى لحركة حماس نحو زيارة روسيا والاستجابة لها ولإيران بشأن المصالحة مع النظام السوري وفي ظل العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة على موسكو لا بد أن تمر بضوء أخضر أميركي من خلال رعاة الحركة في قطر، وفي إطار سعي الولايات المتحدة لإعادة تأهيل النظام السوري بصرف النظر عن موقفها من بشار الذي يتطلع إلى إعادة سيطرته على أغلب التراب السوري بما في ذلك مناطق الأكراد في الشمال بتفاهم إيراني تركي روسي، وبصرف النظر عن موقفها من النظام الإيراني الذي تمادى في عناده حيال ملفاته العالقة مع أميركا.
ورغم ذلك فإن مصالحة حماس مع النظام السوري المجرم يوفر له الدعم من مؤيدي حماس في الداخل السوري والجوار الإقليمي، كما أن سير حماس في الحل الإقليمي يوفر للنظام السوري المبررات للتخلص من شعاراته السابقة ضد الكيان الصهيوني والانخراط في الحل الإقليمي في المستقبل، مما يمثل مصلحة أميركية سواء بقي بشار رئيسًا أو جرى خلعه واستبدال دمية أخرى به.
وبالتالي فإن عودة العلاقات بين نظام الأسد وحركة حماس، تسير وفق مخطط الحل الإقليمي الذي ترعاه الولايات المتحدة، والذي أفصح عنه جو بايدن في مقال له بجريدة الواشنطن بوست قبل يومين من زيارته للمنطقة، في شهر تموز/يوليو الماضي، تحت عنوان "لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟". حيث وصف زيارته للمنطقة بأنها تصب في مصلحة الأميركيين وقال: "إن شرقًا أوسط أكثر أمنًا وتكاملًا يعود بالفائدة على الولايات المتحدة من عدة نواحٍ، فممراته المائية أساسية للتجارة الدولية وسلاسل الإمداد التي نتكل عليها. ومصادر الطاقة فيه حيوية للتخفيف من أثر الحرب الروسية في أوكرانيا في الإمدادات العالمية. وحين تتجاوز المنطقة مشكلاتها من خلال الدبلوماسية والتعاون _بدلًا من التفكك بسبب النزاع_ تقل احتمالات إنشائها للتطرف العنيف الذي يهدد وطننا، أو للحروب الجديدة التي يمكن أن تفرض أعباء إضافية على أفراد القوات العسكرية الأميركية وعائلاتهم".
وأما من جهة روسيا، فمن مصلحتها امتلاك أوراق للمقايضة والضغط ومحاولة التأثير على الجهات ذات العلاقة بقضية فلسطين، ومحاولة توفير الدعاية للنظام السوري، بالإضافة إلى الاستثمار في حماس لتحسين صورة روسيا أمام الرأي العام الإسلامي والأعراق المسلمة داخل الاتحاد الروسي في ظل حاجة بوتين للجنود من مسلمي روسيا للحرب في أوكرانيا تفاديًا لسخط العرق السلافي الذي أبدى تذمرًا بشأن إعلان بوتين للتعبئة الجزئية، وفي ظل التوتر الروسي مع الكيان الصهيوني بشأن الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية. وعلى هذا الصعيد تلتقي المصلحة الأمريكية الروسية بشأن عودة العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري.
واللافت أن الولايات المتحدة قد فتحت الطريق لحركة حماس باتجاه الدول العربية بعد معركة سيف القدس، التي تواطأت فيها إدارة بايدن على إسقاط نتنياهو وإظهار الحركة بصورة المنتصر، وتقديمها كممثل لإرادة أهل فلسطين. حيث جرى استقبال إسماعيل هنية في الجزائر ووضع في الصف الأول مع القادة بمن فيهم محمود عباس، والذي لا يزال يتواطأ على خطف حماس للأضواء من باقي الفصائل وإظهارها بمظهر الممثل الأقوى لـ"الشعب الفلسطيني"، تمهيدًا لإدماجها في حلول التصفية. ومن ذلك أيضًا زيارة اسماعيل هنية للبنان وظهوره أيضًا في عزاء الهالك سلطان عمان، ومساعيه لترطيب الأجواء مع الدول العربية كمصر والأردن، ونأيه بالحركة عن الإخوان المسلمين بعد أن تراجع دورهم بفعل "الثورات المضادة" بحجة إعادة الاعتبار لـ"القضية الفلسطينية".
إن المقاربات البراغماتية لقيادة حركة حماس تكشف بما لا يدع مجالًا للشك والتبرير عن تفاهمات إقليمية ودولية حيال الموقف من الحل الإقليمي، واستعدادها للانخراط فيها. سيما بعد إعلان خالد مشعل عن وثيقة "المبادئ والسياسيات العامة" سنة 2017. وقد بدا موقفها أكثر وضوحًا في العدوان الأخير على غزة واستهداف حركة الجهاد ووقوفها موقف المتخاذل. ولقد ظهر تواطؤها على الحل الإقليمي من خلال استنادها إلى الدعم السياسي من قطر والدعم العسكري من إيران، ومن خلال قرارها بالتقارب مع النظام السوري، وتقلبها في المواقف، غير عابئة بدينها وبإرادة الأمة وأهل فلسطين وقواعدها الشعبية ومؤيديها وحتى كوادرها المخلصين، بالإضافة إلى تغيير ميثاقها وقبول حل الدولتين بدعاوى واهية، وبالإضافة إلى سعيها لدخول منظمة التحرير الخائنة واتخاذها غطاء للخداع والتفريط والتنازل. مع العلم بأن أبناء الأمة بمن فيهم كوادر حماس يدركون بأن تحرير فلسطين لن يكون بالتحالف مع العملاء في سوريا، والقتلة في طهران، بل على أنقاض هذه الأنظمة الخائنة، وبخاصة نظام المجرم بشار الأسد سليل الخيانة الذي قتل مئات الألوف من أبناء سوريا المسلمين الذين لا فرق بينهم وبين أهل فلسطين، ودمَّر المخيمات الفلسطينية منذ بداية حربه على أهل سوريا وهجر أهلها وقتل أكثر من 4000 فلسطيني منذ اندلاع الثورة السورية، ولا يزال يحتجز أكثر من 2400 فلسطيني من الشيوخ والنساء والأطفال في مسالخه، فضلًا عن ملايين المشردين السوريين في مخيمات اللجوء. كما أن التوازن لصالح قضية فلسطين لن يحصل بالاستناد إلى روسيا التي أبلغت حماس وبشار المجرم أنها لم تأت إلى سوريا لقتال "إسرائيل"، وأن على حماس قبول قرارات الشرعية الدولية، والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير. {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
لذلك كله ننصح حركة حماس أن تصحح بوصلتها بمقتضى دينها وأن تعود إلى رشدها وتهجر الحل الإقليمي الخياني، وأن لا تبيع شرف الأمة في سوق الحلول الاستسلامية، فتضيع تضحيات الملايين الذين رفضوا الوجود الغاصب وقاوموه أشد المقاومة، حتى ظل الكيان المجرم فاقدًا للأمن رغم مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن على قيامه. كما ننصح المخلصين من أبناء الحركة وبخاصة في الجناح العسكري، أن يقفوا صفًا واحدًا في وجه الحل الإقليمي مهما تكبدوا من عناء، والأخذ على يد القادة السياسيين، حتى لا يجيروا تضحيات المسلمين لاسترجاع فلسطين لصالح أطراف الحل الإقليمي وتثبيت الكيان الصهيوني.
كما نوجه نداءنا للأمة الإسلامية أن تبقى يقظة حذرة من الحلول التي تطرحها أميركا، وتسير فيها دول المنطقة، ويراد لحركة حماس أن تسير فيها، فلا يصح أن تعمي تضحيات الحركة عن الحقيقة المرة التي لا قدر الله إن صارت واقعًا، فحينها تضيع فلسطين وتضيع المقدسات ويتحول المقاوم إلى حارس لأمن الكيان الغاصب. كما حصل من قبل مع منظمة التحرير التي وقعت اتفاق الحراسة في أوسلو.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
غرة ربيع الأول/1444هـ
27/9/2022م