المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية آفاق الاتفاق النووي الإيراني بين التوقيع والتأجيل



Abu Taqi
20-09-2022, 11:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
آفاق الاتفاق النووي الإيراني بين التوقيع والتأجيل
انطلق يوم الاثنين 12 آب/أغسطس الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا؛ لبحث ملفات عدة من بينها البرنامج النووي الإيراني الذي دعيت طهران لإعطاء إجابات صريحة بشأنه، وبخاصة بشأن آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في مواقع غير معلنة. وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه لا تَقدُمَ حاليًّا في التحقيق الجاري بشأن أنشطة إيران النووية.
ومن جهته قال وزير الخارجية الأميركي بلينكن إن الرد الإيراني على مقترحات أوروبا لإحياء الاتفاق يعد "خطوة إلى الوراء". وأضاف في مؤتمر صحفي بالعاصمة المكسيكية، "لا أستطيع إعطاء جدول زمني، لكن يبدو أن إيران غير مستعدة أو غير قادرة على فعل ما هو ضروري لإبرام اتفاق وتحاول الاستمرار في طرح قضايا خارجية في المفاوضات، ما يجعل التوصل إلى اتفاق أمرًا غير محتمل".
ولا يخفى أن العالم كان ينتظر لحظة انتهاء أزمة الاتفاق النووي مع إيران، وكان جوزيب بوريل قد أعرب عن أمله في توقيع الاتفاق خلال أيام، إلا أن أميركا عرقلت الاتفاق، وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة النووية أن إيران تجاوزت السقف المسموح به في تخصيب اليورانيوم؛ لتذهب جهود المفاوضات إلى المجهول. مما يثير التساؤل حول دوافع الإدارة الأميركية لتعطيل الوصول إلى صيغة تحيي فيها الاتفاق مع إيران؟ والذي يبدو أن دوافع أميركا لتعطيل الاتفاق تنبعث من ارتباط المسألة بالملف الإقليمي، والذي يستوجب أن تلعب إيران دور الفزاعة لدول وشعوب المنطقة، وللرأي العام الإسرائيلي، ريثما يقطع قطار التطبيع والتحالف شوطًا معتبرًا، كما أنه يرتبط بمسألة الوجود والتأثير الإيراني في ملفات سوريا ولبنان واليمن والعراق.
وقد تزامنت المفاوضات مع أزمة الحكم في العراق، والتي أصرت إيران على التدخل في مسارها، ومواجهة حركة مقتدى الصدر بصلابة وعناد وتصعيد، ظهر من خلال الصدام المسلح الذي مارسته قوى الحشد الشعبي قبل أيام، وفي إصرار جماعة المالكي على تشكيل الحكومة. كما ظهر في تصريح إبراهيم رئيسي عقب الأحداث الدامية في المنطقة الخضراء، وقوله إن استقرار العراق يتوقف على التزام الأطراف بالاتفاق والمسار السياسي، وهو ما ينطوي على تهديد مفاده: إما بقاؤنا في العراق وإما الطوفان!!.
وقد أدرك الصدر هذا الأمر والكاظمي، مما دفعهما إلى التراجع "التكتيكي" تفاديًّا للفوضى التي تملك إيران البراعة في إدارتها لصالحها. وبالتالي كان موقف الصدر والكاظمي اضطراريًا بغية تفويت الفرصة على إيران، وخلطها للأوراق عن طريق الحرب الأهلية التي لوح بها المالكي في التسجيلات المسربة قبل شهر، لا سيما وأن خضوع إيران للإملاءات الأميركية في العراق ينعكس على موقفها في سوريا ولبنان واليمن، ويُضعف مواقف أذرعها في تلك الدول ويُقوّض مكتسباتها في الإقليم.
وأما الملف السوري فقد طرأ فيه توافقٌ في قمة طهران بين روسيا وإيران وتركيا، حيث تغيرت لهجة الإعلام التابع لإيران حيال تركيا وبخاصة إعلام حزب الله، وظهر إصرار إيراني على مواصلة دعم حزب الله عبر طرق قريبة من القواعد الروسية في اللاذقية، بالإضافة إلى الاشتباكات والضربات الأميركية والإسرائيلية لمواقع إيرانية في سوريا. وتهديد روسيا بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي (إس 300) لردع الهجمات الإسرائيلية، وتهديدات حسن نصر الله لإسرائيل بشأن النزاع البحري على مناطق الغاز، وهذا كله مما يغضب أميركا التي ترى في تقارب تركيا وإيران مع روسيا تهديدًا لمصالحها. وبالتالي لم يكن من المستغرب تبريد أميركا لملف الاتفاق بعد أن أوشك على الانتهاء. على أن التوصل إلى حل في هذا الملف بصورة مفاجئة ليس مستبعدًا إذا اقتضت الضرورة الأميركية.
الأمر الأخير هو المعطيات السياسية الأميركية في الداخل، فبايدن لن يقدم على خطوة في اتجاه الحل مع إيران ما لم يكن واثقًا من عدم توظيف الحل من قبل خصومه في الانتخابات المقبلة، كما لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار تداعيات الاتفاق على حكومة ليبيد التي يتربص بها نتنياهو؛ لذلك ورغم تشدد ليبيد حيال الاتفاق الأميركي الإيراني مغازلة لليمين الصهيوني إلا أن شريكه في الائتلاف الحكومي يني غانتس صرح في كلمة أمام مؤتمر صحيفة جيروزاليم بوست السنوي في مدينة نيويورك، أنه إذا تم توقيع أي اتفاق مع إيران فيجب أن يضمن عدم امتلاكها سلاحًا نوويًّا.
وهذه المعطيات، تدركها القيادة الإيرانية وتحرص على إبرام الاتفاق قبل الانتخابات الأميركية النصفية وقبل الانتخابات الإسرائيلية، تحوطًا لعودة نتنياهو وفوز الجمهوريين في الكونجرس الأميركي باعتبار أنهم الأكثر تشددًا في الملف الإيراني والذي يوظفونه في استمالة أصوات اليمين الإنجيلي واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. كما أن إدارة بايدن تدرك ذلك وتتردد في الاتفاق قبل الانتخابات النصفية خشية أن يُستغل ضد الديمقراطيين، لكنها لن تفوت فرصة الاتفاق إذا تمكنت من فرض الشروط التي تسد ذرائع إسرائيل والجمهوريين في الداخل، نحو إبقائها العقوبات على الحرس الثوري الإيراني، وإبقاء المبررات التي تمكنها من الضغط على إيران بشأن تدخلاتها الإقليمية والصواريخ البالستية، والاحتفاظ بحق الانسحاب من الاتفاق في المستقبل، وهو ما تزال إيران ترفضه. وهو الأمر الذي يجعل ترحيل الأزمة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية النصفية والانتخابات الإسرائيلية أمرًا واردًا.
وأما مواقف كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا الذين أبدوا شكوكهم حيال نية إيران في إحياء الاتفاق، فيأتي من قبيل الضغط على إيران من أجل الإسراع في الاستجابة لإملاءات أميركا لما للدول الثلاث من مصلحة في رفع العقوبات عن إيران، والإفادة من مصادر الطاقة لديها في ظل إصرار أميركا على فطم أوروبا من الغاز الروسي.

24/صفر/1444هـ
20/9/2022م