Abu Taqi
15-09-2022, 09:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
تجدد النزاع الأذري الأرمني
أعلن رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان الثلاثاء 13 أيلول/سبتمبر مقتل 49 جنديًّا أرمينيًّا على الأقل في مواجهات حدودية هي الأكثر دموية مع أذربيجان منذ حرب سنة 2020. وطالب في محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجية أميركا بلينكن، بالرد على "عدوان" أذربيجان.
بينما أعلنت روسيا أنها "تفاوضت على وقفٍ لإطلاق النار، يفترض أن يطبق منذ صباح الثلاثاء، لوضع حدّ للاشتباكات الدامية التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا الليلة الماضية".
من جانبها قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية في بيان لها: "إن الجيش الأذربيجاني قام بالرد المماثل على مصادر النيران الأرمينية". مضيفًا "أنه رغم إعلان وقف إطلاق النار منذ الساعة 09:00 صباحًا، تنتهك أرمينيا الاتفاق باستخدامها الواسع للمدفعية والأسلحة الثقيلة على الحدود".
وقد تراشق الطرفان الاتهامات بشأن خرق الاتفاق الذي جرى توقيعه برعاية روسية عقب انتهاء الحرب الأخيرة في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي هندسته روسيا على نحو يبقي مبررًا للنزاع ويضمن لروسيا تدخلها وإدارة العلاقات بين الطرفين بما يحفظ نفوذها في منطقة القوقاز المرشحة للانفجار العرقي والديني الذي يهدد الكيان الفدرالي الروسي ذاته، فضلًا عن تهديده للمجال الحيوي والاستراتيجي الروسي في المنطقة برمتها لصالح الولايات المتحدة الطامعة بالاستيلاء على موارد المنطقة وممراتها، وتطويق روسيا ومحاصرتها بحزام من بؤر التوتر، بالإضافة إلى تحوط روسيا في الاتفاق من خطر دخول تركيا لاعبًا مؤثرًا وفاعلًا في منطقة القوقاز، وسعي بوتين إلى امتلاك ورقة ضاغطة على إيران بشأن الوضع الديمغرافي بسبب امتداد العرق الأذري داخل إيران، وفوق ذلك كله هو إدراك بوتين لأهمية المنطقة التي يقع فيها الطريق الجنوبي للطاقة وسلاسل التوريد، والممتد من باكو إلى أوروبا عبر أذربيجان وتركيا واليونان.
فقد حرصت روسيا في الاتفاق السابق على بقاء التوتر والخلافات قائمة حول تفسير بعض بنوده وأهمها مسألة ممر زانجيزو، والذي يربط بين أذربيجان و"إقليم" ناختشيفان الأذري المنعزل عن الأراضي الأذربيجانية داخل جمهورية أرمينيا. حيث ورد في المادة 9 من اتفاق وقف إطلاق النار "يجب إلغاء حظر جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة.."، وهو ما تتمسك به أذربيجان ولم تلتزم به أرمينيا بتواطؤ الجانب الروسي، إذ نُسب إلى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تلويحه باستخدام القوة لإنشاء "ممر" عبر جنوب أرمينيا يربط غرب أذربيجان بجمهورية ناخيتشيفان التي تتمتع بالحكم الذاتي. بينما لا تزال أرمينيا تفرض قيودًا على حركة التنقل بين الإقليم وأذربيجان، وهو الأمر الذي يخدم استراتيجية روسيا في التحكم بالطريق البري المباشر بين أذربيجان وتركيا والذي يفتح الطريق بين آسيا الوسطى وأوروبا دون المرور بروسيا أو إيران.
ولذلك تلعب روسيا على التناقضات القومية والأمنية والاقتصادية بين دول المنطقة (أرمينيا وأذربيجان وإيران وتركيا) رغم ميولها الغربية، بالإضافة إلى رغبة روسيا أيضًا في التحكم بطرق التجارة الصينية القريبة من حدودها، وسعيها للسيطرة على طرق الطاقة البديلة لأوروبا عبر أذربيجان وتركيا. إذ لا مصلحة لروسيا في الوقت الحالي بفتح هذا الممر الذي من شأنه أن يعزز التواصل بين آسيا الوسطى وأذربيجان من ناحية وبين أوروبا من ناحية أخرى عبر تركيا.
ولا يخفى أن ظروف هذا الاشتباك الأخير وسياقه وملابساته تختلف عن الحرب الأذرية الأرمنية السابقة بسبب الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة لأوروبا، حيث وقعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في 18 يوليو/تموز 2022 اتفاقية "لمضاعفة" واردات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا للتعويض عن الخفض في إمدادات الغاز الروسي، حيث وصف الرئيس الأذربيجاني علييف الاتفاق بـ"خريطة طريق للمستقبل" معتبرًا أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأذربيجان في مجال الطاقة قد "غير بالفعل خريطة الطاقة الأوروبية". وتنص الاتفاقية الأذرية الأوروبية على توسيع ممر الغاز الجنوبي الذي يعبر أذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان.
ولا شك أن ذلك مما يهدد مصالح روسيا ورهانها في الضغط على أوروبا عبر أزمة الطاقة وتغيير موقفها من العقوبات والأزمة الأوكرانية. مما يرجح تورط روسيا ووقوفها وراء الاشتباك الأذري الأرمني الجديد من خلال استغلالها لمصلحة أرمينيا الرافضة لمشروع الممر الأذري عبر أراضيها من دون شروطها، والذي تعتبره انتهاكًا لسيادتها، ولذلك حرصت على التحكم بالأزمة والتفرد بإدارتها عبر إرسال منظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، وهي (تحالف عسكري من دول سوفياتية سابقة ترأسها روسيا)، بعثة إلى أرمينيا.
وتهدف روسيا من وراء الأزمة إلى صرف النظر عن خسائرها الأخيرة في أوكرانيا، وإرسال رسالة لكل من أذربيجان وتركيا وأوروبا تؤكد على امتلاكها وسائل التأثير على أمن الطاقة الأوروبية عبر تفجير الأزمة الأرمنية الأذربيجانية عند اللزوم.
ولهذا أعرب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عن قلقه خلال حديث صحفي في جامعة بيرديو في إنديانا من أن روسيا قد تمارس نفوذًا على النزاع الأخير بين أرمينيا وأذربيجان من أجل "إثارة الموقف"، وصرف الانتباه عن إخفاقاتها في أوكرانيا. بينما قال المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إنه "لا شك" في أن تصعيد الأعمال العدائية لن يكون في مصلحة موسكو.."، مضيفًا إن "من الصعب علينا أن نتصور من هنا كيف سيكون نزاعًا آخر على حدود روسيا في مصلحة أي شخص، بما في ذلك مصالح أولئك الموجودين في موسكو". واللافت في الأمر أن أميركا استغلت الموقف لتحويل الأزمة إلى فرصة فتبنت الرواية الأرمنية بشأن تجدد الاشتباكات بغية جذب رئيس الحكومة الأرمنية باشنيان وتأمين الدعم له وإخراجه من الهيمنة الروسية.
والخلاصة أن روسيا لم تكن ترغب من وراء هذا الحدث أكثر من صرف النظر عن إخفاقاتها الأخيرة وإرسال الرسائل المُفزعة لأوروبا وأذربيجان وتركيا، وهو الأمر الذي يفسر تدخلها العاجل ووقف الاشتباك، سيما وأن استفزاز تركيا في الأزمة الأذرية الأرمنية وتهديد مصالحها، وإثارة المخاوف الإيرانية الديمغرافية بأكثر من التلويح قد يهدد علاقة روسيا مع الأتراك والإيرانيين في هذا الوقت الحرج، وبخاصة مع استغلال فرنسا للموقف ودفعها للقضية إلى مجلس الأمن لمنع تركيا من أخذ الدور الرئيسي في الأزمة.
أما الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتركيا فليس من مصلحتهم تأزيم الموقف والتصعيد في ظل سعي تركيا إلى تأكيد مركزيتها بشأن طرق إمدادات الطاقة لأوروبا، وفي ظل حرص الولايات المتحدة على تأمين مصادر وطرق بديلة عن إمدادات روسيا للسوق الأوربي للطاقة.
18/صفر/1444هـ
14/9/2022م
متابعة سياسية
تجدد النزاع الأذري الأرمني
أعلن رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان الثلاثاء 13 أيلول/سبتمبر مقتل 49 جنديًّا أرمينيًّا على الأقل في مواجهات حدودية هي الأكثر دموية مع أذربيجان منذ حرب سنة 2020. وطالب في محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجية أميركا بلينكن، بالرد على "عدوان" أذربيجان.
بينما أعلنت روسيا أنها "تفاوضت على وقفٍ لإطلاق النار، يفترض أن يطبق منذ صباح الثلاثاء، لوضع حدّ للاشتباكات الدامية التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا الليلة الماضية".
من جانبها قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية في بيان لها: "إن الجيش الأذربيجاني قام بالرد المماثل على مصادر النيران الأرمينية". مضيفًا "أنه رغم إعلان وقف إطلاق النار منذ الساعة 09:00 صباحًا، تنتهك أرمينيا الاتفاق باستخدامها الواسع للمدفعية والأسلحة الثقيلة على الحدود".
وقد تراشق الطرفان الاتهامات بشأن خرق الاتفاق الذي جرى توقيعه برعاية روسية عقب انتهاء الحرب الأخيرة في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي هندسته روسيا على نحو يبقي مبررًا للنزاع ويضمن لروسيا تدخلها وإدارة العلاقات بين الطرفين بما يحفظ نفوذها في منطقة القوقاز المرشحة للانفجار العرقي والديني الذي يهدد الكيان الفدرالي الروسي ذاته، فضلًا عن تهديده للمجال الحيوي والاستراتيجي الروسي في المنطقة برمتها لصالح الولايات المتحدة الطامعة بالاستيلاء على موارد المنطقة وممراتها، وتطويق روسيا ومحاصرتها بحزام من بؤر التوتر، بالإضافة إلى تحوط روسيا في الاتفاق من خطر دخول تركيا لاعبًا مؤثرًا وفاعلًا في منطقة القوقاز، وسعي بوتين إلى امتلاك ورقة ضاغطة على إيران بشأن الوضع الديمغرافي بسبب امتداد العرق الأذري داخل إيران، وفوق ذلك كله هو إدراك بوتين لأهمية المنطقة التي يقع فيها الطريق الجنوبي للطاقة وسلاسل التوريد، والممتد من باكو إلى أوروبا عبر أذربيجان وتركيا واليونان.
فقد حرصت روسيا في الاتفاق السابق على بقاء التوتر والخلافات قائمة حول تفسير بعض بنوده وأهمها مسألة ممر زانجيزو، والذي يربط بين أذربيجان و"إقليم" ناختشيفان الأذري المنعزل عن الأراضي الأذربيجانية داخل جمهورية أرمينيا. حيث ورد في المادة 9 من اتفاق وقف إطلاق النار "يجب إلغاء حظر جميع الروابط الاقتصادية والنقل في المنطقة.."، وهو ما تتمسك به أذربيجان ولم تلتزم به أرمينيا بتواطؤ الجانب الروسي، إذ نُسب إلى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تلويحه باستخدام القوة لإنشاء "ممر" عبر جنوب أرمينيا يربط غرب أذربيجان بجمهورية ناخيتشيفان التي تتمتع بالحكم الذاتي. بينما لا تزال أرمينيا تفرض قيودًا على حركة التنقل بين الإقليم وأذربيجان، وهو الأمر الذي يخدم استراتيجية روسيا في التحكم بالطريق البري المباشر بين أذربيجان وتركيا والذي يفتح الطريق بين آسيا الوسطى وأوروبا دون المرور بروسيا أو إيران.
ولذلك تلعب روسيا على التناقضات القومية والأمنية والاقتصادية بين دول المنطقة (أرمينيا وأذربيجان وإيران وتركيا) رغم ميولها الغربية، بالإضافة إلى رغبة روسيا أيضًا في التحكم بطرق التجارة الصينية القريبة من حدودها، وسعيها للسيطرة على طرق الطاقة البديلة لأوروبا عبر أذربيجان وتركيا. إذ لا مصلحة لروسيا في الوقت الحالي بفتح هذا الممر الذي من شأنه أن يعزز التواصل بين آسيا الوسطى وأذربيجان من ناحية وبين أوروبا من ناحية أخرى عبر تركيا.
ولا يخفى أن ظروف هذا الاشتباك الأخير وسياقه وملابساته تختلف عن الحرب الأذرية الأرمنية السابقة بسبب الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة لأوروبا، حيث وقعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في 18 يوليو/تموز 2022 اتفاقية "لمضاعفة" واردات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا للتعويض عن الخفض في إمدادات الغاز الروسي، حيث وصف الرئيس الأذربيجاني علييف الاتفاق بـ"خريطة طريق للمستقبل" معتبرًا أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأذربيجان في مجال الطاقة قد "غير بالفعل خريطة الطاقة الأوروبية". وتنص الاتفاقية الأذرية الأوروبية على توسيع ممر الغاز الجنوبي الذي يعبر أذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان.
ولا شك أن ذلك مما يهدد مصالح روسيا ورهانها في الضغط على أوروبا عبر أزمة الطاقة وتغيير موقفها من العقوبات والأزمة الأوكرانية. مما يرجح تورط روسيا ووقوفها وراء الاشتباك الأذري الأرمني الجديد من خلال استغلالها لمصلحة أرمينيا الرافضة لمشروع الممر الأذري عبر أراضيها من دون شروطها، والذي تعتبره انتهاكًا لسيادتها، ولذلك حرصت على التحكم بالأزمة والتفرد بإدارتها عبر إرسال منظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، وهي (تحالف عسكري من دول سوفياتية سابقة ترأسها روسيا)، بعثة إلى أرمينيا.
وتهدف روسيا من وراء الأزمة إلى صرف النظر عن خسائرها الأخيرة في أوكرانيا، وإرسال رسالة لكل من أذربيجان وتركيا وأوروبا تؤكد على امتلاكها وسائل التأثير على أمن الطاقة الأوروبية عبر تفجير الأزمة الأرمنية الأذربيجانية عند اللزوم.
ولهذا أعرب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عن قلقه خلال حديث صحفي في جامعة بيرديو في إنديانا من أن روسيا قد تمارس نفوذًا على النزاع الأخير بين أرمينيا وأذربيجان من أجل "إثارة الموقف"، وصرف الانتباه عن إخفاقاتها في أوكرانيا. بينما قال المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إنه "لا شك" في أن تصعيد الأعمال العدائية لن يكون في مصلحة موسكو.."، مضيفًا إن "من الصعب علينا أن نتصور من هنا كيف سيكون نزاعًا آخر على حدود روسيا في مصلحة أي شخص، بما في ذلك مصالح أولئك الموجودين في موسكو". واللافت في الأمر أن أميركا استغلت الموقف لتحويل الأزمة إلى فرصة فتبنت الرواية الأرمنية بشأن تجدد الاشتباكات بغية جذب رئيس الحكومة الأرمنية باشنيان وتأمين الدعم له وإخراجه من الهيمنة الروسية.
والخلاصة أن روسيا لم تكن ترغب من وراء هذا الحدث أكثر من صرف النظر عن إخفاقاتها الأخيرة وإرسال الرسائل المُفزعة لأوروبا وأذربيجان وتركيا، وهو الأمر الذي يفسر تدخلها العاجل ووقف الاشتباك، سيما وأن استفزاز تركيا في الأزمة الأذرية الأرمنية وتهديد مصالحها، وإثارة المخاوف الإيرانية الديمغرافية بأكثر من التلويح قد يهدد علاقة روسيا مع الأتراك والإيرانيين في هذا الوقت الحرج، وبخاصة مع استغلال فرنسا للموقف ودفعها للقضية إلى مجلس الأمن لمنع تركيا من أخذ الدور الرئيسي في الأزمة.
أما الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتركيا فليس من مصلحتهم تأزيم الموقف والتصعيد في ظل سعي تركيا إلى تأكيد مركزيتها بشأن طرق إمدادات الطاقة لأوروبا، وفي ظل حرص الولايات المتحدة على تأمين مصادر وطرق بديلة عن إمدادات روسيا للسوق الأوربي للطاقة.
18/صفر/1444هـ
14/9/2022م